- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2386
نتنياهو يواجه فجأة معركة انتخابية شاقة
قبل أيام فقط من موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة ليوم الثلاثاء، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه متأخراً في استطلاعات الرأي بما يتراوح بين ثلاثة وأربعة مقاعد عن منافسه الرئيسي يتسحاق هرتسوغ من "الاتحاد الصهيوني"، وهو تحالف بين اليسار والوسط يضمّ "حزب العمل". وهذه صفعة خطيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي صاحب ثاني أطول فترة في الحكم، في الوقت الذي أصبحت فيه الانتخابات بمثابة استفتاء على قيادته. وفي تحرك غير عادي في نهاية الأسبوع الأخير قبل موعد الانتخابات، أجرى نتنياهو مقابلات تلفزيونية نادرة. وأصدر ما يعادل طلب النجدة السياسي، حثّ فيه الناخبين المتقلّبين من [مؤيدي] "حزب الليكود" إلى العودة إلى حزبهم من أجل تفادي خسارة حزبه السلطة بعد استمراره في الحكم لمدة ست سنوات.
وبالكاد يمكن تقدير نتائج الانتخابات مسبقاً. فنظام التعددية الحزبية في إسرائيل يجعل هذا التصويت الخطوة الأولى فقط من مسار العملية. وفي أعقابه تبدأ مناورة لتحديد الحزب الأفضل وضعاً لتأليف الائتلاف الحاكم بأغلبية بسيطة تضم 61 عضواً في الكنيست الإسرائيلي المؤلف من 120 عضواً. ويؤدي تعدد الأحزاب إلى قيام العديد من النتائج المحتملة. ومن الواضح أنّ نتنياهو يأمل أن يختلف الوضع هذه المرة عن سيناريو انتخابات عام 2009، عندما قاد حزبه الذي جاء في المركز الثاني ولكن الطريق كان أسهل أمامه نحو الحصول على أغلبية بسيطة لتشكيل حكومة. فقد تغلّب "حزب كاديما"، صاحب المركز الأول في ذلك التصويت، على "حزب الليكود" بمقعد واحد. ولكن يبدو أن هامش أوسع يفصل بين الأحزاب هذه المرة، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لنتنياهو. ولكن هناك احتمال آخر وهو، ألا يتمكّن أي من الحزبين من ضمان المقاعد الـ 61 اللازمة لتشكيل الائتلاف، الأمر الذي قد يضطرّ هيرتسوغ ونتنياهو إلى القيام بترتيب أوسع لتقاسم السلطة.
محن نتنياهو الانتخابية
هناك عدد من التفسيرات لتراجع الدعم لنتنياهو. الأول هو التعب. فنتنياهو أنهي لتوه ست سنوات متتالية في منصب رئيس الوزراء وتسع سنوات كلياً، نظراً إلى فترة ولايته السابقة. وكان مناحيم بيغن آخر إسرائيلي يشغل منصب رئيس الوزراء لست سنوات، وقد استقال من منصبه في عام 1983. أما مؤسس إسرائيل الشهير دافيد بن غوريون، فقد شغل هذا المنصب أقل من ثماني سنوات متتالية بين عامي 1955 و1963، قبل وقت طويل من عصر وسائل الإعلام المكثفة اليوم، الذي قد تكون فيه معرفة المسؤولين سبباً لتوليد التعب منهم.
ثانياً، بدا أنّ نتنياهو قد أخطأ في قراءة الخريطة السياسية من خلال تركيز حملته الانتخابية حصراً على السياسة الخارجية. صحيح أنّ الجمهور يدعم نتنياهو حول القضايا الأمنية، وخاصة في ظل نظام الدولة الذي تمّ إضعافه بشدّة في الشرق الأوسط وسعي إيران المفترض للحصول على الأسلحة النووية. (على الرغم من أنّ نتنياهو يستحق علامات عالية على مهاراته الخطابية كما جاء أثناء خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في الأسبوع الأول من آذار/مارس، إلا أن ارتفاع التأييد الذي حصل عليه في الاستطلاعات قد تبخّر في غضون أيام قليلة.) ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أنّ الجمهور الإسرائيلي يريد أيضاً زعيماً يستطيع أن يركّز على تخفيف تكلفة المعيشة المرتفعة في إسرائيل. ففي استطلاع كهذا نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الجمعة الماضي - ورداً على أسئلة بشأن "القضية الرئيسية" التي تحدّد خيار الناخب عند التصويت - قال 55.2 في المائة أنّ القضايا الاجتماعية والاقتصادية تحدّد خيارهم، بينما اختار 28.4 في المائة الأمن أو السياسة الخارجية. وأقرّ نتنياهو علناً بأنه لم يكرّس وقتاً كافياً لمعالجة ارتفاع تكلفة الإسكان، على الرغم من أنّ هذه القضية قد هيمنت على حركة الاحتجاج الاجتماعية في إسرائيل خلال فترة ولايته. وقبل أيام فقد من موعد الانتخابات، تعهّد نتنياهو بأنه سيتعاطى بشكل أفضل مع هذا الموضوع، وأعلن أنه إذا أعيد انتخابه، "سيغرق" إسرائيل بالشقق. ولكن خلال حملته الانتخابية، لم ينشر أي خطة للسياسة الاقتصادية، على الرغم من أنّ مدقق الحسابات الحكومي في إسرائيل أصدر تقريراً عن ارتفاع تكاليف السكن في البلاد في أواخر شباط/فبراير.
إن هذا النقص في التركيز قد أضرّ بحجر الأساس الانتخابي لنتنياهو في "حزب الليكود"، أي اليهود السفارديم ذوي الأصول الشرق أوسطية، الحساسين جداً تجاه القضايا الاجتماعية والاقتصادية. ويساند هؤلاء الإسرائيليين "حزب الليكود" منذ حقبة بيغن، عندما ميَّزهم كغرباء سياسيين كان قد أهملهم الـ "مايفلاور" الإسرائيلي [نسبة إلى إسم سفينة كانت تنقل المهاجرين من إنجلترا إلى أمريكا في القرن السابع عشر]، أي "حزب العمل". وفي حين يجد هؤلاء الناخبين صعوبة في دعم "حزب العمل" لأسباب تاريخية، إلا أنه أصبح لديهم الآن خيار ثالث وهو: موشيه كاحلون، زعيم من السفارديم كان في "حزب الليكود" سابقاً وقام بتحرير صناعة الهاتف الخلوية الإسرائيلية من القيود الحكومية [خلال شغله منصب وزير الاتصالات]. وقد أطلق مؤخراً حزبه الخاص متعهّداً بالتركيز الفائق على القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وقد اتهم كاحلون نتنياهو علناً بتضييع التوازن الذي حققه بيغن بين القومية والمساعدة للإسرائيليين الأكثر فقراً. (وقد تفاقم التصوّر حول تحوّل نتنياهو نحو المستوطنين في الأسابيع الأخيرة في الوقت الذي سعى فيه إلى استقطاب الناخبين من يمين "حزب الليكود".) وفي مقابلات تلفزيونية مساء الخميس الماضي، وجه نتنياهو مناشدة يائسة لداعمي كاحلون للعودة إلى "الليكود" أو المخاطرة بترجيح كفة "حزب العمل". وفي الوقت نفسه، اعتذر نتنياهو عن إعلان انتخابي غير حساس لـ "الليكود" ساوى بين شكاوى عمال الموانئ ومظالم إرهابيي «حماس». وقد أشار الإعلان ضمناً إلى أنّ نتنياهو يزدري إسرائيليي الطبقة العاملة.
وتنطوي المشكلة الثالثة التي أصابت حملة نتنياهو الانتخابية على العواقب غير المقصودة للقانون السياسي. فما زال الجمهور لا يفهم السبب الذي دفعه إلى حلّ الحكومة التي كانت قائمة في تشرين الثاني/نوفمبر بعد مرور عامين فقط في منصبه. ولا يذكر أحد أي مرة في تاريخ إسرائيل الممتدّ لما يقرب من 67 عاماً كان فيه تفسير حلّ الحكومة مبهماً إلى هذا الحدّ. ويبدو أنّ هذه الخطوة شكّلت سوء تقدير كبير بالنسبة إلى نتنياهو، وقد تترجم جزئياً بشحذ قوة منافسَيْه يائير لبيد وتسيبي ليفني. وكان لبيد عموماً متأخراً في استطلاعات الرأي كوزير للمالية في إسرائيل. ولكنّ طرده من قبل نتنياهو ساعد على إعادة تقديمه كمتمرد وذهب يتحدث عن كيفية خفض تكاليف المعيشة للطبقة المتوسطة في إسرائيل. ومن جانبها، بدت حظوظ ليفني السياسية في الحضيض مع انهيار عملية السلام. ولكنّ خطوة نتنياهو منحتها القوة لأنها أدمجت حزبها الصغير مع "حزب العمل" بزعامة هرتسوغ، فحصدا معاً عشرة مقاعد إضافية في استطلاعات الرأي. وقد حافظ "الاتحاد الصهيوني" على هذا المستوى من الدعم طوال الحملة الانتخابية، وحصل على مقعديْن إضافيين في الاستطلاعات التي جرت في الأسبوع الماضي.
وكانت الأحزاب العربية الإسرائيلية مستفيدة أخرى من العواقب غير المقصودة للقانون السياسي. وعلى وجه الخصوص، حدّدت الشخصيات في اليمين عتبةً انتخابية أعلى بهدف إعاقة المنافسة من الأحزاب العربية الإسرائيلية الثلاثة. ولكنّ هذه الأحزاب تخطّت هذه العقبة باتحادها، وربما أصبحت "القائمة المشتركة" الجديدة ثالث أكبر حزب في إسرائيل.
مجاهيل مستقبلية
ربما يتراجع نتنياهو في استطلاعات الرأي، ولكن تبقى عدة مجاهيل قائمة. فالإقبال على الانتخابات هو متغير رئيسي، ومن المرجّح أن يستفيد هرتسوغ من ارتفاع نسبة الإقبال. بالإضافة إلى ذلك، ثمة ثلاثة أحزاب على أعتاب عتبة المقاعد الأربعة الانتخابية، وهي: حزبان من اليمين وحزب من اليسار. وقد يحصل نتنياهو على التأييد إذا ارتفعت نسبة مشاركة الناخبين المترددين في اللحظة الأخيرة استجابة لنداء استغاثة وجههه [مؤخراً]، مع دعم إضافي محتمل من الناخبين السفارديم والمهاجرين الروس. وأخيراً، إن وقوع حادث إرهابي عند اقتراب "يوم الانتخابات" قد يغيّر النتائج؛ ويظهر تاريخياً أن هذا التغيير سيكون لصالح اليمين الإسرائيلي.
مسارات ما بعد الانتخابات
من المعروف أن الرئيس الإسرائيلي المستقل رؤوفين ريفلين هو الذي يقرر أيّ من الحزبين سيشكّل ائتلافاً جديداً، وسيقوم بذلك بعد التشاور مع قادة جميع الأحزاب. وسيحصل الحزب الأول الذي يتمّ اختياره على الأسابيع الثلاثة الأولى - مع تمديد لثلاثة أسابيع على الأرجح - لتشكيل ائتلاف. وإذا تحققت نتائج استطلاعات الرأي الحالية، سيطلب قادة الأحزاب التالية من الرئيس ريفلين أن يُمنح هرتسوغ الفرصة [الأولى لتشكيل حكومة]: "حزب العمل"، 26؛ "القائمة المشتركة"، 13؛ "لبيد"، 12؛ و"ميرتس"، 5 - أي ما يبلغ مجموعه 56. وستكون المجموعة البديلة: "حزب الليكود"، 22؛ "البيت اليهودي"، 12؛ وثلاثة أحزاب أرثودوكسية متديّنة، 17 - أي ما يبلغ مجموعه 51. ولم يتضح بعد ما إذا كان حليف نتنياهو سابقاً، السياسي أفيغدور ليبرمان مع مقاعده الخمسة سيوصي بنتنياهو، ويمنح "الليكود" الأصوات التي يحتاج إليها ليتعادل مع "الاتحاد الصهيوني". وإذا قام بذلك، قد يختار كاحلون تخصيص مقاعده الثمانية [أيضاً لـ "الليكود"]، لكنه قد يمتنع عن التوصية بأحد لريفلين. وعلى أي حال، إذا تقدّم هرتسوغ على نتنياهو بما بين ثلاثة وأربعة مقاعد، سيمنح ريفلين مرشح "الاتحاد الصهيوني" الفرصة الأولى لتشكيل تحالف مع كاحلون والأحزاب الأرثودكسية المتديّنة، وسيرضى العرب الإسرائيليون بمنع نتنياهو من استلام السلطة بدلاً من الانضمام لحكومة يتزعمها هرتسوغ.
وتتواصل الشائعات القائلة إنّ ريفلين قد يدعو هيرتسوغ ونتنياهو للعمل معاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية لتقاسم السلطة. ويُعتقد أنّ نتنياهو يساند الوحدة لأنه يعتبر أن حكومة يمينية ضيقة تكون مرادفة لقيام علاقات مضطربة مع أوروبا وإدارة أوباما. ولكن حتى في إطار حكومة مماثلة، يبقى السؤال من سيكون رئيس الوزراء وما إذا كان رئيسا وزراء سيقومان بالتناوب كما حدث في الفترة 1984-1988. يمكننا حتماً أن نتوقع أنّ الحزبيْن سيتصارعان بحدة على كلّ قرار، حتى ولو باسم الوحدة.
المحصلة
في الحقيقة، إن الأسبوع الثالث من آذار/مارس يفتتح العملية الانتخابية في إسرائيل لا أكثر، وذلك بفضل تعدد الأحزاب والحاجة إلى تكوين ائتلاف. ولذلك، فمن السابق لأوانه تحديد من سيكون الفائز. ومع ذلك، بإمكان القول بأمان بأنّ نتنياهو يواجه معركة شاقة أكثر مما كان بإمكانه تصوره عندما حلّ ائتلافه في تشرين الثاني/نوفمبر.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.