- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3647
مخصصات "حقوق السحب الخاصة" في الشرق الأوسط مفيدة، ولكنها ليست عصاً سحرياً
استفادت حكومات مختلفة بشكل جيد من مخصصات غير مسبوقة منحها "صندوق النقد الدولي" في العام الماضي، لكن الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقضايا الديون المستمرة، وغيرها من المشاكل الاقتصادية هي تذكير بأن المنطقة لا يمكنها تجنب إجراء إصلاحات أعمق إلى أجل غير مسمى.
في العام الماضي، وزع "صندوق النقد الدولي" أكبر مبلغ من مخصصات "حقوق السحب الخاصة" في تاريخه، إذ فاقت قيمتها ضعف تلك الممنوحة في العقود الخمسة الماضية مجتمعة. وقد حصل الشرق الأوسط على نحو 7 في المائة من مخصصات آب/أغسطس 2021، مما وفر إعانة كبيرة للبلدان التي تعرضت احتياطياتها من العملات الأجنبية بسبب وباء "كوفيد-19". وخلال العام التالي، استبدلت الحكومات في المنطقة حقوق السحب الخاصة بها لتخفيف أعباء الديون المستحقة لـ "صندوق النقد الدولي" بقيمة 910 ملايين دولار تقريباً وبعملات أجنبية بقيمة 6.3 مليار دولار.
ما هي "حقوق السحب الخاصة"؟
يمكن اعتبار "حقوق السحب الخاصة" كعملة استحدثها "صندوق النقد الدولي" ويقوم بتحديد قيمتها وفق سلة مرجحة من الدولار الأمريكي واليورو واليوان والين والجنيه الإسترليني. غير أنه وبخلاف العملات العادية، لا يمكن للأفراد العاديين اقتناء "حقوق السحب الخاصة" لأنها تندرج ضمن الأصول الثابتة في الاحتياطات الدولية لبلد ما ويمكن لـ "صندوق النقد الدولي" أن يحتفظ بها أيضاً فضلاً عن مجموعة محدودة من "الحاملين المحددين"، وبشكل أساسي المؤسسات الإنمائية المتعددة الجنسيات مثل "صندوق النقد العربي". وعلى سبيل المقارنة، تشكل "حقوق السحب الخاصة" 2 في المائة من الاحتياطات العالمية في حين يشكل الدولار الأمريكي 57 في المائة.
توزيع التخصيص الرئيسي لعام 2021
منذ عام 1969، أجرى "صندوق النقد الدولي" أربع عمليات تخصيص عامة وواحدة خاصة لـ "حقوق السحب الخاصة"، بحيث منح في كل مرة مبالغ تتناسب مع ترتيب الدول ضمن نظام حصصه. غير أن عملية التخصيص التي قام بها في 23 آب/أغسطس 2021 هي الأكبر على الإطلاق في تاريخ البرنامج، إذ تم عموماً تخصيص ما يقرب من 660 مليار من "حقوق السحب الخاصة"، ولكن تم تخصيص 456 ملياراً من هذا الإجمالي (ما يعادل 650 مليار دولار) في آب/أغسطس الماضي وحده. وفي ذلك الوقت، وصف المسؤولون هذه الخطوة غير المسبوقة على أنها تلبية لحاجات التمويل الطارئة في أعقاب الوباء.
لقد وزع "صندوق النقد الدولي" ما يقرب من 400 مليار دولار في إطار مخصصات العام الماضي على الدول الغنية، و 230 مليار دولار على الدول المتوسطة الدخل و 20 مليار دولار على الدول المنخفضة الدخل. وتعهدت مجموعة "الدول السبع" و "الدول العشرين" بتخصيص 100 مليار دولار من "حقوق السحب الخاصة" التابعة لهما عبر صندوقيْ تمويل ينشئهما "صندوق النقد الدولي" لمساعدة الدول المنخفضة الدخل ومواجهة التحديات الهيكلية (مثل تغير المناخ). ولكن حتى الآن، لم تحصل أي من عمليات إعادة تخصيص الأموال الموعودة.
وبلغت حصة الشرق الأوسط من مخصصات عام 2021 ما يعادل حوالي 47 مليار دولار. وعلى الرغم من أن المبالغ الموزعة للدول المحتاجة مثل لبنان (865 مليون دولار) كانت أقل بكثير من تلك التي مُنحت للدول الغنية على غرار الولايات المتحدة (35 مليار دولار)، إلا أن المخصصات لا تزال توفّر للمنطقة سيولة كبيرة في الأوقات الصعبة.
كيف استخدمت دول الشرق الأوسط "حقوق السحب الخاصة" بها؟
منذ توزيع المخصصات، أحدثت مختلف التحديات الأمنية والاقتصادية خللاً إضافياً في ميزان المدفوعات لبلدان المنطقة. وكما ذُكر أعلاه، دفعت الحاجة العالمية للسيولة وسط تفشي الوباء إلى منح هذه المخصصات الكبيرة، لكن أسعار المواد الغذائية والوقود سجلت زيادة ملحوظة منذ ذلك الحين في ظل ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية، وازدياد قوة الدولار، وانهيار عملات في الشرق الأوسط مثل الليرة التركية والجنيه المصري. وقد استنزف الوضع القائم احتياطات الدول المتضررة من العملات الأجنبية وسط ارتفاع تكلفة الواردات. وعلى الصعيد العالمي، ترزح 60 في المائة من الدول المنخفضة الدخل تحت وطأة الديون أو تواجه خطر الانضمام إلى هذه الفئة، مما أثر بدوره في كيفية استخدام الحكومات لمخصصاتها من "حقوق السحب الخاصة"، ومن بينها دول الشرق الأوسط.
وحتى الآن، استعانت سبع دول في المنطقة بـ"حقوق السحب الخاصة" التي مُنحت لها عام 2021، واستخدمت خمس منها كامل مخصصاتها تقريباً. وكانت مصر الدولة التي استخدمت الجزء الأكبر من هذه المخصصات لتسديد بعض ديونها والتخلص من تصنيفها كأكبر مدين لـ "صندوق النقد الدولي" في العالم بعد الأرجنتين، إذ وصل دينها المستحق إلى 17.7 مليار دولار.
أما العراق، فقد استخدم "حقوق السحب الخاصة" به لتسديد كامل دينه المستحق للصندوق والذي بلغ وفقاً للتقديرات 684 مليون دولار في تموز/يوليو 2021، لكنه نجح في تسديده بالكامل للمرة الأولى منذ عام 2004، وذلك جزئياً من خلال استخدام 184 مليون دولار من "حقوق السحب الخاصة" لتخفيف أعباء دينه. وعلى نحو مماثل، استخدمت معظم دول الشرق الأوسط الأخرى المخصصات لخفض ديونها المستحقة لـ "صندوق النقد الدولي".
ويبقى الأردن استثناءً إذ ارتفع دينه المستحق لـ "صندوق النقد الدولي" بأكثر من 300 مليون دولار منذ عام 2021. ويعكس ذلك جزئياً قرار المملكة الهاشمية باستخدام 5 في المائة فقط من مخصصاتها لتخفيف أعباء الديون بالمقارنة مع مبادلة 94 في المائة منها بعملات أجنبية.
ويُعتبر وَضْع اليمن خاصاً أيضاً. فبين نيسان/أبريل 2020 ونيسان/أبريل 2022، بلغ إجمالي "حقوق السحب الخاصة" الإضافية التي تلقاها 47329000 وحدة (61،639،396 دولاراً بسعر الصرف الحالي) توزعت على خمس شرائح من تخفيف أعباء خدمة الديون التي وفرها "الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون". ومن إجمالي "حقوق السحب الخاصة" هذه، تلقى اليمن 4875000 وحدة (6،349،005 دولاراً) في العام الماضي، مما أتاح للحكومة مواصلة خفض ديونها المستحقة لـ "صندوق النقد الدولي" بشكل كبير من دون سحب حصة كبيرة من مخصصات "حقوق السحب الخاصة" التي حصلت عليها في آب/أغسطس 2021.
ومن المثير للاهتمام أن إيران لم تستخدم "حقوق السحب الخاصة" بها على الرغم من ادعاءاتها المتكررة بأن حاجاتها إلى التمويل كبيرة. وفي الوقت نفسه، قد تكون قدرتها على مقايضتها قد تأثرت بالعقوبات الدولية، وربما أثر ذلك في طريقة تفكير طهران في هذا الشأن.
أما بالنسبة إلى الدول التي استبدلت وحدات كثيرة من "حقوق السحب الخاصة" لقاء عملات، فهي تميل إلى وضع برامج إنفاق حكومية توسيعية. وعلى الرغم من أن "حقوق السحب الخاصة" لا تساهم في تمويل الميزانيات الحكومية بشكل مباشر، إلّا أن الحكومات ستتمكن من زيادة إنفاقها عند استخدام هذه الحقوق للحصول على احتياطات إضافية من العملات الأجنبية عموماً - مما يؤدي بدوره إلى زيادة واردات الدولة والضغط على احتياطياتها من العملات الأجنبية. وتشكل تونس التي استبدلت "حقوق السحب الخاصة" لتسديد قائمة أجور حكومية كبيرة، ولبنان الذي مول النفقات الاجتماعية، خير مثال على ذلك. فلبنان لا يزال يحتفظ بنسبة طفيفة تبلغ 0.3 في المائة من "حقوق السحب الخاصة" التي حصل عليها (وكما يوضح جدول استخدام "حقوق السحب الخاصة" المرفق، استبدل لبنان حصة تفوق مخصصاته لعام 2021 خلال العام الماضي، لذلك من المفترض أنه اضطر إلى استخدام مخصصات سابقة أو مصادر محتملة أخرى لـ "حقوق السحب الخاصة" لتغطية الفرق). من ناحية أخرى، شاركت دول مثل الجزائر وإسرائيل والسعودية في "اتفاقات تجارة طوعية" لشراء "حقوق السحب الخاصة" لحكومات أخرى مقابل عملات أجنبية، مما رفع من أرصدتها خلال العام الماضي.
مدفوعات الفائدة
تدفع "حقوق السحب الخاصة" فوائد، وإن يمكن القول إن ذلك بمعدل أدنى مما يمكن للمصارف المركزية الحصول عليه من الاستثمارات البديلة. فالدول تتقاضى مدفوعات الفوائد على أرصدتها من "حقوق السحب الخاصة" وتدفع فوائد على مخصصاتها من هذه "الحقوق"، وبالتالي فإن الحكومة التي تتلقى "حقوق سحب خاصة" أكثر مما تم تخصيصه لها ستحصل على فائدة صافية، والعكس صحيح.
وبشكل عام، إن "حقوق السحب الخاصة" لدول الشرق الأوسط هي حالياً أقل بنحو 8 مليارات وحدة (10.4 مليار دولار) مما خُصص لها عبر السنين - وهو دين سيكلّف المنطقة حوالي 131 مليون وحدة "حقوق سحب خاصة" (169 مليون دولار) سنوياً في الفوائد. ولكن هذه المبالغ صغيرة نسبياً مقارنةً بالميزانيات الحكومية. على سبيل المثال، خصصت ميزانية العراق لعام 2021 مبلغ 89 مليار دولار للنفقات، وهو أقل من فاتورة أقساط فائدة "حقوق السحب الخاصة" للبلاد البالغة 43 مليون وحدة (56 مليون دولار).
الخاتمة
بالنسبة لمعظم دول الشرق الأوسط، كانت مخصصات "حقوق السحب الخاصة" الفائضة في عام 2021 بمثابة علاوة ملفتة أكثر منه عاملاً منقذاً. ففي السعودية على سبيل المثال، لم تكن الحكومة في حاجة ماسة للسيولة، لكن الأصول الإضافية ساعدتها على إيداع مبالغ كبيرة في المصرفين المركزيين المصري والباكستاني، مما ساهم في توسيع النفوذ الاقتصادي للمملكة في كلا البلدين. وفي حالات أخرى، استخدمت الحكومات المخصصات لتكملة خططها القائمة من أجل تسديد قيمة ديونها المستحقة لـ "صندوق النقد الدولي".
في المقابل، كان لبنان ومصر بحاجة ماسة للسيولة لدرجة أنهما استخدما بسرعة كامل مخصصاتهما تقريباً. وبالطبع، يواجه كلا البلدين مشاكل جوهرية تفوق بأهميتها حاجتهما للسيولة على المدى القصير. فلبنان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، في حين قدّر بنك "غولدمان ساكس" مؤخراً أن مصر قد تحتاج إلى تأمين رزمة بقيمة 15 مليار دولار من "صندوق النقد الدولي" حتى بعد استخدامها "حقوق سحب خاصة" بقيمة 2.6 مليار دولار خلال العام الماضي. وسيتطلب حل هذه المشاكل إجراء إصلاحات اقتصادية أساسية.
فضلاً عن ذلك، حين وضع "صندوق النقد الدولي" مخصصات عام 2021، لم يكن بمقدوره توقّع غزو روسيا لأوكرانيا أو حتى أزمة الديون العالمية الناشئة عن ذلك. فهذا التحدي الأخير سيتطلب إعادة هيكلة كبيرة للديون والتعاون من الصين، أكبر جهة دائنة في العالم. وفي حين ستندرج "حقوق السحب الخاصة" على الأرجح ضمن هذا الحل، إلا أنها ليست عصاً سحرياً.
جونا شروك هو مساعد باحث سابق في "مشروع كوريت" التابع لمعهد واشنطن حول العلاقات العربية الإسرائيلية.