- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3990
تداعيات زيارة نتنياهو إلى واشنطن على الدبلوماسية والأمن الإقليمي
يناقش خبراء إسرائيليون وأمريكيون تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة إلى الولايات المتحدة والتداعيات الإقليمية لمقترحات ترامب المثيرة للجدل بشأن "إعادة توطين" سكان غزة.
في الثالث من شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بمشاركة ميرا ريسنيك، وعاموس هارئيل، وديفيد ماكوفسكي وذلك قبيل انعقاد اجتماع نتنياهو وترامب. شغلت ريسنيك حتى وقت قريب منصب نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إسرائيل وفلسطين وشؤون شبه الجزيرة العربية. أما هارئيل، فهو المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" وأحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في القضايا العسكرية والدفاعية. فيما يشغل ماكوفسكي منصب زميل زيغلر المميز في المعهد، كما يشغل أيضًا منصب مدير مشروع كوريت للعلاقات العربية-الإسرائيلية، وكان مستشارًا كبيرًا سابقًا للمبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. وفيما يلي ملخص لأبرز ما ورد في ملاحظاتهم.
ميرا ريزنيك
لا يزال وقف إطلاق النار في غزة صامدًا، لكن الوضع يظل هشًا. ومن المرجح أن يواجه نتنياهو في واشنطن جمهورًا يدعم استمرار وقف إطلاق النار. وقد كان ترامب حاسمًا في موقفه بضرورة إطلاق سراح جميع الرهائن، الأمر الذي يتطلب الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية من الاتفاق. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن يتأثر الرئيس الأمريكي بأي اعتبارات سياسية داخلية إسرائيلية قد يذكرها نتنياهو كعوائق أمام الجدول الزمني لاتفاق وقف إطلاق النار.
وبما أن حركة "حماس" لا تزال قائمة في غزة، فإن هناك دافعًا قويًا لدى نتنياهو وترامب من أجل إيجاد حل بديل سياسي للحكم هناك. ومع ذلك، لم تطرح أي من الحكومتين خطة شاملة لما بعد ذلك.
وفي تلك الأثناء، يستمر تدفق الأسلحة إلى الضفة الغربية، فضلاً عن تصاعد النشاط الإيراني هناك، بينما تُصعّد الجماعات العنيفة هجماتها على المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتنطوي المنطقة على خطر متزايد بأن تصبح نقطة اشتعال كبيرة، وهو سيناريو قد يتفاقم بسبب التدهور المستمر في التعاون بين جيش الدفاع الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، وكذلك تراجع دور السلطة الفلسطينية بشكل عام. وبالفعل، فإن احتمال انهيار السلطة الفلسطينية بشكل أوسع هو سيناريو وارد، مما قد يشكل تحديًا خطيرًا لإسرائيل، حيث إن البدائل المتاحة للسلطة قد تكون أسوأ بكثير. كما أن جهود تحقيق الاستقرار تزداد تعقيدًا في ظل احتمال ضئيل بأن تضغط إدارة ترامب على إسرائيل لمنعها من ضم الضفة الغربية، إلا في حال طالبت السعودية وأطراف أخرى بضمان السيطرة الفلسطينية هناك كأحد شروطها للتطبيع الأوسع مع إسرائيل.
وقد أعلن ترامب مرارًا وتكرارًا رغبته في ترتيب عملية إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين لتسهيل جهود إعادة الإعمار في غزة. وحتى الآن، رفضت الدول العربية والفلسطينيون هذه الفكرة تمامًا، لكن من المؤكد أن ترامب لفت انتباه القادة العرب، وقد يشرعون في توفير بدائل جديدة ومثيرة للاهتمام استجابة لمقترح ترامب.
إلى جانب غزة، أمام ترامب ونتنياهو جدول أعمال أمني مشترك وطويل يجب معالجته، بما في ذلك حاجة إسرائيل لإعادة التزود بالموارد بعد ستة عشر شهراً من الحرب متعددة الجبهات. وبإمكان واشنطن أن تساعد في تخفيف التداعيات الاقتصادية للحرب من خلال خفض مستوى تحذير السفر إلى إسرائيل واستئناف رحلات الخطوط الجوية الأمريكية هناك. كما قد تنظر الإدارة الأمريكية في إعادة إطلاق الحوار الاستراتيجي الثنائي الرفيع المستوى حول التكنولوجيا بينها وبين إسرائيل. وأخيرًا، تبرز في الأفق مفاوضات حيوية بشأن مذكرة التفاهم العشرية المقبلة حول المساعدات الأمنية الأمريكية لإسرائيل، والتي يجب معالجتها في المستقبل القريب.
عاموس هارئيل
قد تكون هذه الزيارة أهم لقاء بين رئيس أمريكي ورئيس وزراء إسرائيلي منذ عقود. من المفترض أن يسعى نتنياهو إلى إظهار الثقة بالنفس، حتى مع تعرضه لضغوط من ترامب بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يطالبه أعضاء ائتلافه اليميني المتطرف داخل إسرائيل باستئناف العمليات العسكرية في غزة. إذا كان ترامب عازمًا على الوصول إلى المرحلة الثانية، فسيجد نتنياهو صعوبة في رفضه.
فمعظم الإسرائيليين يدعمون صفقة لإعادة الرهائن إلى الوطن بأي وسيلة ممكنة تقريبًا، لا سيما أن عمليات الإفراج حتى الآن أثرت بشكل عميق على نفسية الجمهور، مما زاد من الشعور بالحاجة الملحة لتحرير أولئك الذين لا يزالون في الأسر. وقد يؤدي الفشل في إعادتهم إلى الوطن إلى زيادة السخط الشعبي ضد نتنياهو. وفي الوقت نفسه، رسّخت أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر شعوراً بأن الحديث عن "السلام" و"الدولة" مع الفلسطينيين أصبح غير وارد بالنسبة لشريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي في المرحلة الحالية.
من الناحية العسكرية، حقق الجيش الإسرائيلي إنجازات ملموسة ضد "حماس"، لكنها لم تُثمر عن أي نجاحات دبلوماسية ملموسة. ويعود هذا الإخفاق إلى حد كبير لعدم رغبة إسرائيل في التخطيط لإدارة غزة بعد الحرب، وهو نتيجة مباشرة لاعتماد نتنياهو السياسي على اليمين المتطرف.أما فيما يتعلق بمقترح ترامب لإعادة توطين الفلسطينيين لتسهيل عملية إعادة الإعمار، فإن بعض قطاعات المجتمع الإسرائيلي تدعم الفكرة بشدة، لكن الأردن ومصر يعتبران أن هذه الفكرة تُعد تهديدًا حقيقيًا، لذا من المرجح ألا تكون في الصدارة.
ومن ناحية أخرى، لا يزال التهديد الذي تشكله القدرات النووية الإيرانية قائمًا رغم الانتكاسات الكبيرة التي مُني بها النظام في الأشهر الأخيرة. فقد أفرج ترامب بالفعل عن شحنة القنابل الثقيلة التي كانت إدارة بايدن قد علّقت تسليمها، ومن المتوقع أن يتم تسليم المزيد من شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل.ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب سيلتزم فعليًا بدعم توجيه ضربة إسرائيلية محتملة للمنشآت النووية الإيرانية.
ديفيد ماكوفسكي
قبل اجتماعهما المرتقب، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الزعيمان سيتمكنان من تنسيق القضايا الإقليمية الأكثر إلحاحًا – بدءًا من المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، مرورًا بتعزيز التطبيع مع السعودية، وصولًا إلى مواجهة البرنامج النووي الإيراني – ودمجها في استراتيجية شاملة. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب لا تزال في بداياتها، إلا أن ميزان القوى في الشرق الأوسط آخذ في التحول بشكل أساسي، مما يمنح الرئيس ورئيس الوزراء فرصة للاضطلاع بأدوار رئيسية مبكرة في إعادة تشكيل المنطقة. في حال توصلهما إلى تفاهم بشأن الخطوط العريضة لهذا الجهد، فمن المتوقع أن تعقب قمتهما سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى بين الحكومتين.
مع اقتراب مشاركاته في القمة، يدرك نتنياهو أن تركيز ترامب ينصبّ أساسًا على الشأن الداخلي؛ فالرئيس الأمريكي يرى نفسه أيضاً صانع سلام، وهي نقطة أعاد التأكيد عليها في خطاب تنصيبه. وبالنظر إلى هذه العقلية، من المرجح أن يسعى نتنياهو إلى صياغة مواقفه بما يتماشى مع رؤية ترامب وأولوياته، مع بروز بعض التفاعلات الشخصية في مناقشاتهما.
وفي قطاع غزة، تتطلب المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار انسحابًا إسرائيليًا كاملًا، وهو ما لا يريد نتنياهو الموافقة عليه لأنه قد يؤدي إلى إسقاط حكومته. ولذلك قد يقترح بدائل مثل تمديد المرحلة الأولى أو الإعلان عن إنهاء العمليات العسكرية الكبرى مع الإبقاء على الغارات التي تستهدف "حماس".
وفي مقابل الامتثال للمرحلة الثانية، يمكن لواشنطن أن تعرض حافزين مهمين. أولاً، من شأن إطلاق محادثات التطبيع مع السعودية أن يمنح نتنياهو مبررًا قويًا لتحمل المخاطر السياسية للانسحاب من غزة. ومع ذلك، من المرجح أن يرفض نتنياهو مطلب السعوديين الثابت بشأن وجود مسار واضح المعالم نحو إقامة دولة فلسطينية. وفى هذا السياق، قد يكون أحد الحلول البديلة هو إصدار بيان أمريكي رسمي حول هذه المسألة ليحل محل أي التزام إسرائيلي مباشر.
ثانياً، يمكن لترامب أن يعرض على إسرائيل دعماً عملياً في معالجة التحدي النووي الإيراني مقابل التحرك بشأن غزة. وفي هذا السيناريو، قد تظهر مقاربة الشرطي الصالح/الشرطي السيئ، حيث يفضل ترامب علناً الضغط الدبلوماسي والاقتصادي بينما تدفع التهديدات العسكرية الإسرائيلية طهران نحو التوصل إلى اتفاق. وتحظى هذه المقاربة بفرصة أفضل للنجاح الآن بعد أن تم إضعاف الدفاعات الجوية الإيرانية بشكل كبير. وكبديل عن ذلك، قد يُبلغ نتنياهو ترامب أن إسرائيل ستنفذ ضربات عسكرية ما لم تتوصل واشنطن إلى اتفاق مع إيران بحلول موعد نهائي معين. ومع ذلك، سيظل الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة وقدراتها قبل اتخاذ هذا المسار. ومن شأن توفير هذه القدرات على المدى القريب مع إلزام إسرائيل بعدم استخدامها دون إذن أن يكون إشارة قوية على أن واشنطن جادة في هذه المسألة.
أعد هذا الملخص رينا غابر وسيمون سايدميهر. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.