- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية: القاهرة أكثر التزاماً بالسلام من التطبيع
وفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة "التلغراف" البريطانية، سحبت إسرائيل منذ بعض الوقت سفيرها من القاهرة بشكل هادئ بسبب مخاوف أمنية. وعلى مدى السنوات العديدة من تبادل البعثات الدبلوماسية، وبينما تمتعت البعثات الدبلوماسية المصرية دوماً بإقامتها في تل أبيب، قلصت المخاوف الأمنية بشكل منتظم حركة البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في القاهرة.
وفي معرض تعليقه على العبارات الفلسطينية الطنانة ضد إسرائيل، ذكر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة تصديق تعيينه، "في بعض الأحيان يستغرق الأمر جيلاً آخر لكي لا نعتل هماً لأمور من الماضي". وقبل ثلاثة عقود، في خطابه أمام الكنيست صرح الرئيس المصري أنور السادات أن هناك "حاجزاً نفسياً [بين المصريين والإسرائيليين] يشكل 70٪ من المشكلة." ومنذ ذلك الخطاب، يقوم الجانب المصري بإعاقة أي إمكانية لكسر الحاجز النفسي الذي تحدث عنه الرئيس السادات في عام 1977.
ومن خلال إلقاء نظرة أخرى على العلاقات المصرية الإسرائيلية مع اقتراب الذكرى الثامنة والثلاثين لمعاهدة السلام بين البلدين، فإن إحدى المسائل الرئيسية التي حيّرت المراقبين هي سبب عدم تحقيق السلام حتى الآن بين الشعبين على الرغم من مرور أربعة عقود منذ نهاية حرب عام 1973. ويصبح السؤال أكثر إثارة للحيرة إذا أخذنا بنظر الاعتبار المستوى العالي من التعاون الأمني والاستخباراتي القائم بين البلدين فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية المشتركة التي يواجهانها في سيناء.
وفي حين تبذل القاهرة جهوداً مخلصة لتحسين صورة علاقاتها مع إسرائيل، إلا أن الدافع لذلك هو تحسين مكانتها في واشنطن، لأنها تنظر إلى إسرائيل كبوابة إلى صانعي السياسة الأمريكية. ففي أعقاب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، نشب خلافاً في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، ويعتقد صانعو السياسات المصرية أن الإستفادة من العلاقات مع الدولة اليهودية يمكن أن يساعدهم في الكونغرس، الذي يرون أنه متعاطف بشكل علني مع إسرائيل. ومن هنا لم يكن من المستغرب حقاً أن نرى وزير الخارجية المصري سامح شكري يقوم بزيارة إلى القدس، ويجتمع مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ويشاهد مباراة لكرة القدم (نموذجاً للكيفية التي ينبغي أن تكون العلاقات بين شعبي البلدين)، ومن ثم السفر إلى واشنطن العاصمة لإلقاء كلمة أمام "منتدى سابان".
ومن خلال متابعة الثقافة المصرية عن كثب، بما في ذلك الطريقة التي يتم فيها تدريس جيل الشباب حول التفكير عن إسرائيل، يصبح من الواضح أن العلاقة رفيعة المستوى بين البلدين قد تتدهور إذا ما عادت التهديدات الأمنية المشتركة إلى مستوى ما قبل فترة تنظيم «الدولة الإسلامية». وببساطة، قد لا تملك الحكومة المصرية الحافز لمواصلة بناء علاقة سرية مع دولة يُنظر اليها من قبل غالبية المصريين على أنها العدو الأبدي، الذي يملك نوايا توسعية ويستميت لاستعادة سيناء وبالتالي يشكل السبب الرئيسي للالتفاف حول الجيش.
ويبدأ "تشكيل" عقل الشاب المصري حول موضوع إسرائيل في المدرسة، من خلال السرد الديني الإسلامي الذي يؤطر اليهود بأنهم خونة. ويتفق ذلك مع التصوير المستمر لوسائل الإعلام بأن اليهود أشراراً يريدون تدمير مصر.
وعندما يتابع الشباب تحصيلهم الجامعي، حيث يسود النشاط السياسي في الجامعات، فإنهم ينجذبون بسهولة جداً نحو الدعاية المعادية لإسرائيل، التي تتداخل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتُختتم هذه العملية بالتجنيد للقوات المسلحة، التي تنظر إلى إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي.
إن الهدف الرئيسي من وراء كل ذلك هو التأكد من عدم رغبة المصريين في تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية. فالخطاب المقاوم للتطبيع في مصر يستمد قوته من ثلاث مجموعات: النخبة، البيروقراطية، والجيش. وتتمتع النخبة بأقوى تأثير لأنها في الطليعة، وتسيطر على وسائل الإعلام والصحافة والجامعات. وتتركز خطاباتها أساساً ضد الدولة اليهودية على نظريات المؤامرة التي تهدف إلى نشر الخوف والكراهية بين الجماهير.
وتنقسم النخبة المصرية إلى فئتين رئيسيتين: الإسلاميون وغير الإسلاميين. وتنشر النخب الإسلامية باستمرار رسائل الكراهية ضد اليهود وإسرائيل في خطبها الدينية، باستخدامها الشعارات والقصص الدينية. وما قد يأتي بمثابة مفاجأة للكثيرين هو أن غير الإسلاميين الذين يهيمنون على دوائر الإعلام في مصر، هم الأكثر صخباً في [تأييدهم لمشاعر] العداء ضد إسرائيل والكراهية تجاهها. ومن بينهم الناصريون، والقوميون العرب، واليساريون، والليبراليون. أما معارضتهم وتشهيرهم بإسرائيل واليهود فيتم عرضها باستمرار في الصحف والبرامج التلفزيونية.
ومن بين هذه المجموعة هناك هامش صغير من الخبراء في دراسات اللغة العبرية وإسرائيل المنقسمون أيضاً فيما بينهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع إسرائيل. فالبعض يتم جذبهم بالكامل من قبل الدعاية السائدة، ويرفضون أي تعامل مع إسرائيل، بينما يعتبر الآخرون إسرائيل عدواً استراتيجياً، ينبغي التعامل معه رغم ذلك.
وتشكل الثقافة الشعبية إحدى الطرق الرئيسية التي يتم من خلالها تحصين الشباب المصريين الذين هم قادة المستقبل في البلاد ضد فكرة قبول إسرائيل. على سبيل المثال، في الوقت الذي أنشأ فيه الإسرائيليون مركزاً أكاديمياً في القاهرة ويقوم الأكاديميون كل عام بترجمة العديد من الكتب من العربية إلى العبرية، ما زالت أوساط النخبة المصرية تناقش ما إذا كانت ترجمة رواية عبرية إلى العربية وبيعها في معرض للكتاب المصري يعتبر تطبيعاً أم لا. ويكون هذا الإفراط في التدقيق مدعاة للتفاخر أمام إخوانهم العرب الذين يتّهمون مصر بخيانة القضية الفلسطينية من خلال توقيعها على اتفاق سلام مع إسرائيل.
هناك خوف مشترك بين النخب المصرية بأن إسرائيل تريد الهيمنة على المنطقة واستبدال قيادتها. وهذا هو سبب رد فعلهم السلبي عندما يسمعون مصطلح على غرار "الشرق الأوسط الجديد". فهم لا يرون أي خطأ في الشرق الأوسط الحالي، الذي يملكون فيه الكثير من النفوذ وهم الأطراف البارزة فيه. وفي حين أن التعامل مع إسرائيل هو أمر واقع، إلا أن قبولها كشريك إقليمي كبير أو صغير غير وارد على الإطلاق. ويعود ذلك أساساً إلى هوسهم بـ "يهود العالم"، حيث يعتقدون أنهم يسطرون على العالم وسوف يتمكنون، بمساعدة من إسرائيل، من السيطرة على بلادهم مالياً، الأمر الذي سيفتح الباب لسيطرتهم على البلاد بأسرها.
والمجموعة الثانية هم البيروقراطيون، الذين لا يعارضون إسرائيل فحسب بل المبادئ الغربية بشكل عام أيضاً، تلك التي تميل إلى جعلهم يعادون كل ما هو أجنبي أو جديد. فهم متأثرون بالنزعة الاجتماعية المحافظة وبكراهية الأجانب، الأمر الذي أسفر عن قيام عداء تام تجاه أي شيء يأتي من الخارج، مثل الاستثمار الأجنبي. على سبيل المثال، تعتبر عبارات مثل "حرب الجيل الرابع" و "الربيع العبري"، إحدى المراجع المستترة المشتركة التي يستخدمها كبار المسؤولين الحكوميين ووكلاء وسائل الاعلام ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وتعني هذه العبارات أن كلا البلدين يتآمران ضد مصر.
وتستغل الحكومة هذا الشعور من خلال توسيع دورها في مختلف المجالات، وكل ذلك باسم مكافحة التدخل الأجنبي والنضال ضد المتآمرين. إن ذلك يحشد الجماهير حول القوات العسكرية في نهاية المطاف، وهي التي يُنظر إليها على أنها المنقذ من العدو. وتقوم الدعاية العسكرية بتضخيم دور الجيش في التاريخ المصري الحديث، باستخدامها المشاعر المعادية لإسرائيل لإضفاء الشرعية على دورها على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وعموماً، يريد صناع السياسة الخارجية المصرية الحفاظ على السلام ولكنهم ليسوا مهتمين بتطبيع شامل للعلاقات بين البلدين. ومن خلال فهمهم للرغبة الإسرائيلية للتطبيع، فهم يستخدموها كورقة [ضغط]. ولا يتوقعون اندلاع أي صراع مع الإسرائيليين إلا إذا هاجموا أولاً أو أضروا بالمصالح القومية لإسرائيل، وعلى الرغم من كثرة الحديث فإنهم لن يحاربوا أبداً بالنيابة عن الفلسطينيين أو اللبنانيين أو السوريين. ومنذ حرب عام 1973، تعلّم المصريون الدرس بأن السعي لتحقيق المصالح العربية مع الإسرائيليين لا ينبغي أن يتم في ساحة المعركة، بل على طاولات المفاوضات.
ومع ذلك، تكمن المعضلة الكبرى في أنه بعد مرور ما يقرب من أربعة عقود، عملت وسائل الإعلام المصرية، التي يسيطر عليها المثقفون وبموافقة الحكومة، على زرع الخوف من الإسرائيليين واليهود على السواء، في أذهان الملايين من المصريين. على سبيل المثال، في وسط كل الثناء في الغرب على العلاقات الرائعة القائمة بين الجيشين، وافقت الحكومة المصرية على قيام مسلسل تلفزيوني مصري جديد يجري اعداده للبث خلال شهر رمضان المقبل، ستصور قصة فتاة يهودية تجنّد ضابط في الجيش المصري كعميل مزدوج.
وتزداد الأمور سوءاً عندما يتعلق ذلك بالمصريين المقيمين في إسرائيل والمتزوجين من مسلمين ومسيحيين من عرب إسرائيل. فلا يتم السماح لهم بالسفر ذهاباً وإياباً بحرية وفي بعض الحالات عملت الحكومة على تجريدهم من جنسيتهم. ووفقاً لـ "دائرة الهجرة والجوازات والجنسية المصرية"، إسرائيل هي واحدة من 16 دولة لا يمكن للمصريين السفر إليها دون حصولهم على تصريح من السلطات الأمنية الوطنية. ونتيجة لذلك، لا يسافر المصريون إلى إسرائيل إلا في ثلاث حالات: الدبلوماسيون في السفارة في تل أبيب، والحجاج المسيحيين، وعدد قليل من الصحفيين الذين هم محل ثقة من قبل الأجهزة الأمنية.
وإذا كان بالإمكان ذكر شيئاً واحداً يثير التفاؤل، فهو تغيير المفهوم السائد بين كثير من المصريين تجاه «حماس». فلعدة سنوات كان ينظر إليها من قبل شريحة واسعة من المجتمع المصري كحركة مقاومة، وكانت إجراءاتها ضد الإسرائيليين مبررة. وفي الوقت الحاضر، وفي أعقاب الحملة التي شنتها الحكومة المصرية ضد «الإخوان المسلمين» والجماعات التابعة لها، بدأ الجمهور يعتبر الحركة للمرة الأولى منظمة إرهابية.
وإذا كانت إدارة ترامب تريد تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ستكون مصر عنصراً أساسياً [في هذا الجهد]، إلا أن الدعاية العميقة المعادية لإسرائيل في البلاد تشكل حجر عثرة خطير.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن.
"جيروزاليم بوست"