- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ماذا يعني اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة بالنسبة للشرق الأوسط؟
Also published in U.S. News & World Report
يُرجّح أن نتنياهو سعى إلى بناء علاقة وثيقة مع ترامب منذ البداية، ليس خوفاً فحسب، بل لرغبة إسرائيل في توسيع شبكة تحالفاتها الإقليمية.
في إطار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، احتفل الإسرائيليون والفلسطينيون يوم الخميس - وسط مشاعر من الارتياح والابتهاج والحزن وبعض الشكوك - بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة على عدة مراحل. وإذا صمدت هذه الهدنة، ستنتهي واحدة من أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل خلال 75 عامًا منذ تأسيس الدولة اليهودية.
ومع ذلك، لا يزال الوضع هشاً، وقد تؤدي سياسة حافة الهاوية في اللحظة الأخيرة إلى تعثر الطرفين في تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق التي تستمر 42 يوماً، والتي من المقرر أن تبدأ في الأيام المقبلة. ومن المتوقع أن تشهد تلك المرحلة تبادلاً للرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم حماس في هجوم 7 أكتوبر المروع مقابل أسرى فلسطينيين، إضافة إلى تدفق المساعدات إلى غزة وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية في القطاع.
لكن وقف إطلاق النار قد ينهار قبل أن يبدأ الوقف النهائي للأعمال العدائية، كما نصت عليه المرحلة الثالثة من الاتفاق. والتي من المفترض أن تشهد عودة ما يقرب من 100 رهينة لا يزالون في غزة، ويعتقد أن العديد منهم قد ماتوا. وقد يؤدي ذلك إلى إطالة أمد معاناة الطرفين في الحرب التي تسببت في مقتل آلاف الفلسطينيين وتدمير معظم غزة.
ومن بين المخاوف الرئيسية أن الفصائل داخل حماس قد ترى في المرحلة الأولى مجرد فترة استراحة مؤقتة لإعادة ترتيب صفوفها. وقد يدفع هذا الأمر إسرائيل إلى الاعتقاد بأن حماس لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا على حدودها، وإن كان آخذًا في التراجع، مما يقلل من احتمال تمديد وقف إطلاق النار.
لم تكن تصريحات خليل الحية، كبير مفاوضي حماس مطمئنة، فقد أعلن في قطر بعد فترة وجيزة من الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار أن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما قُتل أكثر من 1200 شخص في جنوب إسرائيل، كان "إنجازًا عسكريًا" ومصدر فخر" ولحظة تاريخية تتوارثها الأجيال.
في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية قد زادوا تعقيد محادثات صفقة الرهائن في بعض الأحيان- حيث لا يزال بعض أعضاء ائتلافه الحاكم يعارضون الاتفاق حتى الآن- إلا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد بشكل متكرر أن العقبة الأبرز أمام التوصل إلى اتفاق هي حماس.
ومع وجود الكثير من العقبات، لماذا الاختراق الآن؟ كان الرئيس جو بايدن واضحًا ودقيقًا يوم الأربعاء في تفسيره لتوقيت الاتفاق، مشيرًا إلى أنه حدث جزئيًا بسبب " الضغوط الهائلة التي واجهتها حماس وتغيرات الديناميكيات الإقليمية بعد وقف إطلاق النار في لبنان وإضعاف إيران". على مدى الأشهر القليلة الماضية، وبسبب التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق، وجدت إيران ووكلاؤها أنفسهم في موقف دفاعي بشكل فعلي.
وعلى وجه التحديد، وعلى مدى عام من القتال، تم إضعاف حماس وتفكيك بنيتها العسكرية، كما تم عزل كوادرها من مقاتلي حرب العصابات المتبقين في ساحة المعركة. عندما شنّ قائد حماس يحيى السنوار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان يعوّل على وكلاء إيران المعادين لإسرائيل، وعلى رأسهم "حزب الله" في لبنان، للانضمام إلى القتال. لكن في 27 تشرين الثاني /نوفمبر من العام الماضي، انسحب حزب الله فعليًا من الحرب عبر اتفاق وقفإطلاقنار منفصل بوساطة أمريكية، وذلك بعد أن استهدفت إسرائيل قيادات حزب الله من الدرجة الأولى في الخريف، بما في ذلك زعيمه سيئ السمعة حسن نصر الله.
وقد تعزّز ضعف حزب الله إثر سقوط نظام الأسد المدعوم من إيران في سوريا، الأمر الذي يعني، من بين عواقب أخرى، أن الحزب فقد القدرة على إعادة تزويد ترسانته الصاروخية عبر الطريق البري من إيران إلى سوريا. كما شهدت إيران تراجعًا في قوتها: فقد ردت إسرائيل على الهجوم الذي شنته إيران في الأول من تشرين الأول/أكتوبر باستهداف وتدمير أنظمتها الدفاعية الجوية المتطورة من طراز "إس-300"، مما أدى إلى شل قدرتها على تصنيع الصواريخ الباليستية. هذه التطورات أحدثت تأثيرًا كبيرًا على إيران وحلفائها في المنطقة خلال الأشهر الماضية، مما أضعف موقعها الاستراتيجي.
وبالطبع، ليست التطورات في الشرق الأوسط وحدها التي فرضت أخيراً التوصل إلى اتفاق. فقد بعثت إدارة بايدن المنتهية ولايتها وإدارة ترامب القادمة رسالة قوية مفادها أن رؤية الولايات المتحدة موحدة، على الأقل في هذه القضية. وأدركت حماس أنها لن تحصل على صفقة أفضل في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وقد فهم ذلك أيضًا الوسيطان العربيان، قطر ومصر، الحريصان على البقاء في رضى ترامب.
وكذلك فعل نتنياهو أيضًا، لا سيما بالنظر إلى بالنظر إلى طبيعة ترامب التي يصعب التنبؤ بها. وفي حين أدت الهواجس الإسرائيلية إلى تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي طرحه بايدن على الطاولة في أيار/مايو، إلا أن تنصيب ترامب الذي يلوح في الأفق ساعد على التغلب على تلك المخاوف. فبعد اجتماع رئيسي عُقد في نهاية الأسبوع الماضي مع مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، أفادت تقارير على نطاق واسع أن ويتكوف أصرّ على أن يوافق نتنياهو على تقديم تنازلات لضمان إتمام الاتفاق بما يتماشى مع رغبات ترامب.
وبالفعل، أخبرني أحد الأشخاص الذين عملوا عن كثب مع نتنياهو أنه يعتقد أن تصريح ترامب الشهير على موقع” تروث سوشيال ’ بأن "الجحيم سيكون الثمن الذي يُدفع " إذا لم تتم إعادة الرهائن بحلول موعد تنصيبه يوم الاثنين 20 كانون الثاني/يناير، تم تفسيره من قبل نتنياهو على أنه موجه إلى رئيس الوزراء وكذلك إلى حماس. وقد أكد ترامب مرارًا وتكرارًا علنًا إنه لا يريد أن يبدأ رئاسته بوراثة الحرب المستمرة منذ 15 شهرًا في غزة.
ويشير هذا إلى أن خوف نتنياهو من ترامب، إلى جانب ضعف حماس، كان عاملًا حاسمًا في دفع وقف إطلاق النار. ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه العوامل، قد يكون هناك عنصر آخر بالغ الأهمية في هذا السياق: كيف يمكن لإسرائيل أن تتطلع إلى ما هو أبعد من غزة في هذه اللحظة الفارقة."من المنطقي، في هذا السياق، أن يسعى نتنياهو لبدء علاقات قوية مع إدارة ترامب المقبلة، ليس فقط بدافع الخوف، بل أيضًا لأن إسرائيل تهدف إلى تحقيق أجندة إقليمية واسعة تتطلب دعمًا من الولايات المتحدة
وكما قال بلينكن يوم الاثنين، فإن إيران" تقف على أقدامها الخلفية بطرق لم نشهدها من قبل". وترى إسرائيل في هذه اللحظة فرصة تاريخية يمكن من خلالها استغلال ضعف إيران لإعادة تشكيل المنطقة، وإزالة برنامجها النووي، والحد من دعمها للجماعات الإرهابية أو تقليصه إلى حد كبير.
علاوة على ذلك، يبرز احتمال التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ففي نهاية كانون الأول/ديسمبر، صرح نتنياهو في خطاب ألقاه : "أخطط مع أصدقائنا الأمريكيين لتوسيع اتفاقات إبراهيم. وبالتالي تغيير وجه الشرق الأوسط بشكل أكثر دراماتيكية. "
وبالطبع، تعتمد هذه التطلعات على دعم الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن ترامب يرغب أيضًا في رؤية إيران تتراجع، وأن يبني على إرث اتفاقات إبراهيم التي توسط فيها أثناء ولايته السابقة - وهي اتفاقات السلام الثنائية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان- من خلال إشراك المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، كان ترامب واضحًا بأنه لا يريد التورط في حرب إقليمية. ومن غير الواضح ما إذا كان ترامب يعتقد أن العقوبات الاقتصادية القصوى وحدها كافية لإجبار إيران على التراجع عن برنامجها النووي، أو ما إذا كان سيدعم ضربة عسكرية إسرائيلية.
ومن شأن السلام بين إسرائيل والسعودية - أكثر الدول العربية نفوذاً - أن يمثل نهاية صراع الدول العربية السنية مع إسرائيل منذ نشأتها عام 1948، وأن يعزز تحالفاً معتدلاً مناهضاً لإيران بين حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط. وقد يقف ترامب في طابور المرشحين للحصول على جائزة نوبل للسلام من أجل صفقة السلام هذه.
ومع ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في إقناع نتنياهو بتقديم تنازلات. لقد بذلت إدارة بايدن جهودًا تفاوضية كبيرة خلف الكواليس لدفع اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، لكن التحديات الأصعب لا تزال قائمة. فالمملكة العربية السعودية تصر على معالجة القضية الفلسطينية - وهي قضية محورية لمكانتها في العالم العربي والإسلامي - كشرط لأي اتفاق.
ومن الجدير بالذكر أن أقوى فرصة لحماس لاستعادة نفوذها تكمن في غياب استراتيجية إسرائيلية واضحة لما بعد الحرب في غزة. وقد تعمقت هذه الفجوة نتيجة سياسات ائتلاف نتنياهو الذي يعارض بعض أعضائه أي شكل من أشكال الحكم الفلسطيني في غزة. لكن في غياب السماح للبراغماتيين الفلسطينيين بإدارة القطاع، سيظل هناك فراغ في السلطة لن تلبث حماس في ملئه.
لقد بدا الانفراج المحتمل مع المملكة العربية السعودية والرد على إيران ضربًا من الخيال قبل أشهر فقط، لكنهما اليوم أصبحا أقرب من أي وقت مضى. لقد هزت الحرب بين إسرائيل وحماس، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، المنطقة برمتها. وتمثل هذه اللحظة فرصة حقيقية للولايات المتحدة وإسرائيل لترجمة المكاسب الحاسمة في ساحة المعركة إلى إنجازات استراتيجية مستدامة تُمكّن البراغماتيين من التغلب على المتطرفين. وتكمن الخطوة الأولى نحو هذه الرؤية في اجتياز المسار الحساس لوقف إطلاق النار في غزة.