- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3136
طاقة شرق المتوسط والسلام في الشرق الأوسط
في الأسبوع الماضي، بعد عامٍ من المفاوضات، أعلنت حكومة قبرص واتّحادٌ تقوده شركة "نوبل أنرجي" ومقرها في تكساس عن اتفاقٍ بشأن عقدٍ منقّح لاستغلال حقل "أفروديت" للغاز الطبيعي الذي يقع على بُعد 100 ميلٍ جنوب الجزيرة. وسيكلّف تطوير الحقل، الذي يمتدّ جزءٌ منه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، عدة مليارات من الدولارات، وستتدفق كميات الغاز الأولى في عام 2024 كحدٍ أدنى، وربما باتجاه مصر ليتم تصديرها إلى باقي أنحاء العالَم. ويُقدَّر إجمالي الإيرادات على مدى الأعوام العشرين التي يُتوقَّع أن يدوم فيها الحقل بأكثر من 9 مليارات دولار. وتبدو الخطوة التالية في الصفقة - أي الإقرار الرسمي من الحكومة القبرصية - بمثابة نتيجة حتمية، لكن كما هو الحال غالباً، تتم مقاربة أي تطورات متعلقة بالطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط من زوايا جيوسياسية أوسع نطاقاً.
يمكن تسوية المطالبة الإسرائيلية بحقل "أفروديت" عبر التحكيم، لكن برزت ملامح مسألة أخرى أكثر صعوبة بكثير في 7 حزيران/يونيو، عندما أعلنت تركيا أن القبارصة الذين يعيشون في المنطقة الشمالية التي يحتلّها الأتراك من الجزيرة يتمتعون بحقوق نيل حصة من الحقل. وسبق أن أقرت مبدئيّاً الحكومة المعترَف بها دوليّاً في نيقوسيا - التي تؤكّد سيادتها على كامل الجزيرة وتمنح جوازات سفر إلى القبارصة الأتراك - أن الإيرادات الأخيرة لحقل "أفروديت" ستكون لكافة القبارصة. ومع ذلك، فإن ما يعقّد هذا المبدأ هو العدد الكبير من المستوطنين الأتراك على الجزيرة، الذين يفتقر الكثيرون منهم إلى الإرث القبرصي المثبَت والمطلوب للحصول على جوازات السفر وبعض الحقوق الأخرى. لذلك يتسبب التصريح الأخير لأنقرة بتفاقم المخاوف من قيام القوات البحرية التركية بمضايقة عمليات التنقيب والتطوير الدولية في المياه المتنازَع عليها.
وفي غضون ذلك، تم إيقاف إمدادات الغاز التي تولّد ثلثي الكهرباء في إسرائيل لوقتٍ قصير في الشهر الماضي بسبب القلق من أن إطلاق قذائف «حماس» من غزّة قد يهدد المنصة البحرية العاملة للخطر. فمثل هذه الأحداث هي جزءٌ من سبب وقوع منصة إسرائيل الثانية - التي يتم بناؤها حاليّاً لخدمة حقل "ليفياثان" الذي يوشك على البدء بالإنتاج - في مكانٍ أبعد شمالاً وأقرب إلى الشاطئ، حيث يمكن حمايتها بشكل أفضل.
ومن الناحية الإيجابية، كانت إسرائيل تستخدم كميات قليلة من الغاز لاختبار خط أنابيب غير مستخدَم في قاع البحر بين عسقلان ومدينة العريش في سيناء. وكان الخط يُستخدَم سابقاً لضخ الغاز المصري إلى إسرائيل، لكنّ الوضع انعكس الآن إذ سيتم نقل الغاز قريباً من الحقول البحرية الإسرائيلية إلى مصر - سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير ما إن يتم تحويله إلى غاز طبيعي مُسال في المحطات الحالية للغاز الطبيعي المسال بالقرب من بور سعيد والاسكندرية. لكن كان من الصعب التوصل إلى اتفاق قانوني نهائي حول هذه الاقتراحات، وحتى حين تبدأ كميات الغاز بالتدفق في وقتٍ متأخر من هذا العام، ستضطر إلى استخدام طريق برّي معرَّض للهجوم الإرهابي من عناصر تنظيميْ «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» خلال جزءٍ من رحلتها، على الأقل إلى أن يتم الاتفاق على خط بحري آخر باهظ الثمن يمتد إلى أقصى الغرب من العريش وبناؤه.
وتبحث إسرائيل أيضاً عن شركات يمكن أن تنقّب في مياهها عن المزيد من الغاز. وعلى الرغم من إرجاء الموعد النهائي للمناقصات على تسعة عشر كتل بحرية إلى منتصف آب/أغسطس، الأمر الذي ربما يعكس قلة اهتمام المستثمرين، إلا أنه وفقاً لبعض التقارير ما زال المسؤولين الإسرائيليين يأملون في أن تقتنع شركة "إكسون موبيل" بالصفقة. فحتى الآن، أبدت الشركة الأمريكية اهتماماً أكبر بالكتل القبرصية، كما فعلت بعض الشركات الأوروبية مثل "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية.
وتهتم الشركتان الأخيرتان أيضاً بالتنقيب في مياه لبنان، رغم الاختلال الوظيفي للحكومة، والعَطل في شبكة إمدادات الكهرباء، وتطفّل النفوذ الإيراني في البلاد. فهما تأملان البدء بالتنقيب شمال غرب بيروت قبل نهاية هذا العام. والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن اتحادهما، الذي يشمل شركةً روسيةً، يريد التنقيب في كتلة أخرى تضم قطعةً من البحر متنازَع عليها مع إسرائيل. وتحت تغطية "الأمم المتحدة"، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يشجّعون كلا البلدين على التوصل إلى اتفاق على الأقل حول بعض عناصر خلافاتهما المتعلقة بالحدود البرّيّة والبحرية التي استمرت لعقود، وربما يشير ذلك إلى اهتمام الشركات الأمريكية بالتنقيب في مياه لبنان.
ولكن عندما يتعلق الأمر بصفقات الطاقة، فحتى معاهدة السلام لا تضع حدّاً للحساسيات العامة إزاء التقارب مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، تعززت الروابط الأمنية والاستخباراتية بين الأردن والقدس بشكل كبير منذ أن وقّعت الحكومتان معاهدتهما في عام 1994، وزوّد الغاز الإسرائيلي المعامل الصناعية الأردنية بالطاقة في البحر الميّت على مدار العاميْن الماضييْن. لكن نظراً إلى استمرار ضعف العلاقات بين شعبيْ البلدين، فإن العديد من الأردنيين يعارضون احتمال استخدام غاز حقل "ليفياثان" لتوليد الكهرباء على نطاقٍ واسع بدءاً من أوائل العام القادم. وبدّدت عمان هذا الغضب جزئياً حين وصفت هذه الإمدادات "غازاً شماليّاً" أو "غازاً أمريكيّاً"، مؤكدة على دور شركة "نوبل" في إنتاجه.
إنقر على الخريطة لرؤية نسخة أكبر
تُظهر الخريطة أعلاه بوضوح، والتي رُفِعت عنها السرية من قبل "مكتب موارد الطاقة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية وتم الحصول عليها من "ماكلاتشي"، تعقيدات التطورات المتعلقة بالطاقة في شرق البحر المتوسط. فيعتبر بعض المسؤولين أن الخصائص الجيولوجية لهذه المنطقة يمكن أن تساعد أوروبا على تعديل اعتمادها على الغاز الروسي أو حتى استبداله، لكن يبدو أن هذا الأمر مستبعَد في إطار المستوى الحالي للاكتشافات. وسيتعيّن التنقيب عن العديد من الحقول الأضخم مثل حقل "ليفياثان" أو حقل "ظهر" المصري قبل أن يتغيّر هذا الواقع. كما أن البناء المقترَح لخط أنابيب في قاع البحر لنقل الغاز إلى اليونان وإيطاليا يشكّل كذلك أمراً غير واقعي في الوقت الحالي. ووفقاً لآخر "استعراض إحصائي للطاقة العالمية" أجرته شركة "بي بي"، لا تبلغ اكتشافات إسرائيل الحاليّة سوى 0.2 في المائة من احتياطات الغاز العالميّة المؤكدة من الغاز. وتفوقها الاحتياطات المصرية بخمسة أضعاف، على الرغم من أنها تبقى ضئيلة نسبةً إلى احتياطات أكبر ثلاثة بلدان منتجة في العالَم هي: روسيا (19.8 في المائة) وإيران (16.2 في المائة) وقطر (12.5 في المائة).
ومع ذلك، ينمو دور الغاز في الاقتصاد العالمي: فقد ارتفع كلٌّ من الاستهلاك والإنتاج بنسبة 5 في المائة في عام 2018، والذي وصفته شركة "بي پي" بأنه أحد أقوى معدلات النمو لكلٍ من الطلب والإنتاج منذ أكثر من ثلاثين عاماً". وبينما لا يزال النقل عبر خطوط الأنابيب مهيمناً، تستحوذ ناقلات الغاز الطبيعي المُسال على حصة متزايدة من عمليات التصدير. وستصبح الولايات المتحدة على الأرجح ثالث مصدّر للغاز الطبيعي المُسال هذا العام، بعد أستراليا وقطر - ما يذكّر مجدداً أن الاتجاهات يمكن أن تتغيّر بسرعة، لأن أمريكا كانت مستورداً كبيراً للغاز الطبيعي المُسال إلى قبل عشر سنوات.
وتُشجّع واشنطن أيضاً "منتدى غاز شرق المتوسّط" الجديد القائم في القاهرة من أجل التعاون في مشاريع الطاقة، على الرغم من أن لبنان وتركيا لم تُدرجا بعد في المنظمة. وفي غضون ذلك، يقود "مكتب موارد الطاقة " ركيزة الطاقة في "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط" ("ميسا")، وهو المشروع الذي يسير بخطى بطيئة بقيادة أمريكية لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
أخيراً، من المحتمل أن يكون التعاون في مجال الغاز مدرجاً على جدول الأعمال في ورشة العمل الاقتصادية التي تستضيفها البحرين في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر بهدف تطوير جهود السلام بين إسرائيل وفلسطين التي تبذلها إدارة ترامب. ورغم تصريح "السلطة الفلسطينية" بعدم حضورها، يبدو أن التكامل المتزايد في مجال الطاقة، الذي يعود بالفائدة على الضفة الغربية وغزة، يشكّل عنصراً واضحاً للنقاش، ويشمل التنقيب والإنتاج المشترك للكهرباء. وبشكل أكثر تحديداً، يجب أن يتضمن جدول أعمال البحرين ما يلي:
- الاستناد إلى البنية التحتية الحالية للغاز التي تربط إسرائيل ومصر والأردن.
- تطوير مشاريع طاقة مشتركة تعتمد على الغاز.
- التعاون في مشاريع الطاقة الأخرى (مثل الطاقة الشمسية).
- دمج الأصول الفلسطينية في مشاريع مشتركة (على سبيل المثال، استغلال حقل الغاز البحري قبالة سواحل غزة؛ والاستفادة بشكل أفضل من محطة الطاقة الموجودة في غزة، المصممة أصلاً لاستخدام الغاز).
وستكرر هذه الجهود الدرس التاريخي المتعلق بتطوير الغاز في شرق البحر المتوسط، وهو: أن التقدم بطيء لكنّ الإنجازات كبيرة، ويمكن تخطي العقبات التي تبدو أنه لا يمكن التغلب عليها عبر بذل جهدٍ دبلوماسي في غاية الدقة مع التحلي بالصبر.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.