- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مناقشة مشكلة «حزب الله»
تعاني لندن مشكلة خاصة بـ «حزب الله» ستكون موضوع نقاش ضمن لجنة أعمال يديرها أصحاب المقاعد الخلفية في البرلمان البريطاني هذا الأسبوع. وقد تأخر هذا النقاش كثيراً حيث أن المشكلة أعمق بكثير من مجرد نقاش بشأن رفع أعلام «حزب الله» في احتجاجات مناهضة لإسرائيل بشكل متكرر. وغالباً ما يستهزئ الحزب بنموذج المملكة المتحدة - الذي اعتمده "الاتحاد الأوروبي" في عام 2013 - في تصنيف أجزاء محددة فقط من «حزب الله» كإرهابية وليس الجماعة ككل. والدليل؟ يواصل الحزب انخراطه في أنشطة إرهابية وإجرامية - داخل المملكة المتحدة و"الاتحاد الأوروبي" على نطاق أوسع - على الرغم من الحظر الجزئي.
وكانت المملكة المتحدة قد صنّفت الجناح الإرهابي لـ«حزب الله» كياناً إرهابياً لأول مرة في عام 2001، وأضافت الجناح العسكري إلى التصنيف في عام 2008 بعد أن استهدف «حزب الله» جنود بريطانيين في العراق. كما حضّت المملكة المتحدة "الاتحاد الأوروبي" على تصنيف الجناحين الإرهابي والعسكري للحزب ككيانين إرهابيين، لكنها عارضت حظر التنظيم بشكل عام. وتبنّى "الاتحاد الأوروبي" بشكل فعال النموذج البريطاني، حيث أضاف هذين الجناحين فقط إلى لائحته الإرهابية بموجب "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي 931" في تموز/يوليو 2013.
ولكن المشكلة مع نموذج المملكة المتحدة ذات شقين: أولاً، إنها مبنية على رواية يرفضها «حزب الله» نفسه؛ وثانياً، لم يثنِ هذا التدبير الناقص «حزب الله» عن تنفيذ عمليات على الأرض البريطانية أو تقويض المصالح البريطانية في الخارج.
ويستند نموذج المملكة المتحدة على الفرضية بأن لـ «حزب الله» أجنحة عسكرية، وإرهابية، وسياسية محضة. ومع ذلك، فهذا هو تمييز سياسي يتعلق بالمصلحة، وهو ما يرفضه قادة «حزب الله» نفسهم. ففي عام 2000، أوضح نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم أن "الأمين العام لـ «حزب الله» هو رئيس «مجلس الشورى» وكذلك رئيس «مجلس الجهاد»، وهذا يعني أن لدينا قيادة واحدة، مع إدارة واحدة". وفي عام 2012 أضاف قاسم: "ليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وليس عندنا «حزب الله» وحزب المقاومة، فـ «حزب الله» هو حزب السياسة وحزب المقاومة وحزب العمل في سبيل الله تعالى وفي خدمة الإنسان، وباختصار هو «حزب الله».... كل ما لدينا في «حزب الله» من قيادات وعناصر وإمكانيات مختلفة هي في خدمة المقاومة وتحمل المقاومة ولا شيء لدينا غير المقاومة كأولوية".
ولذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئأ بأن يقيّم مجتمع الاستخبارات الأمريكي بأن «حزب الله» "تنظيم متعدّد الأوجه ومنضبط يجمع بين العناصر السياسية والاجتماعية وشبه العسكرية والإرهابية" وأن قراراته "باللجوء إلى استخدام الأسلحة أو التكتيكات الإرهابية هي خطوات مدروسة بعناية. " وخلصت الاستخبارات الهولندية الى استنتاج مماثل، بتأكيدها أن هناك "مجلس تنسيقي واحد يسيطر على الجناحيْن السياسي والارهابي لـ «حزب الله»".
ويقول المتظاهرون الذين يلوّحون بأعلام «حزب الله» في شوارع لندن إنهم لا يُظهرون سوى الدعم للجناح السياسي لـ «حزب الله» ، وليس جناحه الإرهابي، على الرغم من أن مسلحي الحزب وسياسييه يرفعون نفس العلم الذي يضم بندقية في المقدمة وفي الوسط. لكن «حزب الله» ينخرط في سلوكيات أسوأ بكثير من تلك التي اتبعها في المملكة المتحدة، مما يؤكد عدم فعالية حظر جزء فقط من جماعة تشارك في أنشطة إرهابية وإجرامية واسعة النطاق.
وتتعلق بعض هذه الأنشطة بالمصالح البريطانية أكثر من غيرها، مثل قضية حسين بسام عبد الله، الذي اعترف بذنبه بتخزين سلائف المتفجرات الكيميائية في مخطط لـ «حزب الله» في قبرص. وكجزء من الغطاء العملياتي الذي أُسند إليه، وفر «حزب الله» بطاقة هوية بريطانية مزورة لعبد الله استخدمها لاستئجار مرفق تخزين. وتقلق السلطات بأن قبرص لم تكن الهدف الوحيد من هذا المخطط بل انها "نقطة تصدير" يمكن من خلالها نقل متفجرات الى مكان آخر للقيام بسلسلة من الهجمات في اوروبا.
ولطالما أقرّت الحكومة البريطانية "بوجود محدود وعلني لـ «حزب الله» في المملكة المتحدة" يتمتّع بـ "روابط واسعة النطاق" مع «وحدة العلاقات الخارجية» لـ «حزب الله»، التي عادة ما اعتبرتها لندن متميزة عن الجناح الإرهابي للحزب. وإلى جانب عملياته السرية الخارجية، لا يزال «حزب الله» يحافظ على حضور دولي أكثر علنية من خلال «وحدة العلاقات الخارجية» التي ينتشر ممثلوها في جميع أنحاء العالم ويقودها حالياً علي دموش، الذي أدرجته وزارة الخارجية الأمريكية على لائحتها للمنظمات الإرهابية في كانون الثاني/يناير 2017.
وقد قررت الحكومة الأمريكية أن «وحدة العلاقات الخارجية» "تقوم بعمليات ارهابية سرية في جميع انحاء العالم نيابة عن «حزب الله»، بما في ذلك تجنيد عناصر إرهابية وجمع المعلومات الاستخباراتية". ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من مسؤولياتها العملية التي ازدادت بشكل كبير على مدى السنوات العديدة الماضية، إلا أن «وحدة العلاقات الخارجية» لا تقدم تقاريرها لمجلس الجهاد التابع لـ «حزب الله»، كما يفعل الجناح الإرهابي، بل إلى "«المجلس السياسي» لـ «حزب الله»، مما يزيد من تقويض أسطورة الأجنحتين الإرهابية والسياسية المميزة داخل الحزب.
هذا وينخرط عملاء «حزب الله» في أنشطة إجرامية واضحة المعالم تهدف إلى جمع الأموال وتوفير الدعم اللوجستي للحزب - وقد حصلت بعضها داخل أراضي المملكة المتحدة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، اعتقلت السلطات الأمريكية والفرنسية شريكين لـ"حزب الله"، أحدهما في مدنية أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، والآخر في باريس. وقد قبض عليهما يبيضان عائدات المخدرات ويسعيان إلى شراء الكوكايين والأسلحة لـ "«حزب الله» وغيره من الجماعات الاجرامية المستقلة فى ايران". ووفقاً لمستندات المحكمة، عرضا أيضاً الاستعانة بـ"شركاء مرتبطين بالحزب" من أجل ضمان أمن شحنات المواد المخدرة. وكان أحد هذين الشريكين يقيم في المملكة المتحدة وقام بغسل 30 ألف جنيه إسترليني لصالح عميل سري لدى "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية لعب دور تاجر مخدرات. كما ناقش شريك «حزب الله» المقيم في المملكة المتحدة مسألة توزيع شحنات الكوكايين مع العميل السري وطلب شراء عدة كيلوغرامات من الكوكايين. (وينفي «حزب الله» الاتهامات بتهريب المخدرات، ولكن السلطات الفرنسية أحالت هذا الشهر وحده خمسة عشر شخصاً من عناصر «حزب الله» إلى محكمة جنائية بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال).
ومن الواضح أن الحظر الجزئي الذي فرضته المملكة المتحدة على «حزب الله» لم يمنع الجماعة من الانخراط في سلوك إجرامي على الأراضي البريطانية. ومن المؤكد أنه لم يردع الحزب عن الانخراط في أنشطة مخالفة لمصالح المملكة المتحدة، فضلاً عن الانخراط في أنشطة إجرامية وإرهابية في أوروبا، وإرسال نحو 7000 مقاتل لدعم نظام الأسد في سوريا، وتهريب مكونات صواريخ إلى اليمن (حيث قام الحزب بعد ذلك بتركيب بعضها وإطلاقها على السعودية نيابة عن المتمردين الحوثيين اليمنيين).
ومن دون شك، هناك الكثير من الأدلة لتبرير تصنيف «حزب الله» كَكُل كمنظمة إرهابية، لكن من المرجح أن يتمحور النقاش هذا الأسبوع حول ما إذا كان هذا التصنيف ليشكّل سياسة جيدة. هل هذا ما سيحصل؟ ثمة الكثير من الحجج التي تدحض اتخاذ مثل هذه الخطوة.
على مدى سنوات، أصرّ المسؤولون البريطانيون وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين على أن فرض حظر على «حزب الله» بكامله من شأنه أن يقوض الاستقرار الداخلي في لبنان. لكن لبنان دولة تتمتع بقدرة كبيرة على الصمود ويستحق المعتدلون فيها دعماً دولياً في مساعيهم لتهميش المسلحين المتطرفين على غرار «حزب الله». فضلاً عن ذلك، يشير دور الحزب في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005، استيلائه على وسط مدينة بيروت بقوة السلاح في عام 2008 ومشاركته في الحرب السورية إلى أنه أبعد من أن يكون عامل استقرار داخل لبنان.
كما يخشى المسؤولون الأوروبيون من أن تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية بشكل واضح وصريح قد يدفع به إلى الاعتداء على المصالح الأوروبية أو إلى استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان. وفي الواقع، أن الحزب غير متورط فقط فعلاً في مؤامرات في أوروبا، بل يقوم بإرسال مواطنين يحملون الجنسيتين اللبنانية والأوروبية (من السويد وفرنسا وغيرهما) لتنفيذها. ومع ذلك، لم تؤد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية و«مجلس التعاون الخليجي» و«منظمة المؤتمر الإسلامي» ضد «حزب الله» إلى ازدياد مؤامرات الحزب ضد الدول المعنية. أما بالنسبة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فقد وثقت وزارة الخارجية الأمريكية حادثتين على الأقل استهدف خلالهما «حزب الله» بالفعل [قوات] حفظ السلام الاوروبية في لبنان. وبعد أن تمّ تجاوز هذه الخطوط، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما العمل حيال ذلك، هذا إن تمّ التحرك أساساً؟
ولربما تتمثل المسألة الشائكة الأبرز في المخاوف من أن حظر الحزب سيحول دول أي تواصل مع سياسيي «حزب الله» وبالتالي مع الحكومة اللبنانية. لكن الولايات المتحدة استطاعت إيصال مصالحها إلى كل من الحكومة اللبنانية وحتى «حزب الله» من دون أي مشاكل رغم تصنيف هذا الأخير منظمة إرهابية. ففي الواقع، لا تجيز صلاحية التصنيف بموجب "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي 931" سوى تجميد الأصول - فهي لا تمنع التواصل مع أعضاء الجماعة ولا تحظر سفرهم. (ويخلط المسؤولون الأوروبيون أحياناً هذا الأمر مع حظر الاجتماع بأعضاء «حماس»، الذي يُعزى إلى قيود "اللجنة الرباعية" وليس الحظر الذي فرضه "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي 931" على حركة «حماس»).
غير أن حظر جزء فقط من «حزب الله» لم يؤتِ ثماره. فقد تحدى الحزب المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وواصل ممارسة الأنشطة الإرهابية والإجرامية رغم حظر أجزاء فقط من الجماعة. ويبقى السؤال حالياً فيما إذا كانت حكومة جلالة الملكة تعتزم السماح لـ«حزب الله» بمواصلة عملياته بالسهولة نفسها التي يتمتع بها على أراضي المملكة المتحدة وبشكل معارضة مباشرة لمصالح بريطانيا في الخارج.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. وتشمل منشوراته السابقة كتاب "«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني".
"آي. سي. إس. آر. انسايت"