- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2723
صعود جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وسقوطها
"في 18 أيلول/أكتوبر، خاطب إريك تراجر، نانسي يوسف، وميشيل دن منتدى سياسي في معهد واشنطن. وتراجر هو زميل "استير ك. واغنر" في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب "الخريف العربي: كيف ربح «الإخوان المسلمون» مصر وخسروها في 891 يوماً". ويوسف هي كبيرة المراسلين لشؤون الأمن القومي لموقع "ديلي بيست". ودن هي مديرة "برنامج الشرق الأوسط" في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
إريك تراجر
بعد مرور نحو ست سنوات على انتفاضة "الربيع العربي" التي شهدتها مصر في كانون الثاني/يناير 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك بعد شهر من انطلاقها، ازدادت سوءاً العديد من العوامل نفسها التي ساهمت في الانتفاضة: فقد تنامى القمع في البلاد، وأصبحت السياسة أكثر استبدادية، كما أصبح الاقتصاد في وضع حرج. لكن السنوات الثلاث الماضية منذ الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب في حزيران/يونيو 2013، زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، كانت هادئة نسبياً. ولكي نفهم سبب هدوئها، على المرء النظر إلى الأسباب الكامنة وراء الصعود السريع للجماعة وتجربتها الفاشلة في الحكم.
في أعقاب الإطاحة بمبارك، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» المنظمة الوحيدة القادرة على حشد مناصرين في جميع أنحاء البلاد للفوز بالانتخابات لسببين. أولاً، أن عملية دمج أي فرد في «الإخوان المسلمين» تستغرق بين خمس وثماني سنوات يتمّ خلالها اختبار مدى التزام المرشّح المحتمل بقضية «الجماعة» ورغبته في اتباع الأوامر مع ارتقائه سلّم الرتب المتعاقبة في صفوفها. وفي نهاية هذه العملية، يحلف الإخوان اليمين "بالسمع والطاعة" لقادة «الجماعة».
ثانياً، حتى فترة ليست ببعيدة، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» تملك تسلسلاً قيادياً متيناً على الصعيد الوطني مع وجود قيادة مركزية مقرها في القاهرة (تُعرف باسم "مكتب الإرشاد") توجّه خلايا تضمّ بين خمسة وعشرة إخوان (تُعرف باسم "أًسَر") ومنتشرة في جميع أنحاء مصر. ولم تتمكّن أي منظمة سياسية أخرى من جمع أعضاء ملتزمين إلتزاماً عميقاً [بسياستها] في إطار هيكلية تعبئة متماسكة للترويج لرؤيتها، وتوزيع خدمات اجتماعية، وتنظيم تظاهرات وإدارة جهود فعالة لحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم. وبالتالي، تمكنت «الجماعة» من تحقيق الفوز [في الانتخابات] لأنها كانت الأكثر تنظيماً على الإطلاق - وليس لأنها كانت تحظى بشعبية كبيرة أو كانت من "الأحزاب الرئيسية الكبرى" كما اعتقد الكثيرون في واشنطن.
وكان هدف الهيكلية التنظيمية الخاصة بـ جماعة «الإخوان المسلمين» هو الترويج لرؤيتها للإسلام "كمفهوم شامل" من شأنه أن يملي كل جانب من جوانب الحياة. وبالتالي، سعت «الجماعة» إلى غرس هذه الرسالة في نفوس الأفراد عبر استخدام خلاياها لنشر الرسالة ومن ثم توقّع استلامها السلطة عندما تحظى إيديولوجياتها بتأييد شعبي كافٍ. وكان هدفها النهائي يتمثّل ببسط نفوذها في جميع أنحاء العالم بهدف إنشاء "دولة إسلامية عالمية".
بيد، أشارت الفترة الوجيزة لـ «الإخوان المسلمين» في السلطة إلى أن هذه الرؤية لم تكن سوى برنامج للوصول إلى السلطة، وأن «الجماعة» لم تكن تدرك فعلاً معنى "تطبيق الشريعة" في السياسة. وكان عدم وضعها أهدافاً محددة أحد عوامل سقوطها السريع، بينما تمثّل عامل آخر في استيلاء مرسي المتلاحق على السلطة، الأمر الذي أثار تحركاً جماهيرياً ضده بلغ ذروته عند الإطاحة به بالكاد بعد مرور عام على فوزه في الانتخابات.
وتُعتبر رواية صعود جماعة «الإخوان المسلمين» وسقوطها مسألة مصرية داخلية بحتة. ولكن قرار إدارة أوباما بالتعامل مع «الجماعة» دون قيد أو شرط ساهم في قرار هذه الأخيرة التطلّع إلى السلطة، كما جعلها تشعر بالأمان رغم فرضها حكماً استبدادياً بشكل أكبر وتعزيز سلطتها. ونظراً إلى إيديولوجياتها المعادية للغرب، توقّعت جماعة «الإخوان المسلمين» أن يشكّل الغرب عائقاً أساسياً يمنع صعودها السياسي؛ غير أن مفاجأة سارة كانت بانتظارها عندما تعاطت واشنطن معها بطريقة ودية.
وقد اعتمدت واشنطن هذه الإستراتيجية لاعتقادها أن «الإخوان المسلمين» سيبقون في السلطة لبعض الوقت، وأن الولايات المتحدة قد تؤثّر بشكل أكبر على «الجماعة» من خلال سياسة الثواب عوضاً عن المزيج الاعتيادي من الثواب والعقاب. إن فشل هذه السياسة إلى جانب عجز واشنطن الكامل عن فهم منظمة كانت تروّج للرسالة المتطرفة نفسها طوال تاريخها الممتدّ على أكثر من ثمانين عاماً، يثير الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن ستتمكن يوماً من اتخاذ القرارات الصائبة بشأن السياسات المحلية لدول الشرق الأوسط.
نانسي يوسف
خلال انتفاضة "ميدان التحرير" في عام 2011، أظهرت وسائل الإعلام الغربية المصريين ككتلة واحدة، وصوّرتهم على أنهم يدعمون جميعاً الثورة والإطاحة بمبارك. وبالتالي عجز الإعلام عن تحضير الأمريكيين (بمن فيهم صناع القرار) لحالة عدم الاستقرار التي تلت ذلك، لأن المصريين لم يوافقوا على الخطة المستقبلية - فقد كانوا منقسمين نوعاً ما بشأن الإطاحة بمبارك وبرزت خلافات عميقة بينهم بشأن الفترة اللاحقة. وكانت جماعة «الإخوان المسلمين» المنظمة الوحيدة التي تملك أجندة إيديولوجية متماسكة وإستراتيجية للترويج لها.
وعلى نحو مماثل، كانت الظروف المحيطة بصعود مرسي معقّدة. فخلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2012، اعتَبر العديد من المصريين الذين لم يدعموا «الإخوان المسلمين» أن البديل - رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق - سيكون بمثابة التصويت للنظام نفسه الذي أطاحوا به. لذلك، فبالنسبة للعديد من المصريين، لم يكن التصويت لصالح مرسي تصويتاً لأجندة «الإخوان المسلمين» بشكل خاص؛ وفي هذا الصدد، لا بدّ من التنويه أن مرسي فاز بفارق ضئيل حيث حصل على أقل من 52 في المائة من الأصوات.
بيد، ما أن استلم مهامه، تعاطى مرسي مع الانتخابات على أنها تفويض. وحين بدأ في النهاية سيطرته على السلطة - بوضع قراراته الرئاسية فوق الرقابة القضائية - سرعان ما أعقب ذلك تراجع في الدعم الشعبي الذي كان يحظى به. وكان الشارع لا يزال يؤمن بقدرة [المتظاهرين] على إحداث تغيير كما سيطر شعور متنامٍ بأن هذه الإدارة الجديدة لن تدوم طويلاً. وبحلول ربيع عام 2013، نشأت حركة جديدة تدعو للقيام باحتجاجات جماهيرية حاشدة في الذكرى السنوية الأولى للانتخابات، وسرعان ما اكتسبت زخماً.
وكانت احتجاجات 30 حزيران/يونيو 2013 كبيرة للغاية، وفي الثالث من تموز/يوليو أطاح الجيش بمرسي. وفي ذلك الوقت، احتفل الناس بإطاحته في "ميدان التحرير"، في حين احتجّ «الإخوان المسلمون» في "ميدان رابعة العدوية" في شمال القاهرة. وبالنسبة للكثيرين في واشنطن، عكست الإطاحة بمرسي نهاية العملية السياسية الديمقراطية، لكن بالنسبة للعديد من المصريين مثّلت مجرد تنحية قائد آخر وتمّت مقارنتها بالتالي بالإطاحة بمبارك. ومرة أخرى، لم يعكس المنظار الذي اختارت من خلاله واشنطن رؤية مصر مدى تعقيد الأمور على أرض الواقع.
ميشيل دن
هناك ثلاثة اعتقادات شائعة حول مصر خلال فترة ما بعد مبارك. الأول يفيد أن جماعة «الإخوان المسلمين» تختلف بشكل جذري عن الأحزاب السياسية الأخرى في مصر. وفي الواقع، لم تكن «الجماعة» استثنائية في استخدامها للتصريحات الدستورية، والاستيلاء على السلطة، والعنف في مهاجمة معارضيها - فقد فعلت السلطات الحالية الشئ نفسه، كغيرها من الجهات الفاعلة الأخرى.
أما الاعتقاد الثاني، فيشير إلى أن سلوك «الإخوان المسلمين» كان ضعيفاً على نحو استثنائي. وفي الواقع، غالباً ما تكون الأحزاب التي تنشأ خلال المراحل الانتقالية السياسية غير مهيأة للحكم وتفتقر إلى أجندة سياسية ذات مغزى. كما أنها كثيراً ما تُظهر مواقف قائمة على الأغلبية وجنون ارتياب كبير.
وينطوي الاعتقاد الثالث على تصوّر خاطئ بأن العلاقة الأمريكية غير المشروطة مع «الإخوان المسلمين» كانت فريدة من نوعها. وفي الواقع، تعاطت واشنطن مع نظام مبارك بطريقة مماثلة، وفعلت ذلك مع حكومة السيسي أيضاً. فضلاً عن ذلك، إن الافتراض السائد في مصر بأن الولايات المتحدة دعمت «الإخوان المسلمين» خلال تظاهرات حزيران/يونيو 2013 وما بعدها هو افتراض خاطئ: فبالأحرى، دعمت واشنطن حلاً سياسياً.
لقد لعب الجيش المصري دوراً أساسياً عقب الإطاحة بمبارك. فقد اعتَبر الجنرالات أن الانتفاضة وسيلة لتقويض سلطة الرأسماليين المحسوبين على السلطة خلال عهد مبارك، رغم حذرهم أيضاً من تغيير سياسي. ومن ثم في عام 2013، شعر الجنرالات بأن الشعب أراد تجريد «الإخوان المسلمين» من السلطة، فاعتبروا أيضاً أن ذلك يعود بالفائدة على مصالحهم. ومنذ الإطاحة بمرسي، أحجم المصريون عن الاحتجاج نظراً إلى درجة القمع المرتفعة بشكل استثنائي، وبسبب وجود رغبة واسعة في الاستقرار لتحسين الاقتصاد.
وفيما يخص السياسة الأمريكية، يتمّ تفسير ترويج الديمقراطية بطرق متعددة. فهي لا تعني بالضرورة أن واشنطن تستحدث ديمقراطية مفتوحة على مصراعيها، بل أنها تحاول إقناع من هم في السلطة بأن يكونوا أكثر انفتاحاًعلى الحريات المدنية وحقوق الإنسان. فحتى خلال عهد «الإخوان المسلمين»، لم تطالب الولايات المتحدة من مرسي أو حكومته أي شيء لأنها لم ترغب في التدخل في عملية الانتقال. وكان الاستثناء الملحوظ الوحيد حين تعرّضت السفارة الأمريكية للهجوم وطالبت إدارة أوباما بحماية فورية، مما دفع بمرسي إلى التحرّك.
وفي النهاية، لا يمكن التنبؤ على الإطلاق بمستقبل «الإخوان المسلمين». فقد تعود «الجماعة» إلى السلطة لتحكم من جديد بعد كونها في حالة من الخمول على غرار "حركة النهضة" الإسلامية في تونس. وتجهل الولايات المتحدة وغيرها من الدول كيفية تأثير الانهيار في عام 2013 على إيديولوجية «الجماعة» - ولا أحد يعلم ما إذا كانت ستصبح عنيفة، أو تبقى غير عنيفة نسبياً، أو تنتظر ريثما تنهض مجدداً خلال حالة ثورية في المستقبل.
أعد هذا الموجز يوسف كليان.