من روسيا مع خالص الحب: تغطية "صابرين نيوز" للحرب على أوكرانيا
تتخطى حماسة شبكة "صابرين نيوز" في تغطيتها لأحداث أوكرانيا معظم منافذ "المقاومة" الإعلامية الموالية لروسيا، وحصلت في الوقت نفسه على ترقية تقنية، فهل هذه محض صدفة؟
هل استخدمت روسيا انتشار شبكة "صابرين نيوز" ونفوذها لتضخيم حملات التضليل العالمية التي تقوم بها حول حربها على أوكرانيا؟ أم أن "صابرين نيوز" (و"المقاومة" العراقية الأوسع نطاقاً) تتماشى بشكل كافٍ مع النظرة العالمية لروسيا وسرديتها بحيث كان الارتفاع الهائل مؤخراً في عدد المنشورات التي تتمحور حول نقاط الحوار الروسية، وتعبيرات التقارب لفلاديمير بوتين، واستخدام محتوى بلغة روسية هو محض الصدفة؟
دعم "صابرين نيوز" المبكر لروسيا
منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة الأوكرانية في كانون الثاني/يناير وأوائل شباط/فبراير، بدأت الحسابات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للميليشيات المدعومة من إيران في العراق بنشر الدعاية الروسية، وصياغة سردية تشرّع غزو أوكرانيا (الذي كان يقترب آنذاك من أن يصبح واقع فعلي) أمام المتابعين العراقيين بشكل خاص ومن كافة أنحاء الشرق الأوسط بشكل عام. وأولت "صابرين نيوز" الأزمة اهتماماً خاصاً منذ بدايتها، حيث غطت التطورات في الدراما المتكشفة المحيطة بالاستعدادات الروسية للحرب قبل أشهر من أخذ القنوات الميليشياوية الأخرى علماً بها. وتحدثت "صابرين" عن "الاستفزازات" الأوكرانية لروسيا، زاعمةً أن "الغرب يريد على ما يبدو الحرب أكثر من روسيا"، ومستخدمةً مصطلحات ترمي إلى إلقاء اللوم على أوكرانيا والغرب وسط تصويرهما على أنهما الجهة المعتدية.
وبشكل غير مفاجئ، دعمت "صابرين نيوز" كل خطوة روسية مع تفاقم حدة الصراع، من بينها اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلال دونيتسك ولوغانسك. وبالفعل، تبرز التغطية المتملقة لـ "صابرين" على أنها أكثر إثارة للجدل من تعليقات إيران والحوثيين و«كتائب حزب الله» على الغزو، والتي غالباً ما شملت آراء بشأن طبيعة مناورة بوتين المليئة بالمخاطر أو ذات النتائج العكسية.
"صابرين" تصبح الناطقة بلسان الدعاية الروسية
بعد بدء الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، كثفت "صابرين نيوز" عمليتها الإعلامية الموالية لروسيا وخصصت الجزء الأكبر من تغطيتها للحرب في أوكرانيا. ونشرت القناة مئات المنشورات المتعلقة بروسيا منذ ذلك التاريخ مع تركيز خاص على النجاحات التي حققتها موسكو في ساحة المعركة (على عكس الكثير من تغطية وسائل التواصل الاجتماعي الغربية للصراع باللغة الانكليزية). فعلى سبيل المثال، في 26 شباط/فبراير في الساعة 21.44 (بتوقيت بغداد)، نشرت "صابرين" مقطع فيديو ضمن فئة "أبرز الأحداث" يُظهر مقاطع مصورة للقصف الروسي على أوكرانيا، تخللته مقاطع لشابات روسيات يرسلن التحيات إلى القناة (باللغة الروسية). وورد في التعليق المرافق للفيديو عبارة "الكل يتابع صابرين نيوز" باللغات العربية والروسية والإنكليزية والفارسية.
وواصلت القناة الإعلامية نشر سيل من المنشورات والصور ومقاطع الفيديو بشكل يومي عن القتال الدائر؛ نذكر منها بشكل خاص بث "صابرين" في 22 آذار/مارس مقطع فيديو باللغة الإنكليزية يُظهر مراسلها في مقطع مصور مدته 1.24 دقيقة من شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل الروس. ووصف المراسل شبه الجزيرة بأنها "أرض روسية" قائلاً "نحن هنا لنخبركم حقيقة ما يجري الآن في أوكرانيا". وأضاف "المكان هنا يعمه السلام لأن روسيا قَدِمت منذ أكثر من 8 سنوات وساعدت [الشعب] الروسي [هنا]". وورد في التعليق المرافق له جملة (باللغتين العربية والروسية) "بعيداً عن الحملة الدعائية لقناة ’سي إن إن‘ وأكاذيب قناة ’بي بي سي‘".
ترقية تقنية في توقيت غريب
فيما يتخطى واقع كَوْن الفيديو دليلاً إضافياً على أن "صابرين نيوز" تنقل جهود الدعاية الروسية، يُعتبر الفيديو الذي نُشر في 22 آذار/مارس قفزة نوعية على صعيد قدرات القناة؛ ففي السابق كانت القناة تركز بشكل أساسي على منشورات قصيرة نسبياً على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديثات عبر "تلغرام" و"تويتر". ومع ذلك، يشير الفيديو إلى توسع محتمل في قدرات وسائل الإعلام - والذي ربما تم تسهيله من خلال دعم مالي و/أو ترقية تقنية. بالإضافة إلى ذلك، قد تشير قدرة "صابرين" على إرسال "مراسل" إلى شبه جزيرة القرم على وجود علاقة فعالة وناشطة مع السلطات الروسية (حيث يتطلب السفر إلى شبه الجزيرة تأشيرة روسية) أو على الإعارة المخصصة لمراسل يعمل بتوجيهات روسية إليها.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تطورات أخرى في المحتوى الذي تبثه "صابرين". فمنذ منتصف آذار/مارس (حوالي الثاني عشر من ذلك الشهر)، زادت منشوراتها باللغتين الإنكليزية والروسية. وعلى الرغم من أن القناة كانت تنشر محتوى باللغة الإنكليزية من حين إلى آخر، إلا أن هذه الممارسة كانت نادرة نسبياً حتى الآن. ومن ناحية أخرى، قد يشير استخدام القناة بشكل متزايد لمنشورات ثنائية اللغة (العربية/الروسية) لتغطية الصراع في أوكرانيا على رغبتها في إظهار تضامنها مع روسيا، أو الوصول إلى الجمهور الروسي، أو الأمرين معاً. كما بدأ عدد قليل من القنوات الإعلامية الأخرى التابعة للميليشيات بنشر محتوى باللغة الروسية (بالإضافة إلى اللغة العربية المعتادة) في الأيام الأخيرة، لكن "صابرين نيوز" هي الأكبر والأكثر نفوذاً بينها.
"صابرين نيوز": شبكة إعلامية موالية على نحو خاص للغزو
إن موقف "صابرين نيوز" المؤيد لروسيا ليس فريداً بين المجتمع الإعلامي الخاص بـ "المقاومة"، فالعديد من القنوات التابعة لهذه الأخيرة يسرها تعرُّض أوكرانيا - حليف العدو الأمريكي لـ "المقاومة" - لهجوم من قبل روسيا (الدولة التي سبق لها أن أيّدت مصالح "المقاومة" في دعمها لبشار الأسد في سوريا). ومع ذلك، تنفرد "صابرين" بشدة دعمها وإخلاصها. وهذا أمر مهم نظراً إلى نفوذ القناة في أوساط قنوات "المقاومة" الإعلامية، وعلى صعيد الإعلام العراقي الأوسع نطاقاً.
فضلاً عن ذلك، لا يبدو أن "المقاومة" الأوسع نطاقاً تُجمع على دعم روسيا بشكل مطلق. فعلى سبيل المثال، في 27 شباط/فبراير، أصدر الأمين العام المعزول لـ «كتائب حزب الله» أبو حسين الحميداوي بياناً وصف فيه طرفي الحرب بأنهما "ظالمان" و "متعطشان للدماء" وأن ["محور المقاومة"] "يجب ألا يتخذ جانباً" لصالح أي طرف في النزاع. لكن الحميداوي مضى قائلاً إن "هزيمة الغرب" في هذه الحرب تصب في مصلحة "محور المقاومة". وقال أيضاً إن الولايات المتحدة جرَّت الروس إلى الحرب. ولا يبدو أن بيان الحميداوي له أي تأثير على طريقة تعاطي "صابرين نيوز" مع الصراع، لكنه يشير إلى خلافات داخلية ضمن بعض أروقة "المقاومة" بشأن شن حملة دعائية دعماً لروسيا.