- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مصر تجدد حملتها ضد المنظمات غير الحكومية
في عددها الصادر في 20 آذار/مارس، ذكرت صحيفة "المصري اليوم" التي تصدر في القاهرة أن الحكومة أعادت فتح تحقيقاتها بشأن المنظمات غير الحكومية التي يُزعم أنها تتلقى تمويلات أمريكية وأوروبية. وتستهدف هذه التحقيقات العديد من المنظمات المعروفة، بما فيها "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط "، ومنظمة "كير الدولية"، ومنظمة "الشفافية الدولية"، و"المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية". ولم تُستثنى من ذلك حتى منظمة غير حكومية للخدمات الاجتماعية يديرها ابن شقيق الرئيس المصري السابق، النائب محمد أنور السادات.
ومن خلال استهداف هيئات يحظى زعماؤها باحترام كبير في واشنطن وعواصم غربية أخرى ، تُنشئ القاهرة على نحو فعال كتلة ضاغطة ضد نفسها في الخارج، حيث تواجه بالفعل انتقادات كبيرة بشأن سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان. وفي الأسبوع الماضي، دعا البرلمان الأوروبي إلى تعليق التعاون الأمني مع مصر في أعقاب تعذيب وقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجينى في كانون الثاني/يناير، كما أن التحقيقات الجديدة ضد المنظمات غير الحكومية ستُؤدي إلى خلق ضغوط داخلية أكبر في الغرب لخفض مستوى العلاقات. بيد، يبدو أن الحكومة المصرية مستعدة لقبول هذه التكلفة لأن التحقيقات تتوافق مع عادتها في إلقاء اللوم على المصالح الأجنبية، فيما يتعلق بالمشاكل السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وكانت الحملة الأصلية ضد المنظمات غير الحكومية قد بدأت في ظل المجلس العسكري الذي حكم لفترة الأشهر الستة عشر التي أعقبت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في شباط/فبراير 2011. وفي ذلك الوقت، ادّعى مسؤولون أن المنظمات المموّلة من الخارج تعمل على تقسيم مصر وزعزعة الاستقرار في البلاد. وبحلول كانون الأول/ ديسمبر كانت قوات الأمن تطارد مكاتب "المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي"، ومؤسسة "فريدوم هاوس"، و"مؤسسة كونراد أديناور". وقد صدرت لوائح اتهام ضد ثلاثة وأربعين موظفاً من هذه المنظمات غير الحكومية في شباط/فبراير 2012، من بينهم ستة عشر أمريكياً. ورداً على ذلك، هددت إدارة أوباما بقطع المساعدات العسكرية، ومن ثم دفعت كفالة تقرب من 5 ملايين دولار في آذار/ مارس، لتمكين الأمريكيين المتهمين من مغادرة البلاد بسلام. وبعد خمسة عشر شهراً، أدانت محكمة مصرية ثلاثة وأربعين موظفاً، بعضهم غيابياً. وبعد فترة وجيزة أصبحت القضية ساكنة نوعاً ما، حيث أن إسقاط أول رئيس مصري منتخب، زعيم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، جلب إلى الواجهة دواعي قلق أخرى متعلقة بحقوق الإنسان. ولكن، منذ ذلك الحين قام مسؤولون أمريكيون بِحثْ القاهرة بهدوء على العفو عن الموظفين المدانين وتسوية المسألة.
ونظراً للغموض الذي يكتنف الحكومة المصرية الحالية في ظل رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من الصعب معرفة سبب إعادة فتح هذه التحقيقات في الوقت الحالي، بما فيها ضد العديد من المنظمات غير الحكومية وغير السياسية. وربما جاء القرار من إحدى الأجهزة الأمنية العديدة (والمتنافسة في بعض الأحيان) في مصر، أو من القيادة العليا. وفي كلتا الحالتين، تتوافق التحقيقات مع الرواية التي تدور منذ فترة طويلة في القاهرة ومفادها أن الاضطرابات السياسية التي وقعت في السنوات الخمس الماضية هي مؤامرة خارجية. وفي الواقع، يدّعي مسؤولون على جميع المستويات - بمن فيهم الرئيس - بأن الأجانب يشنون "حرب الجيل الرابع" ضد مصر، من خلال قيام قوى خارجية بنشر الأطراف المحلية الفاعلة لإضعاف الدولة وتدميرها من الداخل "دون إطلاق رصاصة واحدة" كما وصفها مؤخراً عمود في صحيفة "الأهرام" الحكومية. وقد وُصفت المنظمات غير الحكومية المموّلة من الخارج بأنها أسلحة رئيسية في هذه "الحرب" المفترضة.
وتعني الشكوك العميقة التي تساور القاهرة من المنظمات غير الحكومية بأنه لا يوجد حلاً سياسياً أمريكياً سهلاً للأزمة الحالية. فمن خلال إعادة فتح التحقيقات، تقوم حكومة السيسي بتنشيط دورة الاتهامات التي أحبطت العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر منذ ما يقرب من أربع سنوات. وفي هذا السياق، عندما انتقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بحق، التحقيقات القضائية الجديدة ضد المنظمات غير الحكومية في الأسبوع الماضي، رد أعضاء البرلمان المصري بالدعوة إلى فرض حظر صارم على تمويل المنظمات غير الحكومية الأجنبية وحثوا الحكومة على المضي قدماً في تحقيقاتها. ووفقاً لذلك، يجب على الرئيس أوباما أن يحث الرئيس السيسي - بقوة وبشكل مباشر، ولكن ليس علناً - على إنهاء التحقيق وقمع الأزمة في أقرب وقت ممكن. وبدلاً من ذلك، إذا ما استمرت الأزمة، فسيصبح الدفاع عن الدعم الأمريكي أكثر صعوبة من الناحية السياسية - وهو الدعم الذي ما زال السيسي يدّعي أنه يقدّره.
اريك تراغر هو زميل "استير ك. واغنر" في معهد واشنطن.