- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
قوات «جيش الدفاع الإسرائيلي» تملء الفراغ
ستكون أعين الإسرائيليين هذا الأسبوع مهتمة بمتابعة محاكمة الرقيب في «جيش الدفاع الإسرائيلي» إيلور أزاريا، الذي يواجه تهمة القتل غير المتعمد في "المحكمة العسكرية" في يافا، لاتهامه بإطلاق النار على فلسطيني نفّذ هجوماً بالطعن بعد أن أصيب بجراج وبينما كان يرقد بلا حراك على الأرض. وقد وقعت الحادثة في الخليل في شهر آذار/مارس، وتم تصويرها بالفيديو، الذي سرعان ما انتشر وحقق نسبة مشاهدة عالية.
وبعد حادثة إطلاق النار مباشرةً، هبّ السياسيون اليمينيون للدفاع عن أزاريا، مشيرين إلى أنّ الفلسطيني لم يكن بريئاً، فقد حاول طعن إسرائيلي أولاً، في واحدة من أكثر من 200 حالة مماثلة منذ تشرين الأول أكتوبر الماضي. واتهموا الحكومة بالتخلي عن الجندي، وقال كثيرون إنه خشي أن يكون المهاجم الفلسطيني يحمل عبوةً ناسفة. وفي الوقت نفسه، أطلق رئيس "لجنة الكنيست" ديفيد بيتان، العضو في "حزب الليكود" اليميني، حملةً لتقديم طلب إلى الرئيس الإسرائيلي للعفو عن أزاريا. كما عبّر وزير التعليم نفتالي بينيت من "حزب البيت اليهودي" اليميني عن دعمه لأزاريا علناً.
وبقيت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية صامدة خلال مراحل الجدل كلها. وفي أعقاب الحادثة، اتخذ رئيس أركان «الجيش الإسرائيلي» غادي آيزنكوت خطوةً غير معتادة وبعث برسالة إلى جميع الجنود، دافع فيها عن المحاكمة وأشار إلى أنّ "الحفاظ على قيم «جيش الدفاع الإسرائيلي» ليس حقاً بل واجب". وبالنسبة إليه، كان المبدأ الرئيسي للجيش على المحك: فلدى إسرائيل قواعد اشتباك لا ينبغي تجاهلها. ودعا بعض السياسيين اليمينيين، «جيش الدفاع الإسرائيلي» إلى تبني سياسة إطلاق النار بهدف القتل في حالات تعرض الجنود للتهديد، بدلاً من اتباع السياسة الحالية، التي تملي استخدام الحد الأدنى من القوة اللازمة للتخلص من الخطر.
وحتى وزير الدفاع موشيه يعلون، الذي يعتبر من الصقور فيما يخصّ القضية الفلسطينية، قد أيّد آيزنكوت في هذه المسألة، وتحدّث عن الموضوع قائلاً: "رئيس أركان «جيش الدفاع الإسرائيلي» هو الذي سيحدّد قواعد الاشتباك، وليس زعماء العصابات". وبعد انتشار صور وجه يعلون في مرمى الهدف على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع، قال يعلون: "خير البلاد أهمّ من مصلحتي".
وتبيّن الحادثة التورط المتنامي لـ «الجيش الإسرائيلي» في القضية الفلسطينية. فبعد أن شاهد الفراغ الدبلوماسي في السياسة الإسرائيلية منذ انهيار المفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية في عام 2014، عمل «جيش الدفاع الإسرائيلي» على نحو متزايد لفرض نفسه كحارس على القيم الديمقراطية وعامل استقرار في الساحة الإسرائيلية -الفلسطينية. وحيث أنه جيش المواطنين، فلطالما اعتبر نفسه بأنه يعمل بعيداً عن الخلافات السياسية وأنه قادراً على النظر في احتياجات الدولة من الناحية الاستراتيجية، بدلاً من التورط في الاعتبارات السياسية. ويقيناً، أنّ قوات «الجيش الإسرائيلي» ليس لديها مصلحة في أن تحلّ محل الدبلوماسيين وتبلور اتفاقاً نهائياً مع الفلسطينيين، ولكنّ كبار الضباط يعرفون السرعة التي يمكن أن يتفاقم بها الوضع الفلسطيني.
لذا قام «جيش الدفاع الإسرائيلي» بتعزيز مبادرات لتهدئة الأمور. فعلى سبيل المثال، أعلنت مؤسسة الدفاع الإسرائيلية في شباط/ فبراير الماضي عن خطة للسماح لـ 30 ألف فلسطيني إضافي بالعمل في إسرائيل، على الرغم من التصعيد المستمر في عمليات طعن الإسرائيليين. وقد أكد آيزنكوت مراراً وتكراراً على ضرورة التمييز بين الذين يشنون هجمات الطعن وبين السكان عموماً والضرر الذي قد تتكبده المصالح الإسرائيلية إذا مُنع الفلسطينيون من العمل في المدن الإسرائيلية أو المناطق الصناعية في الضفة الغربية. وقال آيزنكوت في خطاب نادر في كانون الثاني/يناير بمناسبة المؤتمر السنوي لـ "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب: "هناك 120 ألف فلسطيني يكسبون المعيشة لحوالي 600 -700 ألف شخص من أفراد أسرهم. وهذا تأثير مهدئ، وأعتقد أنه من مصلحتنا أن نسمح به."
وعلاوةً على ذلك، أعلن يعلون في الثاني من أيار/مايو أنّ إسرائيل ستعيد فتح معبر "إيرز"، الذي هو أحد نقاط العبور الرئيسية إلى قطاع غزة وكان مغلقاً طوال السنوات الثماني الماضية. وقال يعلون في بيان يشير إلى قلق الجيش من الوضع الإنساني في غزة: "إنه من مصلحتنا أن يصل عدد كبير من الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية إلى غزة. ومن مصلحتنا أن يعيش سكان غزة بكرامة، سواءً من الناحية الإنسانية، أو لأنّ هذه وسيلة لحماية السلام، بالإضافة إلى الروادع الأمنية القائمة."
وأقرّ يعلون بأنّ «حماس» تستخدم بالفعل بعض المواد التي تجد طريقها إلى غزة لإعادة بناء الأنفاق والمخزونات المدمرة، وقد أوقفت إسرائيل لفترة قصيرة إمدادات الإسمنت لإعادة الإعمار السكني. ولكن يبدو أنّ «جيش الدفاع الإسرائيلي» يعتبر أنّ التشرد في غزة قد يسهم في التطرف بقدر أكبر مقارنةً بالإسمنت، ولذا دافع عن إعادة بناء غزة، وسمح لحوالى 900 شاحنة محملة ببضائع مواد إعادة الإعمار بإدخال المواد الغذائية والأدوية إلى غزة كل يوم. ومن خلال قيام «الجيش الإسرائيلي» بذلك، فقد ساهم أيضاً في جعل الفلسطينيين يدركون بأنه لديهم ما يخسرونه في أي صراع مستقبلي.
وإلى جانب تخفيف القيود المفروضة على حرية الحركة والتنقل في الضفة الغربية، شدّدت المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية على أهمية تعزيز قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والحفاظ على التعاون الأمني، حتى مع قول المفاوضين الفلسطينيين إنّ المحادثات الأمنية الثنائية معلّقة. (وكان الجانب الفلسطيني قد أعلن عن هذا التعليق من قبل، ولكنّ التنسيق الأمني استمر). وفي آذار/ مارس، أطلع آيزنكوت "لجنة الشؤون الخارجية والدفاع" في الكنيست عن فحوى المحادثات بين مسؤولين من «جيش الدفاع الإسرائيلي» ونظرائهم الفلسطينيين. وقد شملت المحادثات خطة للحدّ من عمليات التوغل العسكري الإسرائيلي في المناطق الحضرية الفلسطينية، المعروفة بـ "المنطقة (أ)" في اللغة الدبلوماسية، وإعادة السيطرة الفلسطينية الكاملة عليها تدريجياً. وكان الاتفاق المؤقت من عام 1995 بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة (المعروف باسم معاهدة "أوسلو 2") قد وضع "المنطقة ( أ)" تحت السيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية. وظلّ هذا الترتيب ساري المفعول حتى الانتفاضة الثانية في عام 2000، عندما أدّت التفجيرات الانتحارية وغيرها من أشكال العنف إلى إقناع إسرائيل بأنّ "المنطقة (أ)" لم تعد محرمة، الأمر الذي أدى بالتالي إلى دخول القوات الإسرائيلية إلى المناطق الحضرية الفلسطينية في محاولة للقضاء على الانتفاضة.
ولطالما شكلت مسألة استعادة السيطرة الفلسطينية على هذه المناطق مسألة خلافية، إذ يصرّ «جيش الدفاع الإسرائيلي» على أنه يتجنب دخول المناطق الحضرية الفلسطينية إلا عند الضرورة القصوى، كما في الحالات التي يشعر فيها أنه لا يمكنه أن يشارك "مصدر استخباراتي حساس جداً" مع النظراء الفلسطينيين (ويجد الفلسطينيون أنه يتمّ استخدام هذه الحجة كثيراً جداً). وبموجب الاقتراح الجديد، يوافق «الجيش الإسرائيلي» على إنهاء جميع العمليات في "المنطقة (أ)"، باستثناء حالات "القنابل الموقوتة".
وعلى الرغم منّ أنّ المحادثات الرئيسية بشأن "المنطقة (أ)" متوقفة الآن بسبب الظروف السياسية على كلا الجانبين، تعكس مبادرة مؤسسة الدفاع الإسرائيلي قلقاً متزايداً من إمكانية انهيار التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني - إلى جانب انهيار السلطة الفلسطينية - كما تُظهر استعداداً شديداً لعمل شيء ما حيال ذلك. ويقيناً، عبّر بينيت وغيره من السياسيين علناً عن معارضتهم للمحادثات بشأن "المنطقة (أ)"، ولكنّ «جيش الدفاع الإسرائيلي» دفع بها إلى الأمام.
ومع ذلك، فإن «جيش الدفاع الإسرائيلي» ليس منفصلاً عن الحكومة الإسرائيلية، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو مفتاح هذه العلاقة المعقدة. وغالباً ما يكون نتنياهو عالقاً بين مطرقة اليمين السياسي وسندان المؤسسة العسكرية التي هي على قناعة بأنّه لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية. ويجد رئيس الوزراء أنه من المريح أنّ «جيش الدفاع الإسرائيلي» يقرّ علناً بما يعرفه نتنياهو بالفعل بأنه صحيح، ولكنه يتردد في قوله بسبب الضغط من داخل ائتلافه ومن القوى الخارجية التي تدعو إلى تقديم المزيد من التنازلات.
وبعبارة أخرى، من الأسهل على نتنياهو كرئيس لائتلاف يمين -الوسط الانضمام إلى مؤسسة الدفاع الإسرائيلي في تقييمها بدلاً من ترؤسه لمثل هذه المبادرات بشكل نشط. وحتى الآن، كان نتنياهو على استعداد لتحويل هذه المسألة إلى «جيش الدفاع الإسرائيلي». فعلى سبيل المثال، أصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً في الرابع من أيار/مايو، أشار فيه إلى أنّ مسألة إعادة جثث الإرهابيين إلى عائلاتهم قد أصبحت تحت إشراف وزير الدفاع ووزير الأمن العام. وفي الماضي، كان نتنياهو يعارض بوضوح مثل هذه السياسة. ويقول الساسة اليمينيون إنّ إعادة الجثث يؤدي إلى إقامة جنازات مشحونة سياسياً، بينما تجد المؤسسة الدفاعية أنّ عدم إعادة الجثث يولد مزيداً من الاستياء بين صفوف الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، وبينما تتصاعد الهجمات اليمينية ضدّ آيزنكوت، قد يصبح من الأصعب على نتنياهو منح «جيش الدفاع الإسرائيلي» فسحةً للعمل.
وفي رسالته الأخيرة ذكّر آيزنكوت جنوده بأنّ مصير إسرائيل يعتمد على قوتها وتقواها على حد سواء، مذكراً بكلمات قالها رئيس وزراء إسرائيل الأول دافيد بن غوريون. إنه لمن سوء الحظ أنّ أسلوبه في القيادة، الذي تجسده مؤسسة الدفاع الإسرائيلي في الوقت الحالي، لا يعجب بعض السياسيين الإسرائيليين في هذه الفترة.
ديفيد ماكوفسكي هو مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وكان عضواً في فريق التفاوض الذي أقامه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية 2013-2014.
غابرييل خيفيتس هي مساعد باحث في معهد واشنطن.
"فورين أفيرز"