- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3892
قمتان متبارزتان تُظهران الحاجة إلى حشد الدعم العربي بشأن أوكرانيا
تميل الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط إلى عدم الثقة في السردية الأمريكية المتعلقة بالحرب وتستنتج أن بإمكانها جني فوائد اقتصادية أفضل من روسيا، لذلك يتعيّن على واشنطن بذل المزيد من الجهد لإشراك هذه الجهات.
انعقد هذا الشهر اجتماعان دوليان متنافسان هما: اجتماع مجموعة "بريكس" الذي استضافته روسيا في نيجني نوفغورود وقمة حول السلام في أوكرانيا انعقدت في مدينة لوزيرن السويسرية. وتكمن وراء كلٍ من هذين الحدثين المتبارزين رؤية مختلفة بشأن النظام العالمي. فبينما تريد موسكو استبدال النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة بعالمٍ متعدد الأقطاب، تريد الدول الغربية الحفاظ على النموذج الحالي. وخلال الكلمة الافتتاحية التي ألقاها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في نيجني نوفغورود، سلّط الضوء على الدور المتنامي الذي يؤديه تحالف "بريكس" في إنشاء هذا النظام العالمي الجديد - وهو تحالفٌ أسّسته البرازيل وروسيا والهند والصين وانضمت إليه لاحقاً جنوب أفريقيا وإيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة. وفي المقابل، كانت القمة السويسرية - التي تم تنظيمها بالتنسيق مع كييف ولكن دون مشاركة روسيا - تهدف إلى توسيع نطاق الدعم العالمي لرؤية السلام في أوكرانيا. وصرفت موسكو النظر عن هذا الحدث حيث وصفته بأنه "غير مجدي".
كما مثّل الاجتماعان معركة للحصول على الدعم من دول "الجنوب العالمي" في الشرق الأوسط وأفريقيا. فقد رفض عددٌ كبيرٌ من هذه الحكومات الانضمام إلى الجهود الغربية لعزل روسيا خلال حرب أوكرانيا؛ وفي الواقع، أعطى بعضها موسكو منفذاً سمح بصمود اقتصادها وسط الضغوط الغربية، فلم يبقَ أي سبب ملحوظ يدفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى تغيير حساباته المتعلقة بالتكلفة والفوائد، أو وقف الحرب، أو التوصل إلى تسوية سلمية حقيقية. ومن المؤسف أن نتائج القمتين المتبارزتين تشير إلى أن معظم الشركاء العرب لا يفكرون في إجراء أي تعديلات مهمة على السياسات في ظل تأجج الحرب.
ما الذي حدث في الاجتماعين؟
إن روسيا هي التي أسّست مجموعة "بريكس"- إذ حفزت موسكو على تشكيلها الأولي في عام 2009 وتولت رئاسة هذه المنظمة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام. وكانت القمة المنعقدة في 10 و11 حزيران/يونيو التجمع الأول الذي حصل منذ توسيع مجموعة "بريكس" من خمسة أعضاء إلى تسعة في كانون الثاني/يناير. وشمل هذا الحدث تصريحات لافروف التي شجب فيها الهيمنة الدولية التي يمارسها الغرب بشكلٍ ملحوظٍ، واستخدامه للعقوبات "للتأثير على اختيار نماذج التنمية". وبعد ذلك، وقّع اثنان وعشرون وزير خارجية على بيانٍ مشتركٍ يركز على التخلي عن الدولار، والتعاون في الاقتصاد الرقمي، وإجراء "إصلاح شامل" لـ"الجمعية العامة للأمم المتحدة" و"مجلس الأمن الدولي".
وفي غضون ذلك، ربما كانت القمة التي انعقدت في سويسرا من 15 إلى 16 حزيران/يونيو الجهد الأكثر طموحاً الذي بذلته أوكرانيا حتى الآن لحشد الدعم العالمي لرؤيتها المتعلقة بالسلام، إذ شاركت أكثر من 100 دولة ومنظمة في هذه القمة. وعملت روسيا بنشاطٍ على تقويض الحدث - حيث أشارت تقارير الحكومة السويسرية إلى زيادة الهجمات السيبرانية والمعلومات المضللة في الفترة التي سبقت القمة. وفي النهاية، وقّعت 83 دولة على بيانٍ مشتركٍ يدعو إلى الحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا كأساسٍ للتوصل إلى تسوية سلمية، مع التطرق إلى قضايا أخرى مثل السلامة النووية، والأمن الغذائي، وتبادل الأسرى. وأشاد الرئيس فولوديمير زيلينسكي بهذه القمة لاتخاذها "الخطوات الأولى نحو السلام".
ومع ذلك، فإن غالبية الموقعين على البيان كانوا من الدول الغربية، التي أرسلت أيضاً ممثلين رفيعي المستوى لحضور الحدث. وقد شاركت عدة قوى رئيسية من الجنوب العالمي في القمة لكنها لم توقّع على البيان - لا سيما الهند والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة، وجميعها دولٌ تتمتع بعلاقات تجارية مهمة مع موسكو. ومن المحتمل أن غياب روسيا والأزمة المستمرة في غزة، من بين عوامل أخرى، أقنعا الدول الرئيسية في الشرق الأوسط إما بعدم التوقيع على البيان أو التغيب تماماً عن القمة. وقد حضرت تركيا القمة ووقّعت على البيان، لكن وزير الخارجية هاكان فيدان أشار إلى أن القمة كان من الممكن أن تكون أكثر "توجهاً نحو تحقيق النتائج" لو كانت روسيا حاضرة. وبعد نشر البيان علناً، أشارت التقارير إلى أن العراق والأردن ورواندا سحبت تواقيعها. أما مصر فركزت بدلاً من ذلك على اجتماع مجموعة "بريكس"، تماماً كما فعلت الصين.
انعدام تحوّل حقيقي في الموقف السعودي أو الإماراتي بشأن أوكرانيا
ازدادت أهمية الدور العالمي لدول الخليج - لا سيما السعودية والإمارات الرائدتان في إنتاج الطاقة - منذ غزو روسيا لأوكرانيا. فقد استفادت الشركات الحكومية السعودية والإماراتية من الأزمة من خلال شرائهما كميات كبيرة من المنتجات النفطية الروسية بأسعارٍ مخفّضة، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة التي اعتبرت أن هذه المشتريات تدعم موسكو وتقوّض العقوبات الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، سافر بوتين إلى كلا البلدين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، الأمر الذي سلّط الضوء بشكل أكبر على استعدادهما لتوطيد العلاقات مع الكرملين.
وبناءً على ذلك، حث زيلينسكي بشكلٍ خاصٍ على ضمان مشاركة السعودية في القمة السويسرية. فقد أشارت التقارير الأولية إلى أن الرياض لن ترسل وفداً، لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حضر القمة في النهاية بعد أن قام زيلينسكي بزيارة الرياض في اللحظة الأخيرة في 12 حزيران/يونيو. وعند وجوده في لوزيرن، أشار الأمير فيصل إلى أن الرياض استفادت من "علاقاتها الإيجابية" مع كلٍ من أوكرانيا وروسيا.
وفي الواقع، سعت المملكة إلى لعب دور الوسيط بين موسكو وكييف في فترات مختلفةٍ من الحرب، بدءاً من تسهيل عملية كبيرة لتبادل الأسرى في أيلول/سبتمبر 2022 ووصولاً إلى تقديم أكثر من 400 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، فضلاً عن استضافة قمة دولية للسلام في آب/أغسطس 2023. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، كان السعوديون يقوّضون بشكلٍ غير مباشرٍ العقوبات الغربية من خلال تعاونهم مع روسيا في قضايا النفط - ليس فقط عبر شراء منتجاتها النفطية كما ذُكر أعلاه، ولكن أيضاً عبر تنسيق تخفيضات الإنتاج التي أبقت أسعار النفط (وبالتالي، ميزانية الحرب الروسية) عائمة. وفي القمة التي انعقدت في سويسرا، أشارت الرياض إلى أن مشاركة روسيا في القمم المستقبلية ستتطلب التوصل إلى "حل وسط صعب"، مما يعني ضمناً أنه سيتعين على أوكرانيا تقديم تنازلاتٍ أكبر مما تتصوره حالياً.
وفي زمن الحرب تميل الإمارات العربية المتحدة إلى ترجيح كفّة موسكو. فمن جهة، أعلنت أبوظبي في وقتٍ مبكرٍ من الأزمة أنها ستقدّم مساعداتٍ إنسانيةٍ لأوكرانيا بقيمة 5 ملايين دولار استجابةً لنداء "الأمم المتحدة"، وصوّتت لصالح عدة قرارات أممية بشأن الغزو الروسي. كما لعبت مؤخراً دور الوسيط في عملية تبادل 180 أسير حربٍ بين أوكرانيا وروسيا. ومن جهة أخرى، حرصت أبوظبي على عدم إدانة موسكو مباشرةً، وفي كانون الثاني/يناير انضمت إلى مجموعة "بريكس" على الرغم من الحملة الدولية المستمرة للضغط على روسيا وإنهاء الحرب.
ولعل الأهم من ذلك هو أن دولة الإمارات أصبحت أكبر شريك تجاري لروسيا في العالم العربي. فقد كانت التجارة الثنائية بين البلدين تنمو بشكلٍ مطردٍ قبل الحرب، واستمرت على هذا المسار بعد ذلك لتصل إلى 9 مليارات دولار في عام 2022، معظمها من الصادرات الروسية. وتشير بعض التقارير إلى أن البلدين يسعيان إلى الوصول إلى 10 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2024.
وتشعر الحكومات الغربية بالقلق بشكلٍ خاصٍ إزاء التقارير التي تفيد بأن بعض هذه العمليات التجارية الإماراتية تشمل مواد ذات استخدام مزدوج وخاضعة للعقوبات، مثل رقائق الحاسوب والإلكترونيات التي يمكن استخدامها من قبل روسيا في الحرب. وقبل أسابيعٍ من انعقاد القمة في سويسرا، زار وفد أمريكي دولة الإمارات للضغط على المسؤولين بشأن العلاقات التجارية مع روسيا، وتسليط الضوء على واقع كَوْن بعض الشركات تتهرّب من العقوبات.
التداعيات السياسية
إن مطالبة الشركاء العرب بالمساعدة في عزل روسيا لم تحقق حتى الآن نجاحاً يُذكر. ومع ذلك، لا يزال بإمكان واشنطن بذل المزيد من الجهود لتظهر لهم أن رؤية موسكو لنظام عالمي جديد هي رؤية فاشلة، وأن مخاوفهم بشأن اتخاذ إجراءاتٍ أكثر حزماً مبالغٌ فيها. وإحدى الطرق للقيام بذلك هي إظهار محدودية ما يمكن أن تحققه مجموعة "بريكس"، وإثبات أن نظام التجارة العالمي الشفاف الذي تدعمه الولايات المتحدة سيحقق لهم ثروة أكبر من تلك التي يحققها النموذج الأوليغاركي الذي تقوده روسيا.
أما بالنسبة إلى حرب أوكرانيا، فقد كانت حكومات الجنوب العالمي تروّج لتفضيل عملية سلامٍ يشارك فيها كلا الطرفين المتحاربين بدلاً من تنفيذ عمليةٍ بقيادة كييف. ويبدو أن الترويج لذلك قائم على ثلاثة تصورات راسخة هي: أن الولايات المتحدة كانت غير جديرة بالثقة ومنافقة في علاقاتها مع شركائها في الشرق الأوسط، وأن بإمكانهم جني فوائد حقيقية من موسكو، وأن روسيا ستظل عنصراً ثابتاً في العلاقات الدولية بغض النظر عن كيفية انتهاء الحرب. وعلى نطاقٍ أوسع، لا يصدّق الجنوب العالمي ببساطة السردية الغربية المتعلقة بالحرب.
إن القمة السويسرية قد مهّدت الطريق لمشاركة روسية محتملة في محادثات السلام المستقبلية. ووفقاً لبعض التقارير، يَعتبر زيلينسكي أن السعودية مرشحة رئيسية لاستضافة القمة المقبلة، مما يسلط الضوء على أهميتها بالنسبة لأوكرانيا. وإذا وافقت الرياض على استضافة هذه القمة، فستحظى الولايات المتحدة بفرصة كبيرة لصياغة المحادثات المقبلة وإشراك دول المنطقة في معالجة الهواجس الرئيسية المتعلقة بروسيا.
أما بالنسبة لشروط المحادثات المستقبلية، فيجب على الأقل التوقع من روسيا قبول مبدأ سلامة الأراضي الأوكرانية، حتى لو اقتصر ذلك على المستوى الخطابي في البداية. لكن التوصل فعلياً إلى تسوية دبلوماسية ناجحة يتطلب تغيير حسابات بوتين المتعلقة بالتكلفة والفوائد. وإذا جرت محادثات جوهرية قبل وضع بوتين في موقفٍ خاسرٍ، فسوف يتمتع بنفوذ للتفاوض على تقديم تنازلاتٍ تمنح روسيا الوقت والموارد الكافية لإعادة بناء جيشها ومهاجمة أوكرانيا مجدداً. وفي النهاية، لن تحقق التسوية السلمية السابقة لأوانها أي فوائد كبيرة إذا سمحت لروسيا بمواصلة تهديد أوروبا، والأمن العالمي، والنظام العالمي الليبرالي على المدى الطويل. وكما تُظهر القمتان المنعقدتان هذا الشهر، لا يقتصر النضال من أجل تغيير حسابات بوتين على ساحة المعركة، لذلك يتعين على واشنطن حَشْد طاقاتها الدبلوماسية وفقاً لذلك.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" في معهد واشنطن، وتركز في عملها على السياسة الروسية في الشرق الأوسط وتساهم أيضًا في شركة "أوكسفورد أناليتيكا" الاستشارية.