- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تأكيدات الدعم وطقوس الاستشهاد الجهادي
Also published in "الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا"
مع انتشار عبارات التأبين على الإنترنت للمتحدث العسكري الرسمي باسم «هيئة تحرير الشام» أبو خالد الشامي، الذي قُتل مؤخراً، سلطت كلمات الرثاء الضوء على الاختلافات بين المنظمات الجهادية الرئيسية وكشفت عن الجذور المحلية القوية التي شكلتها «هيئة تحرير الشام» في
عندما يُقتل زعيمٌ جهادي كبير، تعلو عادةً أصوات التصريحات المتنافرة تأبيناً للقتيل، وبذلك تتيح بطريقة ما تقدير مدى الدعم الذي كان يحظى به ذلك الزعيم أو التنظيم الأوسع الذي ينتمي إليه من خلال رصد الطرف الذي يصدر مثل هذه التصريحات. وتتبلور هذه الديناميكيات بصورة كاملة في عالم الجهاد عبر الإنترنت، حيث لا يقتصر الأمر على نشر التنظيمات نفسها مثل هذا المحتوى على منصتها الإلكترونية المفضّلة في تلك الفترة، بل أن أنصار التنظيم المعيّن على وسائل التواصل الاجتماعي يقومون أيضاً بإعادة نشر المحتوى نفسه ومشاركته، ليتّسع بذلك نطاق الانتشار المحتمل لرسائل التهنئة حول ما يُسمى باستشهاد شخص ما.
وفي الأسبوع الماضي، قُتل أبو خالد الشامي، المتحدث العسكري الرسمي باسم «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على أجزاء من شمال إدلب ومحافظات حلب الغربية، في غارة جوية روسية. فكان أول قائد كبير من «الهيئة» يُقتل منذ بعض الوقت، ليس لأن التنظيم يسيطر على مناطق مختلفة من شمال غرب سوريا على مدى السنوات الست الماضية فحسب، بل أيضاً بسبب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ربيع 2020 بين روسيا وتركيا. ونتيجةً لذلك، وبسبب عدم ارتباط «هيئة تحرير الشام» بتنظيمَي «الدولة الإسلامية» («داعش») و«القاعدة»، توفّرت وسيلة فريدة لاستكشاف ديناميكيات التأبين لأبو خالد الشامي من عدمه على الإنترنت، وتوفرت أيضاً وسيلة أخرى لقياس مدى ترسيخ سلطة «هيئة تحرير الشام» على المستوى المحلي حتى وإن كان كل ما يتعلق بذلك يجري على موقعي "تلغرام" أو "تويتر".
أمثلة سابقة من تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»
من الناحية التاريخية، عند مقتل أحد زعماء «القاعدة»، يمكن ملاحظة قيام جميع فروع التنظيم، وكذلك الأيديولوجيين المستقلين والجماعات الأصغر حجماً، بإصدار بيانات على منصات التواصل الاجتماعي لتأبين ذلك القتيل. على سبيل المثال، عندما قُتل زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أبو مصعب عبد الودود على يد القوات الفرنسية في أوائل حزيران/يونيو 2020، أصدرت التنظيمات والهيئات التالية بيانات تهنئة على استشهاد الودود: "وكالة ثبات الإخبارية" الموالية لتنظيم «القاعدة»، و"حركة الشباب المجاهدين"، وتنظيم "حراس الدين"، وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، والقيادة العامة "للقاعدة"، و"الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية" التابعة "للقاعدة". والواقع أن أياً من ذلك لا يدعو فعلاً للاستغراب عند التأمل بأن هذه "الأنشودة" تتكرر كلما يُقتل أحد زعماء «القاعدة» - إلى جانب وسائل إعلام أخرى أو أيديولوجيين قد ينضمون هم أيضاً إلى "الجوقة".
أما بالنسبة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، فنظراً لامتلاكه نظاماً إعلامياً مركزياً، بخلاف تنظيم «القاعدة»، الذي تمتلك فروعه بأجمعها أجنحة إعلامية خاصة بها، فإن تقييم هذه الديناميكية يتخذ أسلوباً مختلفاً في التحليل. والمؤشر الأفضل في حالة تنظيم «داعش» هو ما حدث بعد مقتل أبو بكر البغدادي. فعند النظر إلى حملة البيعة التي أطلقها التنظيم لاحقاً على الإنترنت، يمكن رؤية "ولاياته" المختلفة، وكذلك القوات المقاتلة المتحالفة معه بشكل غير رسمي، وهي تعلن البيعة لأبو ابراهيم الهاشمي القرشي الذي نصّب نفسه خليفةً جديداً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن حيث الجوهر، وعلى عكس تنظيم «القاعدة» وشبكته التي تنشر بيانات نصية على الإنترنت، نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» عبر حساباته الإعلامية الرسمية على "تلغرام" في ذلك الوقت، صوراً لأعضاء التنظيم يعلنون البيعة لإظهار مستوى تأييدهم. وبعد أن أطلق تنظيم «الدولة الإسلامية» كل هذه البيعات، [لوحظ] أنها شملت محافظات ومقاطعات غير رسمية في كلٍّ من مصر وبنغلاديش والصومال وباكستان واليمن وسوريا وأفغانستان وتونس ونيجيريا والفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومالي وبوركينا فاسو والعراق وليبيا وإندونيسيا وأذربيجان.
من أبّن أبو خالد الشامي؟
بما أن «هيئة تحرير الشام» اختارت طريقاً وسطياً توفيقياً في مسارها الجهادي، فمن المفهوم أن لا يقوم أحدٌ من المرتبطين بـ تنظيمي «القاعدة» أو «الدولة الإسلامية» بتأبين أبو خالد الشامي. فالجهات التي نشرت بيانات عبر الإنترنت لتهنئة أبو خالد على استشهاده هي على ثلاثة أنواع: (1) «هيئة تحرير الشام» وإيديولوجيّوها وأجهزة الحكم الداخلي الأخرى؛ (2) الجماعات الجهادية الأخرى الأصغر حجماً المتمركزة في مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام»؛ و (3) المجالس المحلية، والقبائل، والكيانات الأخرى في المناطق التي تسيطر عليها. وبالنسبة للنوع الأول، فهو يشمل "هيئة تحرير الشام" وجناحها العسكري و"مكتب العلاقات الإعلامية" التابع لها وإيديولوجييها أمثال أبو ماريا القحطاني ومظهر القيس، بالإضافة إلى هيئتها المدنية المعروفة بـ "حكومة الإنقاذ" وجهازها البلدي المحلي المسمى "إدارة المناطق المحررة". أما النوع الثاني، فيضمّ حتى الآن "الحزب الإسلامي التركستاني" و"لواء المهاجرين والأنصار" ومجموعة من المقاتلين الأجانب، وقد أصدر هؤلاء بيانات لتأبين أبو خالد.
لكن النوع الأخير هو الأكثر إثارة للاهتمام بينها جميعاً لأن «هيئة تحرير الشام» تسيطر فعلياً على أراضي، وبالتالي فهي على علاقة مباشرة بمختلف الجهات الفاعلة. وهناك أيضاً ثلاثة تفسيرات لسبب إصدار كلمات التأبين من الجهات التي سيتم ذكرها هنا: (1) هناك إيمان حقيقي ببياناتها وكذلك تأييد للمشروع المحلي لـ «هيئة تحرير الشام». (2) أولئك الذين يرون أنها وسيلة لكسب ودّ هيكل السلطة المحلي لـ «هيئة تحرير الشام». أو (3) أولئك الذين قد لا يدعمون «هيئة تحرير الشام»، لكنهم يشعرون بأنهم مجبرون على الإدلاء بتصريح ما بسبب التدابير القسرية السابقة التي اتخّذتها أو قد تتخذها «هيئة تحرير الشام». وبالتالي، يمكن اعتبار اثنين من هذه التفسيرات الثلاثة للدعم المحتمل المقدَّم عبر الإنترنت على أنهما مجرّد أداء مسرحي لأسباب إيجابية أو سلبية. ومع ذلك، ما زال يخلّفان تبعات حقيقية على أرض الواقع، لأنه لا يمكن الفصل كلياً بين ما يحصل على الإنترنت وما يجري في العالم الحقيقي، لا سيما في هذه الحالات التي تسيطر فيها جماعة جهادية على المنطقة. وبعد قول ذلك، يمكن الإشارة إلى الأطراف التي أطلقت تصريحات مماثلة حتى الآن: سكان حلفايا (محافظة حماة)، و"قبيلة الجبور" في "الشمال المحرَّر"، و"المجلس الثوري العام لمحافظة إدلب"، و"مرصد الشمال"، و"أهالي بلدة التح" (محافظة إدلب)، و"قبيلة النعيم"، و"مجلس مهجري أهالي سراقب"، و"قبيلة العقيدات" (حمص - حماة)، و"قبيلة بني خالد"، و"عشيرة البوعاصي" من "قبيلة البكارة"، و"أهالي ومهجري دمشق وريفها في الشمال المحرر".
ومهما كانت الأسباب وراء إصدار هذه الجهات لبيانات التأبين لأبو خالد، فإنها توفر فرصة لـ «هيئة تحرير الشام» للتأكيد على دعمها بشكل غير مباشر. لذلك، وبخلاف حالتي تنظمَي «القاعدة» و«داعش» اللذين يرتبط كلاهما بمزيد من الديناميكيات الداخلية لشبكات القتال الخاصة بهما، تبقى هذه ميزةً بالنسبة لـ «هيئة تحرير الشام»، مع أن هذه الأخيرة تأخذ أيضاً في الاعتبار مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة. ويسلط ذلك الضوء على الطبيعة الأقل انعزاليةً لـ «الهيئة» بشكل عام، ويوضح أيضاً كيف رسّخت جذورها في المجتمعات المحلية في شمال غرب سوريا. إنها أيضاً طريقة أخرى يمكن من خلالها لمؤيدي «هيئة تحرير الشام» عبر الإنترنت إعادة نشر هذه البيانات ذات الطابع المحلي لتكون بمثابة مكبّر صوت لمجتمع «الهيئة» عبر الإنترنت. لذلك، فمن خلال استكشاف هذه الديناميكيات الدقيقة المتعلقة ببيانات التأبين التي أعقبت وفاة زعيم جهادي، يمكن اكتساب فهماً أكبر لمدى الاختلاف من بعض النواحي بين «هيئة تحرير الشام» ورفاقها السابقين في تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وكذلك لدرجة ترسيخ سلطتها محلياً - حتى مع استمرار الاستياء من حكم «هيئة تحرير الشام» في بعض الجيوب المحلية.
هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن وباحث زائر في "جامعة برانديز". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا".