- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3783
نظرة من الداخل إلى توقعات رابين بشأن "إتفاقية أوسلو"
Part of a series: Oslo at 30
or see Part 1: Oslo at 30: Personal Perspectives from Washington Institute Scholars A Compendium
يكشف نص اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان سرياً في السابق، عن مزيج من القرارات البعيدة النظر، والمخاوف التنبؤية، وسوء التقدير من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل.
"يستند هذا المرصد السياسي على تصريحات كاتب هذا المقال في "المنتدى السياسي" الذي عقده معهد واشنطن في 11 أيلول/سبتمبر تحت عنوان «"اتفاقيات أوسلو" في الذكرى الثلاثين: نظرة إلى الماضي والمستقبل"». لمشاهدة فيديو المنتدى أو قراءة نظرات المتحدثين الآخرين، راجع صفحة الحدث.
رفعت إسرائيل السرية مؤخراً، عن نص الاجتماع التاريخي لمجلس وزرائها عام 1993، والذي ناقش فيه الوزراء "اتفاقية أوسلو" الأولى، وهي نتاج مفاوضات سرية مع عدوها اللدود، "منظمة التحرير الفلسطينية". وانعقد الاجتماع في 30 آب/أغسطس، قبل أيام من توقيع الاتفاقية، واستمر لمدة خمس ساعات ونصف وانتهى بموافقة المسؤولين على الشروط المقترحة بأغلبية 16 صوتاً مقابل 0 (مع امتناع وزيرين عن التصويت). ويضيف ذلك النقاش الذي لم يُنشر من قبل، إلى الفهم العام لتفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في ذلك المنعطف التاريخي ويؤكد مدى التطور اللاحق الذي مر به.
كيف تتناسب "أتقافية أوسلو" مع الأولويات الاستراتيجية لرابين؟
اعتبر رابين نفسه مفكراً استراتيجياً، ولم يكن هناك ما كان يثير حماسته أكثر من التفكير في الاتجاه (الذي يسير عليه) الشرق الأوسط وتداعياته الأوسع نطاقاً على إسرائيل. ومن وجهة نظره، شكلت نهاية الحرب الباردة والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج العربي مكسباً استراتيجياً غير متوقع ذي أبعاد تاريخية. وكان ينظر عموماً إلى القضية الفلسطينية على أنها من الدرجة الثانية من ناحية الأمن القومي الإسرائيلي، وإن كانت ما زالت خطرة بالنسبة لمستقبل إسرائيل. وكان أكثر ميلاً إلى عقد اتفاق سلام محتمل مع سوريا نظراً لقواتها المسلحة القوية وتاريخها من الحرب مع إسرائيل. لكن المسار السوري لم يتقدم كما كان يأمل.
وعلى نطاق أوسع، شعر رابين بضرورة الحد من نزاعات إسرائيل مع جيرانها قبل أن تصبح إيران دولة نووية، وهي قضية ركز عليها قبل أن يقوم بذلك كثيرون آخرون. وهكذا، ربط الدائرة الداخلية لإسرائيل من النزاع الإقليمي المحتمل بالدائرة الخارجية، مدركاً أن الفشل في التوصل إلى تفاهمات مع الجهات الفاعلة في محيط إسرائيل المباشر يمكن أن يشجع طهران على إثارة المشاكل في محيطها الخارجي.
لكن التداعيات الإقليمية لم تكن السبب الوحيد الذي دفع رابين في نهاية المطاف إلى إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية. فقد أدرك أيضاً أن الفشل في حل هذا الصراع من شأنه أن يعرّض إسرائيل للخطر كدولة يهودية وديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، كان ينظر إلى صعود "حماس" كظاهرة خطيرة، باعتبارها جماعة متعصبة، ومعارضة لأي تسوية، ومستعدة لتحقيق مكاسب ضد الحركة الوطنية الفلسطينية الرئيسية (ويرجع ذلك جزئياً إلى دعم الأخيرة لصدام حسين خلال "حرب الخليج" في 1990-1991). وكما أشار في اجتماع عام 1993 فإن "صعود «حماس» بشكل خاص والإسلام الراديكالي بشكل عام في العالم العربي يمثل مشكلة. وفي نظري أننا نشهد هذا الصعود بين الفلسطينيين أيضاً. وأعتقد أنه في معظم الانتخابات التي تجري في الأراضي (المدارة) اليوم نشهد صعود «حماس»". (النسخة العبرية الكاملة متاحة على موقع "أرشيف دولة إسرائيل")
كان رابين يُنسَب إلى مدرسة التسوية الإقليمية التي دعا إليها مرشده وزميله يغال آلون بعد حرب عام 1967، عندما كان المحاور المأمول هو الأردن. لكن عمّان أخرجت نفسها من الصورة عام 1988 بسبب الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي كانت دائرة آنذاك. ثم كان رابين يأمل في التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية المحلية في الضفة الغربية، على الرغم من إقراره صراحة بأنها لن تتخذ أي بادرة بدون الكيان الذي كان يقود الحركة الوطنية، وهو "منظمة التحرير الفلسطينية". وفي نهاية المطاف، أصبح يؤمن بأن الطريقة الوحيدة لمواجهة "حماس" هي التوصل إلى اتفاق مع "منظمة التحرير الفلسطينية".
رابين اعتبر الانسحاب من غزة خطوة يمكن التراجع عنها
يمكن استنتاج خلاصة رئيسية أخرى من نص عام 1993 وهي أن رابين - الذي كان وحيداً تقريباً برأيه في مجلس الوزراء - رأى في البداية "اتفاقية أوسلو" كخطوة يمكن التراجع عنها، وذكر مراراً وتكراراً أن "غزة هي حالة اختبار". ومن وجهة نظره، إذا لم يتعامل الفلسطينيون مع العنصر الإرهابي، فسيتعين على إسرائيل أن تقول لهم: "أيها السادة، سنتولى إذاً نحن شؤون الأمن". ولا بد من فهم هذه النقطة بما أنها تسلط الضوء على وجهات النظر المختلفة بشدة بين القيادتين بشأن الهدف النهائي لـ "اتفاقية أوسلو"، وهو: تحديد الدولة المنتظرة (كما يفضلها الفلسطينيون)، أو نقل السلطات تدريجياً بناءً على الأداء الأمني الفلسطيني المثبت (كما تفضله إسرائيل).
وبخلاف رابين، رأى العديد من الوزراء في "اتفاقية أوسلو" إثباتاً لوجهة نظرهم بأنه من الضروري أن تخرج إسرائيل بصورة تامة من الضفة الغربية. ومع ذلك، اتفق رئيس الوزراء معهم على نقطة حاسمة أخرى، وهي أن الصفقة ستعتبر فاشلة إذا استمر الإرهاب وشعر الإسرائيليون بعدم الأمان. وبهذا المعنى، كانوا يعلمون أنهم يربطون نجاح حكومتهم بنجاح "اتفاقية أوسلو". فكما قال رابين بكل صراحة، كانت هذه لحظة "أن نكون أو لا نكون" بالنسبة لإدارته. وقد توقع أعضاء إدارته بشكل صائب أن يبدي المستوطنون الإسرائيليون اليمينيون ومؤيدوهم مقاومة واسعة النطاق، وتعهد (أعضاء حكومته) بإجراء حملة علاقات عامة ضخمة لصالح الاتفاقية التي كانوا على وشك إبرامها. لكنهم أدركوا أيضاً أن هذه الجهود لن تكون ذات أهمية تذكر لصمودهم السياسي إذا شعر الإسرائيليون بعدم الأمان.
تداعيات عدم إشراك "الجيش الإسرائيلي"
خلال اجتماع عام 1993، أخبر رابين المشاركين، ومن بينهم إيهود باراك، رئيس أركان "جيش الدفاع الإسرائيلي" في ذلك الوقت، أنه أبقى قيادة "الجيش الإسرائيلي" خارج المحادثات التي كانت تُجرى عبر القنوات الخلفية في أوسلو اعتقاداً منه أنه من الخطأ مبدئياً إشراك المؤسسة العسكرية في قرار سياسي. ولو كان قد أشركها، لكان من المحتمل أن يستغل خصومه اليمينيون ذلك كدليل على قيامه بتسييس الجيش. وربما كان يخشى أيضاً من أن يؤدي توسيع دائرة المسؤولين المطّلعين على المحادثات إلى حدوث تسريبات قد تؤدي إلى نسف العملية. بالإضافة إلى ذلك، كان من المعروف أن رابين يثق تماماً بتقديراته التحليلية وربما كان يعتقد أنه لا يحتاج إلى "الجيش الإسرائيلي".
وفي مطلق الأحوال، دفع رابين ثمن استبعاد المؤسسة الأمنية. ولم تستغرق مداولات مجلس الوزراء في 30 آب/أغسطس سوى القليل من الوقت على نحو لافت للنظر في السياسة الفلسطينية الداخلية، ربما لأن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية لم تشارك في عملية أوسلو حتى مرحلة التنفيذ. وقد ساهم ذلك في سوء تقدير حاسم: فعلى الرغم من أن كثيرين في مجلس الوزراء أدركوا بشكل صائب أهمية معالجة الكيفية التي قد تتعامل بها "منظمة التحرير الفلسطينية" مع "حماس"، إلا أنهم مالوا إلى النظر إلى هذه المسألة عموماً كموضوع قدرة فقط، متجاهلين إلى حد كبير الحسابات والإرادة السياسية. وافترض الوزراء على ما يبدو أن التغلب على "حماس" عسكرياً يصب بوضوح في مصلحة "منظمة التحرير الفلسطينية"، وبالتالي يعطي قادة "المنظمة" الأولوية لهذه المهمة حال حصولهم على الموارد اللازمة.
ولكن ماذا لو أجرى مسؤولو "منظمة التحرير الفلسطينية" حسابات مختلفة: وعلى وجه التحديد، تقييد التعاون الأمني مع إسرائيل وتعزيز نفوذهم في المفاوضات مع تجنب المواجهة المحتدمة مع "حماس" في الوقت نفسه؟ ولم يجر أي حوار إسرائيلي فعلي بشأن هذا الاحتمال أو المسائل ذات الصلة المتعلقة بالإرادة السياسية الفلسطينية، وبالتالي لم توضع أي خطط لتغيير حسابات التكاليف والفوائد الخاصة بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" فيما يتعلق بـ"حماس" إذا لزم الأمر. وربما كانت "اتفاقية أوسلو" بمثابة تحوّل جذري في النموذج لدرجة أن الوزراء لم يتمكنوا من رؤية جميع التحولات المعقدة التي كانت على قاب قوسين أو أدنى.
وبعد أن رأى باراك الاتفاقية للمرة الأولى قبل وقت قصير من الاجتماع، أثار تساؤلات حول الترتيبات الأمنية على طرق غزة والضفة الغربية، ذاكراً التحديات العديدة المتمثلة في ضمان حرية تنقل المستوطنين عند منح كيان فلسطيني جديد السلطة على مساحات واسعة من الأراضي. واعترف رابين بهذه الصعوبات لكنه قال: "اليوم لديكم سيطرة كاملة، [ولكن إذا مُنح الفلسطينيون] الحكم الذاتي، تصبح لديكم شراكة، والاختبار يتمحور حول الشراكة. لا أقترح تشويه ذلك".
وأشار رئيس الوزراء أيضاً إلى أنه يريد إشراك مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي" في المداولات المستقبلية لكي يتمكنوا من تقديم تقييمات "محترفة" عن التداعيات الأمنية الناجمة عن القرارات السياسية ذات الصلة بـ "اتفاقية أوسلو". وفي الواقع، أسند رئيس الوزراء إلى نائب رئيس أركان "الجيش الإسرائيلي" آمنون ليبكين شاحاك، وهو أحد المقربين المخلصين له، دوراً رئيسياً في المحادثات اللاحقة بشأن التنفيذ.
التكلم بلا لف ودوران عن الوضع النهائي
لم يترك الاجتماع أي مجال للشك في آراء رابين بشأن العديد من قضايا السلام الحساسة الأخرى. فعندما اقترح أحد الوزراء إمكانية قيام إسرائيل بالتفواض فوراً بشأن التصرف في الأراضي (المدارة)، رد رابين بأن "الوضع النهائي" مستحيل في الوقت الحالي نظراً للخلافات الواسعة بين الطرفين حول القدس، وأن الإجبار على إجراء المفاوضات حول هذه القضية في البداية يمكن أن يؤدي إلى "انفجار ذري" على الصعيد السياسي.
وقد فهم رابين أيضاً الفوائد السياسية المترتبة عن الاستشهاد بـ "اتفاقية كامب ديفيد" مع مصر عام 1978 كسابقة لاتفاق مؤقت مع الفلسطينيين، خاصة وأن حكومة يمينية بقيادة مناحيم بيغن هي التي تفاوضت على ذلك الاتفاق. لكن في الوقت نفسه، كان رابين يعلم أن "اتفاقية كامب ديفيد" كانت في أفضل الأحوال نموذجاً محدوداً لـ "اتفاقية أوسلو" لأنه لم يكن هناك تمثيل فلسطيني في تلك المفاوضات. وأدرك أن المحادثات المباشرة مع "منظمة التحرير الفلسطينية" في المستقبل من شأنها أن ترغمه على أن يتجاوز بكثير الصياغات المفيدة بل الغامضة للاتفاق مع مصر.
وبالمثل، كان رابين متشككاً في قيام الفلسطينيين بإجراء انتخابات. وقال لمجلس الوزراء أن أن هناك احتمالاً "ضئيلاً" لحدوث ذلك.
التطوّر اللاحق الذي مر به رابين
بحلول عام 1995، وقبل وقت قصير من اغتيال رابين، لم يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدث عن "اتفاقية أوسلو" كخطوة يمكن التراجع عنها. وفي الواقع، حذر من أنه إذا فشلت العملية، ستتحد "السلطة الفلسطينية" و"حماس" معاً لمحاربة إسرائيل بدلاً من بعضهما البعض. وفي مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في نيسان/إبريل من ذلك العام، قال: "إن البديل لعملية السلام هو تعليقها. وإذا حدث ذلك، ستتحد جميع القوى الفلسطينية لبذل جهد هائل من أجل القيام بهجمات إرهابية". كما بدا أكثر قلقاً بشأن أوجه القصور في اتفاق مؤقت، حيث أخبر المحاور أنه يفضل فصل السكان في إطار اتفاق الوضع النهائي: "واقع الاختلاط السكاني الذي يأتي فيه الفلسطينيون من المناطق (المدارة) إلى إسرائيل ويعيش الإسرائيليون في هذه المناطق على مساحة واسعة... يوفر آلاف الأهداف الإسرائيلية للأعمال الإرهابية يومياً".
وعلى الرغم من أن تفكير رابين قد تطوّر في بعض النواحي، إلا أن إحدى تقييماته الأساسية ظلت قائمة، وهي: أن "اتفاقية أوسلو" كانت أفضل وسيلة لمنع "حماس" من السيطرة على سياسات الضفة الغربية والقضاء على أي نتيجة سلمية. وخلص إلى القول: "[إذا تُرك] الوضع على حاله، بحيث تعزز العناصر الإسلامية المتطرفة قوتها وتسيطر على الفلسطينيين في الأراضي (المدارة)، [فإن ذلك] سيحرمنا من أي فرصة للتوصل إلى حل سياسي".
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن ومدير "مشروع كوريت" حول العلاقات العربية الإسرائيلية، والمؤلف المشارك (مع دينيس روس) لكتاب "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف حدّد أهم قادة إسرائيل مصيرها".