- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2550
منطقة صديقة لتركيا في الداخل السوري
من المرجح أن يؤدي الهجوم الذي شهدته منطقة السلطان أحمد في اسطنبول، العاصمة المالية لتركيا، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى تشديد عزيمة أنقرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أكثر من إمكانية أن يؤدي إلى ردعها عن خطط تكثيف التعاون مع التحالف الذي يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» من أجل تعزيز حماية الحدود التركية مع شمال غرب سوريا، حيث يسيطر التنظيم على أراضي تمتد على نطاق 60 ميلاً تقريباً، وبعمق 20 إلى 30 ميلاً معروفة باسم حزام أعزاز- جرابلس (أو كيليس- سيرابلس في تركيا). ولكن يبقى السؤال المطروح هو حول درجة الفعالية التي يمكن لتركيا من خلالها إغلاق هذه الحدود الطويلة مع تنظيم «داعش» وحمايتها.
سياسة تركيا في التعامل مع شمال غرب سوريا
تتجلى أولويات تركيا في شمال غرب سوريا في ما يلي: (1) تعزيز الدعم الذي تقدمه للثوار الذين تؤيدهم لمنع وضعهم تحت الضغط نتيجة الهجوم الأخير لقوات نظام الأسد وللضربات الجوية الروسية؛ (2) منع قوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، المتحالفة مع «حزب العمال الكردستاني» الذي تحاربه تركيا حالياً من ربط الجيب الذي يقع شمال غرب سوريا في عفرين وغرب أعزاز بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» في شمال سوريا. وفيما يخص هذه النقطة الثانية، تريد أنقرة إعاقة تشكيل طوق كردي مكوّن من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» يمتد على حوالي 400 ميل على طول حدودها الجنوبية. أما الأولوية الثالثة بالنسبة إلى تركيا فتكمن الآن في القضاء على تنظيم «داعش» في سوريا.
وفي الواقع، تُعتبر الأراضي الواقعة شمال غرب سوريا، وفي حزام أعزاز- جرابلس على وجه التحديد، من الأراضي الأثمن في البلاد، فضلاً عن كونها بوابة لحلب - أكبر مدينة في سوريا قبل الحرب الأهلية وموقع استراتيجي مطلوب جغرافياً في الحرب. وعلى هذا النحو، تشكل هذه المنطقة موضع خلاف ما بين «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وقوات الأسد المدعومة من روسيا، و«جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «الدولة الإسلامية»، والثوار المدعومين من تركيا.
بالنسبة إلى أنقرة، عزز هجوم تنظيم «داعش» على اسطنبول من قيمة هذه المنطقة. فإذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» يعتقد أن استهداف السياح الأجانب والسياحة في تركيا من شأنه أن يخيف أنقرة ويمنعها من زيادة مراقبة الحدود، لمنع تدفق مجندي تنظيم «داعش» "إلى" سوريا وتدفق البضائع المهربة "من" سوريا على حد سواء، فإن إلمامه بالقيادة التركية وبالشعب التركي سطحي. وبادئ ذي بدء، لا يلقى التنظيم دعماً كبيراً في تركيا، إذ أشار استطلاع للرأي أجراه "مركز بيو للأبحاث" قبل وقوع الهجوم إلى أن 8 في المائة فقط من السكان يبدون تعاطفاً مع تنظيم «الدولة الإسلامية» ولا يعتبرونه منظمة إرهابية. وفي الوقت نفسه، فازت قيادة تركيا التي يسيطر عليها «حزب العدالة والتنمية» في انتخابات متعاقبة بناءً على سجل من النمو الاقتصادي القوي وهي تدرك ضرورة الدفاع عن قوة تركيا الاقتصادية في وجه الهجمات التي قد يشنها تنظيم «داعش» مستقبلاً. ووفقاً لذلك، لن يؤدي هذا سوى إلى تصلب مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في رغبتهما في إغلاق الحدود مع سوريا، وقطع الأموال والمجندين عن تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كان بإمكان تركيا فرض سيطرتها على حزام أعزاز- جرابلس الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش».
الحدود التركية - السورية: نظرة عامة
تمتد الحدود بين تركيا وسوريا على نحو 510 ميلاً، يقسم ما بينها نهر الفرات. فمن جانب النهر شرقاً نحو العراق، انتزعت «وحدات حماية الشعب» حالياً السيطرة على الجانب السوري بأكمله من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان يسيطر على أجزاء من هذه المنطقة خلال الفترة 2014 - 2015. أما غرب الفرات، بين البحر المتوسط وأعزاز، باستثناء منطقة عفرين التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي»، فهناك قوات مناهضة للأسد التي تسيطر على الحدود. إلى جانب ذلك فإن هؤلاء المقاتلين ليسوا أصدقاء تنظيم «داعش»، ومن غير المرجح أن يسمحوا له بالاستفادة من موقعهم الحدودي. وبشكل منفصل، لا يزال شريط صغير من الحدود بالقرب من البحر الأبيض المتوسط وشمال اللاذقية تحت سيطرة الحكومة السورية. وبالتالي تسعى القوات السورية والروسية إلى توسيع هذه الرقعة. على الرغم من أنه لا بد لتركيا من تعزيز مراقبة حدودها في جميع النقاط، إلّا أن تكوين القوات من الجانب السوري سيسمح لها بأن تكرس غالبية الموارد باتجاه أقصى الشرق، وبالتحديد في أعزاز- جرابلس.
إن هذه المنطقة الحدودية، أي التلال والسهول بين أعزاز (كيليس، على الجانب التركي) وجرابلس غرب الفرات، تستحق الاهتمام. فإغلاق حزام أعزاز- جرابلس بشكل فعال في وجه تدفق الأموال والمجندين من تنظيم «الدولة الإسلامية» سيتطلب أدوات مثل طائرات بدون طيار، ومناطيد، وأجهزة استشعار الحركة، ومنشأة للتنسيق والتحكم، بالإضافة إلى تدفق أفراد الأمن.
منطقة صديقة لتركيا؟
إن الطريقة الأكثر فعالية لمراقبة منطقة أعزاز- جرابلس الحدودية هي ضمان تعبئة الجانب السوري بالقوات الصديقة لتركيا، أو على الأقل تلك المناهضة لـ تنظيم «داعش». ومن الجماعات المحتملة في هذا الإطار التركمان السوريين، الذين يرتبطون عرقياً بالأتراك ويتم تدريبهم من قبل تركيا كقوة قتال في شمال غرب سوريا.
ومن جانبه، يمكن لهذا النطاق [الحزام] أن يخدم أغراضاً متعددة، مثل توفير المزيد من الأمن الشخصي للفارين من الحكم الهمجي للأسد أو لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأن يشكل منطقة انطلاق للقوات المناهضة للأسد، ومنطقة للحد من تدفق اللاجئين إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. وستلقى فكرة إنشاء منطقة صديقة لتركيا الدعم في البلدان الأوروبية التي تشعر بالفعل بالضغط المتزايد بسبب اللاجئين السوريين الوافدين. فمن شأن مثل هذه المنطقة أن تعترض أيضاً نقل الموارد إلى تنظيم «داعش»، وبالتالي إضعاف هذه الجماعة، وأن تسمح لأنقرة بعرقلة حركة نشطاء تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى تركيا من أجل استهداف مواردهاالاقتصادية، مثل السياحة. إن خلق هذه المنطقة سيثبت للشعب التركي والدول الحليفة أن أنقرة جادة في هزيمة التنظيم حتى في الوقت الذي تواصل سعيها إلى اتخاذ إجراءات أقوى ضد نظام الأسد.
وغني عن القول إن إقامة منطقة آمنة بين أعزاز وجرابلس سيحتاج إلى حماية من الجانب التركي. وفي هذا الإطار، تتركز الأسئلة حول ما إذا كانت أنقرة قادرة على حماية سكانها من أي هجوم يشنه تنظيم «داعش»أو النظام السوري، والدفاع عن عملائها الذين يغلقون الحدود من الجانب السوري. وفي الواقع، إذا كانت الحكومة التركية تتمتع بالإرادة، فستمتلك الوسائل لتحقيق ذلك. وحين أن نشر قوات جنوب شرق تركيا لمحاربة «حزب العمال الكردستاني» قلص من عدد الجنود المتاح لتأمين الحدود الغربية لنهر الفرات، فإن الكثير من أفراد الجيش التركي ملتزمون في خدمة الجيش على مدى القصير، وبالتالي، فنظراً إلى افتقارهم للتدريب، من الأفضل استخدامهم لدعم قوات وزارة الداخلية في تأمين الحدود وليس في عمليات مكافحة «حزب العمال الكردستاني» الخطرة للغاية.
وبالإضافة إلى العدد الكبير من المجندين، تمتلك القوات المسلحة التركية مدفعية حديثة ذات مدى فعال يتراوح ما بين عشرين وخمسة وعشرين ميلاً، وطائرات بدون طيار، وغيرها من الوسائل لحماية عملائها الذين يديرون هذه المنطقة الآمنة المحتملة. يُذكر أن الكثير من هذه الأصول موجودة بالفعل بالقرب من المنطقة المقترحة، في حين يمكن، لا بل يجب، نقل غيرها من منطقة بحر ايجة، حيث لا تبرز لتركيا حاجة كبيرة إليها. وبالنسبة إلى العديد الأول، يتركز اللواء المدرع الخامس في غازي عنتاب، على بعد حوالي عشرين ميلاً شمال الحدود. أضف إلى ذلك أنه إذا كان من الممكن إحياء عملية السلام ما بين «حزب العمال الكردستاني» وتركيا، فمن الممكن أيضاً أن تتحول الأصول من جنوب شرق تركيا لحماية هذه المنطقة الآمنة. وكجزء من اتفاق مع واشنطن لإقامة هذه المنطقة الصديقة لتركيا، قد ترضخ أنقرة لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» على جيوب من الأراضي غير المتجاورة غرب الفرات وفي مناطق يتخطى بعدها مرمى المدفعية التركية الذي يبلغ خمسة وعشرين ميلاً. وتشرح هذه القيود، على سبيل المثال، سبب انضمام تركيا إلى العملية التي تمت في 26 كانون الثاني/ ديسمبر من قبل «قوات سوريا الديمقراطية» المتحالفة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالعبور إلى غرب نهر الفرات حول سد تشرين.
الاستنتاجات لواشنطن وأنقرة
إلى جانب دروس أخرى، يكشف تفجير منطقة السلطان أحمد عن اعتراف تنظيم «الدولة الإسلامية» بالتهديد الوجودي الذي سيترتب عن إقفال الحدود التركية بشكل فعال بالنسبة لـ التنظيم. إن تعزيز أمن المطارات التركية قد أعاق بالفعل عمليات تجنيد المقاتلين في تنظيم «داعش» وسفرهم، لدرجة أن الجماعة دعت للقيام بعمليات في أماكن أخرى - على سبيل المثال، في باريس وكاليفورنيا وجاكرتا - بدلاً من مواجهة عمليات اعتراض أو إلقاء القبض على عناصرها عن طريق السفر إلى سوريا عبر تركيا. وبالتالي، عكس الهجوم على اسطنبول محاولة لثني تركيا عن المضي قدماً مع واشنطن في جهودها لإغلاق الحدود والاستيلاء على حزام أعزاز- جرابلس من يد تنظيم «الدولة الإسلامية». لكن، من المرجح أن يكون تنظيم «داعش» قد شدد من عزم القيادة التركية على القضاء على الجماعة كونها تشكل تهديداً للتقدم الاقتصادي والأمني في البلاد.
إد ستافورد هو مسؤول في الخدمة الخارجية يدرس حالياً في "كلية الدفاع للبلدان الأمريكية" . نريد الإشارة هنا إلى أن وجهات نظر السيد ستافورد هي أراؤه الشخصية ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر "كلية الدفاع للبلدان الأمريكية"، أو وزارة الخارجية الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.