على مدى عقود، كان صالح العاروري ناشطاً رئيسياً في "حماس"، وستشكل خسارته تحديات للحركة و"حزب الله" على حد سواء.
في اليوم الثاني من العام الجديد، قضى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، صالح العاروري، وناشطان آخران من "كتائب عز الدين القسام" التابعة للحركة، في انفجار وقع في الضاحية الجنوبية من بيروت، التي يهيمن عليها تنظيم "حزب الله" الشيعي المسلح. واحتفل العاروري بمجزرة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر التي أسفرت عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، من بينهم نحو 850 مدنياً، واستثمر في السنوات الأخيرة وقتاً وجهداً كبيرين لبناء قدرة إرهابية لـ"حماس" في لبنان. والعاروري، المتشدد الذي لطالما دعا إلى تكثيف أعمال العنف في الضفة الغربية، شارك أيضاً خلال العامين الماضيين في اجتماعات تنسيقية ضمت "حماس" و"حزب الله" و"الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني في "غرفة العمليات المشتركة" في بيروت. وداخل "حماس"، كان العاروري منافساً قديماً ليحيى السنوار، زعيم الحركة في غزة الذي خطط لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومنافساً رئيسياً ليكون القائد التالي للحركة ككل.
رجل ميت يمشي
لم تصدر إسرائيل حتى الآن بياناً بشأن استهداف العاروري واغتياله باستثناء تعليق من المتحدث باسم نتنياهو قال فيه: "بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء الهجوم، فهو ليس موجهاً ضد لبنان أو «حزب الله»". لكن مقتل العاروري لا ينبغي أن يشكل مفاجأة تامة. فقبل شهرين من مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر، قال العاروري لقناة "الميادين" الإعلامية التابعة لـ"حزب الله" إن "حماس" في صدد إعداد "حرب شاملة" ضد إسرائيل. وآنذاك، كان العاروري يُعتبر المسؤول عن الزيادة الملحوظة في نشاط الحركة في الضفة الغربية، وقد لمّح القادة الإسرائيليون إلى إمكانية استهدافه إذا استمرت الهجمات هناك. وفي آب/أغسطس، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً إنه "ليس من قبيل الصدفة أن يكون مختبئاً"، مضيفاً أن "كل من يحاول إيذاءنا، ومن يموّل وينظّم ويوجّه الإرهاب ضد إسرائيل، سيدفع الثمن كاملاً". وأكد العاروري من جهته في حديثه لـ"الميادين" أن "على الصعيد الشخصي، التهديد الإسرائيلي لا يغير في قناعاتي ولا في موقفي".
وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أوضح القادة الإسرائيليون عزمهم على استهداف قادة "حماس" المسؤولين عن الغارة والمجزرة عبر الحدود. فقد صرح وزير الدفاع يوآف غالانت أن قادة الحركة "أيامهم معدودة"، في حين أصدر رئيس الوزراء نتنياهو تعليماته لجهاز المخابرات "الموساد" "للتحرك ضد قادة "حماس" أينما كانوا". وأدرجت تقارير صحفية العاروري ضمن قوائم قادة "حماس" الذين يرجَح استهدافهم.
السنوات المبكرة
لطالما حث العاروري، وهو متشدد وعضو مؤسس في "كتائب القسام"، حركة "حماس" على تنفيذ المزيد من أعمال العنف في الضفة الغربية، حيث تم تجنيده في الحركة في "جامعة الخليل" في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد انتخابه في عام 1986 رئيساً لـ"الكتلة الإسلامية"، الجناح الطلابي لـ"حماس"، سرعان ما بدأ بتجنيد الطلاب في خلية عملياتية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1990، اعتقلته السلطات الإسرائيلية لكن أُطلق سراحه بعد ستة أشهر. ثم واصل العاروري نشاطه من حيث توقف وتم تكليفه بتجنيد وتسليح خلية تابعة لـ"حماس" في الخليل. وقدّم الأموال الواردة من الخارج إلى أحد النشطاء الذي اشترى أسلحة وقام في ما بعد بإيواء نشطاء "حماس" من المطلوبين، بمن فيهم كبار الهاربين التابعين لـ"كتائب القسام" مثل عماد عقل. واعتُقل العاروري للمرة الثانية، وأُدين على خلفية "دوره القيادي في «حماس»"، ثم اتُهم بتنفيذ أنشطة للحركة من السجن، حيث تم انتخابه عضواً في مجلس شورى فرع السجون التابع للحركة. وبعد أن قضى عقداً ونصف في السجن، أُطلق سراحه عام 2010 ورُحّل، فتنقّل خلال الثلاثة عشر عاماً التالية بين سوريا وتركيا وقطر، ثم لبنان.
وظل العاروري منخرطاً بشدة في عمليات "حماس"، لا سيما فيما يتعلق بالضفة الغربية. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، كان العاروري، انطلاقاً من موقعه في تركيا، قائد عملية اختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين في عام 2014. ومنذ ذلك الوقت، بدأ التداول باسمه كهدف محتمل. وكذلك، كشف العاروري علناً، أثناء حديث له في مؤتمر في تركيا، عن اختطاف "حماس" للمراهقين وقتلهم، مما أدى إلى حرب الصواريخ بين إسرائيل و"حماس" عام 2014.
السنوات الأخيرة
بعد أن أُجبر العاروري على مغادرة تركيا في عام 2015، انتقل إلى قطر، ثم لبنان، حيث عمل جاهداً على تعزيز العلاقات بين "حماس" وكل من "حزب الله" وإيران، والتي تضررت إثر القطيعة التي وقعت بين "حماس" ونظام الأسد في عام 2012.
كما أبدى اهتماماً شخصياً ببناء قدرة عملياتية لـ"حماس" في لبنان. وفي غضون عامين من انتقال العاروري إلى لبنان، أصدر جهاز الأمن العام الإسرائيلي ("الشين بيت") تحذيراً علنياً مفاده أن "حماس" تقيم قاعدة عمليات في لبنان. وأوضح رئيس الجهاز أن الهدف من ذلك كان استكمال الجهود القتالية التي تبذلها الحركة انطلاقاً من غزة، حيث واصلت "استثمار موارد كبيرة استعداداً لصراع مستقبلي [مع إسرائيل]، حتى على حساب رفاه مواطنيها".
لقد شهد العام الماضي تفعيل هذا العنصر من "حماس" الذي يتم التخطيط له منذ فترة طويلة في لبنان. ففي حزيران/يونيو 2023، أطلق نشطاء "حماس" صواريخ على إسرائيل من لبنان. ومنذ مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت الحركة المزيد من الصواريخ على إسرائيل من لبنان، بما في ذلك ست عشرة قذيفة في يوم حافل بشكل خاص.
وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر، بينما كان نشطاء "حماس" لا يزالون طليقين في جنوب إسرائيل، أعرب العاروري عن "أمله وثقته" في انضمام الفلسطينيين خارج غزة، وخصوصاً في الضفة الغربية، إلى القتال ضد إسرائيل. إلّا أن ذلك لم يحصل. وأعرب أيضاً عن أمله في انضمام حلفاء الحركة الإقليميين، وخصوصاً "حزب الله"، إلى الحرب ضد إسرائيل لدعم غزو "حماس" جنوب البلاد. وعندما تنبأ العاروري في شهر آب/أغسطس الماضي بجهود "حماس" الرامية إلى إشعال حرب إقليمية، أضاف أن الحركة تقوم بذلك من خلال نقاشات وثيقة "مع جميع الأطراف المعنية". ولم تثبت صحة ذلك أيضاً. وفي الواقع، يبدو أن العاروري ربما بالَغ في الترويج لما وعد "حزب الله" بفعله وما لم يعد بالقيام به عند شن "حماس" هجومها.
رد "حزب الله"
في 28 آب/أغسطس، حذر الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، إسرائيل قائلاً في خطاب متلفز: "أي اغتيال على الأرض اللبنانية يطال لبنانياً أو فلسطينياً أو إيرانياً أو سورياً، [...] بالتأكيد سيكون له رد الفعل القوي. [...] لن نسمح بأن تُفتح ساحة لبنان من جديد لاغتيالات [إسرائيل]". وبعد ضربة 2 كانون الثاني/يناير، أصدر "حزب الله" بياناً وصف فيه العملية بأنها "اعتداء خطير على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته"، في حين تعهد بأن "هذه الجريمة لن تمر أبداً من دون رد وعقاب". ويشير هذا الخطاب ضمناً إلى أن إسرائيل تستطيع الآن توقع تحرك انتقامي، ولكن الحزب وإيران لديهما حساباتهما الخاصة.
إلّا أن إسرائيل بعثت أيضاً إشارة شديدة الوضوح من خلال حرصها على عدم حضور أي مسؤول في "حزب الله" الاجتماع المستهدف. والمواطن اللبناني الذي قُتل في الغارة هو المسؤول في "الجماعة الإسلامية" محمد بشاشة.
على أي حال، يمكن أن يتخذ الرد أشكالاً متعددة، بما في ذلك إطلاق رشقات صاروخية مكثفة تضرب عمق إسرائيل أكثر من الهجمات المعتادة على المواقع الحدودية. ويمكن أن يستهدف الرد أيضاً البنية التحتية الحيوية مثل حقل "كاريش" للغاز الطبيعي قبالة الساحل الشمالي لإسرائيل باستخدام الصواريخ الموجهة بدقة. ومن الممكن كذلك الاستعانة بـ"قوة الرضوان" النخبوية، التي ظلت في حالة سبات منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، على غرار الصواريخ الدقيقة.
لكن بينما سيحتاج "حزب الله" إلى الرد على الضربة الإسرائيلية للحفاظ على صورة "المقاومة" وشرفه، من المرجح ألا يرقى رده إلى مستوى الحرب الشاملة. ويعود ذلك جزئياً إلى أن إيران لا ترغب في التضحية بالحزب، وهو أهم أصولها الإقليمية، من أجل "حماس"، كما أظهر خطاب نصر الله في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر. فضلاً عن ذلك، تكبد "حزب الله" بالفعل أضراراً جسيمة في هذه الحرب، وسيظل الحد من الخسائر الإضافية أولوية لأسباب مختلفة.
تداعيات طويلة المدى
حتى لو لم يسعَ "حزب الله" إلى حرب أكبر، إلّا أنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، إما عن طريق الصدفة أو عن قصد. فالحزب يدرك أن إسرائيل لن تتسامح مع الخطر الذي تشكله الصواريخ الدقيقة أو "قوة الرضوان" على طول حدودها بعد وحشية هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن "حزب الله" ليس في الواقع مستعداً لمثل هذه الحرب. فمعظم قواته مكونة من أفراد أصغر سناً لا يملكون خبرة في قتال إسرائيل. وقد تدهورت ميزانية الحزب نتيجة للعقوبات الأمريكية ضد إيران وعملياته الإقليمية الموسعة، بعد أن أنفق أصولاً كبيرة في الحرب السورية. كما يفتقر إلى زعيم مميز على غرار الراحل عماد مغنية، الذي قُتل عام 2008.
ومنذ انخراط "حزب الله" في الحرب السورية، شهد الحزب تغيراً في مهمته ليصبح الذراع الإقليمي لـ"الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني وجبهة الحماية للنظام الإيراني. وأثر ذلك في عمليات الحزب العسكرية ضد إسرائيل وساهم في قراره بتجنب الحرب معها بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يحاول "حزب الله" كسب الوقت، معتمداً على النقاشات الدبلوماسية المتعلقة بتنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701"، بينما يستعد لاحتمال الحرب.
الخاتمة
يشكل مقتل صالح العاروري خسارة كبيرة لـ"حماس". فقد لعب دوراً حاسماً كإحدى جهات الاتصال الأساسية والأكثر فعالية للحركة مع كل من "حزب الله" وإيران، إذ كان يعقد اجتماعات منتظمة في بيروت ومن وقت لآخر في طهران. ووفقاً لقناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله"، كانت "حماس" و"حزب الله" على اتصال مستمر تحت قيادة العاروري، وقد التقى العاروري شخصياً بالأمين العام للحزب حسن نصر الله في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وكان العاروري أيضاً من بين مجموعة من قادة "حماس" الذين بدأوا وفقاً لبعض التقارير بالاجتماع مع "منظمة التحرير الفلسطينية" وأعضاء "فتح" المعارضين لمناقشة خطط اليوم التالي لحرب غزة. ووفقاً لبعض التقارير، ركز النقاش على سبل دمج "حماس" في "منظمة التحرير الفلسطينية" كوسيلة لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني. وبالنسبة للعاروري، انطوى الهدف على إنشاء نظام على غرار نظام "حزب الله"، يشغل فيه أعضاء الحركة مناصب في الحكومة الفلسطينية بينما تظل "حماس" بحد ذاتها كياناً مسلحاً مستقلاً.
إن خسارة شخص يشارك بشكل وثيق في العمليات التكتيكية والدبلوماسية الاستراتيجية تشكل نكسة خطيرة لـ"حماس"، ولم يتّضح بعد كيف سيرد حلفاء الحركة، وخصوصاً "حزب الله"، على الهجوم.
حنين غدار هي "زميلة فريدمان الأقدم" في "برنامج ليندا وتوني روبين حول السياسة العربية" التابع لمعهد واشنطن. ماثيو ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر ويكسلر" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع للمعهد.