- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
صيغة إدارة بايدن تحمل تطلعات وتوجهات
Also published in Middle East Institute
عند إجراء مسح لمنطقة الشرق الأوسط، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته هو أن دول المنطقة التي لديها أكثر من هوية واحدة - وطنية أو طائفية أو قبلية - هي في صراع مستمر أو عاجزة أو مشلولة. وهذا حتماً ليس المستقبل الذي يجب السعي إلى تأمينه للإسرائيليين والفلسطينيين. وفيما يتعلق بإعادة إعمار غزة، فلن يستثمر أحد في هذه المبادرة على نطاق واسع ما لم تكن هناك آلية موثوقة لضمان عدم تحويل «حماس» للجزء الأكبر من هذه المواد لأغراض عسكرية.
تستخدم إدارة بايدن صيغة محددة للحديث عما يجب أن يكون الوضع عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فعلى حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنهما شعبان يجب أن يتمتعا "بمقاييس متساوية من الأمن والازدهار والديمقراطية والكرامة". وهذه الصيغة طموحة لأننا اليوم بعيدون عنها للغاية. ومن المؤكد أنها تتناسب مع هدف إقامة دولتين لشعبين، مما يعكس صراعاً بين شعبين وحركتين وطنيتين تتنافسان على نفس الأراضي.
وبالطبع، قد يُفسر البعض هذا التصريح على أنه يشير إلى حل الدولة الواحدة التي يتمتع فيها الشعبان بمساواة أساسية. لكن في حين أن هذا الهدف قد يتحقق في المختبر، إلّا أنه يبقى مجرد وهم في الشرق الأوسط. ومن الواضح أننا لسنا في مرحلة ما بعد القومية في الشرق الأوسط (أو الدولية فيما يتعلّق بذلك)، وعند إجراء مسح للمنطقة، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته هو أن الدول التي لديها أكثر من هوية واحدة - وطنية أو طائفية أو قبلية - هي في صراع مستمر أو عاجزة أو مشلولة. وهذا حتماً ليس المستقبل الذي يجب أن نسعى إلى تأمينه للإسرائيليين والفلسطينيين.
وليس من المستغرب أن تلتزم إدارة بايدن بحل الدولتين، وأن تكون الصيغة مصممة، على الأقل جزئياً، لكي تلمح إلى تطلعات وتوجهات. كما أنها ردّ على التصورات إزاء مقاربة إدارة ترامب التي بدت أنها تركز على حاجات الإسرائيليين وليس الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق، تمّ طرح هذه الصيغة لتعكس بعض التوازن.
ولأغراض هذا النقاش، طُلب منا مناقشة تداعيات الصيغة على الوضع الإنساني في غزة، وعمليات الطرد المعلقة وأنشطة الاستيطان الإسرائيلية. وغالباً ما أجد هذا النقاش حول غزة غير مرتبط بالتاريخ، لذا من المفيد التذكير ببعض الوقائع. في عام 2005، انسحبت إسرائيل بالكامل - جنوداً ومستوطنين - من قطاع غزة. وبالنسبة للذين يقولون صحيح أنها فعلت ذلك، إلا أنها في الوقت نفسه فرضت حظراً على ما يمكنه الدخول إلى غزة، [أودّ أن أُذكرهم] بأنها لم تفعل ذلك قبل عام 2007، بعد الانقلاب الذي نفذته «حماس». فهذه الحركة لم تتوقف قط عن محاولتها شن هجمات على إسرائيل بعد انسحاب الأخيرة من القطاع، وحتى أنها نفذت هجمات ضد معابر من إسرائيل إلى غزة كما لو أن هذه المعابر تعود بالفائدة على إسرائيل. وهذا ما دفع بالإسرائيليين إلى تقليص عدد المعابر إلى اثنين، مما جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لسكان غزة، إلّا أن رفاهية سكان غزة نادراً ما كانت مصدر قلق لـ «حماس».
ولا بدّ من الإشارة إلى أنه بعد صراع 2014 بين إسرائيل و«حماس» الذي استمر 51 يوماً، لم يتبق لدى الحركة سوى 3300 صاروخ. فقد دمّر الإسرائيليون 32 نفقاً، كان يصل 14 منها إلى داخل إسرائيل. وفي قفزة سريعة إلى المستقبل، تحديداً إلى عام 2021: كانت «حماس» تملك ما يقرب من 30 ألف صاروخ، وقد دمرت إسرائيل حوالي 60 ميلاً من الأنفاق - والتي قال يحيى السنوار، زعيم «حماس» في غزة، إنها تشكل 5٪ فقط من الأنفاق. وحتى لو كانت أقواله مبالغة، فلنفترض أن إسرائيل دمرت نصف شبكة الأنفاق - وهي شبكة مصممة ليس للحفاظ على سلامة سكان غزة، بل لحماية قادة «حماس» ومقاتليها وأسلحتها. وتم استخدام كميات ضخمة من الإسمنت والفولاذ والأسلاك الكهربائية والخشب في عمليات البناء تحت الأرض التي قامت بها «حماس» - حيث كانت هناك حاجة ماسة لجميع هذه المواد فوق الأرض لتنمية القطاع.
إنني أؤيد عملية إعادة إعمار ضخمة في غزة، وليس فقط تقديم معونة إنسانية، وأرغب في رؤية الولايات المتحدة تُحفز المجتمع الدولي لقيادة هذا الجهد. إلّا أنه ليس هناك مَن يستثمر في مثل هذا الجهد، علماً بأن «حماس» ستُحوِّل الكثير من هذه المواد لغرضها المتمثل في إعادة التسلح وإعادة بناء بنيتها التحتية تحت الأرض - وعلماً أيضاً بأنه في الوقت الذي تشعر فيه «حماس» أنها يمكن أن تكسب من الناحية السياسية في منافستها مع "السلطة الفلسطينية"، فستقوم مجدداً بإطلاق الصواريخ على اسرائيل مما يؤدي الى ردود اسرائيلية تقضي على الاستثمار. لذلك من أجل مصلحة الفلسطينيين في غزة، يجب أن تكون هناك آلية موثوقة يمكنها أن تضمن إعادة الإعمار من دون إعادة التسلّح - ويبدو أن هذه هي مقاربة إدارة بايدن.
أما بالنسبة لقضايا التهجير من حي الشيخ جراح والنشاط الاستيطاني الإسرائيلي، فسأدلي بتعليقيْن موجزيْن. أولاً، أرادت حكومة نتنياهو التعامل مع القضية وكأنها مسألة قانونية ضيّقة. وعندما يتعلق الأمر بالقدس، فإن جميع المسائل حساسة - وخاصة عندما يتعلق الأمر بعمليات الإخلاء والتهجير. فأن تكون على صواب بالمعنى الفني الضيّق أقل أهمية من أن تكون حكيماً. وهنا مجدداً، حثت إدارة بايدن بشكل صحيح - ربما مسترشدة بصيغتها الخاصة بالمساواة - على انتهاج سياسة قائمة على الحكمة في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية.
ثانياً، يجب أن تخضع سياسة الاستيطان للعوامل التي تحافظ على حل الدولين وتلك التي تهدده. فقبل التوجه إلى "كامب ديفيد" عام 2000، أنشأنا مفهوم الكتل الاستيطانية وتبادلات الأراضي - مما يعني أن إسرائيل ستستوعب ما يقرب من 5٪ من الأراضي الأقرب إلى خطوط 4 حزيران/يونيو 1967 حيث يقيم حوالي 80٪ من المستوطنين، وستحصل دولة فلسطين على أراضي من إسرائيل كتعويض. وتتوافق عمليات البناء داخل مناطق الكتل الاستيطانية مع حل الدولتين، بخلاف البناء خارجها. ويعدّ الحفاظ على الخيار الأول السبيل الوحيد لتحقيق صيغة بايدن.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. تم نشر هذه المقالة في الأصل كجزء من سلسلة مناظرات على موقع "معهد الشرق الأوسط".