مشاحنات بين الميليشيات حول مَن هي "المقاومة" الحقيقية
خلال الأيام القليلة لوقف إطلاق النار المرتبط بنزاع غزة، عاد قادة "المقاومة" إلى عاداتهم القديمة المتمثلة في التقليل من شأن بعضهم البعض والإفشاء بأسرار الآخر، مما أسفر عن نتائج مثيرة للاهتمام.
في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أصدر الأمين العام لـ"كتائب حزب الله"، أحمد محسن فرج الحميداوي (المعروف أيضاً باسم أبو حسين)، بياناً أعلن فيه عن خفض وتيرة تصعيد عمليات "المقاومة" العراقية ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.
إعداد قائمة، والتحقق منها مرتين
في بيانه، كشف أبو حسين عن أسماء الميليشيات التي شاركت في الحملة الأخيرة ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا. ووجّه تحية إجلال وإكبار لـ «الإخوة المجاهدين الذين شاركوا في العمليات الجهادية العسكرية ("أنصار الله الأوفياء"، و"حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب حزب الله") تحت راية "المقاومة الإسلامية في العراق"» (الشكل 1). ويمكن القول إن أبو حسين يَدرج الفصائل في ما يعتبره ترتيباً عكسياً للأهمية، إذ يعطي مكانة رئيسية لـ"كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، الأمر الذي يعكس التركيز الأمريكي الواضح أيضاً، بناءً على العقوبات والغارات الجوية الأخيرة.
إذا كان أبو حسين قد كشف عن مجموعة الجهات الفاعلة المتشددة المتورطة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر في الهجمات على القوات الأمريكية، فيبدو أنه تعمَّد على استثناء "عصائب أهل الحق" من هذه المجموعة. وقد تكون هذه هي الحال داخل العراق، حيث لا توجد مؤشرات على قيام "عصائب أهل الحق" بشن هجمات منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، قد تلعب "عصائب أهل الحق" دوراً مهماً في تعزيز نفوذ إيران في سوريا من خلال توفير خدمات النقل والخدمات اللوجستية. وهذا ما يفسر مقتل اثنين من مقاتلي "عصائب أهل الحق" مؤخراً في غارة جوية إسرائيلية في سوريا، وقد نعاهما قيس الخزعلي (الشكل 2).
"كتائب حزب الله" تصعّد (العمليات)، لكنها تقبل الهدنة
أشار أبو حسين أيضاً إلى السبب الكامن وراء هذا القرار. وأضاف أن "استمرار الاحتلال في انتهاك السيادة العراقية، وخرق الأجواء [العراقية]، سواء بالطائرات المسيّرة الاستطلاعية أو المقاتلة، أو بالتدخل الفاضح للسفيرة الأمريكية في المشهد الحكومي، يستلزم منا تغيير بعض قواعد الاشتباك لحفظ البلاد وتطهيرها من رجس المحتلين". وتابع: "نعلن عن خفض وتيرة تصعيد العمليات على قواعد الاحتلال الأمريكي في المنطقة، وإيقافها ضد الكيان الصهيوني لحين انتهاء مدة الهدنة، أو القتال في فلسطين وحدودها مع لبنان". وربط أبو حسين هذا القرار بالهدنة في غزة.
"حركة النجباء" تدعو إلى التصعيد الشامل
يتناقض بيان أبو حسين بشكل حاد مع بيان آخر نشره قبل يومين أكرم الكعبي، الأمين العام لـ"حركة النجباء"، الذي قال رداً على الضربات الأمريكية ضد قواعد "كتائب حزب الله" في جرف الصخر: "صار واجباً على الجميع إعلان الحرب على أمريكا وإخراجها ذليلة من العراق. ولا عذر لأحد بعد اليوم…" (الشكل 3).
وجاء بيان الكعبي في وقت يبدو من الواضح أن الهدنة بين إسرائيل و"حماس" أصبحت وشيكة، لكنه دعا إلى التصعيد ضد الأصول الأمريكية في العراق وسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، يشكّل واقع صدور الإعلان عن خفض الهجمات عن أبو حسين وليس أكرم الكعبي، مؤشراً آخر على وجود اختلاف داخل تلك الجماعات التي كانت ضالعة في مهاجمة الأصول الأمريكية في الحملة الأخيرة. فالكعبي، باعتباره الأمين العام لـ"الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية"، هو المسؤول عادةً عن إعلان مثل هذه المواقف.
"عصائب أهل الحق" ترد على الازدراء الصادر عن "كتائب حزب الله"
سارعت "عصائب أهل الحق" إلى إبداء استيائها العميق من بيان أبو حسين. ورد جواد الطليباوي، المتحدث العسكري باسم "عصائب أهل الحق"، مباشرةً على بيان أبو حسين بتغريدة شديدة اللهجة قائلاً: "من الغريب، ورغم علم مَن كتب البيان بالحقائق على الأرض، أن يعمد إلى ذكر أسماء فصائل وتغييب أخرى، دون مبرّر أو شعور حقيقي بالمسؤولية... ونأمل أن لا تتكرر مثل هذه التصريحات من إخوة الجهاد..." (الشكل 4).
وقبل هذا الخلاف، اندلع جدال مماثل ولكن أكثر غموضاً بين "عصائب أهل الحق" و"حركة النجباء". ويبدو أن الكعبي قد خاطب جماعات مثل "عصائب أهل الحق" بنبرة توبيخية عندما قال في بيانه أعلاه: "لا عذر لأحد بعد اليوم". ويبدو أن توبيخ الكعبي لم يرق لقيس الخزعلي، الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق". فبعد يوم واحد من تصريح الكعبي، ظهر الخزعلي على "قناة الجنوب" التابعة لـ"حركة الجهاد والبناء"، مؤكداً واقع أن هجمات "المقاومة" في العراق لم تسفر عن مقتل أي جندي أمريكي (الشكل 5). وظاهرياً، كان الخزعلي ينتقد الولايات المتحدة على خلفية قتلها مقاتلين عراقيين رداً على هجمات لم تتسبب بوفيات في صفوف الجنود الأمريكيين في العراق، لكنه سخر أيضاً على ما يبدو بشكل غير مباشر من الميليشيات التي نفذت الهجمات. واستخدمت "عصائب أهل الحق" هذه النبرة من قبل في انتقادها لـ "كتائب حزب الله" على خلفية مقاومتها الأدائية، وعلى وجه التحديد خلال قصة "التونة والإندومي" في عام 2021، عندما ردت "عصائب أهل الحق" على سخرية "كتائب حزب الله" من الهجمات الصاروخية غير المميتة التي شنتها "عصائب أهل الحق" بانتقادات لاذعة لاستراتيجية القوافل التي تنتهجها "كتائب حزب الله" المتمثلة في تفجير الشاحنات العراقية التي تنقل "التونة والإندومي" إلى السفارة الأمريكية في بغداد.
ما الذي اكتشفناه عن "المقاومة"؟
تُظهر المشاحنات الأخيرة بين الإخوة في "المقاومة" أن حتى أقصر توقف في العمليات يتسبب عادةً بانقسامات فيما بينها. فـ"كتائب حزب الله" كانت تستعرض انضباطها المتمثل بتكثيف الهجمات أو إيقافها مؤقتاً، بالتزامن مع محور "المقاومة" الأوسع نطاقاً. ويبدو أن "حركة النجباء" قد قبلت عرض الأقدمية موضع البحث من قبل "كتائب حزب الله" وتغاضت عنه، وأكدّت عدائيتها التي لا مثيل لها، إذا ما سُمِح لها بحرية مهاجمة القوات الأمريكية. ووجهت كل من "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء" انتقادات لاذعة إلى "عصائب أهل الحق"، وألقت الجماعتان ظلالاً من الشك على وضعها كفصيل "مقاومة حقيقي" ضالع في أنشطة المقاومة الحركية. ولطالما واجه قيس الخزعلي صعوبة في التوفيق ما بين دوره كسياسي من جهة وكزعيم في "المقاومة" من جهة أخرى، وفي الأزمة الحالية تخلف حتى عن "منظمة بدر" من حيث القوة الخطابية.
يُظهر واقع قيام أبو حسين باختيار، في خطوة غير عادية، تسمية الميليشيات التي شاركت في هذه الحملة العسكرية، أن الجدل القديم بين مختلف الميليشيات المدعومة من إيران حول مَن ينتمي حقاً إلى "المقاومة" لا يزال قائماً بشدة. ويؤكد أيضاً أن العمل ضمن آلية المطالب المشتركة لـ"المقاومة الإسلامية في العراق" كان مرهقاً للفصائل التي لا تزال تريد الاعتراف الفردي بالعمل العسكري الذي تقوم به. فاستراتيجية الواجهة تتطلب التضحية بالذات، وهذا أمر لا يمكنها مواصلته لفترة طويلة.