- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2646
تعاون روسيا بشأن الاتفاق النووي لا يصبّ في مصلحة واشنطن
"يصادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة. وستصدر المقالات المقبلة في الأيام التي تسبق الذكرى".
في بيان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين صدر في 14 تموز/ يوليو 2015 عندما تمّ التوقيع على «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني بعد مرور ثمانية عشر شهراً من المفاوضات المكثفة قال، "نحن على يقين أنّ العالم قد تنفس الصعداء اليوم". وفي ذلك الوقت، أثنى على الاتفاق وشدّد على دور موسكو في العملية قائلاً: "إن فريق المفاوضات الروسي والخبراء النوويين قد ساهموا بشكل كبير في صياغة الترتيبات الشاملة، الأمر الذي جعل من الممكن صفّ وجهات النظر المختلفة والتي غالباً ما كانت متضاربة". وفي اليوم التالي، غرّدت وزارة الخارجية الروسية على موقع "تويتر" مؤكدة أنّ الاتفاق كان "مرتكزاً على المقاربة التي عبرّ عنها الرئيس فلاديمير بوتين".
وغالباً ما يشير المسؤولون الأمريكيون إلى دور موسكو في المفاوضات كدليل إلى أنّ مدّ اليد إلى الكرملين قد يؤدّي إلى خطوة دبلوماسية روسية مفيدة. إلّا أنّ بوتين لم يسهّل الاتفاق النووي لـ مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» لمصلحة التعاون الصادق مع الغرب أو الأمن الدولي. ولطالما عارضت موسكو العقوبات الصارمة التي دفعت إيران إلى طاولة المفاوضات، وعملت بثبات على تخفيفها لسنوات. وعندما قام بوتين أخيراً بدعم العقوبات النووية، انتزع تنازلات في المقابل (على سبيل المثال، كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في أيار/مايو 2010، رفعت الولايات المتحدة العقوبات ضد "أربعة كيانات روسية شاركت في تجارة الأسلحة غير المشروعة مع إيران وسوريا منذ عام 1999"). وبالفعل، دعم الروس الاتفاق فقط لأنّه يفيدهم على عدد من المستويات، لا سيّما في هدفهم الجيواستراتيجي القاضي بمواجهة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، حذّر قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال لويد أوستن، مجلس الشيوخ الأمريكي في آذار/ مارس أنّ تحالف روسيا المتنامي مع إيران يتطلّب تدقيقاً أكبر.
الفوائد الأمنية والاقتصادية والسياسية
إن قيام إيران نووية لم يكن أبداً من مصلحة روسيا - فمن كوريا الشمالية إلى العراق، لطالما دعم الكرملن الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي، لذلك بالكاد استلزم إقناعاً حول الخطر المهدّد من إيران. وكما كتب بول شوارتز من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في حزيران/ يونيو 2015، من بين كل أعضاء مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، كانت روسيا الأكثر عرضة لهجوم نووي محتمل من إيران لأنّ طهران قد طوّرت مؤخّراً صواريخ بالستية من طراز "شهاب-3أ" بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر قد تبلغ بسهولة غرب روسيا.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فقد سعت موسكو إلى توسيع علاقاتها التجارية مع إيران منذ بعض الوقت، إلى جانب التعاون الاقتصادي بشكل عام. وغالباً ما شكا مسؤولون روس من أنّ العقوبات النووية تضر بمثل هذه التجارة؛ فاليوم مع رفع العقوبات، "تستعدّ الشركات الروسية بشكل واسع للعودة إلى إيران"، وفقاً لتقرير نُشر في شباط/ فبراير في صحيفة "نيويورك تايمز". وقد كان التقدّم الملموس على هذا الصعيد بطيئاً بل مهمّاً. وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر، أعلنت موسكو عن خطط لتقديم خط ائتمان بقيمة 5 مليار دولار إلى إيران. ووفقاً لوكالة أنباء "تاس" الروسية الرسمية، أشار نائب وزير المالية سيرغي ستورشاك الشهر الماضي إلى أنّ موسكو ستصدر ائتمانَين لإيران تصل قيمتهما إلى حوالي 2.5 مليار يورو، بانتظار ترخيص مجلس الوزراء. وقد أشارت تقارير صحفية روسية أخرى إلى أنّ موسكو ستستضيف منتدى أعمال في آب/ أغسطس تحت عنوان "روسيا وإيران: حوار استراتيجي لقوى عظمى".
بالإضافة إلى ذلك، نمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدّين إلى مستوى غير مسبوق، وخاصة فيما يتعلّق بالتعاون حول سوريا. ففي عام 2015 ومجدداً هذا العام، عقد كبار الدبلوماسيين الروس والايرانيين عدة اجتماعات واتصالات هاتفية. كما التقى وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان بنظيره سيرغي شويغو في موسكو في نيسان/ أبريل خلال "مؤتمر موسكو الخامس حول الأمن الدولي"، حيث أعلن البلدان عن زيادة التعاون العسكري بينهما. وفي الشهر الماضي، سافر شويغو إلى طهران للمرّة الثانية؛ بعد رحلته السابقة في كانون الثاني/ يناير 2015، وقد كانت زيارته تلك الأولى من نوعها لوزير دفاع روسي منذ خمسة عشر عاماً.
مبيعات الأسلحة المتقدمة
في نيسان/ أبريل 2015، بعد أيّام فقط من اتفاق مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» وإيران على إطار عمل للاتفاق النووي، رفع بوتين الحظر على عمليات بيع صواريخ "أس- 300" إلى طهران. وسابقاً، كانت موسكو قد جمّدت عقداً بقيمة 800 مليون دولار لهذه الأسلحة القوية المضادة للطائرات عقب خضوعها للضغط الشديد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن وفقاً لمسؤولين روس وإيرانيين، وصلت الدفعة الأولى من مكوّنات "أس- 300" إلى إيران في شهر نيسان/ أبريل من هذا العام، وتفيد بعض التقارير أنّ موسكو ستكمّل عمليات التسليم بحلول نهاية العام الحالي.
وخلال السنوات الأخيرة، استخدمت موسكو صاروخ "أس- 300" وخلفه الأكثر تطوّراً الـ "أس- 400"، لبسط قوّتها في جميع أنحاء المجال الجوي لدول الاتحاد السوفياتي سابقاً. لكنّ وزير الخارجية سيرغي لافروف ادّعى في نيسان/ أبريل 2015 أنّ صواريخ "أس- 300" المخصصة لإيران هي أسلحة دفاعية "محضة" و "لن تشكّل أي خطر أمني على أي دولة في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل". وبعد مرور عام، أرسل النائب الأمريكي ستيف شابوت (جمهوري -- ولاية أوهايو) استفساراً إلى البيت الأبيض حول سبب عدم فرض الولايات المتحدة حظر على تسليم روسيا لصواريخ "أس- 300" إلى إيران. ووفقاً لموقع "واشنطن فري بيكون"، كتب: "إنّ هذه الأنظمة قد تعزّز بشكل كبير قدرات إيران الهجومية وتضع عقبات جديدة أمام جهودنا للقضاء على خطر السلاح النووي الإيراني". إلّا أنّ وضع أسس قانونية لمثل هذه العقوبات قد يكون معقّداً نظراً إلى أنّه لا وجود أي قرار من قبل الأمم المتحدة حول إيران الذي حظَر على وجه التحديد أنظمة الدفاع الجوي.
وقد أعربت طهران أيضاً عن رغبتها في الحصول على أسلحة روسية أخرى. وعندما زار دهقان موسكو في شباط/ فبراير، أفادت بعض التقارير أنّه خطّط لإنفاق 8 مليارات دولار على مجموعة متنوعة من الأنظمة. ووفقاً لصحيفة "موسكو تايمز" كان الإيرانيون أكثر اهتماماً في الحصول على مقاتلة متعددة المهام من طراز "سو- 30"، "التي قد تتفوّق بشكل كبير على أي سلاح آخر ضمن ترسانتهم". وفي حين لم يتمّ الإعلان بعد عن أي التزامات، إلا أن الاتفاق النووي قد مكّن كبار المسؤولين الإيرانيين ببدء الحوار مع موسكو.
الاعتبارات الجيوستراتيجية الأكبر
تكمن أولوية بوتين في جعل روسيا مجدداً قوّة عظمى تقف كثقل موازن وموازي للغرب - قوّة تلعب دوراً حاسماً في كافة القرارات الدولية المهمّة. ومن هذا المنظار، قد تكون إيران الموالية للغرب أسوأ نتيجة محتملة بالنسبة إلى موسكو. وكما كتب جورج ميرسكي، الخبير الروسي الراحل في شؤون الشرق الأوسط، في نيسان/ أبريل 2015، "منذ عدة سنوات، سمعتُ من أحد الموظفين [في وزارة الداخلية] مثل هذا التحليل: 'بالنسبة لنا، إنّ إيران الموالية لأمريكا هي أسوأ من إيران نووية' ".
ويصبّ الاتفاق النووي ضمن هذه الحسابات. فأوّلاً هو يقوّي إيران، مما يساعد على الحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط في حين يغذّي استمرارية الصراعات المختلفة في المنطقة - صراعات تستفيد منها موسكو. كما يزيل الاتفاق وصمة إدانة مجلس الأمن الدولي، مما يسمح لبوتين بالتعاون بشكل علني أكثر بكثير مع طهران حول سوريا بينما يمنحه في الوقت عينه المرونة اللازمة لتقديم نفسه كبديل لإيران في المنطقة.
ويستلزم مثل هذا التفكير حلفاً روسياً مع إيران بغض النظر عن الاختلافات الكثيرة بين البلدَين والتاريخ المعقّد الذي يتشاطراه. ومنذ أن أطلقت موسكو تدخّلها في سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أشار ستيفن بلانك من "مجلس السياسة الخارجية" الأمريكي مراراً وتكراراً كيف يعمل بوتين على إنشاء تحالف شيعي في الشرق الأوسط من شأنه أن يجبر الغرب على معاملة روسيا كقوّة لا يستهان بها هناك. وبالرغم من أنّ بوتين يمدّ يده إلى كل دولة شرق أوسطية، إلّا أنّ دعمه لنظام الأسد في سوريا واتخاذه إجراءات إقليمية أخرى تشير على نحو متزايد إلى الميل نحو سياسة موالية للشيعة، على الرغم من أنّ الغالبية العظمى من العدد الكبير من السكان المسلمين في روسيا هم من السنّة.
وتماشياً مع هذه الميول، دعى بوتين في الشهر الماضي لقبول انضمام إيران إلى "منظمة شنغهاي للتعاون". وفي السنوات السابقة، أفادت بعض التقارير أن طهران قد أشارت إلى اهتمامها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروآسيوي الذي تتزعمه روسيا والذي يتصوّره بوتين كثقل موازن للاتحاد الأوروبي. وفي حين قد لا تكون هذه الجهود سوى مجرد حديث في هذه المرحلة، إلّا أنّها تشير إلى رغبة في جعل علاقات روسيا مع إيران أقوى من أي دولة عربية. وبالإضافة إلى ذلك، يدّعي خبراء في الشرق الأوسط ومسؤولون في موسكو بأنهم يرون إيران كقوّة "علمانية" محتملة لمواجهة التطرّف الإسلامي السنّي.
المحصلة
من خلال التفكير ملياً بالعام الذي مضى منذ توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، من الواضح أنّ الاتفاق قد سمح لروسيا وإيران بتوسيع روابطهما على عدد من المستويات. فنقل الأسلحة الروسية بشكل خاص يثير مخاوف جدّية حول الأمن الدولي والمصالح الغربية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ البلدَين هما منافسان تاريخيان، يصبّ التحالف مع إيران في الوقت الحالي في نطاق أهداف بوتين الأكبر القاضية بتقسيم الغرب ومعارضة سياساته الإقليمية - وجميعها إنجازات مهمّة في طريقه نحو الحصول على المقام الحقيقي كـ "قوّة عظمى". ويبقى هذا هدف بوتين الأوّل، ويَعتقد أنّ تحالفاً مع إيران سيساعده على تحقيقه.
آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن.