بعد مرور ثمانية عشر شهراً من دون رئيس، يبدو أنّ البرلمان اللبناني مستعدّ لانتخاب رئيس تنفيذي جديد. ووفقاً للتقارير التي تؤكّد على أسابيع من التخمين الهادئ، فقد استقرت النخبة السياسية اللبنانية المنقسمة على [انتخاب] سليمان فرنجية، ممثّل ماروني مسيحي منذ زمن طويل من زغرتا ووزير سابق كرئيس للجمهورية. ويأتي هذا التوافق بعد أسابيع على تنفيذ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) انفجارات انتحارية في ضاحية شيعيّة من ضواحي بيروت أودت بحياة ٤٠ شخصاً وجرح أكثر من ٢٠٠ وتُعدّ أوّل حادث إرهابي كبير في لبنان منذ حوالي عام.
إنّ فرنجية هو ابن عائلة سياسية مهمّة في الخمسين من عمره، وقد انتُخب لأوّل مرّة كنائب في البرلمان في العام ١٩٩١ كقائد ممثّل لـ"تيّار المردة". وفي حين أنّه غالباً ما يوصف بسياسي محلّي فعّال- إن لم يكن زعيماً- إلّا أنّه يفتقر للتقدير الوطني من قبل قادة مسيحيين آخرين مهمّين مثل ميشال عون من "التيار الوطني الحر" وسمير جعجع من "القوّات اللبنانية". غير أنّه يبدو أنّ ديناميكيات الأزمة السياسية المطوّلة قد ساعدت فرنجية على البروز كمرشح قوى، وكذلك فعل النظام الطائفي الغامض الذي يستوجب موافقة ٦٠ بالمئة من البرلمان لانتخاب مسيحي رئيساً للجمهورية.
من الواضح أنّ ميليشيا "حزب الله" الشيعية على الأقلّ- التي دخلت تحالفاً سياسياً مع "التيّار الوطني الحر" عام ٢٠٠٦- تدعم عون الذي يترأس الحزب المسيحي الأكبر. إلّا أنّ ترشيحه قد قوبل بمعارضة قوية من قبل تجمّع "١٤ آذار" الذي يقوده رئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري وجعجع رئيس "القوّات اللبنانية" والذي رأى في عون الثمانيني محرّضاً واعتبره متعاطفاً بشكل زائد مع "حزب الله" ليكون "قائداً وطنياً".
ونظراً لهذه المقاومة تجاه عون، يُعدّ بروز فرنجية المتناقل كمرشّح "تسوية" مفاجئاً نوعاً ما. خلال الحرب الأهلية ما بين ١٩٧٥ و١٩٩٠، أُخذ فرنجية الصغير إلى سوريا عقب مصرع عائلته في مجزرة على يد ميليشيا مسيحية معادية. وهناك، "وُضع تحت حماية باسل الأسد"، الابن الأكبر للرئيس السوري آنذاك، كما ورد على أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة بالسلالات العائلية. ومنذ ذلك الحين، حافظ فرنجية على علاقته الوطيدة ببشّار شقيق باسل وباقي أعضاء الجماعة الحاكمة في دمشق- أحد حلفاء "حزب الله" الأساسيين.
ومقابل القبول بفرنجية، يقول مطّلعون إنّ "حزب الله" قد قدّم رئاسة الوزراء إلى "١٤ آذار"، وهو منصب سنّي قد يؤول إلى الحريري إن قرّر العودة من منفاه الذي فرضه على نفسه منذ سنتَين. كما أُفيد بأنّ الصفقة تعني أيضاً أنّ قانون الانتخاب الحالي- الذي جلب غالبية "١٤ آذار" الضئيلة إلى البرلمان في العامَين ٢٠٠٥ و٢٠٠٩- لن يتمّ تعديله قبل الانتخابات المقبلة.
لا شكّ أنّ الصفقة التي تمّ التفاوض عليها من قبل قادة لبنان السنّة والشيعة والدروز قد حازت على بركة المملكة العربية السعودية وإيران، الداعمَين الرئيسيين لـ"تيّار المستقبل" و"حزب الله" تباعاً. لا شكّ أنّ الكثيرين في المنطقة قد يعتبروا فرنجية تنازلاً كبيراً من قبل الرياض.
لكن من غير الواضح لأي درجة قد تمّت استشارة القادة المسيحيين الآخرين في لبنان حول هذا القرار. إنّ ولاية فرنجية المفترضة لست سنوات ستضمن عدم وصول عون أبداً إلى الرئاسة. كما أنّ هذا الخيار سيغيظ جعجع الذي كان السياسي الأكثر ثباتاً في معارضة الأسد منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام ٢٠٠٥.
باستقبال لبنان ١.٥ مليون لاجئ سوري ومواجهته شبح تجدّد الإرهاب المحلّي، كان الإلحاح لملء فراغ الكرسي الرئيسي مفهوماً. لقد تفاقم الشلل الحكومي منذ أيّار/ مايو ٢٠١٤ عندما أصبح المنصب شاغراً وتزايدت الاضطرابات الطائفية مع نشر "حزب الله" لآلاف رجال الميليشيا في سوريا. لكن بالرغم من ذلك، من غير الواضح كيف أنّ انتخاب رئيس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنظام الأسد- الذي قتل آلاف المسلمين السنّة- سيلطّف الإحباطات السنّية في لبنان. تشكّل البلاد أصلاً هدفاً رئيسياً لـ"داعش" وهي مهدّدة باستمرار من العنف المحلّي، لذا من الصعب تصوّر كيف سيكون الوضع أكثر أماناً بوصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.