- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ردود الفعل الفاترة في الشرق الأوسط إزاء قرار القدس ينبغي أن لا تكون مفاجأة
في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2017، أعلن الرئيس ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. وأثار قرار الرئيس الأمريكي ضجة بين المسؤولين العرب والدوليين، الذين حذّروا من انطلاق مظاهرات احتجاجية وقيام أعمال عنف واسعة النطاق في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فبعد ثلاثة أسابيع من صدور القرار، اتضح أنّ معظم هذه التحذيرات المتشائمة عقيمة وعديمة الجدوى. وقد وقعت احتجاجات في بعض العواصم العربية، لكنها كانت تفتقر إلى الأعداد والحماسة للإستمرار. وباختصار، كانت ردود فعل العرب فاترة، باستثناء عدة صواريخ أُطلقت على إسرائيل من غزة. ويأتي الإخفاق في التكهّن بهذه الحصيلة نتيجة الإدراك بأنّ الجهات الفاعلة التي حفّزت الاحتجاجات في الماضي قد أُضعفت بشكل أساسي.
ففي الماضي، تمتّعت ثلاث فئات فاعلة بقدرة بارزة على تعبئة الجماهير في الشوارع العربية للاحتجاج من أجل القضية الفلسطينية وكانت تتمثّل هذه الجهات بمحور بقيادة إيران، والإسلاميين السياسيين السنة، والقوميين العرب واليساريين. غير أن هذه الجهات الفاعلة فقدت قوتها ومصداقيتها نظراً لإخطائها الجسيمة في السنوات السبع الماضية.
وفي هذا الصدد، أرسل المحور الذي تقوده إيران آلاف المقاتلين لدعم حكم الدكتاتور السوري بشار الأسد، ممّا أدى إلى مقتل مئات الآلاف من العرب السنة خلال العمليات العسكرية. وبينما نجح في الحفاظ على عائلة الأسد، إلّا أنّه شوّه صورة إيران وحلفائها في جميع أنحاء العالم السني الذي يتعاطف مع الثورة السورية ويرى التدخل الإيراني بمثابة خطوة طائفية من قبل نظام طائفي. وبعبارة أخرى، كشف التدخل الإيراني في سوريا الوجه الحقيقي للنظام السوري إلى الملايين من العرب العاديين الذين اعتادوا تصديق الحملة الدعائية للجمهورية الإسلامية واعتبروها أمة تقاوم هيمنة الغرب ونفوذه.
وعلاوة على ذلك، فإن صور الأطفال السوريين، الذين تعرضوا للهجوم بالأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين، قد دفعت الكثيرين في المنطقة إلى الإشارة بشكل عام إلى «حزب الله»، الذي هو الميليشيا الرئيسية التابعة لإيران في المنطقة، بأنه "حزب الشيطان". وهذا الوصف يتناقض تماماً مع الوضع الذي كان سائداً خلال الصراع بين إسرائيل و «حزب الله» عام 2006، عندما لم يسع المرء إلا أن يلاحظ صور زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله في القاهرة وعمّان وغيرها من العواصم السنية في جميع أنحاء المنطقة للدلالة على التأييد وإظهار الدعم. ومن المفارقات أن بعض الحكومات العربية تشعر [اليوم] بالجرأة بسبب فقدان «حزب الله» للشعبية، كما أنّها تشجع إسرائيل على قصف مراكز القوة التابعة للميليشيا اللبنانية في جنوب لبنان وسوريا على غرار ما حدث عام 2006، وفقاً لبعض التقارير.
وفي هذا السياق، فقدت الركيزة الثانية للمحور الإيراني في المنطقة، الجماعة الفلسطينية المسلحة «حماس»، مصداقيتها علناً بسبب ارتباطها العلني مع جماعة «الإخوان المسلمين» وتدخلها في الشؤون المصرية، وخاصة في سيناء، بعد عام 2011. وقد ردّت مصر والدول الخليجية الداعمة بحملة علاقات عامة واسعة النطاق أدّت إلى تشويه سمعة الحركة. وفي نظر الملايين في المنطقة، حوّلت «حماس» نفسها من حركة مقاومة وطنية فلسطينية إلى امتداد لـ «الإخوان المسلمين» المصريين والإسلام السياسي السني. وقد حاولت «حماس» إزالة هذا الوصم في أيار/مايو 2017 عندما نأت بنفسها عن جميع الإشارات إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، إلّا أنّ هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً.
بالإضافة إلى ذلك، أدّى قرار "اللجنة الرباعية العربية"، المؤلفة من البحرين ومصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، بحصار قطر وقناة "الجزيرة" التي تمولها حكومتها ومقاطعتهما إلى تقليص تأثير هذه الملكية الخليجية الصغيرة. وكان على قطر أن تتراجع وتقلص نفقاتها من أجل استقرار اقتصادها. وبالتالي، أدّى ذلك إلى إضعاف الإسلاميين، الذين كانت قطر من أبرز الداعمين والممولين لهم في المنطقة. وفضلاً عن ذلك، أوقفت "اللجنة الرباعية العربية" أعمال الإسلاميين السياسيين السنة الذين كانوا على صلة وثيقة بقطر أو "الجزيرة"، وعرّضتهم لتدقيق عام، ممّا جعل المنظمات والأفراد الإسلاميين البارزين يبتعدون عن السياسة تماماً لئلا يعرضون أنفسهم لخطر الدخول إلى السجن.
أما تركيا، فهي داعم آخر للإسلام السياسي السني. وقد تزعزع استقرارها كما فقدت قدرتها على التأثير على الأحداث في المنطقة ككل، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 وقرار «حزب العمال الكردستاني» باستئناف التمرد في الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد الذي دام ثلاثين عاماً. بالإضافة إلى ذلك، دفعت نهضة الأكراد السوريين وطموحاتهم لإقامة منطقة ذاتية الحكم في شمال سوريا، القادة الأتراك للتدخل في الحرب الأهلية السورية. لذلك فإن هذا التدخل أُرغم تركيا على التخلي عن سياستها الخارجية النشطة التي اعتمدتها قبل "الربيع العربي"، الأمر الذي حرم الإسلاميين السياسيين السنة داعماً رئيسياً آخر.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد اليساريون العرب والقوميون، الذين لعبوا دائماً دوراً كبيراً في التظاهرات ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل، قبل "الربيع العربي"، قدرتهم على إلهام الجماهير وحشدهم بعد النتائج الهزيلة التي حققتها الثورات التي اندلعت قبل سبع سنوات. والجدير بالذكر أنّ صور أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية» وهم يقطعون الرؤوس والدمار الشامل الذي ألحقوه في سوريا وليبيا واليمن قد صدمت الشعوب، وأجبرت الكثيرين على إعادة النظر في احتجاجات الشوارع كحل لمشاكلهم.
وفي حين أن التأثيرات الطويلة الأجل لقرار الرئيس ترامب لم تظهر بعد، إلّا أنه من المرجح أن تستمر ردود الفعل الواهنة للجمهور العربي. إنّ الشرق الأوسط الذي كان قائماً قبل عام 2011 هو ليس كذلك القائم اليوم. ومن شأن إدراك هذه الحقيقة أن يخدم كثيراً المراقبين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط لكي يحكموا على قرارات الولايات المتحدة بشكل أفضل.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن. وسام حسنين طالب مرشح لنيل شهادة الماجستير من "كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية".
"ذي هيل"