- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3500
رحلة إيران إلى الأطلسي: تداعيات النشر البحري إلى فنزويلا أو سوريا
قد تكون الرحلة الأولى لسفينتين بحريتين إيرانيتين خطوة أولى لإرسال صواريخ بعيدة المدى وطائرات بدون طيار وقوارب هجوم سريع ومواد أخرى إلى حلفاء طهران في منطقة البحر الكاريبي أو البحر المتوسط. وستشكل الصواريخ التي يُحتمل أن تكون على متن السفينة الحربية الضخمة "مكران" تهديداً أكبر إذا تم تسليمها بنجاح إلى سوريا، حيث ستكون قادرة على الوصول إلى السعودية، رغم عدم تمكنها من الوصول إلى أوروبا.
بينما تدخل المفاوضات النووية الدولية مرحلة حاسمة، أرسلت "بحرية جمهورية إيران الإسلامية" (" البحرية الإيرانية") سفينتين بحريتين في رحلة طويلة حول رأس الرجاء الصالح، ربما تتجهان إلى فنزويلا أو سوريا وفقاً لتقييمات مختلفة. وكانت السفينتان قد أبحرتا للمرة الأولى في 10 أيار/مايو وهما الآن في مكان ما جنوب المحيط الأطلسي تحت الأعين اليقظة للمخابرات الأمريكية، علماً بأن هذا الأسطول يتألف منن أكبر سفينة لـ "البحرية الإيرانية" - سفينة "مكران" الحربية الضخمة (راية رقم 441) - والفرقاطة المزودة بصواريخ "سهند" (74). ومن بين الأهداف الأخرى، من المحتمل أن تشمل مهمتها اختبار التزام الولايات المتحدة والحلفاء بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي بموجب شروطه يُسمح الآن لإيران بتصدير معدات عسكرية - على الرغم من أن سوريا ممنوعة من استلامها حيث تخضع لعقوبات دولية، كما أن عمليات التسليم في فنزويلا قد تنطوي على تعقيدات قانونية كبيرة أيضاً.
رحلة طال انتظارها
منذ عام 2011 على الأقل، تحدثت إيران عن إرسال فرق عمل بحرية إلى المحيط الأطلسي، وأثارت هذا الاحتمال مجدداً في شباط/فبراير 2014 في الوقت الذي كان من المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات النووية في فيينا. وفي هذه الحالة، ادّعى أحد القادة في "البحرية الإيرانية" أنه سيتمّ نشر أسطول صغير بالقرب من المياه الأمريكية؛ وفي ذلك الوقت شكّكت إدارة أوباما (بحق) في ذلك. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، نفذت إيران محاولة فعلية من خلال إرسالها السفينة المساعدة "بوشهر" والفرقاطة "ألفند" (71) باتجاه المحيط الأطلسي، لكن تلك الجهود باءت بالفشل عندما أفادت بعض التقارير أن "بوشهر" اصطدمت بحاوية كانت قد انحرفت عن مسارها واضطرت إلى التوقف بشكل طارئ في مرفأ ديربان، في جنوب أفريقيا لعدة أشهر قبل إجراء بعض الإصلاحات لها. وفي عام 2018، تحدث قائد بحري آخر عن خطة لإرسال سفينتين أو ثلاث سفن حربية إلى فنزويلا في مهمة أمدها خمسة أشهر كرد فعل متبادل على تواجد حاملة الطائرات الأمريكية بالقرب من المياه الإيرانية.
والآن بعد أن دخلت السفينتين الإيرانيتين فعلياً إلى المحيط الأطلسي، تنظر واشنطن بقلق متزايد حيال نشرهما. ويُعزى ذلك عموماً إلى واقع أن سفينة "مكران" الضخمة - وهي ناقلة معدلة - يمكنها أن تحمل كميات ضخمة من الأسلحة و/أو الوقود لنقلها إلى الجيش الفنزويلي أو نظام الأسد في سوريا.
وقبل تجهيز سفينة "مكران" لإرسالها في كانون الثاني/يناير من هذا العام، لم تكن إيران تملك سوى ثلاث سفن دعم قادرة على مرافقة السفن الحربية لمسافة مماثلة. وكانت سفينة "خرج" الأكبر والأكثر قدرة بين هذه السفن علماً بأنها كانت السفينة الرئيسية لـ "البحرية الإيرانية" منذ عام 1984 وشاركت في العديد من مهام مكافحة القرصنة على مسافات طويلة والتدريبات والعمليات الاستخباراتية بدءاً من عام 2009. وبين عامي 2013 و 2018، خضعت لعملية إصلاح معقدة أبقاها بعيداً عن البحار، ولأسباب غير معروفة، لم يتم إرسالها أبداً إلى المحيط الأطلسي عند عودتها إلى الخدمة. ثم، في وقت سابق من هذا الشهر، غرقت بعد انفجار نجم على ما يبدو في غلاياتها التي أعيد بناؤها في إيران. أما سفينتا الدعم الأخريان - "بوشهر" و"بندر عباس" - فهما أصغر حجماً وأقدم من "خرج".
وهذه المرة، تستخدم إيران سفينة "مكران" الجديدة التي يبلغ طولها 228 متراً ويصل وزنها إلى 121 ألف طن، وترافقها إحدى الفرقاطات الإيرانية الحديثة الصنع. أما "سهند"، فهي مزودة بأسلحة بشكل معتدل وفقاً للمعايير الحديثة، لكنها مصممة للمهام الأطول بحيث يمكنها أن تمضي فترة تصل إلى 150 يوماً في البحار الهائجة مثل المحيط الأطلسي. ووفقاً لبعض التقارير تم تزويد السفينتين بقدرات مراقبة إلكترونية.
الأسلحة المحتملة على متن السفينة
إن استخدام [السفينة] "مكران" هو للرد جزئياً على القيود المفروضة على الموانئ بعد تفشي جائحة "كوفيد-19"، وقد تم تجهيزها بمعدات خفيفة فقط، ولكن وفقاً لبعض التقارير بإمكانها أن تحمل كميات كافية من الوقود والإمدادات للبقاء في عرض البحر لفترة تصل إلى 3 سنوات، وبذلك توفر منصة إطلاق بحرية ملائمة للمروحيات، والقوارب والطائرات بدون طيار والغواصات والصواريخ الكبيرة، من بين مهام أخرى (على سبيل المثال، العمليات الخاصة). وكانت "البحرية الإيرانية" تفتقر في السابق إلى هذا النوع من القدرة على الإطلاق.
ويتضمن سطح السفينة الواسع حالياً منصة هبوط كبيرة للطائرات المروحية (ذات فائدة محدودة بسبب عدم وجود حظيرة للطائرات) والعديد من القوارب السريعة. وقد تمّ وضع اثنين من حاوياتها النمطية التي يبلغ طولها 40 قدماً (12.2 متراً) بشكل ظاهر على سطح السفينة، مما يشير إلى أنها تحتوي على شحنة خاصة مثل صواريخ جوالة مضادة للسفن مع منصات إطلاق. ومن هذه الصواريخ نذكر صاروخ "أبو مهدي"، وهو نسخة أطول مدى من صاروخ "سومار"/"حويزة" مزود برأس ذي توجيه نشط بالرادار ومدى مزعوم يزيد عن 1000 كيلومتر. كما أن الحاويات كبيرة بما يكفي لاحتواء ثلاثة أنواع أخرى من الصواريخ يتراوح طولها بين 8.9 و10 أمتار("فاتح 110"، أو "ذو الفقار"، أو "دزفول"، بمدى يتراوح بين 250 و 1000 كيلومتر)، أو صاروخ "رعد-500" الأصغر حجماً (ذو مدى 500 كيلومتر وجاهز للإطلاق). بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسفينة "مكران" أن تختزن شحنة مخبأة من الصواريخ البالستية/شبه البالستية، وطائرات بدون طيار انتحارية و/أو قطع [غيار].
ماذا لو توجهت السفن إلى فنزويلا؟
في منطقة البحر الكاريبي، تُعتبر فنزويلا الوجهة المنطقية الوحيدة لمثل هذه المنظومات - فهي واحدة من اثنين فقط من الحلفاء الإيرانيين في المنطقة، وحتى يُفترض أن طهران تدرك أن محاولة تسليم الأسلحة إلى الحليف الآخر (كوبا) لن تكون ناجحة. وتتعقد قدرة فنزويلا على تلقي أسلحة من إيران بشكل قانوني بسبب سلسلة من العقوبات الأمريكية، ولكن في آب/أغسطس 2020، أشاد الرئيس نيكولاس مادورو بفكرة شراء الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي، حيث أفادت المصادر أن الحكومتين وقعتا على عقد لشراء أسلحة.
أما بالنسبة لعامل الوقت، فسفينة "مكران" قادرة على الإبحار بين كيب تاون وقاعدة "بوابة الحديد" البحرية في فنزويلا في حوالي تسعة عشر يوماً بسرعة تبلغ 15 عقدة. وإذا قامت بنقل المنظومات الصاروخية المذكورة أعلاه إلى هذه المنطقة، فسيكون لبعضها نطاق كافٍ للوصول إلى بورتوريكو أو قناة بنما (حوالي 700 كيلومتر)، ويمكن لجميع هذه الصواريخ بلوغ كافة أراضي كولومبيا. وقد يؤدي ذلك إلى جعل العديد من الأهداف العسكرية الأمريكية ضمن مرمى نيرانها، بما فيها قوات "القيادة الجنوبية" في "قاعدة توليمايدا الجوية" وباجو كاوكا بالإضافة إلى السفن الحربية لـ "القيادة الجنوبية الأمريكية" التي تعمل في منطقة البحر الكاريبي.
وإذا قررت إيران توسيع بصمتها الحركية في منطقة البحر الكاريبي، فيمكنها نشر صواريخ أطول مدى. على سبيل المثال، يمكن أن يصل صاروخ "الحاج قاسم" (الذي يبلغ مداه 1400 كم كما يُدّعى) إلى بورتوريكو وقناة بنما إذا تم إطلاقه من شمال غرب فنزويلا. ولضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة (على سبيل المثال، ميامي)، ستكون هناك حاجة إلى صواريخ أو طائرات بدون طيار بمدى يزيد عن 1850 كيلومتراً (على سبيل المثال، "شهاب 3" أو "غدر" أو "عِماد"). ومع ذلك، حتى بدون شحنات إضافية من الأنظمة بعيدة المدى، فإن صاروخ "أبو مهدي" وحده سيشكل تهديداً هائلاً لكل من كولومبيا، وقناة بنما، ومعظم منطقة البحر الكاريبي. وبالمثل، فإن أي مبيعات لألغام بحرية ذكية، أو عبوات ناسفة مرتجلة محمولة على الماء (قوارب انتحارية)، أو طائرات بدون طيار مسلحة واستطلاعية عالية الأداء (على سبيل المثال، "شاهد -129"، "شاهد -149"/ "غزة"، "شاهد -171"/"191") يمكن أن تغير توازن القوة في منطقة البحر الكاريبي وتسبب تحديات كبيرة لـ "القيادة الجنوبية الأمريكية" على قدم المساواة مع تلك التي تم طرحها بالفعل ضد "القيادة المركزية الأمريكية".
أما بالنسبة للقوارب السريعة السبعة المموهة والمرئية على ظهر "مكران"، فهي جزء أساسي من أسطول "قوات البحرية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي»" الإيراني ولكن لم يكن معروفاً من قبل أنها دخلت الخدمة في "البحرية الإيرانية". وهذه القوارب قادرة على حمل صواريخ "كوثر"/ "ظفر"، أو "نصر"، أو "نصير" المضادة للسفن (مدى 25 و 35 و 130 كم على التوالي) إلى جانب مدفع رشاش عيار 12.7 ملم. وعلى الرغم من أن تسليم هذه القوارب لن يغير الحسابات الاستراتيجية لواشنطن بشكل كبير، إلا أن احتمال انخراط فنزويلا في تعاون بحري غير متماثل طويل الأجل مع «الحرس الثوري» الإيراني أمر مثير للقلق.
ماذا لو توجهت السفن إلى سوريا؟
للوصول إلى ميناءي طرطوس أو اللاذقية في سوريا، ستحتاج "مكران" إلى وقت أطول بقليل من التسعة عشر يوماً المقدرة واللازمة للوصول إلى فنزويلا. وبمجرد وصول السفينة وحمولتها إلى البحر المتوسط ، يمكن أن تسبب العديد من المشاكل الأمنية.
على سبيل المثال، يمكن استخدام قوارب الهجوم السريع "ذو الفقار" لتجهيز وحدة خاصة من «الحرس الثوري» الإيراني أو وحدة بحرية تابعة لـ «حزب الله» مسؤولة عن حماية ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى بانياس. وسبق لـ "البحرية السورية" أن حصلت على نسخة سابقة من "ذو الفقار" وأدخلتها في الخدمة البحرية الفعلية، وهي مسلحة بصواريخ "سي-802" /"نور".
وستشكل الصواريخ التي يُحتمل أن تكون على متن "مكران" تهديداً أكبر إذا تم تسليمها بنجاح إلى سوريا. على سبيل المثال، ستكون صواريخ "دزفول" قادرة على الوصول إلى عاصمة السعودية وجميع أنحاء إسرائيل، على الرغم من أنها لا تتمكن من الوصول إلى أوروبا.
الخاتمة
تُعتبر الرحلة الأولى لسفينة "مكران" والفرقاطة المرافقة لها إلى الأطلسي سابقة من المرجح أن تتكرر في المستقبل، ومن المحتمل أن تتبعها في مرحلة ما سفن مسلحة بصواريخ عابرة للمحيطات تابعة لـ "قوات بحرية «الحرس الثوري الإسلامي»" الإيراني. وناهيك عن الرسائل السياسية والاختبار البحري، تمنح مثل هذه المهام فرصة ممتازة لطهران لمدّ جسور لوجستية إلى فنزويلا و/أو سوريا وسط اختبار حدود الحظر المفروض على الأسلحة وخلاف ذلك ممارسة الضغط المضاد ضد الغرب. وبطبيعة الحال، تتمتع السفن البحرية الأجنبية بحرية الإبحار في المياه الدولية مثلما تفعل السفن الأمريكية في الخليج العربي. ومع ذلك، على واشنطن أن تراقب عن كثب الخط الرفيع الذي يفصل بين تجاهل الأنشطة المشروعة والمواجهة بحزم لأولئك الذين يعمدون إلى انتهاك قرارات حظر الأسلحة أو تقويض أمن منطقة البحر الكاريبي / البحر الأبيض المتوسط أو إهانة الولايات المتحدة.
وفي الواقع، فإن النظام الإيراني على دراية جيدة بتقويض الأمن الإقليمي والصلاحيات الأمريكية باستخدام أساليب غير متماثلة ورمادية غير واضحة، لذلك لا ينبغي السماح له باستخدام هذه الأساليب في شرق البحر الأبيض المتوسط. وإذا كانت رحلة "مكران" محاولة لإرسال صواريخ دقيقة أو زورق هجومي سريع مدجج بالسلاح إلى المياه القريبة من أمريكا، فيجب على واشنطن أن تنظر إليها على أنها تهديد جدي لا يمكن التساهل معه - تهديد قد يكون من الأسهل تفاديه الآن قبل أن يصبح واقعاً.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.