- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
نمط روسيا الحازم في سوريا
أدت الكارثة الإنسانية في سوريا إلى وقوع مئات الآلاف من القتلى ونزوح 11 مليون شخص. وإذا سمح الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ميونيخ بوقف الأعمال العدائية وخلق ممرات إنسانية، سيستحق الأمر العناء. ولكن من الصعب التفاؤل في هذا السياق.
ولا يعود ذلك لأن بشار الأسد يقول إنه سيستمر في ملاحقة الإرهابيين، وهي الفئة التي يدرج ضمنها بشكل مقصود جميع خصومه تقريباً. إن ما يقوله السيد الأسد يأتي في غير موضعه. إذ لا يمكن لقواته أن تحقق الكثير من [التقدم] من دون روسيا والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، فحتى القوات التي تدعمها إيران تعتمد بشكل متزايد على الروس للحصول على الغطاء الجوي والدعم المدفعي.
إن الروس هم الذين يتمتعون بالأهمية التي تحدث الفارق، وقد اعتمدوا مرة أخرى نمط الاتفاق مع الولايات المتحدة على المبادئ العامة لتخفيف حدة الصراع السوري ثم تصرفوا من دون احترام تلك المبادئ. فمنذ عام 2012 وافقت روسيا على مبادئ شملت فكرة العملية الانتقالية في سوريا ولكنها لم تنحرف أبداً عن مسار تقديم الدعم والعتاد للسيد الأسد. بالإضافة إلى ذلك، واصلت روسيا دعمه بشكل غير مشروط عندما رفض التزحزح عن موقفه في أي قضية في المحادثات القصيرة التي جرت مع الجماعات المعارضة في كانون الأول/ ديسمبر 2013 وكانون الثاني/ يناير 2014 في جنيف. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تم التوصل إلى اتفاق على مبادئ فيينا التي دعت إلى مرحلة انتقالية أمدها 18 شهراً على أن تبدأ بمفاوضات ووقف إطلاق النار مع طرائق يتم العمل بها بسرعة. وقد تجسدت هذه النقاط في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 في كانون الأول/ ديسمبر. وكيف تصرف الروس حياله؟ هل ساعدوا في الوصول إلى وقف إطلاق النار؟ هل أتوا إلى الولايات المتحدة وقالوا إنهم سيقومون بدورهم لوقف البراميل المتفجرة التي تلقيها قوات السيد الأسد ووضع حد للأسلوب الذي يعتمده في استخدام التجويع كأداة في الحرب إذا اعتمدت واشنطن على الأتراك والسعوديين والقطريين للضغط على قوى المعارضة لوقف القتال؟
كلا، لم يفعل الروس ذلك، بل صعّدوا من قصفهم الجوي ودعمهم للهجمات التي يشنها النظام السوري/إيران في درعا، في جبال اللاذقية، وفي الشمال حول حلب. وإذا كان الروس جادين فيما يتعلق باتفاق ميونيخ، فلماذا يوجهون الضربات إلى مجموعات من غير تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، ومعظمها حالياً أهداف من غير «جبهة النصرة» بغية منع النفاذ إلى حلب؟ من الواضح أن هذه الإجراءات لا تهدف فقط إلى تغيير موازين القوى على الأرض، بل أيضاً إلى إخلاء المناطق وإعادة صياغة الخيارات المستقبلية في سوريا إلى حد كبير. ومن المفارقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشار الأسد وتنظيم «داعش» جميعهم يريدون حد الخيار ما بين النظام و تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالنسبة إلى الرئيس بوتين، يضمن هذا الخيار دعم العالم للأسد، وتشكيل روسيا للنتائج التي تريدها بطريقة لا تترك أي شك بأن الروس هم من يحصدون الفوز. أما بالنسبة إلى تنظيم «داعش»، فإن هذا التباعد يجعل المتطرفين التابعين له حماة أهل السنة ويجذب المسلمين دولياً إليه.
أرجو أن أكون مخطئاً حول نظرتي إلى أهداف بوتين. ولكن في كل مرة تجري محادثات بين الولايات المتحدة والروس، تتزايد وتيرة القصف الروسي. ففي يوم السبت الماضي تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرئيس بوتين للضغط من أجل تنفيذ اتفاق ميونيخ، وكان رد السيد بوتين: لن يكون هناك تقليص لوتيرة الضربات الجوية الروسية. وفي نهاية الأسبوع المنصرم، تضمنت تلك الضربات تفجيراً واحداً على الأقل لمستشفى تابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود". أنا لا أقترح أن توقف الولايات المتحدة محادثاتها مع الروس. لكن الرئيس بوتين لا يتأثر بالكلمات وحدها، بل يستجيب لفرض النفوذ. فإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لرفع الثمن الذي يدفعه الروس عن طريق إعلامهم بأنهم لم يتركوا أمام واشنطن أي خيار سوى إنشاء ملاذ آمن و/أو زيادة تسليح الجماعات المعارضة السورية، فبالتالي يمكن لواشنطن أن تتوقع استمرار الوضع على ما هو عليه. فتعريف الجنون يقوم على إعادة الأمر عينه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة.
دينيس روس مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "النجاح قدراً محتماً: العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ترومان إلى أوباما". وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"