
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4011
من داخل سوريا الجديدة: الأشهر الثلاثة الأولى

يتبادل نشطاء وخبراء من سوريا وأوروبا وواشنطن رؤى ميدانية حول كيفية سير المرحلة الانتقالية بعد الأسد والأماكن التي قد تتطور فيها الخلافات المحلية إلى مشاكل أكبر.
في الخامس من آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع كل من آرون ي. زيلين، وجريجوري ووترز، وسوسن أبو زين الدين، فرهاد أحمي ، ورهف الدغلي. يُعد زيلين زميلاً أقدم في المعهد، ومؤلف كتاب "عصر الجهادية السياسية: دراسة عن هيئة تحرير الشام . أما ووترز فهو باحث في الأرشيف السوري ومستشار سابق في مجموعة الأزمات الدولية. وتشغل أبو زين الدين منصب الرئيس التنفيذي لمنظمة مدنية، وهي مبادرة مستقلة تجمع أكثر من 200 منظمة مجتمع مدني سورية. أما أحمي فهو شريك مؤسِّس في منظمة بيل - الأمواج المدنية (PEL-Civil Waves)، وهي منظمة تعنى ببناء السلام في سوريا. أما الداغلى فهي محاضرة في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة لانكستر. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم.
آرون زيلين
بعد مرور ثلاثة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، لا يزال مستقبل سوريا هشاً. فالبلاد لا تزال منقسمة سياسيًا وجغرافيًا، مع تقدم القوات الإسرائيلية في الجنوب، واستمرار الوكلاء المدعومين من تركيا مثل الجيش الوطني السوري في مهاجمة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة، التي ساهمت في محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" لسنوات. وتستمر المفاوضات بين "قوات سوريا الديمقراطية" المستقلة التي يقودها الأكراد والحكومة الجديدة في دمشق حول دمج هذه القوات في الجيش السوري ومعالجة قضايا الحدود وإمدادات الطاقة وحقوق الأكراد. كما تواصل الحكومة استهداف فلول نظام الأسد و"حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني" في الوقت الذي تواصل فيه اعتراض شحنات تهريب الكبتاغون والأسلحة. والواقع أن القيادة الجديدة تحاول توطيد الحكم والحفاظ على الأمن في المناطق التي تسيطر عليها بينما تدير عملية انتقالية يأمل الكثيرون - محلياً ودولياً – أن تفشل. وتسعى الحكومة الى تحقيق ذلك في بلد يبلغ معدل الفقر فيه 90% ، وثلث مبانيه مدمرة، ويواجه مجموعة من العقوبات الأجنبية التي تعيق تعافيها.
ومع ذلك، فإن سوريا مستقرة نسبياً بالنظر إلى الأحداث الدرامية التي مرت بها في الأشهر القليلة الماضية. فقد اتخذت الحكومة الانتقالية مواقف إيجابية في قضايا رئيسية حتى الآن، مثل تجنب سياسة الانتقام، والسعي للعمل مع الدول الغربية، ومكافحة الجماعات الجهادية ووكلاء إيران. ومع ذلك، فإن مشاهدة هذه الجهود تفشل - سواء من خلال الإهمال أو المعارضة النشطة - سيكون مخالفًا لمصالح الشعب السوري والشرق الأوسط والمجتمع الدولي الأوسع. وكما ثبت مرارًا وتكرارًا، فإن ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا.
وجريجوري ووترز
تختلف علاقات الحكومة الجديدة مع الأقليات حسب الطائفة والجغرافيا. فعلى سبيل المثال، ترتبط الحكومة بعلاقات أوثق مع الطائفة الإسماعيلية في مدينة السلمية مقارنةً مع الإسماعيليين في مدينة طرطوس. كما أن العلاقات الحكومية مع المسيحيين متنوعة بشكل مماثل، رغم أن المسؤولين عقدوا اجتماعات مع قادة مسيحيين محليين في الأيام التي أعقبت سقوط الأسد، مما يعكس تحولاً في السياسة بدأ خلال سنوات حكمهم في محافظة إدلب تحت راية "هيئة تحرير الشام".
ومع ذلك، لا تزال العلاقات مع القاعدة العلوية للنظام السابق متوترة. ولا يزال العديد من العلويين يحتفظون بوظائفهم الحكومية، ولا توجد مؤشرات على وجود سياسة لإقصائهم. علاوة على ذلك، لا تحدث جرائم القصاص على نطاق واسع. ومع ذلك، يصف العديد من العلويين في الساحل شعورهم بالخوف الشديد، بدءًا من أوائل كانون الأول/ديسمبر بعد وصول مقاتلين ملثمين ومسلحين من "هيئة تحرير الشام" بشكل مفاجئ، وصولًا إلى الشعور الحالي الأكثر وجودية، حيث يعتقدون أن التطهير العرقي سيحدث في نهاية المطاف. يشعر آخرون بالقلق حيال الأوضاع الاقتصادية، ويعتقدون أن المناطق السنية تحظى بالأولوية في الاستثمارات الاقتصادية على حساب المناطق العلوية التي هي في حاجة ماسة للدعم.
وفي الوقت نفسه، يقوم ”المشايخ الدينيون“ العلويون الذين عينهم الأسد في الماضي بتنظيم شبكات من قوات النظام السابق بهدف التحريض على الصراع الطائفي وإثارة ردود فعل دولية ضد الحكومة الجديدة. هؤلاء ”المشايخ“ لا يشجعون أي شكل من أشكال التعامل مع السلطات الانتقالية. ومع ذلك فهم لا يمثلون الطائفة بأكملها. فعلى المستوى المحلي، يواصل العلويون الانخراط مع الحكومة الجديدة؛ فالعديد من رؤساء البلديات والمجالس البلدية العلويين في عهد الأسد يعملون الآن تحت إشراف مدراء المناطق الذين عينتهم "هيئة تحرير الشام".
سوسن أبو زين الدين
أدت حالة الغموض في العملية السياسية إلى جعل العملية الانتقالية أكثر هشاشة، كما هو الحال في محافظة السويداء. فحتى قبل سقوط الأسد، كانت السويداء واحدة من المناطق القليلة (إن لم تكن الوحيدة) التي شهدت احتجاجات مستمرة ضد النظام. وقد لعبت القيادات الدينية والمجتمعية أدواراً رئيسية في الحفاظ على هذه الحركة وإظهار الوحدة.
أما اليوم، فينقسم هؤلاء القادة-إلى جانب قادة الفصائل المسلحة-بشأن الخضوع للحكومة الجديدة فوراً أو الاحتفاظ بسلطتهم وأسلحتهم لحين توفر مزيد من الشفافية. "في المجال المدني، يرى البعض أنه كمواطنين سوريين يجب عليهم الخضوع للحكومة بغض النظر عن الظروف، بينما يعتقد البعض الآخر أنه لن يكون من الحكمة القيام بذلك قبل أن تتضح ملامح العملية السياسية. وقد تجلى هذا الانقسام بشكل أكبر عندما تجاهل قادة السويداء التوغلات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب، رغم ظهور تصدعات مشابهة في مناطق أخرى من سوريا.
وكان مؤتمر الحوار الوطني الأخير قد عقد على عجل بسبب مشاركة العديد من الجهات الفاعلة ذات المصالح المتضاربة أحياناً في العملية الانتقالية. وعلى الرغم من أن المؤتمر كان "جيد جداً بالنسبة ليوم واحد من الحوار"، على حد تعبير البعض، إلا أن النتائج لم تكن كافية بالنظر إلى حجم الخلاف الجوهري حول قضايا رئيسية. وثمة حاجة إلى عملية حوار أكثر منهجية وطويلة الأجل للحوار كجزء لا يتجزأ من هذه الفترة الانتقالية.
فرهاد أحمي
يرى سكان شمال شرق سوريا في سقوط الأسد فرصة كبيرة لحل القضايا المتأصلة العميقة مع الحكومة وإعادة دمج منطقتهم مع باقي المناطق السورية- على افتراض أن الحكومة الجديدة ستلبي الشروط الأساسية التي وضعها الأكراد والأقليات الأخرى. ولكن بعد ثلاثة أشهر، ما زال السكان المحليون يشعرون بالقلق حيال المستقبل.
فالمفاوضات بين "قوات سوريا الديمقراطية" ودمشق لم تسفر بعد عن نتائج واضحة، حيث ينظر كل طرف إلى هدف المحادثات بشكل مختلف. فبينما تتطلع الحكومة المركزية إلى حل "قوات سوريا الديمقراطية" ودمجها في الجيش السوري واستعادة السيطرة على حقول النفط والمعابر الحدودية، تنظر "قوات سوريا الديمقراطية" إلى المفاوضات على أنها الخطوة الأولى نحو التحول السياسي. كما أن لدى الطرفين رؤى مختلفة حول شكل وطبيعة النظام السياسي في المستقبل المنظور. فقد أكد الرئيس أحمد الشرع على أنه يجب أن يكون نظامًا مركزيًا - وهو موقف خيب آمال الناس في الشمال الشرقي.
كما اتخذت الحكومة الجديدة أيضًا خطوات كبيرة - مثل تنظيم مؤتمر الحوار الوطني - دون التشاور بشكل مجدٍ مع ممثلي الشمال الشرقي. وبدلاً من دعوة ممثلين عن الفصائل الكردية إلى الحوار، دعت دمشق الأكراد كأفراد، على الرغم من أنهم يرغبون عمومًا في أن يتم تمثيلهم كمجموعة.
وفي تلك الأثناء، يستمر النزاع المسلح بين "قوات سوريا الديمقراطية" والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، مما يزيد من تضاؤل الآمال المحلية في أن يتغير وضعهم في البلاد بشكل ملموس. ويتكهن البعض بأن جولة جديدة من المفاوضات بين الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي قد تغير سلوك الحكومة، لكن هذه الآمال محدودة للغاية أيضًا.
رهف الدغلي
لا تسير عملية دمج الجماعات المسلحة في وزارة الدفاع بسلاسة كما كان يبدو في البداية. ففي الشمال، لا تزال تركيا تدفع رواتب الجيش الوطني السوري في الشمال، ولا يزال هناك أربعة عشر قائدًا من قادة الجيش الوطني السوري لم يندمجوا رسميًا بعد. وفي الجنوب، زاد التوغل الإسرائيلي من تعقيد عملية دمج مختلف الفصائل المسلحة.
فالعديد من القادة المحليين لا يثقون بالوزارة، وقد بدأوا بالفعل في تطوير مظالم جديدة بعد سقوط الأسد، خاصة عندما تبنى مسؤولو الدفاع نهج من القمة إلى القاعدة لدمج الجماعات المسلحة. على سبيل المثال، اعتُبرت العديد من التعيينات الجديدة في الوزارة بناءً على الولاء بدلاً من المهنية. ونشأت مخاوف إضافية بشأن التمثيل، حيث اقترح بعض القادة في "قوات سوريا الديمقراطية" والفصائل الجنوبية إنشاء مجلس عسكري تمثيلي لتسهيل الاندماج في وزارة الدفاع.
وداخل الجيش الوطني السوري، يخشى معظم القادة من اضطهاد الحكومة في المستقبل بسبب غياب جهود العدالة الانتقالية حتى الآن. وفي نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي المظالم العالقة بين عناصر الجيش الوطني السوري وعناصر النظام السابق إلى ظهور أطراف مفسدة تسعى إلى عرقلة عملية الدمج.