- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2403
ردود الفعل العربية المتباينة على اتفاق الإطار النووي الإيراني
ركّز معظم المحلّلون على ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية إزاء اتفاق الإطار النووي الإيراني الذي تم الإعلان عنه في بداية نيسان/أبريل، على الرغم من ردود الفعل العربية الهامة والمتباينة إلى حد كبير في جميع أنحاء المنطقة العربية - ليس في دول الخليج فحسب بل أيضاً في صفوف أصدقاء إيران وخصومها في سوريا ولبنان وخارجها. ففي 9 نيسان/ إبريل، على سبيل المثال، عنونت وسائل الإعلام الرائدة التابعة لدول الخليج أنّ تصريحات إيران الجديدة "تنكث" بالجوانب الرئيسية للاتفاق، في حين فسّرت وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد و «حزب الله» أنّ تلك التصريحات هي رد إيران "المشروع" على الضغوط الغربية المستمرّة.
وكان هناك قاسم مشترك واحد بارز وهو: أنّ المعلقين والمسؤولين العرب لم يولوا اهتماماً ملحوظاً للتفاصيل التقنية لاتفاق الإطار (على الأقل قبل التصريح الأخير للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال فيه إنّ فترة تجاوز إيران للعتبة النووية قد يتقلص "إلى الصفر تقريباً" بعد ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن). وبدلاً من ذلك، ركزت ردود الفعل العربية على جهة واحدة فقط للوضع وهي التداعيات الأوسع نطاقاً للصفقة النووية المحتملة لتدخل إيران المألوف في الصراعات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر البحوث الإحصائيّة أنّ معظم الجماهير العربية تدعم وجهات نظر حكوماتها السلبية للغاية تجاه السياسات الإيرانية، حتى إذا كانت بعض هذه الجماهير تشعر على الأرجح بالقلق إزاء مختلف المشاكل الداخلية لديها كما أوضح علناً أوباما في الأسبوع الأخير.
ترحيب «حزب الله» بالاتفاق، وتحفّظ جهات لبنانيّة أخرى
سارع السياسيّون الشيعة في لبنان، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى تهنئة إيران على "الانجاز" أو "النصر" الذي حقّقته في المفاوضات النووية. وفي هذا الصدد، نشر فوراً رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" المؤيدة لـ «حزب الله» مقالاً افتتاحيّاً بعنوان "عالم جديد: الغرب يرضخ"، كما أن الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله تناول هذا الموضوع بالتفصيل خلال مقابلة أجراها في 6 نيسان/ إبريل بثت على الشبكة التلفزيونية السورية "الإخبارية" الموالية للنظام السوري والمنقولة على موقع "المنار" الناطق باسم حزبه. وقد أكّد في حديثه على أنّ رفع العقوبات سيجعل إيران أكثر قوة وتأثيراً في المنطقة، وهذا بدوره سيؤدي إلى دعم حلفاء طهران في لبنان وسوريا وستتمكن إيران من دعم "المقاومة" الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى. وشدد متحدث باسم «حزب الله» على هذه النقاط خلال مقابلة أجرتها معه قناة "الميادين" في 8 نيسان/ إبريل.
أمّا من الجانب السياسي اللبناني المعاكس، فقد تحدّث معظم السياسيّون السنة ووسائل الإعلام التابعة لهم بشكل مقتضب فقط عن اتفاق الإطار وامتنعوا عن دعمه. وركّز البعض تعليقاتهم على معارضة التدخلات العسكرية التقليدية الإيرانية في المنطقة. كما شكّك عدد قليل من الشخصيات السياسية المسيحية علناً، مثل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بتداعيات اتفاق الإطار، بينما التزم آخرون الصمت بشأن هذه المسألة.
وتنعكس هذه الانقسامات الطائفية في ردود الفعل المتباينة في المواقف الشعبية اللبنانية تجاه إيران. ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أظهر استطلاع موثوق للرأي أنّ 96 في المائة من الشيعة في لبنان ينظرون بإيجابية إلى إيران، وهو رقم مثير للدهشة، غير أنّ هذه النسبة انخفضت إلى 12 في المائة فقط بين السنة. وقد كان المجتمع المسيحي في لبنان، مثل قادته السياسيين، أكثر انقساماً حول هذه المسألة إذ عبّر 35 في المائة منهم عن موقف إيجابي تجاه إيران، بينما كان موقف الآخرين إمّا مبهماً أم سلبيّاً.
دمشق تشيد "بنجاح" إيران والمعارضة ترثي الإتفاق
[توالت] التصريحات الرسمية السورية ووسائل الإعلام الرسمية على تهنئة إيران بشكل مفرط على المكاسب التي حقّقتها في اتفاق الإطار، الذي لا يخدم "مصالح الشعب الإيراني في مجال الطاقة النووية" فحسب بل يخدم أيضاً الحملة الدولية لعزل إسرائيل. وقد أصدرت وزارة الخارجية السورية ووزير الإعلام السوري وسفير سوريا في الأمم المتحدة تصريحات مفصلة حول هذه المسألة. وحتى أن "القيادة الإقليمية لحزب البعث" ذهبت أكثر من ذلك بتأكيدها أنّ اتفاق الإطار "يعزز الثقة في الانتصار على العدو الصهيوني والإرهابي المشترك."
وفي المقابل، رفض المتحدثون باسم المعارضة السورية هذه التأكيدات بشكل طبيعي. وقال أحدهم إنّ الصفقة "ستساعد الأسد كثيراً ... ونحن نرفض تماماً أي اتفاقية توقّع على حساب سوريا". واعترف آخر بأنّ الإيرانيين "قدّموا بعض التنازلات، ولكنّني أخشى من أنّهم حصلوا على الضوء الأخضر" لانتكاهاتهم في سوريا وفي جبهات عربية أخرى. وفي 6 نيسان/ إبريل وخلال فقرة تلفزيونية تم بثها من على قناة المعارضة السورية "أورينت" التي تتخذ من دبي مقراً لها، سُئل المتحدث: "أخيراً بدأت الولايات المتحدة تساعد في وقف إيران في اليمن، والآن ماذا عن سوريا؟"
مصر والأردن تلتزمان الصمت، بينما تشكك وسائل الإعلام الكبرى في سياسة الولايات المتحدة
لم تُصدر الحكومتان المصرية والأردنية حتى الآن رداً رسميّاً على اتفاق الإطار. وقد جاءت التغطية الإخبارية والتعليقات متفرقة وطغت عليها مسائل أخرى إلى حد كبير.
ولكن، تشير تغطية أحدث البيانات الرسمية ذات الصلة بالموضوع التي صدرت في الولايات المتحدة إلى وجود شكوك كبيرة بشأن نوايا واشنطن. ففي 7 نيسان/ إبريل، سلّطت صحيفة "الدستور" الأردنية الرائدة الضوء في صفحتها الأولى على تصريح لأوباما قال فيه إنّ الشباب المحلي "الغاضب" - وليس ايران - يشكل التهديد الأكبر لدول الخليج العربية. وفي اليوم نفسه، كتبت صحيفة "الأهرام" الرائدة في مصر تحليلاً على صفحتها الأولى ادعت فيه أن الرئيس الأمريكي يضع شروطاً مسبقة على القمة العربية المخطط عقدها في "كامب ديفيد" عبر "الإصرار على حق الولايات المتحدة في التدخل في الشؤون الداخلية العربية". وجاء ذلك بعد افتتاحية بارزة لصحيفة "الأهرام" في 4 نيسان/ إبريل سألت فيها على وجه التحديد، "ما هي التأكيدات أو الضمانات التي قدمتها إيران لدول الخليج العربية المجاورة؟" - مقابل التأكيدات النووية المقدمة للقوى الأجنبية من خارج المنطقة.
وفي الوقت نفسه، تحدّثت معظم التعليقات في مصر والأردن عن "القوة العسكرية العربية المشتركة" التي تتدخّل في اليمن ضد حركة التمرد الحوثي المدعومة من إيران. ويتماشى رأي وسائل الإعلام المعادية لإيران مع الرأي العام في كلا البلدين، حيث وجد مسح تجاري موثوق أجري في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 أنّ نسبة 13 في المائة فقط من المشاركين ينظرون إلى إيران بإيجابية "إلى حد ما."
دول «مجلس التعاون الخليجي» الصغيرة تتوخى الحذر بينما تشير معظم وسائل الإعلام إلى سياسات إيران التخريبية
من بين الأنظمة الملكية العربية في الخليج، كانت سلطنة عُمان الوحيدة التي استضافت محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران أدّت إلى اتفاق الإطار. وكانت وزارة الخارجية في سلطنة عُمان أوّل من أصدر ردّاً حول هذا الموضوع في الأسبوع الماضي وصفت فيه الإتفاق بأنه خطوة "مهمة" نحو التوصل إلى تفاهم أفضل. وفي وقت لاحق، قال أحد الأستاذة العمانيين لمراسل غربي إنّ السلطان قابوس بن سعيد "يتكلم عن إيران كدولة جارة ويجب إقامة علاقات جيّدة معها". ولم يتمّ الإفصاح عن تفاصيل إضافية حول المكالمة الهاتفية التي جرت بين السلطان قابوس والرئيس أوباما في 6 نيسان/ إبريل.
ولم تصدر دول «مجلس التعاون الخليجي» الأربع الصغيرة الأخرى - البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة - سوى القليل من التعليقات الرسميّة، وربما أنّها تنتظر القيام بجهود [مشتركة] لتنسيق مواقفها كما ذُكر في الإعلام. أما قناة "الجزيرة" القطرية التي ما زالت تحظى بدعم شعبي فقد هلّلت بسرعة لدعوة أوباما لعقد قمّة في "كامب ديفيد"، ولكن يبدو أنّ تعليقات وسائل الإعلام الأخرى محدودة بشكل يثير الدهشة. إذ اهتمّت وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة في هذه البلدان بأزمة اليمن المستمرة أكثر من القضية النووية الإيرانية، على الرغم من ازدياد الحساسيّات تجاه كلتا الحالتين في الآونة الأخيرة مع تزايد التقارير حول قيام احتجاجات شيعية في البحرين ضد التدخل العربي في اليمن.
وعلى المستوى الشعبي، تتمتع إيران بشعبية في بعض هذه البلدان أكثر بقليل من مصر أو الأردن. وفي استطلاع للرأي جرى في تشرين الأول/أكتوبر، قال 21 في المائة من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة التي تربطها علاقات تجارية كبيرة مع إيران، أنهم يؤيدون طهران "على ضوء سياساتها الأخيرة"، بينما وصلت هذه النسبة إلى 24 في المائة في الكويت، حيث أن حوالي ثلث المواطنين هم من الشيعة. وفي كلتا الحالتين، حقّقت إيران تقدّماً ضئيلاً في الأصوات على الولايات المتحدة، بينما حازت باكستان التي دُعيت من قبل المملكة العربية السعودية إلى الانضمام إلى جهود التحالف في اليمن، على أصوات أكثر من إيران مع معدلات وصلت أعلى قليلاً من 30 في المائة.
السعوديون يركزون على طموحات إيران الإقليمية
عبّرت التقارير المتعلقة بالمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس أوباما مع العاهل السعودي الملك سلمان في 2 نيسان/إبريل وبيان أصدره مجلس الوزراء السعودي مؤخراً، عن "الأمل" في أنّ يؤدّي اتفاق الإطار الإيراني إلى التوصل إلى اتفاق نهائي بنّاء. وفي مقابلة تلفزيونية أجراها في 6 نيسان/ إبريل وسّع السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل الجبير الحديث قليلاً عن هذا الموقف، مؤكداً أن حكومته لا يمكن أن تحكم على الشروط قبل استكمال التفاصيل الرئيسية. وأضاف أن المملكة العربية السعودية وأصدقاؤها، بمن فيهم باكستان، سيعملون في غضون ذلك على مواجهة "الإرهاب، والتخريب، والتدخل" الإيراني في الدول العربية، من اليمن إلى سوريا والعراق.
ويعكس الرأي العام السعودي مثل هذه الشكوك تجاه واشنطن والريبة من طهران. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في الخريف الماضي حصول إيران والولايات المتحدة على تأييد بنسب متقاربة هي 12-13 في المائة من المواطنين السعوديين الذين ينظرون بإيجابية إلى أي منهما. وفي المقابل حقّقت باكستان نجاحاً أكبر بحصولها على تأييد 39 في المائة من السعوديين.
ويجدر بالذكر أن وسائل الاعلام العربية والمحلية التي ترعاها المملكة العربية السعودية تتحدث الآن عن هذه الشكاوى أكثر بكثير من نظيراتها في دول عربية أخرى. على سبيل المثال، كتب عبد الوهّاب بدرخان عموداً رئيسيّاً في صحيفة "الحياة" في 9 نيسان/ إبريل، تحت عنوان "الاتفاق النووي ليس عنوان استقرار لأي بلد خرّبته إيران". وفي 8 نيسان/ إبريل، عنون عبد الرحمن الراشد مقاله الرئيسي في صحيفة "الشرق الأوسط": "أوباما: اعتذار لإيران وانتقاد العرب!". وبالمثل، كتب محلّلون ناقدون رائدون آخرون - مثل تركي الفيصل وجمال خاشوغي وغسان شربل وأحمد جاز وغيرهم - إفتتاحيات في جميع الصحف اليومية الكبرى المملوكة للسعودية ينتقدون فيها بانتظام "تخلي" أمريكا عن حلفائها العرب لصالح الهيمنة الإيرانية. وأضافوا أنّه ما لم تعكس واشنطن هذا المسار، لن يتبقَ للمملكة العربية السعودية وأصدقائها الحقيقيين سوى الوقوف صفاً واحداً وأخذ زمام الأمور بأيديهم - بما في ذلك الحصول على دورة كاملة للوقود النووي لمواجهة إيران. وبينما يذهب هذا الخطاب إلى ما هو أبعد من مجرّد بيانات رسمية صادرة من الرياض، من المرجح أن تعكس وسائل الإعلام شبه الرسمية عنصراً أساسيّاً في السياسة السعودية الحالية.
التداعيات السياسية
تعطي هذه النتائج عدداً من المبادئ التوجيهية التي تستطيع الولايات المتحدة استخدامها لإدارة رد الفعل العربي تجاه المحادثات النووية الإيرانية في المرحلة القادمة. أولاً، يجب على واشنطن معالجة مخاوف العرب حول تهديدات إيران غير النووية الفعلية بقدر تهديداتها النووية المحتملة - ليس فقط في اليمن، ولكن أيضاً في سوريا والعراق ولبنان والبحرين وخارجها. ثانياً، ينبغي أن تتجنب الخلط بين هذه المسألة والحديث عن التحديات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، أو الدينية الداخلية في الدول العربية. ثالثاً، يجب أن تولي اهتماماً عاجلاً تجاه المملكة العربية السعودية حيث يرتفع مستوى القلق من سياسة الولايات المتحدة، وتتزايد الجهود الناشطة لكسب حلفاء بديلين وحيث احتمالات الانتشار النووي بالغة بشكل خاص.
ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في معهد واشنطن ومدير "منتدى فكرة".