- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2566
قتلى «حزب الله» في الحرب السورية
يرتكز تأسيس «حزب الله» اللبناني بشكل كامل على عقيدة المقاومة ضد إسرائيل. إلا أن هذه الميليشيا الشيعية حاربت، ومنذ عام 2012 على الأقل، زملاءها العرب في سوريا نيابة عن إيران، في محاولة لضمان بقاء نظام بشار الأسد، وبالتالي الحفاظ على شريان الحياة البري الخاص بها إلى طهران. ومما لا يثير الدهشة هو أن هذا الصراع الحرج بين النظرية والتطبيق أدى إلى تصريحات متناقضة من قيادة «حزب الله» بشأن مدى تواجد الحزب في الحرب المجاورة ومشاركته فيها. فخلال السنوات الأولى للصراع، نفى الحزب جميع هذه المزاعم وادعى أنها دعاية من العدو، إلا أنه اعترف بمشاركته في الحرب مع استمرارها بل وتفاخر بها.
وفي هذا السياق، تعطي إعلانات جنازات «حزب الله»، لا سيما تلك التي تُنشر على موقع www.southlebanon.org وموقع www.yasour.org فكرة عن الطبيعة الفعلية لمشاركة الحزب في القتال ومدى اتساع هذه المشاركة. إن مقارنة هذه البيانات مع المواد المستمدة من المصادر المتاحة للجميع [مفتوحة المصدر] باللغة الفارسية بشأن القتلى في صفوف «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني تُلقي الضوء أيضاً على التحول الواضح في كيفية نظر طهران إلى دور «حزب الله» في الحرب.
ما تكشف عنه بيانات الجنازات
وفقاً للمصادر المذكورة أعلاه، قُتل 865 مقاتلاً على الأقل من عناصر «حزب الله» في المعارك في سوريا بين 30 أيلول/ سبتمبر 2012 و 16 شباط/ فبراير 2016. وبما أن قيادة الحزب لديها كل الأسباب التي تجعلها إلى التقليل من الخسائر، فإن هذه الأرقام تعكس الحد الأدنى المطلق لعدد القتلى، إذ من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك. وفي الواقع، خلال الفترة الزمنية نفسها، أشارت هذه المصادر إلى عدد كبير على ما يبدو من الشباب اللبنانيين الذين يموتون بسبب الحوادث المرورية أو السكتات القلبية المفاجئة. ويمكن لمثل هذه الإعلانات أن تكون عبارة عن محاولة لإخفاء العدد الحقيقي لقتلى «حزب الله»،على الرغم من أنه لا يمكن التيقن لا من هذا الاستنتاج ولا من صحة عدد قتلى الحوادث المرورية/حالات الوفيات القلبية.
هذا وتشير المصادر كذلك إلى 49 من المتوفين عبر وصفهم بلقب "القائد الشهيد" أو "القائد الميداني". وهذا يدل على أنهم خدموا كضباط في القيادة، وهو ما يميزهم عن القتلى من المقاتلين العاديين.
إن المواد مفتوحة المصدر سرية للغاية حول المكان المحدد الذي توفي فيه هؤلاء المقاتلين في سوريا. ومن بين حالات الوفيات المعروفة والتي وصل عددها إلى 865، تم الكشف عن مكان وفاة 32 حالة فقط. وفي العديد من الحالات، تم استخلاص هذه المعلومات من مواد باللغة فارسية بدلاً من مصادر لبنانية.
وتشير البيانات أيضاً إلى فترات بلغت فيها أعداد القتلى ذروتها: أيار/ مايو 2013 (مقتل 88 مقاتلاً)، تموز/ يوليو 2014 (36)، شباط/ فبراير 2015 (34)، وبمعدل عالٍ نسبياً يبلغ 36 حالة وفاة / الشهر من أيار/ مايو 2015 إلى كانون الثاني/ يناير 2016. يُذكر أن الذروة التي شهدتها أعداد القتلى في كانون الأول/ ديسمبر 2013 في الشكل رقم 1 مضللة لأن المصادر أعلنت عمّا يقرب من مائة حالة وفاة في دفعة واحدة، على الرغم من أن الشهر الفعلي للوفاة/ الدفن بالنسبة إلى الكثيرين منهم كان في وقت سابق.
الشكل رقم 1. قتلى «حزب الله» و «الحرس الثوري الإسلامي» في ساحات المعركة في سوريا
قد يشير هذا الارتفاع الكبير في أعداد الضحايا أيضاً إلى مكان وفاة المقاتلين حتى عندما لا يتم الكشف علناً عن هذه المعلومات، لأن العدد الأكبر من الجنازات يميل إلى التزامن مع المعارك الكبرى في سوريا:
· في أيار/ مايو 2013، شنّ «حزب الله» والجيش السوري هجوماً مشتركاً ضد مدينة القصير ذات الموقع الاستراتيجي بين دمشق وساحل البحر الأبيض المتوسط والقريبة من الحدود اللبنانية.
· على الرغم من عدم توفر سجل لعمليات «حزب الله» في تموز/ يوليو 2014، إلا أن زيادة الوفيات في ذلك الشهر تزامنت مع استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» على حقل "شاعر" للغاز في محافظة حمص في 17 تموز/ يوليو، واستيلائه على قاعدة اللواء السابع عشر في الجيش بالقرب من الرقة في 25 تموز/ يوليو.
· من المرجح أن تعكس حالات الوفيات في شباط/ فبراير 2015 الهجوم المشترك الذي شنه ثوار «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» على معاقل «حزب الله» غرب القلمون، بالقرب من الحدود اللبنانية.
· إن ارتفاع معدل الوفيات الشهري في النصف الأخير من عام 2015 يشمل معركة الزبداني التي وقعت في تموز/ يوليو الماضي. كما يشير إلى الاستعداد للحملة الجوية الروسية على سوريا وعواقبها، وهي التي بدأت في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر 2015، وأنذرت ببدء فترة من زيادة الهجمات من قبل قوات النظام وحلفائه.
خسائر «حزب الله» مقابل خسائر «الحرس الثوري»
يبدو أن التغيّر في معدلات القتلى في صفوف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني يعكس التحول في الاعتبارات التكتيكية لـ الجمهورية الإسلامية في سوريا. ففي البداية، كانت طهران تفضل أن يضطلع «حزب الله» بالدور القتالي المباشر في سوريا بدلاً من نشر قوات «الحرس الثوري الإسلامي» على نطاق واسع هناك، الأمر الذي كان سيؤدي إلى إثارة الجهات الخارجية الأخرى لكي تحذو حذو إيران. وقد أسفر ذلك عن معدلات وفيات عالية في صفوف «حزب الله» وعدد قليل جداً من الوفيات بين عناصر «الحرس الثوري».
إلا أن زيادة الوفيات في صفوف «حزب الله» في سوريا تهدد في النهاية التوازن العسكري في لبنان بل تغري الجهات الخارجية لاستغلال انشغال «حزب الله» في الخارج من أجل تلقين الحزب درساً في الداخل اللبناني. ونتيجة لذلك، يبدو أن «الحرس الثوري» الإيراني بدأ ينشر عدد أكبر بكثير من قواته في سوريا، كما يتضح من الانخفاض الحاد في عدد قتلى «حزب الله» وفي الزيادة الحادة المتزامنة في وفيات «الحرس الثوري» بعد أيلول/ سبتمبر 2015. وليس من قبيل الصدفة أن يترافق ذلك مع بدء الحملة الجوية الروسية - وكل ذلك يشيرإلى وجود حدود لما يمكن أن يقوم به «حزب الله» في سوريا من أجل تحقيق أهداف طهران.
من أين قُدِم هؤلاء المقاتلون القتلى؟
على الرغم من تكتم «حزب الله» بشأن العديد من جوانب نشر قواته في سوريا وعدد القتلى في صفوف هذه القوات، توفر إعلانات الجنازات معلومات مفصلة حول المحافظة والقضاء والقرية التي يتحدر منها معظم المقاتلين الذين قتلوا في المعارك. وتوفر هذه المعلومات بدورها رؤية محدودة بل هامة ضمن قاعدة تجنيد الميليشيا في لبنان وتشكيل القوة في سوريا.
من بين 865 مقاتًلا قتلوا في سوريا وفقاً للتقارير، يتحدر 682 من محافظات النبطية والبقاع والجنوب. ولم تتم الإشارة إلى المحافظات التي يتحدر منها المقاتلين الـ 136 الآخرين. هذا وتحدر 10 آخرين من قرى على الجانب السوري من الحدود، في حين وُلد البقية في محافظات جبل لبنان وبيروت والشمال.
الشكل رقم 2. عدد القتلى الإجمالي لـ «حزب الله» في ساحات المعركة وفقاً لمحافظة الولادة
يفتقر لبنان إلى الإحصاءات الرسمية، لذلك من المستحيل تحليل هذه الأرقام نسبة لعدد السكان الكلي أو التكوين الشيعي في كل محافظة. لكن بشكل عام يبدو أن معظم الوفيات بين مقاتلي «حزب الله» تتحدر من المحافظات والنواحي ذات الأغلبية الشيعية. وقد منيت عدة أقضية بمعدلات مرتفعة للغاية من القتلى: بعلبك (158 حالة وفاة) والهرمل (43) في محافظة البقاع، بنت جبيل (79)، مرجعيون (52)، والنبطية (122) في محافظة النبطية، وصيدا (37) وصور (137) في محافظة الجنوب. (مع الإشارة إلى أنه لأغراض هذه الدراسة، تُعتبر محافظة بيروت، غير المقسمة، على أنها محافظة وقضاء على حد سواء.)
الشكل رقم 3. قتلى «حزب الله» في ساحات المعركة وفقاً لمحافظة الولادة، كانون الثاني/يناير 2012 - شباط/فبراير 2016
إلى جانب ذلك، تظهر التفاصيل الإضافية في البيانات أن بعض الأقضية شملت نمطاً مختلطاً ما بين سكان المدن وسكان القرية الذين قتلوا في المعارك:
· في قضاء بعلبك، 44 من حالات الوفيات التي بلغ عددها 158 كانت من بين أهالي مدينة بعلبك، و13 منهم من بريتال، و9 من الخريبة، و8 من يونين، و6 من البزالية. أما القتلى المتبقين، وعددهم 78 فقد تم تجنيدهم من 36 قرية مختلفة.
· في قضاء الهرمل، كانت الغالبية العظمى من القتلى الذين بلغ عددهم 43 من سكان المدينة: 23 كانوا من مدينة الهرمل، و14 من النبي شيت، والباقي من القصر وزيتا.
لكن في المناطق الأخرى كان معظم قتلى «حزب الله» من الأرياف، مع توزع الوفيات إلى حد ما بالتساوي بين مختلف القرى والمدن الأصغر:
· في قضاء بنت جبيل (79 حالة وفاة)، عانت عيتا الشعب (12)، وبيت ليف (11) من أعلى نسبة من الوفيات. وفقدت مدينة بنت جبيل 7 مقاتلين، فيما تحدر القتلى الـ 49 المتبقين من 19 قرية مختلفة.
· في قضاء مرجعيون (52)، عانت مجدل سلم (10) وميس الجبل (10) من معظم الخسائر. فيما تحدرت 32 حالة وفاة من 7 قرى أخرى.
· في قضاء النبطية (122)، عانت مدينة النبطية من مقتل 14 شخصاً في ساحات المعركة؛ فيما توزع القتلى الآخرين وهم 108 على 42 قرية.
· في قضاء صيدا (37)، تحدر 3 قتلى فقط من مدينة صيدا نفسها؛ فيما توزع القتلى الآخرون على 16 قرية.
· في صور (137) أيضاً، يتحدر 5 فقط من مدينة صور، في حين يتحدر الباقون من 42 بلدة وقرية مختلفة. أما الشهابية (12) ومجدل زون (10) فهما الوحيدتان اللتان عانتا من حالات وفيات تعدت العشرة قتلى.
وبالتالي توفر البيانات بعض المؤشرات عن هيكلية قوة «حزب الله». فالتوزيع الأوسع للمكان الذي يتحدر منه المقاتلون الذين قتلوا في خلال أي فترة معينة من الفترات (بما في ذلك فترات الذروة التي ذُكرت أعلاه) يشير إلى قوة مختلطة. ويتناقض ذلك تماماً مع هيكلية «الحرس الثوري» الإيراني، الذي غالباً ما تتألف وحدات كاملة منه من مقاتلين من نفس المنطقة.
الشكل رقم 4. عدد القتلى الشهري لـ «حزب الله» في ساحات المعركة وفقاً لمحافظة الولادة
لا بد من الإشارة من جديد إلى أن عدم وجود معلومات رسمية موثوقة حول التركيب السكاني في لبنان يمنع التوصل إلى استنتاجات قاطعة بشأن تأثير هذا العدد من القتلى في ساحات المعركة على قدرة «حزب الله» للدفاع عن مواقعه في الداخل اللبناني في وجه الخصوم. ومع ذلك، فبقدر ما تكون خسائره موزعة إلى حد ما بالتساوي بين القرى الريفية والمدن الصغيرة، مع عدد قليل من المجتمعات التي تعاني خسائر تتخطى العشرة قتلى، قد تكون الميليشيا قد حافظت على قاعدة عديدها.
علي آلفونه هو مؤلف كتاب "إيران سافرة: كيف يقوم «الحرس الثوري» بتحويل الحكومة الدينية إلى دكتاتورية عسكرية" ("أي.إي.آي. برس، 2013).