- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
منطقة التجارة الحرة في سياق الروابط الروسية - المصرية المتنامية
في أيلول/سبتمبر المقبل، تعقد روسيا ومصر اجتماعاً للّجنة الحكومية المشتركة حول التعاون التجاري والاقتصادي بينهما. ويأمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن يؤدي الاجتماع الى تعزيز الحوار الثنائي حول منطقة تجارة صناعية في شرق بورسعيد على قناة السويس، ويتوقع ان تبدأ المفاوضات بين مصر و"الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي" الذي تتزعمه روسيا بعد مرور شهر إلى ثلاثة أشهر من الاستشارات.
وجاءت تصريحات لافروف في أعقاب اجتماع عقده في موسكو في 21 آب/أغسطس مع نظيره المصري سامح شكري، وركّز على عددٍ من قضايا التعاون الثنائي. وتشكّل هذه النقاشات الإشارة الأخيرة إلى الغرب بأنّ روسيا توسّع نفوذها في الشرق الأوسط.
ولا يُنكر أنّ الروابط الروسية - المصرية قد نمت في الآونة الأخيرة. فوفقاً لإحصاءات التجارة الروسية، بلغت التجارة الثنائية بينهما 5.5 مليار دولار في عام 2014، أي ضعف ما كانت عليه في العام الذي سبق. وأجرى البَلدان أولى تدريباتهما البحرية المشتركة في حزيران/يونيو 2015، ومناوراتهما العسكرية المشتركة في تشرين الأول/أكتوبر 2016. وأفادت التقارير أن موسكو نشرت قواتها الخاصة في مصر على الحدود الليبية في آذار/مارس من هذا العام، مما أشار إلى دور روسيا المتنامي في ليبيا بمباركة مصرية. وقد تقبّلت مصر أيضاً مكانة موسكو في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد. ومن المؤكد ان بوتين لن ينتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول قضايا حقوق الانسان.
وبالنسبة للقاهرة هناك أهمية للتعاون العسكري مع موسكو. فصفقات الأسلحة الأمريكية لا تسمح بالبيع الثانوي - أي أن ما تشتريه مصر يجب أن يبقى في مصر. بيد تخلو صفقات الأسلحة الروسية من قيود مماثلة. وفي سياق رأسمالية المحسوبية في مصر، قد تبدو صفقات الأسلحة الروسية أكثر جاذبيةً. كما أنّ بعض الأسلحة الروسية أكثر ملاءمة لاحتياجات مصر من الأسلحة الأمريكية؛ ومن وجهة نظر مصرية، إنّ قيادة طائرة ميغ-29 الروسية هي أيضاً أسهل من قيادة المقاتلات الأمريكية.
ويسعى الكرملين أيضاً إلى تعزيز الروابط الاقتصادية مع مصر من خلال مشاريع في مجالي التجارة والطاقة. وهنا لا بد أن يواجه صعوباتٍ أكبر في هذا المجال. [لننظر] إلى دور منطقة التجارة. تسلّط الصحافة الروسية الضوء على منافعها. ففي وقتٍ سابق من هذا الشهر، ورد في إحدى المقالات أنّ [المنطقة تشكّل] "أول تجمع صناعي كبير في بلد بعيد منذ زمن الاتحاد السوفيتي". ويلقي البعض الآخر الضوء على أن المنطقة ستكون قاعدة هامة للاستثمار الروسي في الأسواق الأفريقية والشرق أوسطية. ووفقاً لوكالة أنباء "تاس" الروسية، قال نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي جورجي كالامانوف، في تموز/يوليو من هذا العام، "أن أفريقيا تشكّل اليوم محطّ الأنظار وهي سوقٌ فائق الأهمية يستحق أن نكافح من أجله". وحثّ الشركات الروسية على العودة إلى "الممارسات السوفيتية التي كانت متبعة من خلال استغلال الأسواق الأفريقية". وهناك القليل من التفاصيل حول أي من الأسواق ستشملها [منطقة التجارة الصناعية]، ولكن "الاتحاد الاقتصادي الروسي" يركز على الطاقة، والأسلحة، والزراعة، والمواد الخام. وبالتالي، من المرجح أن تركز المنطقة التجارية على هذه القطاعات.
وإذا تجسّدت المنطقة التجارية في النهاية، فلا بد لها أن تخيب [آمال البعض]، على الأقل من منظور اقتصادي. وتعود المحادثات بين روسيا ومصر حول [إقامة] منطقة تجارية الى ستة أعوام على الأقل. فقد تم تعليقها في عام 2011 ولكنها استؤنفت في آذار/مارس 2014، بعد أيام من قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. ورد الغرب بسرعة على تلك الخطوة بفرضه عقوبات على عدائية بوتين. وكرد انتقامي على ذلك حظر بوتين بعض المنتجات الغذائية الغربية وحوّل [أهتمامه] نحو الشرق. وتوقفت المفاوضات مرة أخرى في أواخر عام 2015، عندما انفجرت طائرة ركاب روسية في تشرين الأول/أكتوبر بعد أن غادرت مطار شرم الشيخ الدولي. واعترف تنظيم «الدولة الإسلامية» بوقوفه وراء الهجوم. ولكن في شباط /فبراير 2016، وقّع البلدان مذكرة تفاهم بشأن منطقة التجارة الصناعية، واستؤنفت المحادثات مرة أخرى، وبلغت ذروتها في المناقشات الأخيرة.
وللمرة الأولى منذ سنوات، تظهر علامات تحسّن متواضعة في الاقتصاد الروسي. ويتوقع "البنك الدولي" نمواً طفيفاً يقل عن 1.5 في المائة بين عامي 2017 و 2019 وذلك لسببين هما: ارتفاع أسعار النفط واستقرار الاقتصاد الكلي. وفي الواقع، وكما قال لي في وقتٍ سابق من هذا الشهر عالم الاقتصاد الروسي والزميل الأقدم في "المجلس الأطلسي"، أندرس أسلوند، "إنّ استقرار الاقتصاد الكلي [في روسيا] قد اكتمل. ولا توجد مشاكل حسابية في الوقت الراهن، فقد تراجع التضخم إلى 4 في المائة، ونسبة البطالة هي 5 في المائة". وأضاف: "تكمن المشكلة في غياب الديناميكيات. فروسيا لا تشارك في أي عمليات إصلاح فعلي". وفي الواقع، تسيطر رأسمالية المحسوبية على روسيا. ويشير هذا الوضع الحالي إلى أن الاقتصاد الروسي لن ينهار في أي وقت قريب، ولكنه لن يتحسن أيضاً بشكل ملحوظ. فلم تفلح روسيا على الإطلاق في سياساتها التجارية في أي مكان. وفي غياب الإصلاح الهادف، ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها ستتصرف بشكل مختلف مع مصر.
وبدورها، تواجه مصر مشاكل اقتصادية خاصة بها. كما أن رأسمالية المحسوبية والفساد يسيطران على الاقتصاد، في حين تؤدي المؤسسة العسكرية دوراً أساسياً فيه، مما يعني أن القرارات لا تستند على الكفاءة بل على رغبات مبهمة من بعض المسؤولين العسكريين. ولدى مصر ديون ضخمة، كما أن "صندوق النقد الدولي" يضغط على القاهرة لحل قضايا ميزان المدفوعات. إنّ الجمع بين اقتصاديْن متدهوريْن لن يولّد أي نمو. وقال لي الخبير في الشؤون المصرية روبرت روك، مدير الدراسات المتعددة التخصصات وأستاذ التاريخ في "جامعة توسون"، هذا الشهر: "من المرجح ألّا تؤمّن منطقة التجارة النتائج المروّجة. وفي النهاية، لن تبرر رأس المال السياسي والمالي الذي أُنفق في هذه الجهود".
ويبلغ الاقتصاد المصري ما يقرب من 336 مليار دولار، أي حوالي ربع اقتصاد روسيا البالغ 1.3 تريليون دولار. ومع ذلك يتزايد عدد سكان مصر [باطراد]. فقد أصبح يناهز الـ 100 مليون نسمة، معظمهم تحت سن الأربعين. ويتوقع الديموغرافيون أن يصل عدد سكان البلاد إلى 150 مليون نسمة بحلول عام 2050. وفي المقابل، فإنّ سكان روسيا البالغ عددهم 114 مليون نسمة يتقدّمون في السن كما أن عددهم آخذ في التضاؤل، في حين أن النخبة تغادر البلاد. ويتوقع الديموغرافيون أن ينخفض عدد سكان روسيا إلى 113 مليون نسمة بحلول عام 2050. وفي هذا السياق، من الصعب أن نتصوّر كيف ستتمكن روسيا ومصر من تأمين البنية التحتية اللازمة أو تهيئة فرص العمل الكافية لجعل المنطقة التجارية ناجحة.
وتحت السطح، وفي بعض الأحيان، تنشأ التوترات بين موسكو والقاهرة. فمصر هي أكبر مشتر للقمح الروسي، ولكن منذ عدة أشهر، قاطعت مصر مؤقتاً هذا المحصول بحجة حماية محاصيلها الخاصة من فطر الشقران [أو صدأ الحبوب] الشائع الذي يصيب القمح. بيد، تسمح المعايير الدولية بنسبةٍ ضئيلة من الشقران، وفي هذا الصدد يمتثل القمح الروسي لهذه المتطلبات. ولعل أن السبب الحقيقي كان على الأرجح خيبة أمل القاهرة من سياسات موسكو. فعلى سبيل المثال، قبل إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الأول/أكتوبر 2015، كانت مصر من بين اثنين من المواقع السياحية الأكثر شعبيةً لدى السياح الروس. إلا أنّ هذا التدفق السياسي قد توقف، وتتوق مصر إلى عودته. وشددت موسكو على قيام خبرائها الأمنيين بتفتيش المطارات المصرية قبل استئناف الرحلات الجوية من موسكو، الأمر الذي أهان القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، وبعد عدة عمليات تفتيش، وجد المفتشون الروس أن المطارات المصرية غير مرضية، الأمر الذي أثار إلى حد كبير غضب القاهرة، ويبدو من غير المرجح أن يعود السياح الروس إلى مصر في المستقبل القريب، على الرغم من الكثير من الكلام عكس ذلك.
إلّا أنّ المنطقة التجارية يجب أن لا تُرفض بالكامل. فإذا تجسّدت هذه الأخيرة، فما زال قطاع الزراعة (وخاصة القمح) والقطاع العسكري قائمان للاستفادة منها حتى لو لم تحرز هذه المنطقة نجاحاً إجمالياً في المجال الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، قد تجلب المنطقة فوائد سياسية لكل من موسكو والقاهرة، وخاصة في السياق العام للعلاقات المتنامية بين روسيا ومصر. فعلى مدى سنوات، استغلت موسكو تدهور العلاقات الأمريكية-المصرية ودخلت لملء الفراغ. وسيواصل السيسي البحث عن طرق للعمل مع بوتين، وبعث رسالة إلى الغرب بأن لديه خيارات أخرى، حتى عندما يقوم بوتين بتوبيخه في بعض الأحيان. ففي النهاية، ستظل مصر بحاجة إلى شراء القمح.
ويقيناً، ستكون هناك دائماً حدود لما يمكن لموسكو أن تفعله من أجل مصر. فقد أخبرني بريان كاتوليس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وزميل أقدم في "مركز التقدم الأمريكي"، في رسالة بالبريد الإلكتروني بـ : "أن العديد من التحديات التي تواجهها مصر على المستوى المحلي تتطلب من البلاد إجراء تغييراتٍ كبيرة في سياساتها الأمنية والاقتصادية الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، لا تملك روسيا القدرات الكافية لكي تحل محل الولايات المتحدة، وسوف تستمر القاهرة في رؤية الولايات المتحدة كشريك استراتيجي رئيسي لها. بيد، لا يحتاج بوتين أن يحل محل الولايات المتحدة لإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية.
آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن.
"فوربس"