- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2781
تغيير مسار الأسد
تٌرجمت هذه المقالة بعد قيام مدمرات تابعة للبحرية الأمريكية بإطلاق صواريخ كروز على سوريا، في السادس من نيسان/أبريل بتوقيت الشرق الأوسط
في الرابع من نيسان/أبريل، استخدم نظام الأسد أسلحة كيميائية ضد المدنيين في محافظة إدلب السورية، الأمر الذي شكّل اختباراً مبكراً وفعالاً للسياسة الخارجية لإدارة ترامب. وفي حين منحت واشنطن الأولوية لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا، تبرهن انتهاكات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار واستخدامه للأسلحة الكيميائية في غرب البلاد أن الرئيس بشار الأسد مستمر في مسعاه الهادف إلى استعادة كل شبرٍ من الأراضي السورية، على الرغم من افتقاره إلى القوات اللازمة لذلك. وطالما تستمر هذه الدينامية، فمن المرجح أن يستمر معها استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية، الأمر الذي سيعيق الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية تفاوضية تحافظ على سلامة البلاد. وهذا بدوره سيزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية ويفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية المدرجة في قائمة الولايات المتحدة للإرهاب بتوسيع نطاق ملاذاتها الآمنة.
لقد بدأت الإدارة الأمريكية بصياغة ردّها العلني على الهجوم، مع إشارة وزير الخارجية ريكس تيليرسون إلى تحوّل محتمل في السياسة خلال مؤتمر صحفي عقده في 6 نيسان/ أبريل حيث قال: "من الواضح أن دور الأسد في المستقبل غير مؤكد، ومع الأعمال التي أقدم عليها يبدو أنه لن يكون له أي دور في حكم الشعب السوري". وإذا قرر الرئيس الأمريكي اتخاذ خطوات صارمة لدعم هذا الكلام، يمكنه الاستعانة بعدد كبير من الآليات الدولية القائمة.
نظرة قانونية دولية
في الوقت الذي تعمل فيه "بعثة تقصي الحقائق" التي شكلتها "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" على جمع الأدلة حول المادة المستخدمة في اعتداء هذا الأسبوع وحول الجهة المسؤولة، يجدر بواشنطن وشركائها أن يطالبوا نظام الأسد بالامتثال لصلاحيات اللجنة، وتحديداً ما يعرف بـ "آلية التحقيق المشتركة". وحتى اليوم مكّنت هذه الآلية "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" من اكتشاف استخدام نظام الأسد لغاز الكلورين ثلاث مرات على الأقل، وهذه انتهاكات واضحة لـ "اتفاقية الأسلحة الكيميائية" التي انضمت إليها سوريا في إطار اتفاق الأسلحة الكيميائية الذي لاقى ترويجاً ضخماً في عام 2013 وتوسطت فيه روسيا والولايات المتحدة. وإذا تم التحقق من استخدام غاز السارين في 4 نيسان/أبريل، ستؤكَّد الشكوك التي تساور "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" منذ فترة طويلة، وهي أن سوريا لم تكشف عن كامل مخزونها من الأسلحة الكيميائية وفق ما يستوجبه اتفاق 2013، وهي مسألة بنفس القدر من الخطورة مع عواقب كبيرة على الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي.
وفي السياق الأوسع، تُظهر هذه التطورات أن الأسد يصعّد مسعاه القاسي للبقاء في السلطة. فمن خلال قصفه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بالغاز بصورة عشوائية وعرقلته التوصل إلى حل سياسي، فإنه يضمن بقاء البلاد في حالة انقسام دائم تستنزف الشعب وتنشر التنظيمات الإرهابية في كل مكان. وبامتناعه عن الوفاء بالتزاماته بموجب "اتفاقية الأسلحة الكيميائية"، فهو يهدد بتضخيم أعباء الصراع - فكلما طال استخدامه لهذه الأسلحة، زاد احتمال أن تقع في أيدي الإرهابيين، ناهيك عن حقيقة أن مثل هذه الفضائع تعزز التطرف وجهود التجنيد. وباختصار، لا تزال الحالة تشكل تهديداً واضحا للأمن الإقليمي والدولي.
لذلك، يجدر بالولايات المتحدة أن تقلب الطاولة على الأسد وتستغل انتهاكاته لـ "اتفاقية الأسلحة الكيميائية" لحمله على الالتزام بثلاث قضايا أخرى، وهي:
· وقف إطلاق نار مستدام من شأنه أن يسمح بإجراء محادثات سياسية حقيقية
· عملية إنتقال سياسي كما هي محددة في "إعلان جنيف" لعام 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254
· إقامة مناطق آمنة في سوريا لحماية المدنيين.
إن الامتثال لـ "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" و"إعلان جنيف" مكرّسان في نفس وثيقة مجلس الأمن الدولي، أي القرار 2118، الذي يمكن تنفيذه من خلال عدة تدابير كالعقوبات الناشئة واستخدام القوة بعد صدور قرار لاحق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فالقرار 2235 الذي انبثقت عنه "آلية التحقيق المشتركة" ينضوي تحت الفصل السابع المذكور. ومن بين منافع الضغط الأخرى لتنفيذ هذه القرارات أنه سيرغم روسيا على الكشف عما إذا كانت غير قادرة أو مجرد غير راغبة عن حضّ نظام الأسد على وقف استخدام أسلحته الكيميائية والتفاوض على عملية انتقال سياسي. ومن شأن هذه المقاربة أيضاً أن تعد الأمريكيين لمواجهة عسكرية محتملة مع الأسد بشأن انتهاكاته لاتفاقية الأسلحة الكيميائية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون القرارات بمثابة وسيلة للحصول على موافقة روسيا على ضرورة المناطق الآمنة في سوريا.
المصارحة والتفاوض بحسن نية
من شأن التركيز على جهود التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا أن يساعد واشنطن على تحديد موقفها من دمشق وموسكو. والسبيل الأفضل لمنع الأسد من تصعيد الأزمة والهيمنة على العملية الانتقالية هو الضغط عليه للالتزام بـ "اتفاقية الأسلحة الكيميائية"، ولا سيما البنود المتعلقة باستخدامها والإفصاح عنها. وهذا من شأنه أيضاً أن يسلب سلاحاً استراتيجياً استخدمه النظام مراراً وتكراراً، ويمنع وقوعه في أيدي الإرهابيين. ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية بالتسلسل الآتي:
ممارسة ضغوط دبوماسية حول القرارين 2118 و 2235: يجب أن يركّز هذا الجهد على مسألتين هما: تدمير الأسلحة الكيميائية وتسهيل قيام الهيئة الحاكمة الانتقالية المذكورة في "إعلان جنيف". فمشكلة الأسلحة الكيميائية هي المسألة السورية الوحيدة التي تلقى توافقاً واضحاً في مجلس الأمن الدولي حول الخطوات التي ينبغي على الأسد اتخاذها. وبالمثل، فإن العملية الانتقالية المحددة في" إعلان جنيف" تحظى بقبول دولي واسع النطاق. ومن شأن التشديد على هاتين المسألتين عبر التركيز على الامتثال للقرار 2118 أن يبقي النظام ملتزماً بالمخطط وأن يوجهه بعيداً عن تبرير هجومه ضد المدنيين كحرب على "الإرهاب". وفى الوقت نفسه، يتعين على الحكومة الأمريكية مواصلة ضغطها لاعتماد مشاريع قرارات من قبل الأمم المتحدة من شأنها ان تجعل أركان النظام السوري مسؤولة عن أي تورط فى هجمات بالأسلحة الكيماوية. وينبغي أن تكون لهذه القرارات نتائج واضحة في حالة عدم الإمتثال.
استحثاث ضغط عام على دمشق وموسكو بناءً على عدم امتثال الأسد لـ "اتفاقية الأسلحة الكيميائية": تستطيع واشنطن، من خلال تسليط الضوء على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية وانتهاكاته المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، أن تحدد بشكل قطعي ما إذا كانت روسيا ستقنع الأسد بالوفاء بالتزاماته بشأن الأسلحة الكيميائية والانتقال السياسي. ومن شأن هذه المقاربة أن تحث موسكو على المستوى الإنساني والسياسي أيضاً، مما يعطيها ذريعة للضغط فعلياً على الأسد.
زيادة الدعم السياسي لإيجاد تسوية سورية قابلة للتطبيق ولجهود مكافحة الإرهاب: من شأن الضغط الدبلوماسي وضغط الرأي العام أن يسهما في استعادة دعم المعارضة للولايات المتحدة بعد أن كان هذا الدعم قد وصل إلى الحضيض في عهد أوباما. وبوسع واشنطن بدورها أن تستغل هذه النية الحسنة للحصول على ضمانات من المتمردين بشأن وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية. وقد يشكّل هذا الأمر أيضاً خطوةً أولى جيدة نحو كسب دعم سياسي للمناطق الآمنة من أجل حماية المدنيين وطرد التنظيمات الإرهابية.
تحذير روسيا للابتعاد عن القواعد السورية: من أجل التحكم بخطر التصعيد والانتقام الروسي من الأضرار الجانبية الناجمة عن الضربات العسكرية الأمريكية المحتملة، يتعين على واشنطن أن تنبّه موسكو حول إبقاء قواتها بعيداً عن جميع القواعد السورية المشاركة في تخطيط هجمات الأسلحة الكيميائية أو مزج/نشر عوامل الأسلحة الكيميائية.
سيف داموقليس: قوة عسكرية مباشرة ومحدودة
يُظهر سجل الأسد منذ عام 2013 أنه لا يتّبع أي تغيير كبير في مساره ما لم يواجه تهديداً حقيقياً من القوات العسكرية الأمريكية. ويمكن اعتبار رده على الضربات العسكرية الإسرائيلية منوّرةً في هذا السياق. ففي الماضي، لم يتخذ النظام أي خطوة تذكر عندما دخلت الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي السوري وقصفت القوافل التي كانت تحاول نقل أسلحة استراتيجية إلى «حزب الله». ولكنّه استخدم مؤخراً الأنظمة المضادة للطائرات من أجل ضرب الطائرات الإسرائيلية أثناء قيامها بمثل هذه المهام، مستمداً الثقة بالنفس على ما يبدو من الدعم العسكري المتنامي من روسيا وإيران. ولذلك، من الضروري إخراج الأسد عن هذا المسار الخطير. فهذه المسألة ليست مجرد مصداقية أمريكية: فمن خلال إطالة الحرب وتصعيدها، يخوّل النظام الاستمرار بفرض تهديدات مباشرة على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط.
ومما يزيد الوضع إلحاحاً هو التوقيت السياسي المحلي: ذلك أن طريقة تعامل الرئيس ترامب مع الأزمة ستكون تحت تدقيق متزايد، الأمر الذي يحد من قدرته على اتخاذ خطوات حازمة بشأن قضايا دولية ملحة أخرى (مثل حالة كوريا الشمالية). وبينما تقرر الإدارة الأمريكية ما إذا كانت ستتبع الخيار المنخفض التكلفة نسبياً والمتمثل بالرد العسكري المحدود (مثل ضربات القذائف الانسيابية [صواريخ كروز])، فيمكنها أن تتخذ على الفور خطوةً دولية فعالة ضد تصرفات نظام الأسد تتمثّل بالدرجة الأولى بممارسة الضغوط من أجل تطبيق القرارين 2118 و2235 والمطالبة بإقامة مناطق آمنة.
أندرو تابلر هو زميل "مارتن جي. غروس" في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.