- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مقتل الزعيم الثاني لتنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة «هيئة تحرير الشام»
لتسليط الضوء على نوايا وقدرات «هيئة تحرير الشام» التي تدير محافظة إدلب، يجب على إدارة بايدن توضيح علاقاتها مع «الهيئة»، بما في ذلك أي تعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
في الثاني من شباط/فبراير، نفذت القوات الخاصة الأمريكية عملية استهدفت زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في بلدة أطمة بمحافظة إدلب بالقرب من الحدود مع تركيا. وكان الزعيم السابق للمنظمة، أبو بكر البغدادي، قد قُتل في عملية مماثلة في بلدة باريشا المجاورة في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وتسيطر على هاتين المنطقتين جماعة جهادية منافسة هي «هيئة تحرير الشام»،التي انشقت عن تنظيم «الدولة الإسلامية» في نيسان/أبريل 2013 وبعد ذلك قطعت روابطها بتنظيم «القاعدة» في تموز/يوليو 2016.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت «هيئة تحرير الشام» تحاول إقامة نظام حكم في شمال غرب سوريا من خلال "حكومة الإنقاذ السورية" التكنوقراطية التابعة لها. وقد انطوى جزء من مشروع الحكم هذا على بناء "جهاز الأمن العام" للهيئة الذي تمّ الإعلان عنه رسمياً في عام 2020 ولكنه كان ناشطاً بشكل أولي منذ سنوات.
وركزت العديد من الإعلانات الصادرة عن "جهاز الأمن العام" على اعتقال خلايا تنظيمي «داعش» و «القاعدة» ونظام الأسد، على الرغم من الاشتباه في أن عناصره يستهدفون أيضاً نشطاء يعارضون الحكم الاستبدادي للجماعة الأم. ومنذ أن تبنت «هيئة تحرير الشام» اسمها الحالي في عام 2017، صرحت عناصر "جهاز الأمن العام" علناً عن تنفيذ 21 هجوماً ضد خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في مدينة إدلب، وسرمين، وشرقي محافظة حماة، وسلقين، وحارم، وجسر الشغور، وخان شيخون، وتحتايا، وسرمدا، وأبو دالي، ومصيبين، وزردنا، وكفر ناصح، ومجدليا. وتم الإعلان عن الهجوم الأخير في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2021، على الرغم من أنه ربما يكون قد تمّ تنفيذ عمليات أخرى ولكن لم يتم الإعلان عنها. ومع ذلك، يبدو أن هذه المساعي الأمنية المكثفة لم تكن كافية لردع الزعيمين السابقين لتنظيم «الدولة الإسلامية» من استخدام أراضي «هيئة تحرير الشام» كقاعدة، على الرغم من امتناع تنظيم «داعش» منذ فترة طويلة عن نشر أي معلومات حول أنشطته في إدلب.
في غضون ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن «هيئة تحرير الشام» أغلقت الطرق المؤدية إلى الموقع حيث تمّ تنفيذ الغارة الأمريكية في الثاني من شباط/فبراير، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الجماعة على علم مسبق بالعملية أو حتى وفّرت معلومات استخباراتية مكّنت شنّها. تجدر الملاحظة أن «هيئة تحرير الشام» لم تتدخل في الغارة الأمريكية التي استهدفت البغدادي عام 2019، على الرغم من عدم ظهور أي دليل على علم الجماعة بمكان وجوده.
وعلى نحو منفصل، أسفرت الهجمات الأمريكية بالطائرات المسيرة عن مقتل عدد من شخصيات «القاعدة» في منطقة إدلب منذ عام 2015. ويعتقد العديد من أنصار التنظيم أن هذه الهجمات تحققت بفضل تزويد «هيئة تحرير الشام» معلومات استخبارية إلى تركيا والولايات المتحدة. ورغم عدم بروز أي دليل علني على هذه الاتهامات، إلا أن الأدلة الظرفية تشير إلى أنه قد يكون هناك بعض الحقيقة في ذلك.
وكسياق لهذه القضايا، سعت «هيئة تحرير الشام» وزعيمها أبو محمد الجولاني إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى خلال العام أو العامين الماضيين في محاولة لشطبهما من قائمة الإرهاب. وعلى الرغم من أن ذلك لم يتحقق بعد، إلا أن مبادراتهما لم تقع على آذان صماء، على الأقل خلال إدارة ترامب. ففي مقابلة ضمن برنامج "فرونت لاين" في ربيع 2021، أشار المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا، جيمس جيفري إلى أنه تواصل مع الجماعة عبر قنوات خلفية أثناء خدمته في وزارة الخارجية خلال رئاسة ترامب. كما أشار إلى أن واشنطن أوقفت استهداف الجولاني في آب/أغسطس 2018. ومن وجهة نظره، كانت «هيئة تحرير الشام» بمثابة "أقلّ الخيارات سوءاً في إدلب، التي هي من أهم الأماكن في سوريا، وأصبحت من أهم الأماكن الآن في الشرق الأوسط". في المقابل، كان المسؤولون في إدارة بايدن متكتمين نسبياً بشأن سياستهم تجاه «هيئة تحرير الشام».
وخلال الفترة المقبلة، سيكون من المفيد أن توضح الحكومة الأمريكية علاقاتها (أو عدمها) مع «هيئة تحرير الشام» وأن تعلن ما إذا كانت تنظر إلى الجماعة على أنها شريك في مكافحة الإرهاب - بغض النظر عن مدى تشوّه صورتها كوحدة سابقة تابعة لتنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» ومعروفة بارتكابها انتهاكات في مجال حقوق الإنسان خلال الحرب في سوريا. وإذا لم يكن للجماعة أي علاقة في الغارة على القرشي، فستُطرح أسئلة رئيسية حول مدى كفاءة أجهزتها الأمنية نظراً إلى اتخاذ زعيمين متتاليين لتنظيم «الدولة الإسلامية» مقراً لهما في أراضيها.
هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن، وباحث زائر في "جامعة براندايز".