- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2612
مزاعم مضللة حول العراقيل الأمريكية أمام العلاقات المالية بين إيران وأوروبا
في 25 نيسان/أبريل، وبعد الاجتماع الأول الذي عقدته اللجنة المشكّلة من «مجموعة الخمسة زائد واحد» وإيران في فيينا في "اليوم التالي" ليوم التنفيذ، أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن جميع الأطراف قد وافقت على تشكيل فرقة عمل لمعالجة الشكاوى التي تبديها حكومته بشأن رفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي. وكانت هذه آخر خطوة في الحملة الإيرانية التي حققت نجاحاً كبيراً في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة لمختلف المشاكل التي ما زالت تعيق أعمالها ولا سيما الوصول إلى النظام المصرفي الدولي.
في 15 نيسان/أبريل، صرّح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للصحفيين أن طهران والاتحاد الأوروبي "سيضغطان على الولايات المتحدة لتسهيل تعاون المصارف غير الأمريكية مع إيران". وكانت الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني حاضرة في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد في إطار زيارتها، وألمحت الأنباء المتداولة عن هذا الحدث إلى أنها اتفقت مع الوزير ظريف، على الرغم من أنها لم تقل ذلك بصورة مباشرة. وكتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "غياب المصارف الغربية الكبرى اللازمة لتكفّل العقود وإقامة روابط مالية واسعة النطاق تعيق تنفيذ المشاريع الملموسة، [و] أن المسؤولين الأوروبيين يخشون أن يتسبب ذلك بحدوث دوامة انحدارية من انعدام الثقة بشأن الاتفاق النووي". وبالمثل، قال أحد مستشاري الأعمال الإيرانيين لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه "إذا لم يتغير الوضع نحو الأفضل - من ناحية الخدمات المصرفية والمزيد من العقود - بالنسبة لإيران، فسوف تزيد المخاطر المحدقة بالاتفاق". ونقلت الصحيفة أيضاً عن لسان أحد أعضاء البرلمان الأوروبي ماريتي شاك وهي تشكو من أن "أوروبا تظل رهينة السياسة الأمريكية... فقد تفاوضنا على الاتفاق النووي سويةً ولكن الولايات المتحدة تعرقل الآن تنفيذه".
وبالفعل، أخذت واشنطن تضع عراقيل كبيرة أمام المصارف الغربية الراغبة في العمل مع المصارف الإيرانية. بيد، أن أسباب هذه الإجراءات لا تمت بصلة إلى المسألة النووية. وفي الواقع، إن بعض من أبرز هذه العراقيل لا تتعلق بتاتاً بأيًّ من الخلافات العميقة في السياسة الخارجية بين الولايات المتحدة وإيران.
مكافحة التهرّب الضريبي كمثال
عند النظر في إجراء أي تعاملات مع المؤسسات المالية الإيرانية، فإنّ أحد أخطر العراقيل التي تواجهها المصارف وشركات التأمين هو الامتثال لقوانين مكافحة التهرّب الضريبي. فـ "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" ("القانون") الصادر عام 2010 في الولايات المتحدة يضع متطلبات صارمة على المؤسسات المالية الأجنبية تتمثل بضرورة التبليغ عن حسابات دافعي الضرائب الأمريكيين. ووفقاً للتوجيه الصادر عن "مكتب خدمات الأموال الداخلية" ("مصلحة الضرائب الأمريكية" أو "دائرة الإيرادات الداخلية") بشأن هذا القانون، فإن "المؤسسات المالية الأجنبية التي لا تسجل اسمها وتوافق على تقديم تقرير تواجه ضريبة استقطاع بنسبة 30 في المائة على بعض الدفعات موجّهة إليها من مصادر أمريكية". إن الموافقة على تقديم تقرير، تعني التعامل فقط مع المؤسسات المالية الأجنبية التي تمتثل لهذا "القانون". ومن الناحية العملية، تصر كل مؤسسة مالية في العالم تقريباً بأنه يتوجّب على المؤسسات المراسلة المتعاملة معها، أن تلتزم بـ "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" لأنها الطريقة الوحيدة لتجنب هذه الضريبة المقتطعة الضخمة.
وفي الواقع أن "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" ليس سراً بأي حال: فالصحف المختصة بالشؤون المالية، ومن بينها وسائل الإعلام الخليجية، قد انهالت بالتعليقات على حملة التعريف المطوّلة التي أقيمت لـ "القانون". وحين تضارب التشريع مع القوانين المحلية التي تحمي السرّية المصرفية، عملت العديد من الدول مع الولايات المتحدة للتوصل إلى "اتفاقيات ما بين الحكومات" تتيح للمؤسسات المالية الأجنبية التبليغ عن المعلومات المطلوبة لحكوماتها المحلية عوضاً عن تبليغها لـ "دائرة الإيرادات الداخلية". من هنا، إذا كان لدى واشنطن أي استفسارات عن حسابات دافعي الضرائب الأمريكيين لدى هذه المؤسسات، فتقوم بتوجيهها إلى الحكومة المعنية.
ولا يمكن للمؤسسات المالية الأجنبية أن تشتكي بمصداقية من أن "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" يعتبر تجاوزاً لحدود الدولة نظراً للبيئة الدولية الراهنة المعادية للتهرب الضريبي الملموس من قبل الشركات المتعددة الجنسيات. وحالياً تعمل العديد من الدول الأوروبية على تنفيذ قواعد مماثلة لـ "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" بالتماشي مع "برنامج الامتثال الضريبي للحسابات العالمية" الذي اقترحته "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". وازدادت هذه المقترحات زخماً مع "أوراق بنما"، وهي مجموعة وثائق مسرّبة من شركة المحاماة "موساك فونسيكا" وتكشف وفقاً لعض التقارير عن عمليات تهرّب ضريبي قامت بها مجموعة كبيرة ومتنوعة من المؤسسات المالية والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وقد أصرت الشركة في بيان لها بشأن التسريبات على أنها تتعاون بشكل تام مع التحقيقات في أي انتهاكات محتملة لـ "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية". ولم يتوانَ "السكرتير الصحفي للبيت الأبيض" جوش إيرنست عن الإشادة بدور هذا "القانون" في حماية الولايات المتحدة من نوع التهرب الضريبي الأجنبي الذي يبدو أنه مفصّل في تلك الأوراق.
وفي الواقع أن لدى "دائرة الإيرادات الداخلية" سبباً وجيهاً للقلق من التهرب الضريبي من قبل المواطنين الأمريكيين أو حاملي بطاقات الإقامة الدائمة ("الغرين كارد") الذين لهم إيرادات أو ممتلكات في إيران، وقد لا يكونوا قد صرّحوا عنها لأنها قد تنتهك العقوبات الأمريكية (وهذه إحدى الأمثلة الكثيرة عن التعقيدات المرتبطة بالعقوبات والمترتبة على الناس العاديين). وغالباً ما يفاجأ هؤلاء الأفراد المقيمون في الخارج - ومن ضمنهم الأشخاص الذي ولدوا في الولايات المتحدة حين كان ذووهم يدرسون هناك إنما لم يعيشوا في أمريكا قط - حين يكتشفون أن عليهم دفع الضرائب المفروضة في الولايات المتحدة على دخلهم المكتسب في جميع أنحاء العالم. وبالرغم من عدم توفر أي بيانات رقمية (مؤكدة) في هذا الشأن، من المرجح أن يكون عشرات آلاف المواطنين الأمريكيين أو حاملي بطاقة الإقامة المؤقتة من المقيمين في إيران.
لذلك إذا أرادت إيران حماية خصوصية مؤسساتها المالية ومواطنيها، يمكنها أن تحذو حذو الكثير من الحكومات الأخرى، أي التوقيع على اتفاقية ما بين الحكومات مع الولايات المتحدة تستوجب على كل مصرف إيراني أن يسجل اسمه لدى "دائرة الإيرادات الداخلية" للحصول على "رقم تعريف وسيط عالمي" - وإلا تعرضت كل مؤسسة أجنبية تجري معها تعاملات مالية للضريبة البالغة 30 في المائة على المبالغ المدفوعة الصادرة من الولايات المتحدة. وحتى الآن، أفادت بعض التقارير أن مصرفاً إيرانياً واحداً قد سجّل نفسه وحصل على "رقم تعريف وسيط عالمي"، وهو فرع هامبورغ من "بنك ملي إيران" المملوك للدولة. وفي حين يمكن للـ "اتفاقية ما بين الحكومات" أن تشمل بعض المصارف الأخرى المسجلة في الخارج والإيرانية الملكية، قد يكون بانتظار المصارف غير المشمولة بالاتفاقية أو غير المسجلة، صعوبات جمة في التعامل مع المؤسسات المالية غير الإيرانية بغض النظر عن أي إجراء تتخذه واشنطن على مستوى العقوبات.
وفي الواقع أن "قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية" لا يمت بصلة إلى العقوبات النووية وهو بالتأكيد لا يستهدف إيران وحدها. فلا وزارة الخارجية الأمريكية ولا "مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية" (الذي ينفّذ عقوبات وزارة الخزانة) يقرران كيفية تطبيق القانون. ولكن من وجهة نظر مؤسسة مالية أجنبية، يشكل "قانون الامتثال الضريبي" جزءاً من مزيج السياسة الأمريكية التي تعرقل المعاملات مع إيران، ومع أي دولة أخرى لا تمتثل لهذا "القانون".
التداعيات السياسية
في 21 نيسان/أبريل، صرّح الوزير ظريف لـ "نيويورك تايمز" أن الاتفاق النووي "يتطلب من الولايات المتحدة السماح للمؤسسات المالية الأوروبية التعامل مع إيران بكل راحة بال". وفي اليوم التالي، وفي مؤتمر صحفي مشترك مع ظريف أصرّ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن "الولايات المتحدة لا تقف في طريق، ولن تقف في طريق، الأعمال التجارية المرخصة في إيران". ومن المرجح أن الكثيرين يعتبرون تصريح كيري مضللاً لأن مختلف وكالات الحكومة الأمريكية - ولكن ليس وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة - تقف فعلياً في طريق المصارف الإيرانية بما يحول دون وصولها الكامل إلى النظام المالي الدولي. بيد، تنبع هذه العراقيل من الواقع البسيط وهو أن الشركات الإيرانية لا تلتزم بالقواعد نفسها المطبّقة على كافة المصارف وشركات التأمين الأجنبية الأخرى.
لذلك، وعوضاً عن طمأنة الأوروبيين بإمكانية التعامل مع إيران براحة بال، ستواصل الوكالات التنظيمية والضريبية في الولايات المتحدة إصرارها على أن تطبِّق المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي نفس القواعد الصارمة التي تطبقها على كافة المؤسسات الأخرى، عند تعاملها مع نظيراتها الإيرانية. ويعتبر الالتزام بهذه المعايير مهمةً شاقة للمصارف الإيرانية كونها لم تمتثل بعد للقواعد الدولية الأشد صرامة المعتمدة خلال السنوات التي كانت فيها الجمهورية الإسلامية واقعة تحت وطأة العقوبات النووية. وتشكل هذه القواعد الجديدة عبئاً ثقيلاً؛ فالمصارف الدولية الكبيرة تنفق مليارات الدورلات لتنفيذها. فلا عجب في أن تشكو المصارف الإيرانية بعد أن اكتشفت حديثاً كل ما يتوجب عليها القيام به.
في خطابٍ لآية الله العظمى السيد علي خامنئي نُشر على موقعه الإلكتروني في 27 نيسان/أبريل، يجادل المرشد الأعلى قائلاً، "إن الولايات المتحدة تسمح للمصارف الأجنبية بالتعامل مع إيران بصورة خطية، ولكنها تبثّ الخوف من إيران على أرض الواقع لكي لا يتعامل معها أحد". لذلك إذا كانت واشنطن قلقة من أن تؤدي مثل هذه الآراء إلى دفع الناس إلى اتهام الولايات المتحدة بعدم الإلتزام بالاتفاق النووي، فإن الهجوم الجيد هو خير وسيلة للدفاع. وبدلاً من القبول ضمنياً بقول ظريف بأن على الحكومة الأمريكية طمأنة المصارف الأوروبية، على واشنطن أن تشير إلى أنه إذا أرادت إيران حصد ثمار الاتفاق النووي، عليها أن تنضم إلى باقي دول العالم وتنفّذ المعايير الصارمة التي اعتُمدت على مرّ العقد المنصرم بشأن التهرب من دفع الضرائب، وإعداد التقارير المالية، وتبييض الأموال وغيرها من القضايا. ولا بد أن تكون الرسالة واضحة وهي: أن أي مؤسسة مالية تتخلف عن تطبيق هذه المعايير، بغض النظر عن بلدها الأم، ستكون تحت رقابة أمريكية دقيقة.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.