- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مجلس «خبراء القيادة» الإيراني الجديد يظهر من فاز فعلياً في الانتخابات
عندما اجتمع أعضاء خامس «مجلس خبراء القيادة» الإيراني [«مجلس الخبراء»/«المجلس»] في 24 أيّار/ مايو لاختيار رئيس جديد، أكّدوا على ما كان يعرفه الكثيرون: أنّ الانتخابات الأخيرة لم تغيّر نسيج «المجلس» المتشدد أو قدرة المرشد الأعلى لفرض إرادته على عمليات من المفترض أن تكون ديمقراطية. ومنذ شباط/ فبراير، يدّعي الإصلاحيون ومؤيّدون آخرون للرئيس حسن روحاني النصر في انتخابات «المجلس» والانتخابات البرلمانية. وقد بذل النظام جهوداً مضنية لاستبعاد مرشّحيهم المفضّلين قبل الانتخابات، لذا وضع لائحة غير تقليدية من المنافسين "الإصلاحيين" ضمّت العديد من المتشددين والمحافظين. إلّا أنّ اجتماع «المجلس» الافتتاحي في الرابع والعشرين من أيار/مايو يشير إلى أنّ هذه الاستراتيجية ستفشل في التأثير على صنع القرار في «مجلس» سيُكلّف في النهاية بتسمية المرشد الأعلى التالي.
لقد فاز السياسي المتشدد والمتمرس أحمد جنتي بـ 51 صوتاً من أصل 86 خلال الاجتماع ليصبح رئيساً للعامين المقبلين. وقد أمل معسكر روحاني بأن يرشح الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني نفسه وينافس جنتي على المنصب، حيث هو أحد حلفاء الرئيس الإيراني الأكثر شعبية - لكنّه أعلن قبل بضعة أيّام أنّه لن يترشّح. ويعتقد بعض المحلّلين أنّه انسحب بسبب فضيحة سياسية تسبّبت بها ابنته فائزة، وهي ناشطة تحدّت مؤخراً المحرمات الدينية والسياسية بزيارتها القائدة البهائية فاريبا كمال آبادي. وتعامل الجمهورية الإسلامية أولئك الذين يمارسون الديانة البهائية ليس كأفراد من مجتمع أقلّية دينية، بل كـ "شبكة تجسس" خطرة موالية لإسرائيل شكلتها القوى المستعمرة المعادية للإسلام، لذلك أصبح أي اتصال معهم مخالفة قد تتمّ المعاقبة عليها. وبعد انتشار صور لزيارة فائزة، هاجمها العديد من القادة الدينيين والمسؤولين الحكوميين، ثمّ لاموا والدها لعدم تجاوبه بشكل مرضٍ.
إلّا أنّ عوامل سياسية أخرى لعبت دوراً أكبر في إقصاء رفسنجاني عن المنافسة. فهو يدرك جيّداً أنّ الانتخابات لم تغيّر تركيبة «المجلس» التي هي متطرفة- محافظة بغالبيتها، كما أنه لا يزال يشعر بالمرارة حول خسارته للمتشدد محمد يازدي خلال تصويت «المجلس» السابق.
ومن بين الأشخاص الثلاثة الذين ترشّحوا - الهاشمي الشهرودي وابراهيم أميني وجنتي - فازت الشخصية الأكثر تشدّداً بغالبية الأصوات. أمّا أميني المحافظ المحترم واللطيف عادةً فقد حاز على 21 صوتاً، في حين حصل الشهرودي القاضي السابق الذي عادةً ما يفصل نفسه عن أي فريق معيّن على 13 صوتاً. ويمثّل أميني محافظة طهران في «المجلس» وقد ترشّح على "لائحة الأمل" التي شكّلتها الجماعات الموالية لروحاني. أمّا الشهرودي فيمثّل خراسان رضوي، أهمّ محافظة بعد طهران.
ومن جهّته، خدم جنتي في منصب أمين سر «مجلس صيانة الدستور» النافذ منذ عام 1992، شاغلاً مقعداً في هذا المجلس منذ تأسيسه في عام 1980. وبالتالي، اضطلع بدور رئيسي في تعزيز سلطة خامنئي منذ البداية مراقباً على جميع الانتخابات في البلاد، وعاملاً على احتواء أو عرقلة أي قرار برلماني قد يقوّض الجهاز الاستبدادي، ومنفّذاً بشكل عام هدف خامنئي القاضي بعزل النظام عن الإصلاح الديمقراطي قدر المستطاع - كل ذلك أثناء إبعاده مسؤولية هذه السياسات عن المرشد الأعلى.
إنّ اختيار مثل هذا المتشدد المعروف لرئاسة «مجلس الخبراء» الجديد لا يُنبّئ بالخير بالنسبة لروحاني. أوّلاً، من المؤكد تقريباً أن خامنئي لعب دوراً في فوز جنتي، وذلك جزئياً من خلال جعل مساعديه يوصلون تفضيلاته وهمومه إلى أعضاء «المجلس» الجدد قبل التصويت. وتبرز النتيجة الآمال الزائفة التي زرعتها سردية روحاني ما بعد الانتخابات. وبعيداً كل البعد عن التوصّل إلى حلّ وسط مع الإصلاحيين، يبدو أنّ المرشد الأعلى يركّز على أنّه لن يكون هناك أي أثر لأي تسوية في المستقبل. يقيناً، أن «مجلس خبراء القيادة» هو مؤسسة غير فاعلة وشكلية بشكل رئيسي، إلّا أنّ التطوّرات الأخيرة تظهر براعة تنسيق المتشددين داخل الهيئة وخارجها للحفاظ على هيمنتهم - ما يشكّل إعلاناً محبطاً نظراً إلى أنّ «المجلس» الحالي قد يملك الفرصة لتعيين خلف خامنئي نظراً لعمره المتقدّم (76) ومشاكله الصحية المحتملة. وسواء توفّي المرشد الأعلى بشكل مفاجئ أو قرّر إدارة الانتقال فيما لا يزال حيّاً، فإن القرار الرسمي لتعيين بديل له ولتشريع سلطة خلفه الجليّة يعودان لـ «مجلس خبراء القيادة» - الموجّه بالطبع من أوساط قوى خارجية. ونظراً لتركيبة «المجلس» الجديدة وانتخاب شخصية معادية للديمقراطية لهذا الحدّ في الرابع والعشرين من أيار/مايو، فلا بد أن يكون المتشددون واثقين من الدفع باتجاه مرشّح متعنّت ليصبح المرشد الأعلى إن تمّ طرح مسألة خلف في الأساس. وفي غضون ذلك، سيستخدمون «المجلس» وكل مؤسسة أخرى تحت سيطرتهم لخلق المزيد من المشاكل لروحاني ولإضعاف أي عضو منتخب حديثاً من الذين يساعدوه في البرلمان.
وبالإضافة إلى انتخاب رئيس، صوّت أعضاء «المجلس» على منصبَين آخرَين في الرابع والعشرين من أيار/مايو: فقد اختير محمد علي مرادي كرماني كنائب أوّل لجنتي والشهرودي كنائب ثاني. ومرادي كرماني هو ممثّل خامنئي السابق في «الحرس الثوري الإسلامي» ويتشاطر مع جنتي الفكر السياسي الديني نفسه. وقد شغل الشهرودي منصب نائب أوّل في «المجلس» السابق ورئيس بالنيابة بعد وفاة محمد رضا مهدوي كني، حيث لعب دوراً أساسياً في إدارة المؤسسة. ونظراً للعمر المتقدّم لجنتي (89) ومرادي كرماني (85)، قد يستطيع الشهرودي الأصغر سنّاً (67) أن يلعب دوراً أكثر محورية في المستقبل. وغالباً ما تمّ ذكره كأحد أكثر الأشخاص المحتملين لخلافة خامنئي، وستزيد حظوظه بفضل تأثيره في «المجلس» الذي هو أكبر ممّا قد يوحيه منصبه. كما أنّ جهوده لطرح نفسه كشخصية سياسية مترفّعة عن الأحزاب وسلطة دينية شيعية ستساعد أيضاً في احتمالات اختياره للمنصب.
وأخيراً، مع اقتراب موعد افتتاح البرلمان الجديد في 28 أيّار/ مايو، تناضل الأوساط المناصرة لروحاني لإيجاد ما يكفي من الدعم لانتخاب مرشّحهم المفضّل محمد رضا عارف كرئيس لـ «مجلس الشورى». ويتمتّع رئيس «مجلس الشورى» الحالي علي لارجاني بدعم معظم الأطراف المحافظة والمتشددة، بما فيها "جبهة بايداري"، لذا سيكون من الصعب هزمه. واعتماداً على النتائج، ستؤدي انتخابات رئيس «مجلس الشورى» التالي إمّا إلى وقف النزف في معسكر روحاني أو إلى تعميق جرح اليوم.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.