- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3986
سياسة حافة الهاوية والحظر الإسرائيلي على وكالة "الأونروا"
عوضا عن استغلال الأشهر التي انقضت منذ إقرار القوانين الجديدة كفرصة للاتفاق على خطة تنفيذ أكثر تدرجاً وصياغة بدائل فعالة لوكالة الإغاثة المثيرة للجدل، تشبثت الأطراف المعنية بمواقفها دون إبداء أي مرونة تُذكر.
في خضم التركيز المكثف على عملية الإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، يتم تجاهل قضية محورية أخرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويُعد الثلاثون من كانون الثاني/يناير الموعد النهائي لتطبيق قانونين إسرائيليين أُقِرّا في 28 تشرين الأول/أكتوبر، يحظران أي تواصل رسمي مع "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، مما يشير إلى نهاية العلاقات الرسمية بين إسرائيل وهذه المنظمة الدولية التي تأسست عقب حرب 1948. يحظر القانون الأول على الأونروا ممارسة أي نشاط داخل الأراضي الإسرائيلية وفى مدينة القدس الشرقية؛ بينما يحظر القانون الثاني على السلطات الإسرائيلية إجراء أي اتصال مع الأونروا أو الكيانات العاملة بالنيابة عنها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يستند هذا القرار القانوني إلى اعتراضات إسرائيلية مستمرة منذ فترة طويلة على أنشطة الوكالة حيث يعتقد الكثيرون أن الأونروا - المكلفة بتقديم الخدمات التعليمية والصحية للاجئين الفلسطينيين - لا تسعى إلى حل قضايا اللاجئين، بل لديها دافع مؤسسي لاستمرارها. كما أن تمسك الوكالة بخيار إعادة ملايين اللاجئين إلى إسرائيل، بدلًا من طرح حلول دائمة مثل إعادة توطينهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، قد يعرقل استقرار إسرائيل ويهدد فرص التعايش.
وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تفاقمت هذه الاعتراضات عندما تم الكشف عن تورط عدد من موظفي الأونروا في الفظائع التي ارتكبت في ذلك اليوم، إذ اكتشفت إسرائيل أن بعض أعضاء "حماس" يعملون كمديرين ومعلمين في مدارس الأونروا، وأن منشآت الوكالة استخدمت لتخزين أسلحة وبنية تحتية تابعة "حماس" ، إلى جانب العثور على مراكز بيانات لـ "حماس" داخل أنفاق تحت مقر الأونروا في غزة. وردا على ذلك، اتخذت الوكالة قرارا بفصل الموظفين المتورطين في الهجوم، مدعيةً عدم علمها باستخدام "حماس" لمنشآتها، لكن إسرائيل رفضت هذا التوضيح واعتبرته غير منطقي. ومنذ ذلك الحين، ظهرت تقارير تفيد بأن ثلاثة من الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم حديثاً كانوا محتجزين في أحد مخيمات اللاجئين التابعة للوكالة خلال فترة أسرهم، مما ساهم في تعزيز الدعم السياسي الكبير لهذه القوانين الجديدة داخل إسرائيل.
ففي اليوم الأول لتوليه منصبه، وقّع الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتجميد جميع تمويل المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا، بما في ذلك الأونروا. ويذكر أن ترامب كان قد قام بإيقاف المساعدات المقدمة للوكالة خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى. وفى هذا الصدد، صرحت المندوبة الأمريكية الجديدة لدى الأمم المتحدة، قائلة: "لا ينبغي السماح مطلقًا بأن تذهب أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لدعم الإرهاب"، مشيرةً إلى أن هناك منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة قادرة على سد هذا الفراغ دون أن يكون لها أي ارتباط بالإرهاب.
سياسة حافة الهاوية
في الأسابيع التي أعقبت إقرار القوانين الجديدة، رفضت الأمم المتحدة وإسرائيل الخوض في مناقشات لحل الأزمة أو إرجاء تنفيذ القوانين الجديدة لحين توفير بدائل متفق عليها لخدمات الأونروا. ويخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن تأجيل تنفيذ القانون الثاني يمكن أن يشكل سابقة قد يستغلها المجتمع الدولي لتجنب اتخاذ قرار بشأن الجهة التي يجب أن تتولى مسؤوليات الوكالة. من جانبها، تخشى السلطة الفلسطينية من أن تحميلها مسؤولية إدارة مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية قد يؤدي إلى إضعاف مطالبها بشأن قضية اللاجئين وإثارة احتجاجات شعبية عنيفة ضد قادة السلطة، لا سيما داخل المخيمات التي تشهد اضطرابات متزايدة.
وقد قال مسؤولون إسرائيليون في جلسات مغلقة إنه إذا لم تقوم الأمم المتحدة بتوفير بديل للأونروا في الضفة الغربية، فإن خدمات الوكالة هناك يجب أن تخضع تلقائياً لإدارة السلطة الفلسطينية. ويعتقدون أيضًا أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يمكنه تولي مسؤولية توزيع المواد الغذائية، إذ إنه يشرف بالفعل على جزء كبير من المساعدات الغذائية في غزة — رغم أنه لم يسبق له العمل داخل مدارس مخيمات الأونروا، التي أصبحت مأوى لآلاف من سكان غزة خلال الحرب.
ومع ذلك، فقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش توجيهات لوكالاته بعدم الانخراط في أي تخطيط طارئ يتعلق بالموعد النهائي الذي حددته إسرائيل، بحجة أن القيام بذلك قد يُفسَّر على أنه قبول لسياسات تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، قال: "الأونروا تظل الجهة الأساسية المسؤولة عن تقديم المساعدات الضرورية للاجئي فلسطين... ولا يوجد بديل يمكنه القيام بدورها."
التداعيات على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية
يُعدّ الأثر المحتمل للقانون الأول أقل وطأة من القانون الثاني، نظرا لأن دور الأونروا في القدس الشرقية يظل محدوداً مقارنةً بدورها في الضفة الغربية وغزة. ويتركز دور الوكالة في القدس الشرقية في مخيم شعفاط للاجئين، حيث تقدم خدماتها لحوالي 16,000 من السكان. وقد أشارت البلدية الإسرائيلية المسؤولة(بلدية القدس)، إلى أنها ستعمل على توفير بدائل تعليمية للمدارس القليلة التابعة للأونروا في الجزء الشرقي من المدينة.
أما تداعيات القانون الثاني، فهي أكثر خطورة وتعقيداً، إذ تعد الأونروا الجهة الرائدة في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني. ففي الضفة الغربية، تدير الوكالة 19 مخيماً للاجئين، وتوظف قرابة 3,700 عامل، كما توفر برامج دعم اجتماعي ومدفوعات مالية لأكثر من 150,000 شخص، إلى جانب إدارتها لمستشفى واحد، و43 عيادة، و96 مدرسة تخدم نحو 47,000 طفل. ومن المتوقع أن تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية هذه الخدمات في الضفة الغربية، إلا أن افتقارها للدعم والتعاون الدولي، إلى جانب تفشي الفساد داخل مؤسساتها، وضعف شرعيتها المحلية، ومحدودية قدراتها الإدارية، وعجزها عن فرض سيطرتها على مخيمات اللاجئين، كلها عوامل قد تعرقل بشدة قدرتها على سد الفراغ الذي ستتركه الأونروا.
في غزة، تؤدي الأونروا دورًا أشبه بدولة حكم الأمر الواقع أكثر من كونها مجرد وكالة تابعة للأمم المتحدة. فقبل اندلاع الحرب، كانت الوكالة المزود الرئيسي للخدمات التعليمية والصحية، حيث قدمت خدماتها لأكثر من مليون شخص في ثماني مخيمات للاجئين. كما كانت الوكالة الجهة الأساسية المسؤولة عن توزيع الغذاء للعديد من الفلسطينيين في مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة.
وقد جادل البعض بأن إعادة الإعمار الواسعة النطاق المطلوبة في غزة بعد الحرب قد تؤدي بطبيعة الحال إلى تقليص دور الأونروا، سواء تم تنفيذ القوانين الإسرائيلية الجديدة أم لا. ومع ذلك، لا يزال هناك غموض بشأن ما إذا كانت المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار ستتم، وكيف ستُدار غزة بعد الحرب، وما هي آليات تنفيذ إعادة الإعمار. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل في توفير بدائل فعّالة ومتفق عليها للوكالة قد يسهم على المدى القصير في تعزيز سيطرة "حماس" على عملية توزيع المساعدات. وفي نهاية المطاف، قد يضطر الجيش الإسرائيلي إلى تحمل مسؤولية هذه المهمة إلى جانب وظائف أساسية أخرى كانت تضطلع بها الأونروا، مما قد يفرض تحديات لوجستية وأمنية واقتصادية كبيرة. ومع ذلك، فإن هذا الخيار لن يحل مشكلة توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم المدرسي، وهي مسؤولية لا تستطيع إسرائيل الاضطلاع بها داخل غزة.
ويرى مسؤولو الأمم المتحدة أنه، حتى لو لم تغلق إسرائيل مدارس الأونروا أو مرافقها الصحية في غزة، فإن الحظر المفروض على التواصل مع إسرائيل سيُعيق بشدة قدرة الوكالة على أداء مهامها. فعلى سبيل المثال، ستتأثر المجالات التالية:
- تجديد التأشيرات الشهرية لموظفي الأونروا الدوليين
- تسجيل المركبات وهو أمر ضروري لضمان تنقل الفرق التشغيلية داخل إسرائيل والضفة الغربية وغزة.
- آليات فض النزاع مع الجيش الإسرائيلي، التي تُعد أساسية لتجنب الاشتباكات أثناء العمليات العسكرية.
- الاتفاقيات الجمركية، التي تسهّل استيراد المواد الغذائية والأدوية إلى الأراضي الفلسطينية.
- المعاملات المصرفية الإسرائيلية، التي تؤثر على دفع الرواتب وضمان استمرارية سلاسل التوريد.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد العديد من الفلسطينيين أن مهام الأونروا لا تقتصر على تقديم الخدمات الأساسية فقط، بل تشمل أيضًا بُعدًا سياسيًا مهمًا، حيث تعزز ما يراه البعض "حقهم في العودة" إلى إسرائيل ضمن حدود ما قبل عام 1967. وأي محاولة لتقويض هذا البعد الرمزي قد تؤدي إلى تفاقم المظالم السياسية الفلسطينية، مما يزيد من هشاشة الوضع الأمني المتأزم أساساً. وفي الواقع، قد يسعى المتطرفون من كلا الجانبين إلى تحقيق هذا السيناريو تحديداً - ليس فقط الفصائل الفلسطينية المعارضة للسلطة الفلسطينية، بل أيضًا شخصيات إسرائيلية يمينية متطرفة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي سيرحب بلا شك بأي تطور يُظهر عجز السلطة الفلسطينية في مواجهة تصاعد العنف في الضفة الغربية.
التداعيات السياسية
سيؤدي تطبيق القوانين الجديدة على المدى القصير إلى تعقيد المسارات القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وربما يزيد من حدة الاتهامات الموجهة إليها في المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل وإدارة ترامب آنذاك كانتا تركزان أكثر على هدف بعيد المدى، يتمثل في استخدام المواجهة مع الأونروا كأداة لإعادة هيكلة الإدارة في الأراضي الفلسطينية والمساعدات في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن وجهة نظرهما، لا يمكن تحقيق سلام دائم طالما ظلت قضية اللاجئين الفلسطينيين تمثل عقبة أمام اتفاقات السلام المقترحة، لذا يجب أن تتجاوز جهود إعادة إعمار غزة المخيمات الدائمة ومفهوم "حق العودة"، المبني على العداء لوجود إسرائيل.
ولكن بغض النظر عن أهدافهم المستقبلية، يجب على المسؤولين الأمريكيين التعاون مع الأمم المتحدة على المدى القريب لتطوير بديل عملي "للأونروا" يضمن استمرار الخدمات الأساسية التي تقدمها. كما يجب عليهم التفكير مليًا قبل إصدار أي قرارات أخرى قد تُضعف نفوذ واشنطن في التفاوض على مثل هذا البديل. فعلى سبيل المثال، قد يكون للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب في اليوم الأول من انسحاب الولايات المتحدة من "منظمة الصحة العالمية" تأثير مماثل، إلى جانب قراره بتعليق المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا.
على الرغم من أن الوكالات الإنسانية غير الحكومية قد توفر بديلاً فعالًا للأونروا على المدى القصير، إلا أنه ينبغي اعتبارها حلاً مؤقتًا، حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تحمل المسؤولية الكاملة. فالتزام السلطة الفلسطينية المُعلن بحل الدولتين يعني أنها يجب أن تكون مستعدة بشكل أكبر لتقديم دعم أفضل لشعبها، إلا أن قدراتها تحتاج إلى تعزيز جوهري قبل أن تتمكن من الاضطلاع بهذه المهمة بالكامل. أما فيما يتعلق بمعارضة إسرائيل المستمرة لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فيمكن التعامل مع هذا الخلاف ضمن إطار خطة دولية أشمل لإعادة الإعمار.
وباختصار، فإن تطبيق القوانين الإسرائيلية الجديدة سيترك تداعيات بعيدة المدى على الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية. ومن ثم، فإن معالجة هذه الأزمة المتفاقمة تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والجهات الفاعلة الإقليمية لإنشاء آلية بديلة تملأ الفراغ الذي ستتركه الأونروا. إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تأملان في إرساء الاستقرار في هذا الوضع المضطرب، فسيتعين عليهما الموازنة بين مخاوفهما الأمنية، والاحتياجات الإنسانية الملحة للمنطقة - وهو توازن بات أكثر تعقيدًا بسبب إغفال قضايا رئيسية، مثل من سيحكم غزة بعد الحرب، وإمكانية إيجاد مؤسسة بديلة أقل إثارة للجدل قادرة على احتواء الاضطرابات المحتملة الناجمة عن غياب الأونروا.