- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3179
عشية إعادة الانتخابات في إسرائيل: المناورات النهائية وإمكانيات التحالف
في 17 أيلول/سبتمبر، تعيد إسرائيل إجراء الانتخابات بصورة لم يسبق لها مثيل بعد عجز نتائج الاقتراع في نيسان/أبريل في تشكيل ائتلاف يضم 61 عضواً في البرلمان المؤلف من 120 مقعداً. ومع ضغط الفصيلين الرئيسيين المتنافسين نحو إحراز هذا الرقم السحري، يبدو أن استطلاعات الرأي تتقارب مع الفكرة بأن الكتلة اليمينية تتفوق على كتلة يسار-الوسط، وهي نتيجة يمكن أن تمدد الفترة الطويلة لولاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وربما تبدأ في سن تشريع يعزله عن مزاعم الفساد. ومما يزيد من الرهانات، قيام نتنياهو بمحاولة أخيرة لجذب أصوات اليمين في الأسبوع الماضي بقوله بأنه قد يضم غور الأردن إذا أُعيد انتخابه، وربما يستوعب جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالتشاور مع الولايات المتحدة.
ثقة اليمين
بالنظر إلى سلسلة الانتصارات التي أحرزها نتنياهو على مر السنين، يميل اليمين السياسي في إسرائيل إلى أن يكون أكثر ثقة من المعتاد خلال الحملات الانتخابية. وهناك عوامل أخرى أضافت أيضاً إلى هذه الثقة عشية هذه الانتخابات.
أولاً، يميل إقبال الناخبين على الصعيد الوطني إلى تفضيل اليمين، الذي يضم جماهير رئيسية من الناخبين الأكثر أيديولوجية وبالتالي تكون أكثر تحمساً للإدلاء بأصواتها. وتميل مجتمعات المتدينين المتطرفين والمستوطنين والمتعاطفين معهم إلى النظر إلى الانتخابات على أنها قضايا وجودية، لأن نتيجتها تؤثر على التمويل الحكومي للرعاية الاجتماعية، والدعم الحكومي للمؤسسات الدينية، والدعم السياسي من أجل الحفاظ على مناطق في الضفة الغربية حيث يعيش الكثير منهم.
ثانياً، تميل استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى التقليل من التقارير عن اليمين. ويعزو البعض هذا العامل إلى ظاهرة "تجنب حزب المحافظين" [كما في بريطانيا] - أي أن بعض المواطنين يميّزون المستطلعين كمؤيدين لـ "النخبة الليبرالية" ولا يريدون الاعتراف بأنهم يصوتون لليمين. والبعض الآخر قد يكذب عمداً للمستطلعين لتشويه سمعة ما يسمى بالتكهنات الليبرالية. إن التقليل من تقديم التقارير يعمل لصالح نتنياهو، الذي أصبح سيئ السمعة بسبب تكتيكات الإنذار التي يتبعها عشية الانتخابات والتي تحشد قاعدته الانتخابية من خلال تحذيرها بأن اليمين على وشك الخسارة.
ثالثاً، يستفيد نتنياهو من التأثير الناجم عن فشله في تشكيل حكومة بعد الانتخابات السابقة. أي أنه في الانتخابات العادية، يصوّت بعض المواطنين لأحزاب "معيّنة" تُركز على القضايا الخاصة بهم، معتقدين أن الكتل الأوسع لن تحتاج إلى تصويتهم لكي تفوز في الانتخابات. وفي نيسان/أبريل، على سبيل المثال، أخفقت الكتلة التي يتزعمها حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو في الحصول على سبعة مقاعد لأن بعض الناخبين اليمينيين "هدروا" أصواتهم من خلال التصويت لصالح الأحزاب الصغيرة التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى الانتخابي اللازم لدخول البرلمان والبالغ 3.25 في المائة. ومع ذلك، ما أن يؤمن هؤلاء الناخبون بأن الرهانات عالية جداً من أن يسمحوا لنفسهم بعدم المشاركة في هذا "الترف" - كما يبدو أنه يحدث في هذه الانتخابات المعاد إجراؤها - فإنهم يميلون إلى الانجذاب إلى الكتل الأكبر من أجل ضمان تأمين مصالحهم الأوسع.
وهذا هو السبب في اتخاذ نتنياهو خطوات لتعظيم مكانته في أقصى اليمين. ويشمل ذلك إقناع حزب ليبراري صغير حديث الولادة بالانسحاب من الانتخابات وتعهده من جانب واحد بضم أجزاء من الضفة الغربية - وهي الانتخابات الثانية على التوالي التي يستخدم فيها هذا التكتيك الأخير. وكذلك انتقد حزب "عوصما يهوديت" ("القوة اليهودية") الهامشي المتطرف، والوريث الإيديولوجي للراحل الكاره للأجانب مائير كاهانا. فلم ينتقد مؤيدي الحزب حول أمور أخلاقية، بل لأنهم سيضيّعون أصوات اليمين إذا فشلوا في تجاوز العتبة الانتخابية. (ومن المفارقات أن آخر استطلاعات الرأي تفيد الآن أن "عوصما يهوديت" سيضع نتنياهو على القمة من خلال دخول الحزب إلى البرلمان وتمكين نتنياهو من تشكيل ائتلاف يميني).
أمل يسار-الوسط
على الرغم من هذه المناورات ونتائج استطلاعات الرأي، إلّا أن الحزب الذي يتزعم كتلة يسار-الوسط، "كاحول لفان" ("الأزرق والأبيض")، لم يستسلم لليأس. ومن أسباب ذلك، يبدو أنه استفاد من موجة التسريبات الإخبارية الأخيرة التي وفرت تفاصيل عن التحقيقات في مزاعم الفساد ضد نتنياهو.
وعلاوة على ذلك، يعتمد حزب "الأزرق والأبيض" على مُساعد نتنياهو السابق الذي تحول إلى منافس - وهو أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" - للحصول على بعض الأصوات من اليمين وربما إمالة ميزان القوى في اتجاه "كاحول لفان". ومع تعميق العداء بين نتنياهو وليبرمان، أصبح قادة "الأزرق والأبيض" ينظرون إلى ليبرمان على أنه "صديق -عدو" قد يمنع نتنياهو مرة أخرى من تشكيل حكومة ائتلافية، كما فعل في الربيع المنصرم.
ولاحظ الحزبان الرائدان الدعم الشعبي المتزايد لليبرمان، حيث ازداد التأييد لحزبه في استطلاعات الرأي من خمسة مقاعد إلى أحد عشر مقعداً. وتشير تقارير هذه الاستطلاعات التي أجراها "يسار-الوسط" إلى أن الجمهور معجب بدعوة ليبرمان لحزبي "الليكود" و "الأزرق والأبيض" لتشكيل حكومة وحدة وطنية تستثني المتطرفين المتدينين، مما يحد من التأثير غير المتناسب لذلك الجمهور من الناخبين على السياسة الإسرائيلية. وبالفعل، تشير أحدث التوقعات إلى أن "الأزرق والأبيض" ربما قد حصل على مقعدين من "قائمة" ليبرمان بعد أن غيّر الحزب سياسته نحو تأييد اقتراح ليبرمان بتشكيل حكومة مع "الليكود" - وإن كان ذلك مع التحذير الحاسم بأن "الأزرق والأبيض" قد يستبعد نتنياهو نفسه بسبب مشاكله القانونية. ويؤمن الحزب أن هذا التركيز الجديد سوف يتسع ويصل إلى ناخبي اليمين المعتدلين الذين قد يخشون الفصائل المتطرفة على جانبي الطيف السياسي.
وفي الوقت الحالي، قال مسؤولو "الليكود" إنهم لن يتخلوا عن نتنياهو حتى لو فشل في تحقيق النصر المطلق. ويكمن عامل التعقيد الآخر في دور الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الذي سيتولى مهمة البت رسمياً في تحديد الحزب الذي سيشكل الحكومة بعد الانتخابات. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: هل سيعطي الرئيس الإسرائيلي الإيماءة إلى الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات، أم سيوافق على التوصيات المنبثقة عن المشاورات المعتادة بين الأحزاب بعد الانتخابات؟ وقد يقوده المسار الأخير إلى اختيار حزب لا يستطيع بنفسه تشكيل ائتلاف يضم الأغلبية، مما يجعل حكومة الوحدة الوطنية الخيار الوحيد (وفقاً لاستطلاعات الرأي التي جرت في 13 أيلول/سبتمبر، حصل كل من "الليكود" و "الأزرق والأبيض" على 32 مقعداً).
ومن جانبه، يحاول نتنياهو الحد من دور ليبرمان المحتمل كـ "صانع الملوك"، جزئياً كانتقام على هجره كتلة "الليكود" في الربيع المنصرم. وشملت تكتيكات نتنياهو توظيف نشطاء سياسيين من حزب "إسرائيل بيتنا"، والظهور بصورة مدروسة في المجتمعات ذات التركيزات العالية من الروس العرقيين الذين يشكلون قاعدة ليبرمان، وتحديد موعد لاجتماع قمة في سوتشي الأسبوع الماضي مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يبدو أن العديد من الإسرائيليين الروس يعتبرونه الرجل القوي الناجح الغير معاد للسامية كما كان سابقوه السوفيات.
تداعيات ضم الأراضي
في الماضي، تجنب نتنياهو عموماً إطلاق وعود سياسية لتواريخ معينة خلال حملاته الانتخابية، مؤمناً أنه من الأفضل له التشديد على سياسات الهوية الشعوبية ومعارضة التنازلات للفلسطينيين بشكل عام. ولكن هذه المرة، تعهد على وجه التحديد بضم غور الأردن إذا سُمِح له بتشكيل حكومة، على الرغم من طلب المؤسسة الأمنية وفقاً لبعض التقارير، بأن يؤجل إطلاق مثل هذه الإعلانات.
لقد كان اختياره للأراضي [الذي يريد ضمها لإسرائيل] خطة مدروسة، نظراً لوجود دعم محلي واسع النطاق للاحتفاظ بمنطقة غور الأردن التي تمتد على الحدود الشرقية للضفة الغربية. ومن الناحية التاريخية، كان قد تم غزو إسرائيل من الشرق عبر الأردن والعراق؛ وبينما تغير الوضع الجيوسياسي بشكل كبير منذ عام 1967، إلّا أن العديد من الإسرائيليين ما زالوا يخشون من تمكن الفلسطينيين من استخدام هذه الحدود لتهريب قوى التطرف العنيف والعتاد في المستقبل. ويدرك حزب "الأزرق والأبيض" هذا القلق أيضاً، بإرساله قادة الحزب (بمن فيهم ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين) إلى المنطقة وتعهده بأن تحافظ إسرائيل على وجود دائم هناك.
ومن الواضح، رغم ذلك، أن تداعيات مقاربة "الأزرق والأبيض" بعيدة كل البعد عن خطة نتنياهو للضم الفوري. ففكرته بإخراج حوالي 30 في المائة من الضفة الغربية من المناقشات قبل بدء المفاوضات مع الفلسطينيين قد تجعل من المستحيل على الولايات المتحدة استئناف المحادثات المعلّقة منذ عام 2014. وحتى لو كان نتنياهو يعتزم بأن تعهده هو مجرد مناورة انتخابية، إلّا أن آثارها قد تصبح كبيرة جداً، سواء من خلال ضمها بشكل دائم في المحادثات السياسية الإسرائيلية أو من خلال إثارتها ردود فعل دولية في الأمم المتحدة أو في أي ساحة دولية أخرى.
تغريدة ترامب حول معاهدة الدفاع؟
هناك قضية ثنائية أخرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تجدر الإشارة إليها في سياق الانتخابات وهي تغريدة الرئيس ترامب على موقع "تويتر" في نهاية الأسبوع المنصرم بأنه سيكون سعيداً لمناقشة معاهدة دفاعية أمريكية -إسرائيلية مع نتنياهو بعد الانتخابات. وعلى الرغم من أن توقيت الإعلان كان قريباً جداً من يوم الانتخابات - من المفترض أن ذلك هو مسار ترامب في محاولته تعزيز فرص نتنياهو - إلّا أن الفكرة لم تُستقبل بشكل جيد في إسرائيل حتى الآن. وقد أدرك العديد من المتتبعين أن التغريدة غير ملزِمة، وهي أقل بكثير من ترحيب نتنياهو الكبير لها كخطوة "تاريخية". علاوة على ذلك، هاجم كبار مسؤولي الشؤون الدفاعية [في إسرائيل] هذه الفكرة لتقييدها المحتمل لأيدي إسرائيل إذا أرادت شن غاراتها العسكرية الخاصة بها، وهو الأمر الذي نفاه نتنياهو. وعلى أي حال، جاء الإعلان تمشياً مع أسلوب رئيس الوزراء في التواصل مع الأصدقاء الأقوياء في الخارج من أجل صقل مصداقيته وإعطاء حملته الانتخابية دفعة أخيرة على خط النهاية.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية" في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب الذي سيُنشر قريباً بعنوان، "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها" (PublicAffairs/Hachette).