- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تداعيات الإرهاب على الأردن
في السادس من حزيران/يونيو، لقى خمسة أردنيون حتفهم خلال هجوم على مجمع للمخابرات العامة الأردنية يقع على مسافة اثني عشر ميلاً شمال عمّان. وتشكّل هذه الحادثة الهجوم الإرهابي الأكبر في الأردن منذ أكثر من عقد. فالمملكة الأردنية المؤيّدة علناً للغرب وللسلام تحت حكم الملك عبدالله الثاني لطالما شكّلت هدفاً للمتشددين الإسلاميين، إلاّ أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») يمثّل تهديداً عازماً بشكل خاص. فبعد خمس سنوات من الحرب في سوريا، يبدو أكثر فأكثر أنّ تنظيم «داعش» قد بنى لنفسه قاعدةً للدعم في المملكة.
ويُذكر أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الأردن تهديداً إرهابياً متواصلاً. إذ نُفّذت بين عامي 2002 و 2005 عدة هجمات على يد تنظيم «القاعدة» أو تم اعتراضها في المملكة، بما في ذلك اغتيال ديلوماسي أمريكي وإطلاق الصواريخ على سفن حربية أمريكية راسية في ميناء العقبة وتفجير ثلاثة فنادق في عمّان في وقت واحد. ومع ذلك، فمنذ عام 2005، ساهمت الأجهزة الأمنية الأردنية الكفؤة وردّ الفعل الشعبي العنيف تجاه تنظيم «القاعدة» في انخفاض في الأعمال الإرهابية المحلية.
غير أنّه مع استمار الحرب في سوريا، عاد التهديد ليظهر من جديد. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قَتَل ضابط شرطة أردني مدرّبَيْن أمريكيَيْن ومدرّبَيْن من جنوب أفريقيا، فضلاً عن اثنين من أبناء وطنه في منشأة دولية لتدريب الشرطة في منطقة الموقّر. ومؤخراً، في شهر آذار/مارس، داهمت قوات مكافحة الإرهاب الأردنية خليةً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في مخيم فلسطيني في مدينة إربد شمال الأردن، مما أسفر عن مقتل ثمانية متشدّدين زُعِم أنّهم كانوا يخططون لشنّ هجمات ضد أهداف مدنية وعسكرية.
وعلى مستوى مختلف لقيَ دعايةً إعلاميةً أصغر، اعترضت قوات الأمن الأردنية عدة مخططات إرهابية أخرى. ففي تموز/يوليو 2015 على سبيل المثال، حُكم على سبعة أردنيين بالسجن لفترات طويلة وحُكم غيابياً على سوري بتهمة التخطيط لهجمات على السفارة الإسرائيلية في عمّان وعلى القوات الأمريكية في الموقّر في المنشأة التي تم استهدافها بعد ذلك. وفي عام 2016، أُلقيَ القبض على ثلاثة سوريين بتهمة التآمر لضرب خمسة مواقع عسكرية وأمنية أردنية منفصلة.
وفي حين أنّ التنامي العام في الأنشطة الإرهابية أمرٌ مقلق، ربّما يتمثل الجانب الأكثر مدعاةً للقلق من جوانب هجوم البقعة في هوية الجاني المزعوم. إذ تفيد مصادر أردنية أنّ المشتبه به الرئيسي هو ابن شقيق عضو سابق في البرلمان. ويتماشى تورط أحد أفراد أهل النخبة في المملكة في هذا الهجوم بالتحديد مع نزعة تبعث على القلق. إذ حتى اليوم، لقى ثلاثة من أبناء أعضاء برلمان حاليين - في نسبة ملفتة تبلغ 1.5 في المائة من أعضاء البرلمان - مصرعهم في خلال قتال الجهاد في سوريا، وذلك إما مع تنظيم «داعش» أو مع «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة».
وقد سبق أنّ التحق ما يقدّر بنحو 2500 أردني في صفوف المقاتلين الأجانب في سوريا. إن قابلية هذه الشريحة الأوفر حظاً من سكان الأردن إلى التوجه للتشدد الإسلامي لا تُبشّر بالخير بالنسبة لاستقرار المملكة الهاشمية على المدى الطويل. فكم يا ترى من الأردنيين الأقل يسراً قد اعتمدوا هذه الأيديولوجية الخبيثة أيضاً؟
وخلافاً للعراق، يُعدّ الجيش الأردني مدرباً تدريباً جيداً ومخلصاً ولن ينهار جرّاء هجومٍ يشنه تنظيم «الدولة الإسلامية». إلاّ أنّ الأيديولوجية قادرة على اختراق الحدود. وحالياً، كما كتب مؤخراً الخبير البارز في الجماعات الإسلامية في الأردن، محمد أبو رمان، في صحيفة "الغد" المحلية: "الخطر الحقيقي من تنظيم «داعش» ليس من الخارج، بل في الداخل".
ووفقاً لأبو رمان، أصبحت الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة تتوغّل في الطبقة الوسطى في الأردن وفي صفوف الطلاب والمتعلمين بطريقة لم يسبق لها مثيل، "حيث تجد موطئ قدم لها في مناطق جديدة مثل إربد وعمّان الشرقية والمخيمات [الفلسطينية]". ويقول إنّ ذلك ناجم في جزء كبير منه عن كون استراتيجية الحكومة لمكافحة التطرّف العنيف "غير جديّة وغير مقنعة". وقد كتب في الواقع أنّها شكّلت "فشلاً ذريعاً".
والأمر المؤكّد أنّ الأردن ليست وحدها التي تواجه صعوبةً في إيجاد نهج فعال لمكافحة الفكر المتطرف لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ويشير الهجوم المروّع الذي حصل في مدينة أورلاندو الأمريكية إلى أنّ أيديولوجية التنظيم تتغلغل أيضاً في الولايات المتحدة، لكنّ الحصّة الأكبر من هذا التغلغل تبقى من نصيب الأردن. إذ تبلغ بطالة الشباب في الدولة نسبة مذهلة قدرها 30 في المائة. كما أن قربها من سوريا حيث يقوم نظام الأسد الشيعي اسمياً بذبح السنّة منذ خمس سنوات يشكل أيضاً عاملاً كبيراً.
وفي استقصاء للرأي جرى في عام 2014، أي قبل عام من قيام تنظيم «داعش» بحرق طيار السلاح الجوي الأردني حياً بعد أن كانت قد أسره، أعرب 62 في المائة فقط من الأردنيين أنّهم يعتبرون تنظيم «الدولة الإسلامية» - و31 في المائة فقط أنّهم يعتبرون «جبهة النصرة» - تنظيمين "إرهابيين". وفي حين أنّ استطلاعاً أجراه في المدة الأخيرة "المعهد الجمهوري الدولي" يشير إلى أنّ ما يقرب من 90 في المائة من الأردنيين يعتبرون الآن تنظيم «داعش» منظمة إرهابية، إلا أن نسبة 10 في المائة المتبقية هي أمراً مدعاةً للقلق.
وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في 6 حزيران/يونيو والهجوم بالسيارة المفخخة الذي حصل في 21 حزيران/يونيو على موقع عسكري على الحدود السورية والذي أودى بحياة ستة جنود أردنيين، تزخر الأردن بالمشاعر الوطنية المناهضة للإرهاب. ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أنّه سيتعيّن على المملكة التعامل مع مشكلة التطرّف - وربما أيضاً مع خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» السورية النائمة - لسنوات قادمة.
إن الأردن هو أفضل حلفاء واشنطن العرب وشريك رئيسي في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، إذ يوفّر للولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية قواعد جوية وغيرها من أشكال الدعم الهامة الأخرى في العمليات. والأهم من ذلك، أنّ العاهل الأردني الملك عبدالله لطالما شكل صوتاً رائداً مناصراً للاعتدال في المنطقة وصوتاً رئيسياً في مكافحة سرد تنظيمي «داعش» و «القاعدة». وإقراراً بأهمية المملكة، تقدّم لها الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار أمريكي في العام على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية وتمويل للاجئين.
إلاّ أنّ المال لا يشكّل الآن وحده الحلّ لمشكلة الإرهاب التي تواجهها الأردن. فبعد خمس سنوات من التمرد في سوريا، تُحدث استمرارية اللامبالاة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تأثيراً ضاراً على الأمن في المملكة. وكلما طالت الحرب في سوريا، زاد الخطر الذي تشكّله تداعيات الامتداد الأيديولوجي للمتشددين الإسلاميين على الأردن.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"