- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2812
تفادي الاقتتال بين الحلفاء في المناطق العراقية المتنازع عليها
يتزايد التوتر بين قوات الأمن الكردية والعراقية في الأراضي المتنازع عليها من البلاد، مع مطالبة كل من حكومة بغداد و «حكومة إقليم كردستان» بالسيادة على عددٍ كبير منها. ففي أعقاب المواجهات المسلحة السابقة التي وقعت في طوز خورماتو ومحافظة ديالى الشمالية، يشهد غرب الموصل اليوم سباقاً متعاظماً بين قوات البشمركة و«قوات الحشد الشعبي» المكوّنة بمعظمها من متطوعين شيعة مسلحين استعانت بهم الدولة العراقية لزيادة قواتها العسكرية. وحتى الآن، فرضت «قوات الحشد الشعبي» سيطرتها على مجموعة من البلدات اليزيدية على طول الحدود السورية، علماً أنّ مهام حفظ الأمن والنظام في هذه البلدات التي تطالب بها بغداد كانت في يد الأكراد قبل الهجوم الذي شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» عام 2014.
إلا أن التاريخ قد يعيد نفسه إذا لم يتم ضبط هذه التوجهات. فقد هُزم تنظيم «القاعدة في العراق» الذي سبق تنظيم «الدولة الإسلامية» عسكرياً خلال "الطفرة العسكرية" الأمريكية بين عامَي 2006 و2007 وأُحرق حتى الجذور نتيجة العمليات التي شنتها الولايات المتحدة بلا هوادة لمكافحة الإرهاب بين عامَي 2008 و2010. ولكن سرعان ما عاود التنظيم الظهور بعد انسحاب القوات الأمريكية، فغيّر اسمه ونجح في نهاية المطاف بالاستحواذ على ثلث العراق تقريباً. وقد شهد هذا التجدد انطلاقته الأولى والأسرع عند الحدود بين «حكومة إقليم كردستان» والمناطق العربية من شمال العراق حيث تعيش مجموعات متعددة الأعراق. إنّ السبب في ذلك بسيط، وهو انعدام الثقة بين القوى الأمنية الكردية والعراقية. ففي غياب الاتفاق الثلاثي بشأن الدوريات الأمنية بين الولايات المتحدة والأكراد والعراقيين - أي "الآلية الأمنية المشتركة" - تحولت مساحات واسعة من شمال البلاد إلى مناطق سنية عربية منزوعة السلاح حيث لم يكن للقوات الفيدرالية الاتحادية ولا لقوات البشمركة السيطرة الكاملة، مما أتاح لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» فرصة ملء الفراغ. وتشكّل التطورات الأخيرة في هذه المناطق تذكيراً في الوقت المناسب بأن الحرب الرامية إلى القضاء على التنظيم في العراق قد تتحول بسهولة إلى صراع مناطقي بين حلفاء أمريكا، الأمر الذي يهيئ الظروف لعودة تنظيم «الدولة الإسلامية» مرةً أخرى.
نزاع متأجج
تمتد "الحدود الداخلية المتنازع عليها" في العراق بين الحدود السورية والإيرانية وتشمل خمسين قضاءً من الأقضية العراقية المائة. وتقع جميع هذه المناطق المتنازع عليها جنوب ما يعرف بـ "الخط الأخضر"، أي الحدود القائمة بعد عام 1991 بين الأقسام الخاضعة للحكومة العراقية في عهد صدام حسين وتلك الخاضعة لـ «حكومة إقليم كردستان». وفي كل حالة، يدّعي الأكراد وغيرهم من الأقليات غير العربية أنهم تعرضوا للتشريد والتمييز المجحفين. ولكن منذ سقوط صدام عام 2003، تسابقت أربيل وبغداد لاكتساب الأفضلية في عددٍ كبير من هذه المناطق، ولا سيما في كركوك الغنية بالنفط، بيد أنّ الأكراد كانوا يفوزون عادةً في مجال الأمن والإدارة المحليين. ولم تطبّق الأطراف المعنية حتى الآن آليات التسوية المتوافق عليها والمنصوص عليها في المادة 140 من الدستور العراقي - أي الإحصاء السكاني، وإعادة التوطين، والاستفتاءات بشأن الوضع الإداري النهائي. وقد ساهمت المنافسة الناجمة عن ذلك في زعزعة الاستقرار بشكل حاد وتسببت بمعاناة بشرية كبيرة في الأقضية الواقعة ضمن "الحدود الداخلية المتنازع عليها".
وللمساعدة على حل النزاع، اضطلع المجتمع الدولي بدورٍ حيوي في المسألة كوسيطٍ نزيه في مناسبات عديدة. فبعد عام 2003، عمل التحالف بقيادة الولايات المتحدة كقوة غير معلنة لحفظ السلام طوال ثمانية أعوام إلى حين الانسحاب الأمريكي. وتدخّل القادة العسكريون الأمريكيون للتخفيف من حدة تصعيد عمليات الحشد الكبيرة التي قامت بها حكومة بغداد والأكراد على طول الخط المتنازع عليه في عامَي 2008 و2011. فضلاً عن ذلك، وضعت الولايات المتحدة "الآلية الأمنية المشتركة" لتسيير دوريات مشتركة على طول الممر المتعدد الأعراق في حين أدركت أن التنظيمات الإرهابية تفضّل إطلاق عملياتها من مثل هذه المناطق المتنازع عليها. وفي الوقت نفسه، تولّت "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" إجراء التحقيقات الميدانية في المظالم والظروف المحلية، وقدّمت توصيات مفصلة حول الجهود اللازمة لبناء الثقة في كل قضاء من أقضية "الحدود الداخلية المتنازع عليها".
تنظيم الدولة الإسلامية يستغل الوضع
في تموز/يوليو 2016، توسّط التحالف في اتفاق لتخفيف حدة التوتر بين قوات الأمن العراقية و قوات «حكومة إقليم كردستان» خلال المرحلة التي سبقت معركة الموصل. إلّا أنّ الاتفاق كان مبهماً للغاية، إذ اعتقد الأكراد أنه منحهم الإذن بالعودة إلى أي مناطق محررة كانت خاضعة لسيطرتهم قبل عام 2014، في حين اعتبرت بغداد أنه سيجمّد الخطوط الأمامية الكردية حالما تنتهي مشاركة «حكومة إقليم كردستان» في معركة الموصل (الأمر الذي صادف وقوعه في تشرين الأول/أكتوبر 2016).
غير أن هذا الاختلاف في تفسير الاتفاق يزداد أهميةً مع استحواذ «قوات الحشد الشعبي» على القحطانية وغيرها من البلدات اليزيدية التي كانت خاضعة فيما مضى لإدارة الأكراد الأمنية. ففي 12 أيار/مايو، شنّ «الحشد الشعبي» هجوماً طال انتظاره على الأراضي الخاضعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» غرب الموصل على مقربة من الحدود السورية. ويبدو أن قادة الهجوم الذين يخضعون لإمرة الوكيل الإيراني المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية أبو مهدي المهندس قد باشروا بالعملية بمعرفة مسبقة من الحكومة العراقية ولكنهم لم يعطوا «حكومة إقليم كردستان» أي تحذير.
وكان الأكراد قد لاحظوا في السابق نمطاً مقلقاً ساد عند تحرير أقضية أخرى متنازع عليها، ، بما فيها سنجار وطوز خورماتو وداقوق والموصل وخانقين وسهل نينوى. ففي كل واحدة من هذه المناطق بدأت «قوات الحشد الشعبي» بإنشاء وحدات أمنية محلية تم تجنيدها من الأقليات اليزيدية والتركمانية والمسيحية والشبكية (وحتى الأكراد الشيعة). و إحقاقاً للعدل أنّ عدداً كبيراً من المجموعات يتهم «حكومة إقليم كردستان» بالتصرف على النحو نفسه تماماً في الأقضية الخاضعة لسيطرة الأكراد في "الحدود الداخلية المتنازع عليها". ولكن في كافة الأحوال، تجد الدول الأجنبية نفسها منجرّة إلى هذه المناطق: فوكلاء إيران يعملون ضمن بعض «وحدات الحشد الشعبي» في جنوب سنجار، بينما جهزت تركيا طائراتها العسكرية، وطائرات [الاستطلاع] بدون طيار، والقوات الخاصة تمهيداً لضرب الميليشيات الكردية السورية واليزيدية إلى الشمال مباشرة من المدينة. ونظراً للتوترات المتزايدة، فليس من المستغرب أن تكون خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» قد بدأت بالتجدد في الأماكن التي تشتتت فيها القوات الأمنية المتنافسة بتحركات بعضها البعض، كما هو الحال في شمال ديالى وجبال حمرين وطوز خورماتو وجنوب كركوك.
جهود بناء الثقة بقيادة الولايات المتحدة
إذا أرادت إدارة الرئيس ترامب أن تحقق هدفها المتمثل بدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» كلياً، لا بد لها من إعادة النظر في طريقة إدارتها للتوترات العراقية الكردية - وخير البر عاجله. وعلى المستوى الاستراتيجي، يجب على "مجلس الأمن القومي" الأمريكي أن يولي تركيزاً حقيقياً ويكرّس موارد فعلية خلال المراجعة الحالية التي يجريها للسياسة تجاه العراق من أجل المساعدة في إرساء الاستقرار ضمن الأقضية العربية السنية وتلك المتعددة الأعراق ضمن "الحدود الداخلية المتنازع عليها". وفي هذا السياق، ينبغي إعادة توصيات "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" إلى الواجهة وإعادة النظر فيها في ضوء التغيرات الأخيرة، ومن ضمنها ظهور استعداد جديد لدى الكثير من المجتمعات العربية السنية المحررة بافتراض حسن نية القوات العراقية والكردية ومحاولة وضع ثقتها بها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن إشراك عناصر «الحشد الشعبي» الذين تم تجنيدهم من أهالي تلك المناطق والذين يجسدون المزيج الأهلي من الأعراق والطوائف والقبائل المختلفة، في المساعي المبذولة لمنع تمرد آخر من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية». إلا أنه من الضروري جداً عزل هذه القوات شبه العسكرية عن تأثير الوكلاء الإيرانيين مثل المهندس.
أما من ناحية العمليات، فيجب أن تتضمن «عملية العزم المتأصل» التي تنفّذها "قوة المهام المشتركة" بقيادة الولايات المتحدة تخطيطاً لمهمة طويلة الأمد تشمل تقديم المشورة والمساعدة من أجل الحفاظ على التنسيق الأمني بين الفريقين العراقي والكردي حول البلدات اليزيدية (كالقحطانية)، ومدينة تلعفر التركمانية، وسهل نينوى المتعدد الأعراق، وكذلك الأقضية العربية مثل الحويجة. ويمكن للمستشارين الأمريكيين المتواجدين بالفعل على الأرض أن يضطلعوا بدور فاعل في اكتشاف أي محاولة من قبل الحلفاء المحليين لإضعاف بعضهم البعض في المناطق المتنازع عليها، مما يفسح المجال أمام إعطاء شركاء التحالف تحذيراً كافياً من أجل تخفيف المخاطر عن طريق السبل الدبلوماسية. كما يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يقدّروا ما إذا كانت نُظم جمع المعلومات الاستخبارية، وطائرات [الاستطلاع] بدون طيار، ومستشاري التحالف قادرين على استعادة بعض إمكانيات "الآلية الأمنية المشتركة" التي كانت قائمة قبل عام 2011، وكيفية استعادتها.
وفي غياب أي جهود مماثلة، من الممكن أن يندلع نزاع مسلح بين حلفاء واشنطن العراقيين والأكراد بما يخدم مصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن شأن مثل هذا الاقتتال أن يفسح المجال أمام إيران أيضاً إلى إثارة التوتر بين بغداد وأربيل، وتعزيز الصورة الشعبية للميليشيات العراقية الوكيلة لها، فضلاً عن تعقيد الحملة التي تقوم بها «حكومة إقليم كردستان» لتحقيق مزيد من السيادة. ونظراً للعواقب المترتبة عن عدم التحرك، لا يعتبر استئناف العملية المدعومة دولياً لإيجاد حل دائم لمسألة "الحدود الداخلية المتنازع عليها" مجرد هدف جانبي "مستحب" من أهداف السياسة الأمريكية في العراق، بل هو منحى جوهري من أي استراتيجية آيلة إلى هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل دائم وعدم منحه أي فسحة مهملة يمكنه التجدد من خلالها.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن ومؤلف التقرير الذي أصدره المعهد بعنوان "كيفية تأمين الموصل". وقد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.