- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
محاولة الانقلاب أخبار سيئة للديمقراطية في تركيا
على الرغم من أننا لا نعرف حتى الآن من يقف وراء مؤامرة الانقلاب في تركيا لإسقاط حكومة «حزب العدالة والتنمية» ورئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، إلا أن هناك شيئاً واحدا مؤكداً: أن تركيا ستكون أقل حرية وأقل ديمقراطية بعد هذه المحاولة. ولو انتصر الجيش في محاولة الانقلاب، لأصبحت تركيا دولة قمعية يترأسها الجنرالات. وإذا ما انتصر أردوغان، وتبدو هذه نتيجة محتملة، فستصبح تركيا أكثر قمعية.
منذ وصوله إلى السلطة في عام 2003، أدار أردوغان البلاد بقبضة متسلطة بصورة متزايدة، بتضييقه الخناق على المعارضة وعلى حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات ووسائل الإعلام. وحيث كان في البداية إصلاحياً يسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في أعقاب الانتصارات الانتخابية في عامي 2007 و 2011 على أساس الحوكمة الاقتصادية الجيدة، تحول أردوغان إلى محافظ وتسلّطي.
وإذا كان جزءاً من نجاح أردوغان الانتخابي يعود إلى الأداء الاقتصادي الإيجابي للبلاد، إلا أن استراتيجيته الأخرى، الأكثر فظاعة، كانت تشويه سمعة الجماعات التي من غير المحتمل أن تصوّت له. ويحقق أردوغان الانتصارات الانتخابية من خلال الحملات القمعية العنيفة التي يشنها ضد تلك الكتل السكانية، مثل متظاهري "منتزه غازي" واليساريين والليبراليين والعلمانيين والاشتراكيين الديمقراطيين والمسلمين العلويين الليبراليين والأكراد .
وقد بنى اردوغان عبادة شخصية كنوع من المستضعف المتسلط، بتصوير نفسه على أنه ضحية اضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أولئك الذي يتآمرون لتقويض سلطته.
على هذا الأساس، فقد استهدف بنجاح واتبع سياسات وحشية ضد جماعات المعارضة، التي تؤلف مجتمعة ما يقرب من نصف سكان تركيا، وهي الآن موحدة في كراهيتها لرئيسها. أما النصف الآخر من البلاد - وهي القطاعات المحافظة والإسلامية عموماً - فهو مولع بأردوغان. وفي انتخابات عامي 2011 و 2015، فاز «حزب العدالة والتنمية» بـ 49.5 في المائة من الأصوات.
وفي عام 2008، أطلق أردوغان قضية الأيرغينيكون - التنظيم السيئ السمعة حالياً - ضد الجيش العلماني، زاعماً أن الجيش يخطط لتنفيذ انقلاب مناهض للحكومة. وفي الحملة ضد المعارضين التي تلت ذلك، تم سجن ربع الأدميرالات والجنرالات في البلاد. لكن قضية الأيرغينيكون استهدفت أيضاً المعارضين للحكومة العلمانية، ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، بمن فيهم الباحثين والصحفيين. وانتهى المطاف بزج المئات منهم في السجون.
ولم تنشر النيابة العامة تقريراً كاملاً ومقنعاً عن مؤامرة الانقلاب، وبعد استقالة كبار ضباط الجيش بشكل جماعي في عام 2011، وخضوعهم لسلطة أردوغان، بدأت المحاكم العليا في البلاد بتوجيه الاتهامات بعد فترة وجيزة. ومع ذلك، فقد اخترقت حالة الأيرغينيكون السياسة التركية، بخلقها الفكرة بأن معارضة أردوغان تعني التخطيط للقيام بانقلابات.
والآن، وبعد محاولة الانقلاب ضد أردوغان، أصبح لهذه النظرية أرجل. فمعارضة أردوغان تعني حقاً التخطيط لانقلاب. وفي نظر الرئيس التركي وأنصاره، إن المؤامرات للإطاحة به هي أكثر واقعية من أي وقت مضى.
إن ذلك خبر سيئ للديمقراطية في تركيا. ومن المتوقع أن يلاحق أردوغان مدبري الانقلاب، وهي خطوة مشروعة، إلا أنه سيعمل أيضاً على قمع جميع الانشقاقات والمعارضة. وسوف يقبل أنصار أردوغان الظلم باعتباره السبيل الوحيد لمنع الانقلابات في المستقبل، في حين سيجد خصومه أنه من الصعب على نحو متزايد، إن لم يكن من المستحيل، معارضته ديمقراطياً. وسوف يختار البعض أن يكونوا عنيفين، ويتحوّلوا نحو الجماعات المتطرفة مثل «حزب العمال الكردستاني» وجماعات غير مقدسة مماثلة.
ومما يثير نفس القدر من القلق على استقرار البلاد هو أن محاولة الانقلاب شملت قسماً من الجيش فقط، مما يشير إلى وجود انقسامات خطيرة في مؤسسة حافظت على تضامنها، في ظل الانقلابات السابقة، ومكافحة التمرد المرير، ومأساة ايرغينيكون. وفي ضربة جديدة لتماسك الدولة والمجتمع، سوف يؤدي هذا الحدث إلى القضاء على الدعم الحكومي والشعبي للمؤسسة التي كانت ذات مرة الأكثر ثقة واتحاداً في تركيا.
وسوف تُسفر محاولة الانقلاب أيضاً عن تعميق التصدعات الاجتماعية في تركيا. فالانقلاب الفاشل سوف يؤدي إلى زيادة التحول نحو فترة السبعينيات، التي كانت سنوات مظلمة عانت خلالها البلاد من حرب شبه أهلية بين الجماعات المسلحة اليمينية واليسارية وقوات الأمن أسفرت عن مقتل الآلاف من الناس.
وإذا لم يخرج أردوغان من الوضع الحالي كموحّد، وليس كمفرّق - الأمر الذي لا أراه مرجحاً - فسوف تنتظر تركيا فترة مماثلة من الاضطرابات والعنف السياسي. وسيتمثل الاختبار الرئيسي فيما إذا كان أردوغان سيمضي قدماً في خططه المحبطة السابقة لحشد أغلبية برلمانية من أجل تعديل الدستور التركي وتعزيز قوة كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية تحت إمرته، ولكي يصبح أيضاً رئيس «حزب العدالة والتنمية».
وستتمثل التكلفة التي تلوح في الأفق في مواصلة تقسيم تركيا، البلد الذي تضرر بعد أن شهد 11 هجوماً إرهابياً في غضون الأشهر الستة الماضية فقط، هجمات شنها «حزب العمال الكردستاني» و تنظيم «الدولة الإسلامية»، والآن شهدت البلاد مؤامرة الانقلاب الرهيبة. إن البلد الممزق بين المؤيدين لأردوغان والمعارضين له معرض لمزيد من العنف. ولن تؤدي هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» إلا إلى جعل الأمور أكثر سوءاً.
لقد جلب أردوغان الديمقراطية التركية إلى حافة الكارثة قبل وقوع الانقلاب. فالضباط الذين قاموا بالانقلاب دفعوا بالديمقراطية التركية إلى الهاوية. ومن أجل إنقاذها سوف يتطلب الأمر وجود قادة في تركيا يستطيعون القيام بذلك إلا أن هؤلاء غير موجودين في البلاد حالياً.
سونر چاغاپتاي هو زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
"واشنطن بوست"