- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3908
مواجهة استراتيجية روسيا في تسليح وكلائها المناهضين لأمريكا
تبذل موسكو كل ما في وسعها لتمكين القوى المعادية وتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط، بدءاً من الشائعات المتعلقة بتحديث صواريخ الحوثيين وإلى عمليات تسليم الأسلحة بالطن إلى ليبيا.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية، تستعد موسكو لتزويد ميليشيا "الحوثيين" المدعومة من إيران في اليمن بصواريخ متطورة مضادة للسفن. وإذا كان التقرير دقيقاً، فإن ذلك سيمثل تصعيداً روسياً آخر في التوترات مع الغرب ويزيد من حدة انتهاك الأعراف الدولية القائمة منذ فترة طويلة.
ويتوافق تسليح الوكلاء أو تمكينهم مع قواعد اللعبة التي يمارسها الكرملين. فمنذ هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح فلاديمير بوتين، كما هو متوقع، متحالفاً بشكل أوثق مع القوى المناهضة للولايات المتحدة والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. وقد اختار نزاعاً منخفض الحدة مع الغرب لأن روسيا لديها موارد أقل. وبالنسبة لموسكو، أثبت تشتيت انتباه الولايات المتحدة بتكلفة منخفضة وإجبارها على إنفاق مواردها في مواجهة الوكلاء المتمكنين أنه تكتيك فعال في معركتها الأكبر لإعادة تشكيل النظام الدولي. وفي كثير من الأحيان، كانت ردود واشنطن على الاستفزازات الروسية منعزلة ضمن مسارح إقليمية محددة وغير مرتبطة باستراتيجية شاملة. ونتيجة لذلك، لم تغير هذه الردود بشكل ملحوظ استراتيجية بوتين لتقويض المصالح الأمريكية من خلال الحرب بالوكالة.
سوريا كنموذج
يعود اعتماد روسيا المتزايد على الوكلاء إلى الفترة 2014-2015، عندما ضمت بشكل غير قانوني شبه جزيرة القرم من أوكرانيا ثم تدخلت عسكرياً في سوريا. ومنذ ذلك الحين، تتبع روسيا ما وصفه رئيس الأركان الروسي آنذاك فاليري غيراسيموف، أثناء حديثه عن سوريا في مؤتمر الدفاع السنوي "للأكاديمية الروسية للعلوم" في أوائل عام 2019، باستراتيجية "العمل المحدود". وكانت الحرب المستقبلية موضوعاً رئيسياً لذلك المؤتمر، ووفقاً لروايات الخبراء، أشار غيراسيموف على ما يبدو ضمناً إلى أن سوريا ستشكل مثالاً للعمليات الروسية المستقبلية.
وعلى مر السنين، قامت موسكو بتسليح الوكيل الأكبر لإيران، "حزب الله"، في ساحة المعركة السورية. وفي معرض هذه العملية، يبدو أن "حزب الله" تعلم الكثير من الجيش الروسي، بما في ذلك القدرة على شن حرب مناورة هجومية. وبدعم من الغطاء الجوي والمدفعي الروسي، ساعد الحزب قوات النظام بعد ذلك في تدمير معاقل المتمردين الرئيسية وتحويل دفة الحرب لصالح بشار الأسد. واعتمد الكرملين على جهات فاعلة أخرى للاضطلاع بالمهام الشاقة، لا سيما إيران ووكلائها. وفي الواقع، بلغت العلاقات الروسية الإيرانية مستويات غير مسبوقة نتيجة تدخل موسكو في سوريا، حتى قبل غزو أوكرانيا.
وفي غياب نهج غربي متسق لمواجهة روسيا في سوريا، حقق بوتين هدفه قصير المدى المتمثل في إبقاء الأسد في السلطة وهدفه طويل المدى المتمثل في إنشاء موقع عسكري دائم في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين، عززت موسكو مركزها في سوريا بطرق متعددة. ويشمل ذلك تمكين وكلاء آخرين في المنطقة، مما يعزز قدرتها على التصعيد بشكل دوري مع الولايات المتحدة.
التصعيد الأخير
منذ آذار/مارس 2023، صعّدت روسيا الوضع بشكل كبير في سوريا من خلال زيادة المضايقات العسكرية للطائرات الأمريكية. وحدث ذلك في السياق الأوسع للتصعيد الذي لم يتم الرد عليه في البحر الأسود، حيث اعترضت روسيا مراراً وتكراراً طائرات المراقبة الأمريكية بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر"، وانتهى بها المطاف بالاصطدام بطائرة مقاتلة من طراز "سو-30" في الجو. ورداً على ذلك، نددت واشنطن علناً بسلوك القوات الروسية ووصفته بأنه غير آمن وغير مهني، ثم أطلقت مناورات عبر مسرح العمليات لإرباكها واستنزاف جهوزيتها. وبعد ذلك، توقفت المضايقات.
ثم جاء الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر والتصعيد الإيراني اللاحق في جميع أنحاء المنطقة، والذي كثفت خلاله روسيا دعمها لأعداء إسرائيل. ورداً على ذلك، أرسلت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" ومدمرة بحرية إلى الشرق الأوسط في استعراض للقوة. وأدى ذلك إلى تهدئة الأوضاع. لكن مثل هذه التحركات لديها مدة صلاحية محدودة عندما تكون مؤقتة وتأتي كرد فعل، وليست جزءاً من استراتيجية شاملة لمواجهة موسكو.
وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر، ظهرت تقارير تفيد بأن القوات شبه العسكرية التابعة لـ "مجموعة فاغنر" الروسية في سوريا قد تنقل نظام "بانتسير إس-1" ("إس إيه-22 غريهاوند") المضاد للطائرات إلى "حزب الله" في لبنان، وذلك بموافقة الأسد وفقاً لبعض التقارير. ونفى الكرملين التقرير، لكن يمكن بالتأكيد تصور مثل هذا النقل، إلى جانب المزيد من التصعيد الروسي (والإيراني) في الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة بالانسحاب من شمال شرق سوريا.
ليبيا وأفريقيا
كانت ليبيا ساحة معركة بالوكالة لأكثر من عقد بين تركيا والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر. وقد نجح بوتين في ترسيخ مكانة روسيا كوسيط مؤثر في هذه اللعبة الأكبر، ولم يسعَ الغرب إلى ردعه. وعلى مر السنين، طورت موسكو علاقاتها مع كل من حكومة فايز السراج المدعومة من الأمم المتحدة والجنرال خليفة حفتر، الزعيم الذي يسيطر على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في البلاد. لكن على الرغم من التزامها الحذر، كانت روسيا تميل دائماً باتجاه حفتر. ومن المؤكد أن الكرملين لن يثق قط بشكل كامل بأي شخص لديه خلفية مماثلة، لأن حفتر مواطن أمريكي وأحد الأصول السابقة لـ "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية. لكن علاقاتها معه تطورت على مر السنين، وقد أثبت نفسه كوكيل آخر للكرملين. وفي المقابل، كثفت موسكو تواجدها العسكري في شرق ليبيا.
وفي ربيع هذا العام، بعد أن قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف بزيارة حفتر مراراً وتكراراً، قامت موسكو بتسليم آلاف الأطنان من المعدات العسكرية من منشآتها البحرية في طرطوس بسوريا إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا. وتستمر تقارير بالظهور مفادها أن موسكو تضغط على حفتر لمنحها حقوق ميناء المياه العميقة في طبرق لإيواء غواصات هجومية نووية. وقد سمح الوجود الروسي في ليبيا للكرملين بالوصول إلى مطارات البلاد، التي ينقل منها الإمدادات ويهرب الوقود والذهب والأدوية لجمع الإيرادات اللازمة لحربه على أوكرانيا وتوغله في أجزاء أخرى من أفريقيا. وعادةً ما يلعب الكرملين على الجانبين حتى لو كان يميل أكثر نحو أحد الطرفين، كما رأينا في السودان، حيث قدم الأسلحة لكل من "القوات المسلحة السودانية" وخصمها، "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية. وقد سمح ذلك لموسكو بالتوغل بشكل أعمق في منطقة الساحل، حيث استغلت المشاعر المعادية للولايات المتحدة وأوروبا لدعم الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وفي المقابل، قام الشركاء المحليون بطرد المدربين والمستشارين العسكريين الغربيين وسمحوا لروسيا بالاستعانة بمدربين ومستشارين عسكريين خاصين بها.
لماذا يتم تمكين الحوثيين؟
يؤطر السياق الموصوف أعلاه مصالح روسيا الحالية في البحر الأحمر. ففي كانون الثاني/يناير، اعترف الرئيس بايدن بأن الضربات العسكرية فشلت في ردع "الحوثيين" عن شن المزيد من الهجمات، سواء ضد السفن التجارية في الممرات المائية الإقليمية أو ضد إسرائيل في خضم حرب غزة. وفي غضون ذلك، أدت الجهود الأمريكية المستمرة لإبقاء الممرات البحرية العالمية مفتوحة إلى نقص خطير في صواريخ الدفاع الجوي الأمريكية، لا سيما صواريخ "إس إم-3" الاعتراضية، التي تُعد واحدة من أكثر أنظمة الأسلحة الأمريكية قيمة وتكلفة والتي تُعد ضرورية لضمان الاستعداد لأي نزاع محتمل بين الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ، وهو واقع من المرجح أن تكون موسكو على دراية به جيداً.
بالإضافة إلى ذلك، بينما يلاحظ شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عدم قدرة واشنطن على حل هذه الأزمة، يعزز ذلك رواية موسكو التي مفادها أن الولايات المتحدة هي ضامن غير موثوق للاستقرار، ويطرح أسباباً إضافية لهم لتحقيق التوازن في سياستهم الخارجية من خلال التعامل مع روسيا (والصين). وبالتالي سيكسب بوتين أكثر مما سيخسر إذا ساهم في تأجيج أزمة البحر الأحمر، سواء من خلال تسليح "الحوثيين" أو تمكينهم بوسائل أخرى. ومن وجهة نظره، لا يختلف ذلك عما تفعله الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا.
وقد يعتبر البعض بأن روسيا، مثل الدول الأخرى، تتضرر مالياً من جراء ما يفعله "الحوثيون"، حتى لو كانت تدين الولايات المتحدة وبريطانيا علناً على خلفية قيامهما بعمل عسكري ضد الحوثيين. صحيح أن روسيا تحتاج إلى حرية الملاحة في البحر الأحمر لتوصيل صادراتها النفطية إلى شرق آسيا، كما أن تحويل مسار السفن حول رأس الرجاء الصالح يؤدي إلى زيادة التكاليف ووقت الشحن. لكن البيانات المتاحة تشير إلى أن الأزمة أثرت أقل نسبياً على شحنات النفط الروسية من تأثيها على شحنات نفط منافسيها. وتستمر ناقلات النفط الروسية في المرور عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عمان دون عوائق نسبياً. وقد تجنب "الحوثيون" السفن الروسية إلى حد كبير، على الأرجح لأنه ليس لديها أي صلة بالولايات المتحدة أو إسرائيل (على الرغم من أنهم كانوا يهاجمون في بعض الأحيان سفناً أخرى تحمل شحنات روسية إذا كانت تزور الموانئ الإسرائيلية).
وبالتالي، فبينما قد تتحمل موسكو بعض التكاليف من جراء تمكين "الحوثيين"، فإن الفوائد تفوق تلك التكاليف على الأرجح. فقد تعاملت موسكو مع وكلاء يصعب التعامل معهم من قبل، مثل حفتر. وعلى الرغم من محدودية الأسلحة التي يمكن لروسيا تصديرها بسبب الحرب الأوكرانية، إلّا أنه يمكنها إرسال صواريخ مضادة للسفن إلى "الحوثيين" دون التأثير على تلك الجبهة.
وقد ربط بوتين أفعاله بما وصفه بالصراع الأكبر مع الغرب. فإذا كانت أوكرانيا بنظره تعني أكثر من مجرد أوكرانيا، فيجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تتبنى وجهة نظر استراتيجية ذات مستوى أعلى وأن تربط أعمال روسيا عبر مسارح مختلفة، بما في ذلك عندما تلجأ موسكو إلى تكتيكات غير متكافئة.
وفي البحر الأحمر، يبدو من غير المرجح أن يؤدي الحل العسكري وحده إلى حل الأزمة. فبالإضافة إلى معالجة النقص الحاد في صواريخ "إس إم-3" الاعتراضية، تحتاج واشنطن إلى أفكار إبداعية حول تشكيل تحالف، خاصة مع شركائها في الشرق الأوسط، وصياغة أهداف واضحة للتوصل إلى نتيجة تفاوضية للأزمة. وسيشمل هذا الهدف بالضرورة ردع رعاة "الحوثيين" في طهران. والواقع أن خصوم أمريكا أصبحوا أكثر جرأة الآن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا لا تزال قادرة على شن حرب على أوكرانيا.
يجب على واشنطن أيضاً أن تفكر في الفوائد الإقليمية المحتملة التي يمكن أن تجنيها من مواجهة "أسطول الأشباح" الروسي المكون من سفن الشحن غير المسجلة التي تدعم المجهود الحربي مالياً في أوكرانيا. وقد استهلت إحدى دول "الناتو" مناقشة حول وقف الأسطول. وعلى الرغم من أن استهدافه لن يحل أزمة "الحوثيين" بشكل مباشر، إلا أنه سيقوض قدرة روسيا على تمكين الحركة، ناهيك عن جميع المسارح الأخرى التي يعمل بوتين على زعزعة استقرارها بشكل مطرد. فإلى أن تبذل الولايات المتحدة المزيد من الجهد لردع هذه الجهود على مسارح متعددة ، ستستمر استراتيجية موسكو بالوكالة في مفاقمة الأزمات، واستنزاف القوة العسكرية الأمريكية، وتقويض مصداقية الولايات المتحدة.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" في معهد واشنطن.