- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
نتنياهو يتصرّف بطريقة تعود بالفائدة على خامنئي
Also published in "فورين بوليسي"
يلعب زعماء إيران لعبة طويلة الأمد؛ بينما لا يفعل قادة إسرائيل ذلك.
لا تخفي إيران التزامها بالسعي إلى تدمير إسرائيل. وتتمثل استراتيجيتها في إبقاء إسرائيل تحت ضغط مستمر وإغراقها في صراعات مستمرة على حدودها. وفي حين أن ذلك واضح للعيان، إلّا أن النهج الإسرائيلي الحالي - ومن عجيب المفارقات - يبدو وكأنه يصب في مصلحة إيران.
ولطالما افترض المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن الإسرائيليين سيغادرون بلادهم إذا شعروا أنهم يتعرضون لضغوط مستمرة من التهديدات العسكرية. إن ما يشير إليه البعض بـ"حلقة نار" حول إسرائيل ينبع من هذا الافتراض.
وليس من المهم كثيراً ما إذا كان خامنئي والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله مخطئين - ففي النهاية، أظهر الإسرائيليون، رغم كل خلافاتهم، وبشكل لا لبس فيه أنهم سيقاتلون من أجل بلدهم وسيبقون فيه. والأمر المهم هو أن خامنئي ونصر الله يؤمنان بذلك ويصممان استراتيجيتهما العسكرية وفقاً لذلك - ولكن ما يجلب إسرائيل المضرة، هو وقوع حكومتها في فخهما.
وقال نصر الله في خطاب له في كانون الثاني/يناير إن الإسرائيليين غير متجذرين في الأرض، وإنهم سيهربون منها تحت الضغط. كما صرح خامنئي أن من شأن "الهجرة العكسية" أن تعني نهاية إسرائيل.
ووفقاً لهذا المنطق، يعتقد الزعيمان أن الاستراتيجية المناسبة على المدى الطويل هي إرغام إسرائيل على القتال على جميع الجبهات: في غزة، وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وفي الضفة الغربية، وخاصة مع تهريب الأسلحة والمتفجرات والأموال الإيرانية إلى كل هذه الساحات - شريطة ألا يؤدي ذلك بالطبع إلى جر إيران مباشرة إلى الصراع وألا يكلف الجمهورية الإسلامية أهم وكلائها، "حزب الله". وإذا كانت هناك أي شكوك متبقية حول مشيئة إيران في تجنب الحروب الشاملة، فيجب أن تتلاشى بعد عملية القتل المستهدف التي نفذتها إسرائيل ضد فؤاد شكر، الذي يمكن القول إنه ثاني أهم شخصية في "حزب الله"، واغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس". وبينما وعد كل من خامنئي ونصر الله بأنه سيكون هناك "رد قاسٍ" وأن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً لهذه العمليات، فقد تجنبا حتى الآن التصرف بطريقة قد تؤدي إلى التصعيد. وعندما رد "حزب الله" أخيراً، ادّعى نصر الله تحقيق نجاح كبير (لتجنب القيام بالمزيد)، على الرغم من السخرية منه على وسائل التواصل الاجتماعي العربية بسبب ادعاءاته.
وفي حين لم يدعم خامنئي ونصر الله تهديداتهما بالانتقام عن طريق شن عمليات، إلا أنهما مصممان على إبقاء إسرائيل تحت ضغط مستمر وإغراقها في حروب استنزاف. وفي الواقع، يتمثل جوهر استراتيجية إيران في إرهاق إسرائيل في مستنقعات تكلفها عسكرياً وتعزلها سياسياً على الساحة العالمية. وكما ادّعى خامنئي في آذار/مارس، "تعاني إسرائيل من أزمة" لأن "دخول النظام الصهيوني إلى غزة خلق له مستنقعاً. وإذا خرجت إسرائيل من غزة اليوم، فستكون قد فشلت. وإذا لم تخرج، فستكون قد فشلت أيضاً".
وتؤكد السياسات الحالية لإسرائيل صحة الاستراتيجية الإيرانية. فإسرائيل تخوض حالياً حروب استنزاف في غزة، وعلى حدودها الشمالية، وبشكل متزايد مع توغلات أكبر في الضفة الغربية. وقد تبدو كل واحدة من هذه الجبهات - وبشكل منفصل - منطقية، ولكنها مجتمعة، تشكل لعبة وفقاً لشروط إيران.
ولا يعني ذلك أن على إسرائيل أن تسعى الآن إلى خوض حروب شاملة مع "حزب الله" أو إيران. لكن إسرائيل بحاجة إلى استراتيجية جديدة.
وهذا أسهل قولاً من الفعل. وسيتطلب الأمر اتخاذ عدد من القرارات الصعبة بل الضرورية من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة بايدن. يجب أن يكون الرئيس الأمريكي القادم مستعداً لاتخاذ خطوات تجعل بعض هذه الخيارات الصعبة أسهل للتبرير.
وبالنسبة لإسرائيل، يجب أن تبدأ مثل هذه الاستراتيجية بإنهاء الحرب في غزة. وتحاول إدارة بايدن تسهيل ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق حول الرهائن يضع الأساس لوقف إطلاق النار الدائم. وللأسف، فإن هذه الجهود تجعل من خليفة هنية، يحيى السنوار، الحَكَم في مسألة إمكانية التوصل إلى اتفاق، حتى مع افتراض أن نتنياهو جاد بشأن إبرام صفقة رهائن، وهو أمر يشكك فيه العديد من الإسرائيليين.
وبينما يأمل كاتب هذه السطور أن تنجح الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، إلّا أنه يجب أن تكون هناك خطة بديلة تركز على إنهاء الحرب من أجل إطلاق سراح الرهائن، بدلاً من التوصل إلى اتفاق حول الرهائن لإنهاء الحرب. ولتحقيق هذه الغاية، يحتاج نتنياهو إلى القدرة على الادعاء بتحقيق النجاح بشكل موثوق، على أساس تفكيك الجناح العسكري لـ "حماس" وتدمير الكثير من بنيتها التحتية العسكرية (مستودعات الأسلحة، ومختبرات الأسلحة، ومنشآت إنتاج الأسلحة، والأنفاق) وضمان وقف التهريب لمنع "حماس" من إعادة تشكيل قوتها. إن إسرائيل قريبة جداً من تحقيق هذا الهدف، بعد أن نجحت في تفكيك "حماس" كقوة عسكرية، فضلاً عن الكثير من بنيتها التحتية العسكرية.
إن تركيز نتنياهو على "معبر رفح" و"ممر فيلادلفيا" ليس خاطئاً، لأن هناك ضرورة لوقف التهريب فوق الأرض وتحتها في كلا المنطقتين؛ ولكن إجابته حول إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي هناك خاطئة لأن هناك بدائل للوجود الإسرائيلي، ومثل هذا الوجود سوف يكلفه ما يريد تحقيقه أيضاً، وهو إيجاد بديل لحكم "حماس" في غزة - أي الدليل الحقيقي على انتصار إسرائيل.
وتستعد مصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى لإدارة غزة بشكل مؤقت إلى جانب الفلسطينيين غير المنتمين لـ "حماس" وتوفير الأمن - ولكن ذلك لن يحدث إذا بقيت إسرائيل في غزة، وقد قال نتنياهو مراراً وتكراراً إنه لا يريد ذلك. بإمكان إدارة بايدن المساعدة في منع التهريب من خلال توفير تقنيات مسح جديدة والالتزام بالمساعدة في تمويل حاجز تحت الأرض لمنع الأنفاق، وترتيب وجود قوات إماراتية إلى جانب متعاقدين أمنيين مدربين ومجهزين بشكل خاص لحراسة الممر.
وإذا أعلن نتنياهو إنهاء الحرب إذا تم إطلاق سراح الأسرى، فسوف يواجه السنوار ضغوطاً هائلة ليس فقط من العرب بل من الفلسطينيين أيضاً للإفراج عنهم - وذلك إلى حد كبير لأن ذلك كان شرط "حماس" منذ البداية. نعم، ستظل هناك المفاوضات حول التسلسل الزمني وسرعة انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ولكن السياق بأكمله سيتغير، وستتمكن إسرائيل من ادعاء الموقف السياسي الأقوى وإخبار مواطنيها بأنها تنهي الحرب وفقاً لشروطها.
ويمكن لإسرائيل بعد ذلك معالجة موضوع الحدود الشمالية. فقد أوضح نصر الله بكل وضوح أنه سيتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة - وهذا من شأنه أن يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق يسمح للمواطنين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى منازلهم على جانبي الحدود. وحتى لو كانت إيران تفضل استمرار حرب الاستنزاف هناك، فإن نصر الله لا يفضل ذلك، نظراً للثمن الذي دفعته القاعدة الشيعية لـ "حزب الله" في جنوب لبنان، حيث اضطر نحو 100,000 لبناني إلى إخلاء منازلهم.
ولن يعود 60,000 إسرائيلي الذين تم إجلاؤهم إلى ديارهم إلا إذا تأكدوا من أن قوات "حزب الله" وأسلحته لن تعود إلى الحدود. ولا توجد وسيلة بسيطة لضمان ذلك - فقد أثبتت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد والجيش اللبناني أنهما لن يمنعا "حزب الله" من القيام بأي شيء أو الذهاب إلى أي منطقة. ولكن هناك شيء واحد يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لردع "حزب الله" عن انتهاك مثل هذا التفاهم: الالتزام بدعم إسرائيل، خطابياً وإعادة إمدادها بالسلاح، أثناء تحركها، بما في ذلك على الأرض، إذا أعاد "حزب الله" أي قوات نحو الحدود.
وبدلاً من القول ببساطة إن واشنطن لا تستطيع منع الإسرائيليين من ممارسة مسؤولية الحماية، يجب أن يكون نصر الله على معرفة بأن الولايات المتحدة ستدعم التحرك الإسرائيلي إذا انتهك "حزب الله" الاتفاق. ويدرك نصر الله العواقب المترتبة على حرب شاملة، و"حزب الله" هو الوكيل الوحيد الذي لا تستعد إيران للتضحية به.
أما بالنسبة لما أصبح جبهة ثالثة متزايدة، أي الضفة الغربية، فلا يمكن لإسرائيل ببساطة أن تتّبع سياسة عقابية. وسوف تنجح العمليات الحالية التي يشنها الجيش الإسرائيلي هناك في تدمير معامل صنع القنابل وقتل واعتقال الإرهابيين المطلوبين - وكما حدث في توغلاتها السابقة، فسوف تضطر إسرائيل إلى تكرار هذه العمليات باستمرار.
وهناك جهوداً إيرانية كبيرة لتهريب الأسلحة والمتفجرات ودفع رواتب لأعداد كبيرة من الشباب الفلسطينيين العاطلين عن العمل لتنفيذ أعمال إرهابية ضد إسرائيل - ويجب وقف ذلك. وتأتي معظم عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية إلى الضفة الغربية وتنطلق من سوريا. وتبذل الأردن جهوداً لوقفها ولكنها تفتقر إلى التكنولوجيا والقوى البشرية اللازمة للقيام بهذه المهمة - وهنا مجدداً، بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً من خلال توفير التكنولوجيا والطائرات بدون طيار، بل وحتى الأفراد.
ولكن يتعين على إسرائيل أيضاً معالجة الأرض الخصبة التي تستغلها إيران في الضفة الغربية. يجب عليها السماح للفلسطينيين الذين تم التحقق من أهليتهم، بالعمل في إسرائيل مجدداً - وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل إلى حد كبير من (معدلات) البطالة؛ وعليها التوقف عن حجب الضرائب التي تجمعها لصالح الفلسطينيين لتخفيف حدة الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، والتي لا تدفع سوى 50٪ من رواتب موظفيها، بما في ذلك قواتها الأمنية؛ كما يجب عليها اتخاذ إجراءات أكثر حزماً في التعامل مع العنف القادم من المستوطنين اليهود.
وطالما باستطاعة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، القوميَيْن المتدينَيْن في الحكومة الإسرائيلية الحالية، صياغة السياسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، فلن يتغير الكثير. فهما يريدان انهيار السلطة الفلسطينية - وهذا من شأنه أن يخلّف فراغاً في الضفة الغربية، وهو الفراغ الذي قد يرحب به الإيرانيون ويكونون سعيدين بملئه.
ويحتاج الفلسطينيون أيضاً إلى الأمل في أن يكون لهم مستقبل، وأن يتمكن العلمانيون غير الإسلاميين وغير الرافضين من توفيره. كما بإمكان السعوديين أن يلعبوا دوراً أكبر في تقديم رؤية سياسية للفلسطينيين، وهو أمر ضروري أيضاً لمنع المزيد من التطرف في الضفة الغربية. ولا يزال السعوديون وإدارة بايدن ونتنياهو مهتمين بإبرام اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي.
ومن جانبهم، يطالب السعوديون بمعاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة وما يسمونه مساراً "ذو مصداقية" نحو إقامة دولة فلسطينية. إن إدارة بايدن مستعدة لوضع اللمسات الأخيرة على معاهدة الدفاع وتقديمها لمجلس الشيوخ الأمريكي بعد الانتخابات الأمريكية، لكن المسار الموثوق لإقامة دولة فلسطينية يتطلب تعديلاً في السياسة الإسرائيلية.
منذ هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصبح الجمهور الإسرائيلي، وليس نتنياهو فقط، متوجساً من فكرة الدولة الفلسطينية. والإسرائيليون محقّون في رغبتهم في معرفة أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تكون ولن تكون تحت قيادة "حماس" أو الرافضين، وأن هوية الفلسطينيين ستقوم على التعايش مع إسرائيل وليس المقاومة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون هناك مسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية إذا استمرت إسرائيل في اتخاذ إجراءات على الأرض بطريقة تجعل الدولة الفلسطينية مستحيلة. لذلك، يجب على نتنياهو أن يختار التطبيع مع السعودية على حساب القوميين الدينيين في حكومته. ويعني ذلك في المدى القريب، تفضيل الرئيس الأمريكي جو بايدن على بن غفير.
وقد يجعل بايدن هذا الأمر أكثر سهولة من خلال عرض أكثر من مجرد معاهدة دفاعية للسعوديين كجزء من صفقة التطبيع. إن مبدأ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها أمر مفهوم بالنظر إلى التاريخ الإسرائيلي، ولكن في ليلة 13 نيسان/أبريل، عندما اعترضت القوات الأمريكية - بمشاركة بريطانية وفرنسية وعربية - العديد من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروزالتي أطلقتها إيران، فإن إسرائيل لم تكن تدافع عن نفسها بمفردها. ونظراً لأن إيران لا تريد الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، فقد يكون الوقت مناسباً لتوقيع معاهدة دفاع رسمية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً.
إن ما يدعو إليه كاتب هذه السطور من شأنه أن يشكل أجندة شاقة لأي حكومة إسرائيلية. ولكن يجب النظر إلى التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها، والنظر أيضاً إلى القضية التي حددها نتنياهو دوماً باعتبارها مهمته التاريخية الخاصة، أي: الدفاع عن إسرائيل من إيران. وفي الوقت الحالي، تعمل حكومة نتنياهو على إضفاء الشرعية على النهج الإيراني، وليس تقويضه.
إن واقع إثبات إيران أنها لا تريد صراعاً مباشراً - وبالتأكيد ليس مع الولايات المتحدة - ينبغي أن يشكل الأساس للاستراتيجية الجماعية التي يتعين على واشنطن أن تتولى زمام المبادرة في تنفيذها. ولكن على إسرائيل أن تلعب دورها أيضاً، ومصالحها الخاصة تُملي عليها أن تعمل على إضعاف استراتيجية إيران طويلة الأمد بدلاً من تعزيزها.
دينس روس، هو زميل وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن، وشغل سابقاً مناصب عليا في مجال الأمن القومي الأمريكي في إدارات ريغان، وبوش، وكلينتون، وأوباما. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "فورين بوليسي".