- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3625
ثلاثون عاماً على إقامة «حكومة إقليم كردستان»: مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد في العراق (الجزء الثالث)
Part of a series: The KRG Turns Thirty
يقوم ثلاثة خبراء بتقييم صناعة النفط والغاز في «حكومة إقليم كردستان» ويناقشون الحاجة الملحة المتزايدة لحل نزاعاتها مع بغداد.
"في 22 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جيمس إف. جيفري، وماثيو أميترانو، وبلال وهاب، وهو الحدث الثالث في سلسلة من ثلاثة أجزاء بمناسبة الذكرى الثلاثين لقيام «حكومة إقليم كردستان» (انظر الجزء الأول والجزء الثاني). وجيفري هو رئيس "برنامج الشرق الأوسط" في "مركز ويلسون" وسفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا. وأميترانو هو محلل للطاقة في "مكتب الاستخبارات والبحوث" بوزارة الخارجية الأمريكية ونائب المدير الاقتصادي السابق في "مكتب شؤون العراق". ووهاب هو "زميل فاغنر" في المعهد ومؤسس "مركز التنمية والموارد الطبيعية" في "الجامعة الأمريكية في العراق - السليمانية". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
جيمس جيفري
في ظل ازدياد الانقباض في أسواق النفط العالمية أكثر من أي وقت مضى بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا، يذكّر هذا الوضع بأهمية سياسات القوة العظمى، لا سيما واقع اتخاذ الدول مواقف مختلفة تجاه نظام الأمن الجماعي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي الجوار العراقي، انخرطت «حكومة إقليم كردستان» في هذا النظام الأمني، ولكن مواقف بغداد لا تزال متضاربة بشأنه بينما تعارضه إيران تماماً.
يُعتبر العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، ويضخ حوالي 4.5 ملايين برميل من النفط يومياً، أي ما يقارب 5 في المائة من الإنتاج العالمي. وعلى الرغم من أن اللغة في دستور البلاد لعام 2005 عرضة للتأويل، إلا أنها تبدو واضحة بشأن نقطتين عامتين، هما: وجوب تعاون أربيل وبغداد في تطوير حقول نفط وغاز جديدة، مع تحكم حكومة بغداد وحدها بالمبيعات والصادرات وفقاً للمادة 110. وعلى مر السنين، نجح المسؤولون الأكراد في جذب العديد من الشركات الدولية بعقود امتلاك الأسهم التي لعبت دوراً مهماً في التنمية. وبفضل نظام النفط الاتحادي، أنشأوا كياناً سياسياً منفصلاً يشرف على جيشه الخاص وموارده وعلاقاته الدولية الخاصة بينما ظلّ مرتبطاً ببغداد. ومع ذلك، تسببت «حكومة إقليم كردستان» أيضاً بقيام احتكاك مستمر مع الحكومة الاتحادية.
وقد حاول الجانبان مراراً وتكراراً إيجاد طريقة للمضي قدماً، وتمكنا في بعض الأحيان من التعاون في نقل النفط إلى الأسواق الدولية عبر ميناء جيهان في تركيا. غير أن «حكومة إقليم كردستان» تواجه حالياً طعناً قانونياً من "المحكمة الاتحادية العليا"، والمحاكم الوطنية في العراق، والتهديد باتخاذ إجراءات قانونية دولية أيضاً. ويبدو أن إيران مسؤولة عن القدر الأكبر من هذه الضغوط لأنها تعارض وجود حكومة قوية ومستقلة في «إقليم كردستان» تتمتع بمقومات الحياة الاقتصادية وتتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والجهات الفاعلة الأخرى. وفي الواقع، كانت طهران ناجحة إلى حد ما في كبح تقدم «حكومة إقليم كردستان» نحو مزيد من الاستقلال، إلى حد كبير من خلال استغلالها نزاعات الطاقة لحكومة الإقليم مع بغداد.
وفي الوقت نفسه، ازدادت مشاعر الإحباط بسبب سياسات بغداد وأربيل تجاه شركات النفط، التي تدرس عن كثب المخاطر الجيوسياسية الكبيرة السائدة في مناطق مثل العراق. وتتضح الأهمية الاستراتيجية لـ «حكومة إقليم كردستان» بالنظر إلى دورها في العراق وتأثيرها على الديناميات الداخلية بين العرب السنة والشيعة. ومع ذلك، لا يزال العديد من الجهات الفاعلة يعارضون بشدة تشكيل كردستان مستقلة تماماً في أي منطقة، بما في ذلك شمال العراق.
لدى الولايات المتحدة مصلحة دائمة في التوسط في هذه الخلافات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى أهمية هذه القضية بالنسبة لواشنطن؟ فموارد النفط والغاز جعلت العراق أولوية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكن مستقبل العلاقات يعتمد بشكل كبير على الخطة الإقليمية للولايات المتحدة للتصدي لإيران. وتُعدّ رحلة الرئيس بايدن المقبلة إلى الشرق الأوسط خطوة كبيرة إلى الأمام في هذا الصدد، حيث يجب أن ينصبّ التركيز الرئيسي للسياسة الأمريكية على العمل على إقامة تحالف ضد إيران، وليس فقط محاربة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية، على الرغم من أهمية هاتين المهمتين. وفي حين تُعتبر صلاحيات "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" ("يونامي") - التي تقوم بالتوسط بين بغداد وأربيل - فكرة جيدة في هذا الإطار، إلا أن المشكلة المتأصلة في هذه المرحلة هي أن إيران تتمتع بنفوذ محلي كاف لضمان عدم التوصل إلى أي اتفاق ما لم تتدخل الجهات الفاعلة الأخرى.
أما تركيا، فاهتمامها الرئيسي بـ «إقليم كردستان» يكمن في إقامة علاقات ودية مع «حكومة إقليم كردستان» لتكون هذه الأخيرة مستعدة لتسهيل تحقيق طموحات أنقرة بأن تصبح مركزاً للطاقة، ومنع «حزب العمال الكردستاني» من القيام بعملياته من هناك. وتعمل تركيا أيضاً على احتواء أنشطة إيران الإقليمية، وتستطيع «حكومة إقليم كردستان» المساعدة في هذا الصدد أيضاً. وفي حين يُنظر إلى أنقرة أحياناً على أنها شريك وحليف لا يمكن التنبؤ بخطواته، مما يحد من تعاملاتها الدبلوماسية مع الغرب، إلا أن رعايتها لـ «حكومة إقليم كردستان» ستبقى ثابتة (على الرغم من الحاجة إلى مزيد من الدعم العراقي في سنجار).
ماثيو أميترانو
تعود تحديات الطاقة التي تواجهها «حكومة إقليم كردستان» إلى عام 1972 حين قام العراق بتأميم قطاع النفط. وعلى مدى العقود اللاحقة، أفاد الأكراد أنهم لم يتلقّوا نصيبهم العادل من الإيرادات، لذلك بدأوا في النهاية بدراسة خيارات الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط. وبينما أعرب المسؤولون في بغداد منذ فترة طويلة عن نفورهم من هذه الاستثمارات، كان الأكراد أكثر انفتاحاً على الدور الأجنبي لأن غالبية إنتاج النفط العراقي كانت تحدث خارج أراضيهم.
وشكّل عام 2007 الخط الفاصل في استراتيجية الاستثمار التي اتبعتها «حكومة إقليم كردستان» لأنها لم تكن ملمّة بأعمال تطوير الحقول بمفردها وكانت تعاني من خلافاتها مع الحكومة الاتحادية بسبب قوانين النفط والغاز. وبحلول نهاية ذلك العام، وقّعت «حكومة إقليم كردستان» أربعين عقداً مع شركات نفط أجنبية. وكانت بغداد وأربيل تتجادلان بالفعل حول "النفط الجديد مقابل النفط القديم" والحدود الداخلية، ولكن خلافاتهما تفاقمت بشكل ملحوظ حالما فتحت «حكومة إقليم كردستان» المجال أمام امتلاك الأطراف الأجنبية للأسهم وأصبحت أكثر عزلة في التعامل مع العقود.
وفي البداية، لم تكن تركيا تؤيد استحواذ الأكراد على النفط من بغداد، ولكن سياسة أنقرة تغيرت في عام 2009 بعد تعيين وزير جديد للطاقة. فقد أدرك المسؤولون الأتراك أن «حكومة إقليم كردستان» كانت حليفاً مهماً ومصدراً كبيراً للإيرادات، لا سيما فيما يتعلق بخط أنابيب النفط المشترك بينهما. ولكنهم، في الوقت نفسه، لم يتمكنوا من تجاهل بغداد، وهذا ما دفعهم إلى الضغط على الحكومة الاتحادية بشأن تمديد اتفاقية عبور خط الأنابيب بين العراق وتركيا.
مع ذلك، وعلى الرغم من الوساطة الأجنبية والمصلحة المشتركة في تطوير احتياطياتهما الهائلة، استمر التوتر بين بغداد وأربيل، مما جعل من الصعب التفاوض وساهم في مغادرة الشركات الأجنبية. وقد غادرت ثلاث شركات أمريكية الإقليم خلال السنوات القليلة الماضية، أولها شركة "هيس" في عام 2015، لأسباب تجارية بالدرجة الأولى. ثم غادرت "ماراثون" في ظل ظروف مماثلة في عام 2019. وكانت أحدث شركة أغلقت أماكن عملها هي "إكسون موبيل"، التي غادرت جنوب العراق و«إقليم كردستان». وكانت هذه الخطوة على ما يبدو قراراً تجارياً مدفوعاً برغبة الشركة في البحث عن فرص أقل تعقيداً في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولا تزال "إكسون موبيل" تأمل في العودة إلى العراق، لكن من غير المرجح أن تفعل ذلك ما لم تحل السلطتين الاتحادية والكردية خلافاتهما.
ومن الناحية النظرية، بإمكان شركات النفط الدولية التعامل مع الضغوط السياسية والأمنية الهائلة التي تترتب على العمل في العراق من خلال قبول شروط الاستثمار التي تضعها «حكومة إقليم كردستان» والتأكد من أن يتم الدفع لها من قبل أربيل مباشرة لتجنب طردها من قبل بغداد. غير أن الأمر الصادر مؤخراً عن "المحكمة الاتحادية العليا" في العراق يقوّض الأساس القانوني الكامل لقطاع النفط والغاز في «حكومة إقليم كردستان»، مما يجعل الاستثمار أكثر خطورة على الشركات ويعرّض مفهوم فدرالية النفط ذاته للخطر. كما أن الدعاوى العراقية ضد الشركات الغربية (باستثناء شركة تابعة [لمؤسسة] صينية) ترغم على النحو نفسه الشركات على إعادة النظر في قراراتها الاستثمارية.
وبسبب تأثير الخلاف على استقرار السوق، ينبغي أن تستمر واشنطن في التواصل مع الجانبين من أجل إيجاد وسيلة لإحراز نوع من التقدم، وبسرعة. وهذا أمر يمكن فعله من دون التطرق إلى أكثر القضايا السياسية حساسية، على الأقل في الوقت الحالي. وبالنظر إلى الانقسام السياسي الحالي في العراق، يبقى الخيار الأفضل هو اقتراح اتفاق تدريجي يسمح للطرفين بالاتفاق على حل جزئي حالياً وإعادة النظر في القضية كل عام أو عامين. وهذا من شأنه أيضاً أن يمكّن الحكومة الأمريكية من العمل كوسيط إذا طلب الطرفان ذلك.
ومن ناحية الموارد الأخرى غير النفط، لم يستثمر العراق كثيراً في الغاز الطبيعي لأنه لطالما اعتُبر من المخلفات الثانوية لقطاع النفط. وحتى اليوم، يتم ببساطة التخلص من الغاز العراقي عبر إشعاله، على حساب خزائن البلاد وبيئتها. ولا تزال بغداد تجد أن استيراد الغاز الباهظ الثمن من إيران أكثر ملاءمةً من الناحية السياسية وأقل صعوبة من الناحية اللوجستية من تجميع الغاز الخاص بها. وكانت المحاولة الرئيسية الوحيدة للقيام بذلك هي من قبل "شركة غاز البصرة"، التي تم إنشاؤها كمشروع مشترك مع "شل" و"ميتسوبيشي" وشركة غاز الجنوب".
وتمتلك «حكومة إقليم كردستان» موارد الغاز وإمكانية التصدير شمالاً، لذا فمن الظروري أن تنظر في أفضل الأسواق العالمية لتعظيم مكاسبها. كما يمكنها استخدام الغاز محلياً وتصديره إلى باقي أنحاء العراق إما كما هو أو على شكل كهرباء. وبشكل عام، يمكن أن يكون العراق جهة فاعلة كبيرة في تغيير سوق الغاز، لكنه لا يزال يفوّت هذه الفرصة في الوقت الحالي.
وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة، ينظر العراق في مثل هذه الخيارات من وقت لآخر، ولا سيما مشاريع الطاقة الشمسية. ومع ذلك، نظراً لتزايد المشاكل البيئية مثل الجفاف والتصحر، تحتاج بغداد وأربيل إلى مزيد من التعاون بشأن خيارات الطاقة الأخرى (مثل الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية) بالإضافة إلى قضايا المياه.
بلال وهاب
إن استثمارات الولايات المتحدة في قطاع الطاقة في «حكومة إقليم كردستان» هي نتاج تجربة دامت ثلاثين عاماً عملت خلالها واشنطن على بناء دولة بحكم الأمر الواقع في «كردستان العراق». إلا أن الخلافات المحلية والوطنية حول إدارة النفط والغاز تقوّض الهدف الأمريكي الرئيسي في هذا المسعى، وهو مساعدة العراق و«حكومة إقليم كردستان» في الوصول إلى مرحلة تساهمان فيها في أمن الطاقة العالمي. وهذا الأمر أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى مع تزايد تقلبات السوق بسبب السلوك الإيراني والروسي.
لقد كرّس الدستور العراقي لعام 2005 بعض الحقوق الكردية في إدارة النفط والغاز. ولكن الفيدرالية النفطية تواجه اليوم تهديداً خطيراً بسبب الهجوم الواضح الذي تشنه حكومة بغداد بكامل سلطاتها، حيث يتم استخدام السلطات التنفيذية والقضائية والعسكرية لفرض إرادة الحكومة الاتحادية. وبدلاً من "التنافس على القمة" من خلال السماح بسياستين منفصلتين للطاقة بالازدهار، تخوض بغداد وأربيل منافسة نحو القاع، مما يسفر عن سياسات حاقدة وممارسات اقتصادية مبذّرة ومبهمة.
وبالإضافة إلى الأمر الصادر عن "المحكمة الاتحادية العليا" هذا العام والاستدعاءات القانونية المختلفة ضد شركات النفط العاملة في «حكومة إقليم كردستان»، يتضمن نهج بغداد الصارم التهديد بخفض الميزانية. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة التي لم يتبنّاها أي طرف تكمّل مصالح الحكومة الاتحادية. ومع ذلك، ربما تجد بغداد سهولة في تحقيق أهدافها هذه المرة، حيث أن «حكومة إقليم كردستان» أضعف وأكثر انقساماً من أي وقت مضى، وبالتالي فهي غير قادرة على ممارسة النفوذ على المستوى الإتحادي. وحتى في الداخل، أصبح قطاع الطاقة الواعد في أربيل غير مستحب بسبب الديون والمتأخرات التي تراكمت عليه والتي تقدَّر بنحو 20 مليار دولار، والعجز المالي الذي لا يزال يعاني منه. وباختصار، أصبحت التحديات الخارجية والسياسات الداخلية التافهة متعادلة في ميزان «حكومة إقليم كردستان».
أعدت هذا الملخص مي قدو.