- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مسلسلٌ تلفزيوني يوضح العلاقات المصرية-الإسرائيلية
شهدت العلاقات المصرية- الإسرائيلية تحسناً منتظماً في السنوات القليلة الماضية، حيث يواجه البلدان التهديد نفسه من تنظيم «الدولة الإسلامية» على حدود سيناء. وبينما يقترن هذا الخطر بالمصاعب الاقتصادية الحالية التي تمر بها مصر، فقد يصبح من الممكن زيادة التعاون بين الجانبين خارج نطاق المسائل الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار مسؤوليه حريصون كل الحرص على عقد لقاءاتٍ مع المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية للتشديد على أهمية العلاقات المصرية-الإسرائيلية في هذه الفترة الحرجة. وقد لوحظ ذلك خلال زيارة السيسي لواشنطن في نيسان/أبريل، حيث اجتمع مع بعض الجماعات اليهودية الأمريكية وتفاخر حول علاقته بالدولة اليهودية.
إلا أن وسائل الإعلام المصرية، التي تخضع لرقابة مشددة من قبل الحكومة، لم تقابل إسرائيل بمثل هذا الترحاب. فخلال شهر رمضان المبارك الأخير، الذي بلغت فيه نسبة المشاهدة التلفزيونية ذروتها السنوية، لم تتوقف هذه الوسائل عن إظهار اليهود والإسرائيليين بصورةٍ سيئة للغاية، إذ صوّرتهم على أنهم جواسيس ولصوص وقتلة وأفراد يفتقرون إلى القيم الاجتماعية، مما يتنافى مع جوهر هذا الشهر الفضيل الذي يتعين فيه على المسلمين أن يتحلّوا بالتسامح وقبول الآخرين.
وفي شهر رمضان المبارك من كل عام، تتنافس مسلسلات تلفزيونية مصرية مختلفة على جذب انتباه المشاهدين في مصر ومختلف أنحاء العالم العربي. وقد كان مسلسل "الزيبق" من المسلسلات التلفزيونية الأكثر مشاهدةً على الشاشة هذا العام. ونستشف من مقدمة هذا العرض أن المسلسل قائم على قصة واقعية تصوّر أحداث عمل بطولي لـ "جهاز المخابرات العامة المصرية" بحق وكالة الاستخبارات الإسرائيلية، "الموساد". ووفقاً لما جاء على لسان أحد الممثلين، الذي سبق له أن ظهر في فيلم تجسس ناجح مناهض لإسرائيل، أبصر هذا العمل النور بعد أن تقدم إلى "جهاز المخابرات العامة المصرية" بطلبٍ للاطلاع على أحداث إحدى القصص الحقيقية التي وقعت مؤخراً وسجلت في ملفات الجهاز لاستيحاء مسلسلٍ منها. وعرض "جهاز المخابرات العامة" على منفذي العمل ثلاث قصصٍ للاختيار من بينها، فوقع الاختيار على قصة "الزيبق" لأنها أكثرها تشويقاً.
ويقوم بدور الشخصية الرئيسية في هذا المسلسل عاملٌ فنّي مصري يرزح تحت أعباء الطبقة الشعبية التي ينتمي إليها ويعمل لصالح شركة أمنية في تركيب كاميرات مراقبة، قبل أن تقرر الاستخبارات المصرية تجنيده وإرساله إلى اليونان لخداع الإسرائيليين وسلب أموالهم. ولاقى المسلسل استحساناً شعبياً واسعاً في مصر (حيث تراوح عدد المشاهدين على موقع "يوتيوب" بين نصف مليون ومليون مشاهد لكل حلقة)، مما حفّز المنتجين على البدء بتصوير جزءٍ ثانٍ على أن يتم عرضه في شهر رمضان المقبل.
ولا يمكن الاستهانة بأهمية هذا العرض، إذ إنه العمل الدرامي المصري الأول الذي تدور أحداثه حول أعمال تجسسية يتطرق إلى موضوع العمليات التي تنفذ ضد إسرائيل بعد توقيع معاهدة السلام بين البلدين عام 1979. وكانت معظم الأعمال الدرامية المصرية التي تدور أحداثها حول عمليات تجسس والمدعومة من "جهاز المخابرات العامة المصرية" مستوحاةً في السابق من قصصٍ تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. وشمل هذا العرض الفترة ما بين عام 1998 وأوائل العقد الماضي.
ويحسب لمنتجي العمل أنه أفضل وصف لـ "الموساد" من أي وقت مضى يُعرض على التلفزيون المصري. فهم يُظهرون وكالة التجسس الإسرائيلية على أنها مكوّنة من أشخاص جادين وأذكياء جداً يتخذون قرارات منطقية، على عكس الصورة الساذجة التي أُعطيت لـ "الموساد" في المسرحيات السابقة.
ومع ذلك، لا تزال نزعة معاداة السامية حاضرة [في هذا العرض]. وقد بدأت هذه الظاهرة مع استمرار المسلسلات الدرامية المصرية التي أطلقت شرارة الولع بالنساء اليهوديات عبر إظهارهن بحلّة النساء الفاتنات اللواتي يصعب مقاومتهن، ووظيفتهن الوحيدة هي إرغام الرجال العرب على خداع بلدانهم. وهناك العديد من القصص التي عززت الصورة النمطية التقليدية المعادية للسامية عبر إظهار اليهود على أنهم فاحشي الثراء ويسيطرون على العالم. وتخللت بعض المشاهد متجراً يحمل اسم أدولف هيتلر، وقد يعود السبب في ذلك إلى تمجيد أفعاله.
ويشكل بث هذا المسلسل خلال شهر رمضان المبارك استمراراً للمعايير المزدوجة التي تنتهجها الحكومة المصرية تجاه الدولة اليهودية واليهود الأمريكيين. فمن جهة، تستخدم الحكومة علاقاتها المحسنة مع إسرائيل للوصول إلى المنظمات اليهودية الأمريكية، التي يعتقد المسؤولون المصريون أنها تسيطر على أمريكا. ومن جهة أخرى، تستمر الحكومة في تأجيج المعتقدات المعادية للسامية لدى الجمهور المصري لتبرير عدم التطبيع الكامل بين البلدين.
وهناك أمران يفسّران ذلك: أولاً، ينظر المسؤولون المصريون إلى إسرائيل كسبيل [للوصول إلى] صناع القرار الأمريكيين الذين يحتاجون إلى الاقتراب منهم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد اقتصادياً وسياسياً وتنظر إدارة ترامب في تقليص المساعدات الخارجية والعسكرية. وثانياً، يعتقد هؤلاء المسؤولون أن أحد الطرق الرئيسية لاستقرار النظام داخلياً هو مواصلة بناء صرح خوف الجمهور من إسرائيل كأداة للحفاظ على سيطرة النظام في الداخل.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن.
"فورورد"