- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
منافذ الدعاية الإيرانية تتعرض لضربة كبيرة
Also published in "نيوزلوكس"
من غير المحتمل أن يكون لحجب مواقع الإعلام الإيرانية من قبل الولايات المتحدة تأثير مباشر كبير على الأنشطة الإعلامية أو النووية أو الإرهابية لإيران، ولكن يجب أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار آخر حول الأهداف النهائية للنظام الإيراني وطريقة عمله.
أعلنت الحكومة الأمريكية هذا الأسبوع، وعلى حين غِرّة كما يبدو، أنها حجبت العديد من مواقع الإنترنت الخاصة بالعشرات من منصات وسائل الإعلام الأجنبية الإيرانية، بما فيها قناتها التلفزيونية الرائدة "برس تي في" التي تبث باللغة الإنجليزية وقناتها "العالم" التي تبث باللغة العربية. وهناك تأثيرات عملية طفيفة لهذه الخطوة، لأن إيران أعلنت بسرعة أن الكثير من الجوانب في هذا المجال قد عادت للبث على الإنترنت، تحت أسماء نطاقات ألكترونية مختلفة. لكن الأهمية الرمزية لهذه الخطوة غير العادية - وبالنسبة لي، صداها الشخصي أيضاً - جديرة بالملاحظة.
لقد كان الإعلان الرسمي الأمريكي الذي شرح هذه الخطوة مُربكاً بعض الشيء، حتى للخبراء في مجال العقوبات وإجراءات الإنفاذ ذات الصلة. وما هو واضح أن مصادرة النطاقات الأمريكية لتلك المواقع الألكترونية الإيرانية تمثل خطوة غير عادية. وكانت الولايات المتحدة قد أغلقت سابقاً أنشطة إعلامية تابعة لجماعات إرهابية مدرجة على لائحة الإرهاب أو لميليشيات غير حكومية وفَرضت عليها عقوبات، وأبرزها قناة "المنار" التابعة لـ «حزب الله». كما طلبت مؤخراً من بعض المنافذ الإعلامية الأخرى التي ترعاها بعض الحكومات، مثل قناة "آر تي" الروسية أو قناة "الجزيرة" القطرية، التسجيل كوكالات أجنبية. ومع ذلك، فإن حجب المواقع الألكترونية الرسمية - حتى تلك الخاصة بدولة معادية ليس للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية معها - نادر جداً.
لذلك تَكهن البعض بأن هذه الخطوة كانت مجرد عملية مؤجلة عفا عليها الزمن تعود إلى حملة "الضغط الأقصى" لإدارة ترامب ضد النظام الإيراني. وتساءل آخرون، على الطرف الآخر من الطيف المنطقي، عما إذا كان من الممكن أن يكون ذلك مجهوداً من قبل إدارة بايدن كغطاء سياسي للتنازلات القادمة في المفاوضات النووية الإيرانية. ورأى عدد قليل [من المتتبعين] وجود صلة لهذه الخطوة بالرئيس الإيراني المنتخب حديثاً إبراهيم رئيسي، الذي يخضع أساساً لعقوبات أمريكية لدوره في النظام العدائي لطهران، أو ربما للمخاوف الحالية الأوسع نطاقاً بشأن المعلومات المضللة، وحرب المعلومات الكاذبة، والتدخل الانتخابي. وما زال آخرون، بمن فيهم كاتب هذه السطور، يعتقدون أن ذلك قد يعكس ببساطة التنسيق غير الكافي بين الوكالات الفدرالية الأمريكية المتعددة التي تتعامل مع جوانب مختلفة من الشؤون الإيرانية.
على أي حال، يبدو أن هناك تأثير ضئيل على المفاوضات النووية، أو على قضايا مهمة أخرى. فلم يحتج سوى عدد قليل من المسؤولين الإيرانيين من المستوى المنخفض وبصورة شفهية على الإجراء الأمريكي. وبالمثل، علّق عدد قليل من كبار المسؤولين الأمريكيين على هذه المسألة. وأحالت وزارة الخارجية الأمريكية الأسئلة حول هذا الموضوع إلى وزارة العدل، التي ليس لديها ما تضيفه تقريباً إلى بيانها الأصلي المقتضب والغامض.
ومع ذلك، فإن الخطوة الأمريكية ضد محطات البث الأجنبية الرائدة في إيران هي بمثابة تذكير حي بمدى سمّيّة دعايتها حقاً. وبغض النظر عن أي اتفاق نووي، فإن ذلك والأبعاد ذات الصلة بتهديدات إيران غير النووية التي هي بالكاد تهديدات تقليدية على المنطقة والمصالح الأمريكية، ستستمر على الأرجح على قدم وساق. إن السمات المميزة لسياسة إيران الخارجية هي دعم الإرهاب والتخريب والنزاع الطائفي وجرائم الحرب الأهلية التي هي على وشك أن تكون إبادة جماعية في سوريا واليمن، وحتى التدمير النهائي لإسرائيل أو الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وتتواطأ وسائل الإعلام الأجنبية ومنصات التواصل الاجتماعي الإيرانية بنشاط في هذه الحملة.
أعلم ذلك، لأنني إلى قبل سنوات قليلة فقط، كثيراً ما كنتُ أُدعى كضيف على كل من قناتي "برس تي في" و "العالم". وقد فكّرتُ في تقديم سبب بسيط وحسن نية لمعادلة نقاشهم الخلافي العلني وغير المتوازن. لكن دون جدوى، كما تُوضح بإسهاب الحكايتان التاليتان، من هاتين الوسيلتين الإعلاميتين الرئيسيتين في إيران.
خلال السنة الأولى من رئاسة أوباما، شاركتُ في حلقة نقاش على قناة "برس تي في" حول المقاربة الجديدة للرئيس الأمريكي تجاه سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كان ذلك برنامجاً حوارياً يقوم فيه المستمعون بالاتصال بالبرنامج، وقد رد المستمع الأول، وهو أمريكي، على تعليقاتي على النحو التالي: "هذا الرجل هو أفعى يهودية. وأوباما، يبدو ملوّناً، لكنه يهودي أيضاً. ليس لدينا خيار سوى التخلص منه".
نظرتُ بجدية إلى رئيس جلسة برنامج الحوار، الذي كان أمريكي من أصل أفريقي، وإلى زملائي المشاركين، وكذلك الأمريكيين. سألتهم إذا كان لديهم أي شيء ليقولوه لهذا المتصل. اعترضوا جميعاً. بعد ذلك، كتبت إلى رئيس جلسة الحوار، الذي رد بأن ليس لدى إدارة الشؤون القانوينة للقناة [أي] مشكلة فيما حدث للتو على البث المباشر. اتصلتُ بـ "الإستخبارات السرية" الأمريكية، للإبلاغ عن أن قناة "برس تي في" قد بثت للتو تهديداً صريحاً بالقتل ضد الرئيس الأمريكي - ولكن أُخبرتُ بأنهم لن يفعلوا شيئاً حيال ذلك. وسرعان ما توقفتُ عن الرد على المكالمات الهاتفية لـ "برس تي في" [للمشاركة في برامجها].
ومع ذلك، استمرّيتُ في الظهور على قناة "العالم"، التي يقع مقرها الرئيسي في بيروت، لكنها كانت تبث من استوديو مستأجر في "نادي الصحافة الوطني"، في وسط مدينة واشنطن العاصمة. كان مبرّري للمشاركة هو أنه نظراً لأنني كنتُ أتحدث باللغة العربية، فقد يكون لديَّ قدر أكبر من المصداقية وربما بعض التأثير الإيجابي مع ذلك الجمهور. ومن حين لآخر، تلقيتُ ضحكة مكتومة متعاطفة، كما عندما أشرتُ إلى أن "إيران مستعدة بالفعل للقتال من أجل نظام الأسد - حتى آخر جندي عربي."
وفي نهاية المطاف، وحيث أصبحت فداحة فظائع الأسد وتعاون إيران معها أمر واضح بشكل متزايد، أصبح إنكار قناة "العالم" لها أكثر حدة وتطرفاً. وأخيراً، بدأوا يقاطعوني في منتصف الجملة كلما ذكرتُ هذه الحقائق الدامغة. وبعد ذلك توقفتُ عن الرد على المكالمات التلفونية لقناة "العالم" أيضاً.
وهذا ما يعيدنا إلى الحَجْب الأخير للمواقع الألكترونية الإيرانية وتداعياته على السياسة المستقبلية. من المحتمل أن يكون لهذا الإجراء الأمريكي غير المعتاد، كما ذكرنا أعلاه، تأثير مباشر ضئيل فقط على الاتصال بوسائط الإعلام الخاصة بإيران، أو على برنامجها النووي، أو على دعمها المادي للإرهاب. ومع ذلك، فبالنسبة لأولئك الذين هم على الطرف المتلقي لهذه الاتصالات يجب أن يكون ذلك بمثابة دعوة أخرى للاستيقاظ ومعرفة الأهداف النهائية لنظام طهران وطريقة عمله. وبصرف النظر عن تجربَتي الشخصية المحدودة للغاية، فإن التهديدات غير النووية التي تشكلها إيران على الأمريكيين والعرب والإسرائيليين وآخرين خطيرة للغاية. ولا يمكن لأي اتفاق نووي أن يواجه تلك التهديدات. على العكس من ذلك، فإن بعض الموارد التي ستكسبها إيران من تخفيف العقوبات ستُستخدم مجدداً وبلا شك لمثل هذه الدعاية البغيضة، وأسوأ من ذلك بكثير. وبالتالي، فحالما يتم إحياء هذا الاتفاق، يجب أن تصبح الولايات المتحدة وأصدقاؤها وحلفاؤها أكثر يقظة وإبداعاً وحزماً في مواجهة هذا التحدي - بالأقوال والأفعال على حد سواء.
ديفيد بولوك هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن ومدير "مشروع فكرة". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "نيوزلوكس".