- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مصر تؤيد المصالحة الخليجية لكنها لا تزال متشككة
يشكّك المسؤولون المصريون إلى حدّ كبير في التزام قطر باتفاق المصالحة ويبدو أنهم مقتنعون بأن السعودية لن تعاقب الدوحة إذا انتهكت الاتفاق. وعلى الرغم من تظاهر هؤلاء المسؤولين بالتعاون من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع السعودية، إلا أنهم يبدون مقتنعين بأن قطر ستستغل الاتفاقية الجديدة بطرق تضر بالمصالح السياسية والأمنية للقاهرة في الداخل.
في الخامس من كانون الثاني/يناير، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً يؤيد الاتفاق الجديد بين دول "مجلس التعاون الخليجي" لإعادة العلاقات مع قطر، والذي أنهى رسمياً خلافاً دام لسنوات مع "الرباعية العربية" التي تضم البحرين ومصر والسعودية والإمارات. ووفقاً للبيان، وافقت القاهرة على الاتفاق كوسيلة لإعادة التأكيد على تضامنها مع الرباعي العربي والثني عن التدخل في شؤونها المحلية. غير أن ذكر كلمة "تدخل" هو أحد المؤشرات العديدة على أن القادة المصريين ما زالوا متشككين حول قطر.
وانضمت القاهرة إلى المقاطعة في حزيران/يونيو 2017 بناءً على عدة اتهامات ضد الدوحة - أبرزها أنها كانت تثير اضطرابات سياسية في مصر من خلال تمويلها وإيوائها أعضاء من جماعة «الإخوان المسلمين» والسماح لهم بإطلاق خطب تلفزيونية يومية ضد حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وهذه المخاوف وغيرها بشأن السياسة القطرية كانت قد نشأت قبل فترة طويلة من الحظر.
ومن غير المستغرب إذن أن التغطية الإعلامية المصرية لاتفاق المصالحة كانت في حدها الأدنى وبعيدة عن الاحتفالية - حتى أن بعض المثقفين الموالين للحكومة أعربوا عن تشاؤمهم من تغيير قطر لسلوكها. وعلق الصحفي المخضرم عماد أديب، الذي تربطه علاقات وثيقة بالحكومة، بأن القاهرة ستحكم على الاتفاق من خلال نتائجه، وليس من خلال قطعة من الورق. والتزم معلقو التلفزيون الآخرون الصمت، بعد أيام فقط من معارضتهم الصاخبة لفكرة التقارب في الفترة التي سبقت القمة. وردد البرلماني مصطفى بكري انتقاداتهم - ففي اليوم السابق لإعلان الاتفاق، ناشد دول الرباعية عبر موقع "تويتر" ألا تُكْمِل جهود المصالحة الأمريكية.
ويشير صمت الإعلام النسبي منذ ذلك الحين، إلى جانب القرار غير المتوقع بإرسال وزير الخارجية سامح شكري إلى مؤتمر القمة، إلى أن القادة الخليجيين مارسوا الضغوط على القاهرة كي لا تعرب عن اعتراضاتها علناً وتسمح بمضي الاتفاق قدماً. لكن الشكاوى المصرية المتعددة قد تستمر إلى أجل غير مسمى:
انتقاد قناة "الجزيرة" للسيسي. منذ أن ساعد السيسي على الإطاحة بحكومة الرئيس محمد مرسي بقيادة «الإخوان المسلمين» في عام 2013، كانت القاهرة قلقة للغاية بشأن مدى تفضيل شبكة "الجزيرة" التلفزيونية القطرية للجماعة خلال تغطيتها للشؤون الداخلية المصرية، علماً بأن العديد من أعضاء «الإخوان» يستخدمون هذه الشبكة لانتقاد السيسي، والتشهير بسمعته في جميع أنحاء العالم العربي، وتحريض الجمهور المصري ضد حكومته. ومن وجهة نظر القاهرة، تهدف هذه الحملات الإعلامية إلى إثارة انتفاضة مستقبلية في مصر.
وواصلت "الجزيرة" تغطيتها السلبية حتى بعد أن وافقت مصر على اتفاق المصالحة. فعلى سبيل المثال، بثت مؤخراً تقريراً حول الكيفية التي كان فيها عام 2020 سيئاً للغاية بالنسبة للمصريين العاديين بسبب سياسات الحكومة التي خفضت الرواتب، وزادت أسعار تذاكر "المترو"، وخففت من وزن الخبز. وفي غضون ذلك، استخدم المعارضون السياسيون المصريون المقيمون في الدوحة وتركيا برامجهم التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال برفع الحصار باعتباره انتصاراً لقطر.
دعم قطر وتركيا للإسلاميين. أظهر المسؤولون في الدوحة وأنقرة تعاطفاً ليس فقط مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ولكن أيضاً مع الإسلاميين في ليبيا - وهي سياسة تتعارض تماماً مع رفض الحكومة المصرية الشديد للإسلام السياسي. وما يثير القلق بشكل أكبر هو أن القاهرة اتهمت الدولتين بتمويل ودعم جماعات إرهابية داخل الأراضي المصرية وفي شبه جزيرة سيناء. وتشعر القاهرة بالقلق أيضاً من وجود القوات التركية في ليبيا، التي تعج حدودها الشرقية الطويلة بتهريب الأسلحة.
علاقة الدوحة مع حركة «حماس». تستضيف قطر عدداً من أعضاء حركة «حماس» الفلسطينية الإرهابية وتعمل معهم على توفير الأموال لقطاع غزة بالتنسيق مع إسرائيل. ومنذ انقلاب عام 2013، تبنت الحكومة المصرية نهجاً متشدداً تجاه غزة، ودمرت أنفاق التهريب عبر الحدود واتهمت «حماس» بدعم الجماعات الإرهابية في سيناء. ولكن في الوقت نفسه، أبقت القاهرة قنواتها السياسية مع «حماس» لتشجيع المصالحة الفلسطينية الداخلية والحفاظ على دور مصر كوسيط مع إسرائيل.
ويُعتبر الهدف الأخير مهماً للقاهرة لأن المسؤولين يخشون أن الدوحة تنوي التدخل في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتقوم بتنحيتهم كوسطاء - وهو سيناريو قد يضر بمكانة مصر الدولية والإقليمية. وعلى مدى عقود، افتخرت القاهرة بكونها المحاور الرئيسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن قطر وسّعت نفوذها مؤخراً من خلال إرسال مبالغ كبيرة من المال إلى غزة والإظهار لواشنطن أنها تستطيع تسهيل الحوار بين «حماس» وإسرائيل.
وعلى الرغم من هذه المخاوف الدبلوماسية، قد توفر ثروة قطر المالية الكبيرة أيضاً وسيلة لتخفيف التوترات مع مصر من خلال زيادة الاستثمارات. وبعد ساعات قليلة من توقيع الاتفاق الخليجي، انضم وزير المالية القطري علي شريف العمادي إلى نظيره المصري محمد معيط ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين في حفل افتتاح "فندق سانت ريجيس" الفاخر في القاهرة. وتعود ملكية العقار إلى شركة استثمار عقاري قطرية، وقد تم شراؤه عام 2008، ولكن أعمال البناء تأخرت عدة مرات بسبب انتفاضة 2011 والمقاطعة عام 2017. ولمّح العمادي إلى المزيد من الصفقات المقبلة، قائلاً: "يمثل هذا المشروع إضافة جديدة للاستثمارات القطرية في مصر، تتجاوز 5 مليارات دولار في مختلف المجالات".
التداعيات السياسية
يشكّك المسؤولون المصريون إلى حدّ كبير في التزام قطر باتفاق المصالحة ويبدو أنهم مقتنعون بأن السعودية لن تعاقب الدوحة إذا انتهكت الاتفاق. وبالفعل، قد يكون وقف الدوحة للهجوم الإعلامي الذي تشنه ضد السعوديين وسط مواصلة حملتها ضد السيسي كابوساً للقاهرة. فواقع أن قطر تمكنت من إنهاء الحصار دون تنفيذ أي من المطالب الثلاثة عشر الأصلية للرباعي أمر محرج للغاية بالنسبة للسيسي، مما دفع المؤيدين والمنتقدين على حد سواء لطرح أسئلة غير مريحة - أي لماذا وافقت القاهرة على الصفقة دون تحقيق مطالبها، ولماذا يبدو أنها تتراجع أمام الدول العربية الأخرى على الرغم من إصرار السيسي منذ فترة طويلة على إبقاء السياسة الخارجية المصرية مستقلة عن الضغوط الخارجية؟ وبالنظر إلى هذه المخاوف، من المرجح أن يستمر عداء القاهرة تجاه قطر عندما يتعلق الأمر بـ «الإخوان المسلمين» والقضايا الإقليمية الأخرى، ويمكن أن يتصاعد ليصبح أزمة أخرى في المستقبل إذا دعمت دولة خليجية مطالب القاهرة.
هيثم حسنين هو محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.