- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2836
عرسال: العقبة الأخيرة أمام المنطقة الآمنة الخاصة بـ «حزب الله»
شنّت قوات «حزب الله» التي يبلغ قوامها خمسة آلاف مقاتل، وفقاً لبعض التقارير، هجومها المتوقّع منذ زمنٍ طويل ضد المسلحين في عرسال وجبال القلمون، على طول الحدود اللبنانية - السورية. وتدعم القوات الجوية السورية هذا الجهد من خلال تكثيف ضرباتها ضد المسلحين حول عرسال، على جانبي الحدود، بينما تنسّق [عمليّاتها] مع «حزب الله» و«القوات المسلحة اللبنانية». ويحدّ الجيش اللبناني حتى الآن من دوره في منع المسلحين من التسلل إلى داخل لبنان.
وفي غضون ذلك، يواجه اللاجئون السوريون في المناطق الحدودية المتضررة من لبنان، ومعظمهم من المسلمين السنة، ضغوطاً سياسية وشعبية منظمة لمغادرة البلاد. وفي ظل ظروفهم المعيشية البائسة، يقبل البعض فعلاً الصفقة التي اقترحها «حزب الله» لعبور الحدود والعيش تحت سيطرة الجماعة المسلحة والحكومة السورية التي يقودها بشار الأسد. ومنذ 12 تموز/يوليو ، كان 250 لاجئاً قد انتقلوا بالفعل من عرسال جنوباً إلى عسل الورد في منطقة القلمون. ومع تقدّم المعركة في عرسال وازدياد الضغط على اللاجئين قد يجبر الآخرين على أن يحذوا حذوهم. وفي غياب سياسة اجتماعية واقتصادية وسياسية لإعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى وطنهم، فلن يؤدي الضغط والعنف ضدهم إلّا إلى المزيد من الصراعات.
لماذا عرسال و لماذا الآن؟
لطالما اعتبر «حزب الله» أن عرسال - التي تقع في لبنان وتمتد ضواحيها إلى داخل سوريا - تشكّل بقعة خطيرة لسببيْن. أولاً، يقوّض سكّانها، بالإضافة إلى اللاجئين السوريين السنة، سيطرة «حزب الله» الجامحة على الجانب السوري من الحدود ومدنه. كما يُفسد هؤلاء السنة جهود «حزب الله» الرامية إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق التي يسيطر عليها على طول الممر من الساحل السوري إلى الحدود اللبنانية - أي "سوريا المفيدة" الخاصة بإيران.
وتستضيف عرسال اليوم حوالي50,000 لاجئ سوري، يتواجد بعضهم في ضواحيها، حيث يقاتل «حزب الله» المسلحين. وتُعتبَر «القوات المسلحة اللبنانية» السلطة الأمنية الرئيسية في البلدة، ولكن «حزب الله» تدخّل أيضاً في العديد من الاشتباكات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ومقاتلي «هيئة تحرير الشام»، الذين يُقدَّر عددهم بحوالي ألف شخص.
وفي وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، انتقدت المنظمات الللبنانية والدولية لحقوق الإنسان بشدة «القوات المسلحة اللبنانية» على إساءة معاملة المعتقلين السوريين. فعندما شن الجيش غارة على المنطقة في 30 حزيران/يونيو، ألقى القبض على 350 لاجئاً سورياً، توفي أربعةٌ منهم تحت التعذيب، وهي حادثة غير مسبوقة تؤدي إلى المزيد من الانقسام في المشهد السياسي اللبناني والرأي العام اللبناني بشأن قضية اللاجئين والجيش. واضطر الجيش إلى فتح تحقيقٍ في حالات الموت، لكن العديد من الناشطين يشككون في مصداقية العملية.
وخلال الأسبوع نفسه، أُشعلت النيران في ثلاثة مخيمات للاجئين السوريين في منطقتي قب الياس وتل سرحون في وادي البقاع، مما أدى إلى تدمير خيام وممتلكات العديد من المقيمين هناك. ومع ذلك، لم يتم اعتقال أي شخص. ويبدو أن هذه الحوادث أثارت المشاعر المعادية للاجئين في جميع أنحاء لبنان، مما أدّى إلى شن مجموعة من الهجمات ذات الصلة. وفي خضم هذا العنف المتزايد، بدأت قيادة «حزب الله» حملتها السياسية مطالبةً بالتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية بشأن عودة اللاجئين إلى "مناطق آمنة" في سوريا. وتماشياً مع حملة «حزب الله»، أدلى عدد من قادة الحكومة اللبنانية والزعماء السياسيين الموالين لـ «حزب الله» بتصريحات تربط اللاجئين بالإرهاب وتدعو إلى عودتهم إلى سوريا.
وتمثّل المبادرات الأخيرة لـ «حزب الله» في عرسال تحولاً ملحوظاً منذ عام 2012، عندما هرب السكان أولاً إلى المنطقة من البلدات والقرى الحدودية السورية التي احتلتها الجماعة المسلحة. وفي ذلك الوقت، كانت الخطة تتمثل في إخراج السوريين الذين يُعتبَرون مناهضين للنظام من سوريا، وتأمين دمشق والمناطق المحيطة بالحدود اللبنانية من الناحية الديمغرافية. ولكن اليوم، حيث يشعر الأسد أن قوته ازدادت أكثر من أي وقتٍ مضى - ويشعر «حزب الله» بثقة أكبر في سوريا والمنطقة - فإن هذين العنصرين الفاعلين يعتقدان أن اللاجئين سيتجهون ببساطة إلى حيث يتم إرسالهم، وأن وجودهم في لبنان لم يعد يمثّل السيناريو الأفضل. وكنتيجة للدعاية التي نشرها «حزب الله» ضد اللاجئين بشكلٍ عام، وفي عرسال بشكل خاص - والتي بلغت ذروتها في حملةٍ ستدفعهم حتماً إلى الخارج - أصبحت قضية أمن اللاجئين مسألة ملحة لا بد من معالجتها بحكمة.
السياق السوري الجديد
في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، حاول «حزب الله» تجنب العملية العسكرية الحالية في عرسال من خلال الشروع في مفاوضات مع «سرايا أهل الشام» - وهي جماعة معتدلة من المتمردين تابعة لـ «الجيش السوري الحر» في منطقة القلمون، على طول الحدود اللبنانية. وفي محاولةٍ للتوسط في هذا الاتفاق، طلب «حزب الله» عودة اللاجئين إلى جميع البلدات الواقعة على طول طريق دمشق- حمص الاستراتيجي باستثناء ست بلدات، ويخضع هذا الطريق الدولي لسيطرة «حزب الله» ونظام الأسد. وسيحصل الفارون من الجيش ومقاتلو «الجيش السوري الحر» على الحصانة، ويُسمَح لهم حتى بالانضمام إلى «سرايا أهل الشام». غير أن الاتفاق كان قائماً على فكرة استمرار سيطرة «حزب الله» على المنطقة، بالإضافة إلى انعدام الثقة الكامل لـ «سرايا أهل الشام» بـ «حزب الله» والنظام السوري.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى توقيت هذه المفاوضات السابقة. فقد برزت التقارير عن المحادثات لأول مرة في شباط/فبراير، حالما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته المتمثلة في إنشاء مناطق آمنة في سوريا لحماية المشردين - وهي خطط لم تتحقق بعد. وفي أية حال، أشار الاتفاق المقترح إلى منطقة آمنة بديلة يديرها «حزب الله»، من خلال سيطرة هذا الحزب على جميع البلدات الحدودية اللبنانية وتأمين الأسد للبلدات السورية الواقعة ضمن الممر وقرب دمشق، وذلك بفضل التواجد الكثيف لـ «حزب الله».
وبطبيعة الحال، كان الاتفاقٍ سينجح تماماً بالنسبة لـ «حزب الله». وهكذا، كان من المفروض أن يفوّض مسؤولية فتح الحدود وتسهيل التجارة والحركة عبر الحدود إلى السلطات السورية واللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، كان اللاجئون السنة سيُطرَدون من عرسال، مما كان سيسرّع من سيطرة «حزب الله» على الحدود، الأمر الذي كان سيجبر الحكومة اللبنانية على إضفاء الشرعية على نظام الأسد.
وبالمقارنة مع الحكومتين الأردنية والتركية، اللتين وقفتا ضد الأسد خلال الحرب، تُعتبَر العلاقات الرسمية اللبنانية مع النظام السوري أكثر تعقيداً. فعلى الرغم من انسحاب الجيش السوري من لبنان في عام 2005، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من الاحتلال، لم يتم ترسيم الحدود قط. بالإضافة إلى ذلك، أعدّ "المجلس الأعلى السوري اللبناني"، الذي تم إنشاؤه في عام 1991، عدداً من الاتفاقات الثنائية، بما فيها "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" المثيرة للجدل، التي جعلت من النظام السوري وسيط رسمي للسلطة في لبنان. وعلى الرغم من أن أياً من الكيان أو المعاهدة لم يكن ناشطاً في الآونة الأخيرة، إلّا أنهما لا يزالان قائمين وقد ينشطان مجدداً إذا رأى البلدان فائدةً في مثل هذه الخطوة.
المنطقة الآمنة الافتراضية لـ «حزب الله»
نظراً إلى أن الهجوم العسكري قد بدء لتوّه، فإن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل أن يُخرِج «حزب الله» المسلحين من عرسال ويعلن انتصاراً آخر على التكفيريين. وبالتالي سيتبع ذلك عودة المزيد من اللاجئين إلى سوريا، مما سيسمح لـ «حزب الله» في النهاية بإنشاء المنطقة الآمنة الخاصة به في لبنان وعلى طول الحدود السورية. وبطريقة أو بأخرى، سيقع اللاجئون تحت سيطرة «حزب الله»، سواء بقوا في المنطقة الآمنة التي يديرها هذا الحزب أو عادوا إلى سوريا للعيش تحت حكم الأسد.
وعلى المدى المتوسط، سيحظى «حزب الله» بمناطق سيطرة لا تخضع للتحدي حول الحدود اللبنانية- السورية، وبخط إمدادٍ آمن إلى وطنه الأم ومنه، وبالدعم المحلي الناتج عن إعلان النصر - حتى وإن كان دعماً رمزياً. وسيستغل «حزب الله» هذا النصر من أجل استعادة دعم جمهوره - بعد أن تراجع هذا التأييد بسبب مشاركة الجماعة في حربٍ أجنبية والخسائر المصاحبة لها - ولكن أيضاً استعادة دعم السكان اللبنانيين عموماً الذين ما زالوا يعيشون في خوفٍ من الهجمات الإرهابية.
وستكون النتائج المترتبة عن المنطقة الآمنة التي يديرها «حزب الله» وخيمة لأسبابٍ إنسانية وسياسية على حدٍ سواء. وسيؤدي هذا التطور إلى تفاقم الإحباط بين العائدين إلى سوريا، الأمر الذي يجعلهم مهيأين للتجنيد من قبل الجماعات الإسلامية - وإن لم يحدث ذلك الآن، فسيحدث في غضون سنوات قليلة. وستًزرَع البذور لبروز الدفعة التالية من الجهاديين السنة، لا سيما إذا عامل الأسد و«حزب الله» السنة العائدين على نحو سيء كما هو متوقع. وعلى الصعيد السياسي، سيكتسب الأسد المزيد من الشرعية، وستجد الحكومة اللبنانية نفسها تتعاون تلقائياً مع حكومة الأسد (إذا حدث التنسيق بين جيشيهما)، وسيغدو «حزب الله» هو الرابح على أرض الواقع ومن الناحية السياسية.
ولتجنب هذه التداعيات، يجب أن تجسّد المحادثات الدولية بشأن اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا تحديات طويلة الأجل، تشمل اللاجئين والسلامة الفعلية للمناطق التي يعودون إليها. وينبغي على هذه المناقشات أيضاً أن تأخذ في الاعتبار الأسباب الحقيقية وراء النزاع السوري - وأن تقرّ بأن معظم اللاجئين، على الأقل في لبنان، كانوا يفرون من الأسد و«حزب الله»، وليس من تنظيم «الدولة الإسلامية».
وبعباراتٍ أوسع، تحظر المعاهدات الدولية العودة القسرية للاجئين أو لملتمسي اللجوء إلى بلدٍ يُحتمَل أن يتعرضوا فيه للاضطهاد (المصطلح التقني هو "عدم الإعادة القسرية"). ويتعين على الحكومة اللبنانية أن توضح أنها - وخاصةً «القوات المسلحة اللبنانية» - لن تكون طرفاً في أي من هذه الأعمال. يجب على بيروت أن تناشد [من أجل الحصول على] دعم دولي قوي، على الصعيدين الدبلوماسي والمادي، لمثل هذا الموقف. ومن شأن هذا الدعم أن يتضمن تصريحات غير مبهمة تفيد أنه من دون مساعدة إنسانية دولية وافرة للاجئين، سيكون الرأي العام اللبناني معادياً لهم. وإذا لزم المجتمع الدولي الصمت بشأن هذه المسألة، فلن تكون لدى رجال السياسة اللبنانيين الرغبة في إبداء أي تذمر.
حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في معهد واشنطن.