- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
طهران لن تسيغ إعادة الوضع كالسابق مع واشنطن - لكنها ستبرم صفقة
Also published in "ذي هيل"
أظهر الاتفاق النووي السابق أن المسؤولين الأمريكيين لا يحتاجون إلى تغيير رأي النظام بشأن النوايا الأمريكية التي يُفترَض أنها شائنة من أجل عقد صفقة.
في خطاب عام أخير، انتقد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الغرب و"الخونة" المحليين بسبب ردعهم الجمهورية الإسلامية عن الازدهار حتى تصبح منارة عالمية للتقدم العلمي وعن إنشاء "حضارة إسلامية حديثة" متقدمة.
يذكّر الوضع بمؤلفات كافكا لأن خامنئي، على الرغم من خطابه النبيل، انخرط في سوء إدارة جامح أدى إلى عدد كبير من الأزمات الوطنية، ابتداءً من هجرة الأدمغة ومرورًا بالاستياء الاجتماعي ووصولًا إلى التدهور البيئي. ومع ذلك، بدلًا من تكريم أعمال المفكرين وغيرهم من الرواد، قام النظام الذي يعاني من نزعة جنون العظمة باضطهادهم وسجنهم وحتى قتلهم أحيانًا، من بينهم أولئك الذين لم يكونوا منشقين علنيين. ويمكن تشبيه سلوك طهران بسلوك مفتعل الحريق الذي يشعل النار في المنزل، ويطلق الرصاص على ركب رجال الإطفاء، ثم يلوم السكان.
وسط استمرار المحادثات النووية مع إيران هذا الشهر، على المفاوضين الأمريكيين ألا يفترضوا أن آيات الله سيتراجعون عن تصورهم بأن واشنطن تريد تغيير النظام. فلن يغير أي قدر من الصفقات المعقودة أو الخطابات المعدَّلة هذا الرأي الذي ساد في أروقة السلطة الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، بغض النظر عمّن يشغل البيت الأبيض.
منذ عقود من الزمن، يتخبط صانعو السياسات الأمريكيون في مسألة كيفية التعامل مع حكومة تعرض معاداة أمريكا كميزة أساسية لهويتها. حتى أن فكرة العلاقات الدبلوماسية الأساسية مع الولايات المتحدة هي من المحرمات في إيران. ووفقًا لوجهة نظر مشتركة في أوساط السياسات الأمريكية، يمكن نسب عداء إيران تجاه أمريكا ولازمة "الموت لأمريكا" التي ترافقه إلى انقلاب عام 1953 المدعوم من الولايات المتحدة الذي أسقط رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق، إلى جانب الدعم الأمريكي اللاحق للحكم الملكي الأوتوقراطي لرضا بهلوي.
يعتبر هذا الرأي أيضًا أن دعم الولايات المتحدة لصدام حسين في خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وإدراج الرئيس جورج دبليو بوش لإيران ضمن "محور الشر"، وغزو أفغانستان والعراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كلها أمور شددت معاداة أمريكا في إيران. وعلاوة على ذلك، في إطار المفهوم عينه، أدى انسحاب الرئيس السابق ترامب من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وإعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات، والقتل المستهدف لقائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني، إلى تسميم الأجواء، ما جعل الصفقات المستقبلية صعبة أكثر فأكثر. والخلاصة هي أنه على الولايات المتحدة معالجة جذور معاداة إيران لأمريكا من خلال الاعتراف صراحة بـ"أخطائها"، فتضع الأساس للدبلوماسية المثمرة.
لكن الاعتراف بالأفعال السابقة قد لا يكون متبادلًا. وإلى ذلك، قد تمتنع الولايات المتحدة بالتأكيد عن التحركات العسكرية والدبلوماسية التي تُعتبَر بمثابة خطوات نحو تغيير النظام، لكنها لا تحظى بسيطرة كبيرة على التأثير الثقافي الأمريكي في إيران، وهو مجال غير محدد أكثر.
يعتقد المتشددون الإيرانيون، الذين يسيطرون على المراكز السياسية والأمنية في البلاد، أن الولايات المتحدة تشن منذ فترة طويلة "حربًا ناعمة" ضد النظام، تهدف إلى الإطاحة به من الداخل عبر المنتجات الثقافية مثل الأفلام والتلفزيون والموسيقى ووسائل التواصل الاجتماعي. وتشمل بعض الأمثلة عروض عيد الهالوين وعيد الميلاد وعيد الحب في إيران في السنوات الأخيرة، ما يدق ناقوس الخطر لدى الشخصيات وعلى صعيد المنشورات الموالية للنظام؛ فسمّى أحد الذين يُدعون "محللين ثقافيين" هذا العام الهالوين "احتفالًا لعبادة الشيطان". ومع أن الحكومة الأمريكية عملت بالتأكيد مع هوليوود في فترات معينة من التاريخ، يعتبر المتشددون الإيرانيون أن المجتمع المدني الأمريكي كله هو من ركائز الحكومة الأمريكية. وأسوّغ هذه الحالة بشكل شامل في دراسة نشرها "معهد واشنطن" في تشرين الثاني/نوفمبر.
إن مؤامرة "كيو أنون" هي نوع من نظرة عالمية أمريكية موازية لتلك الإيرانية - وكما لاحظ المراقبون، من الصعب بشكل مخيف طردها من فكر أتباعها. وعلاوة على ذلك، يساعد تهديد الحرب الناعمة على تقوية المتشددين في وجه التهديدات الملحوظة، مثل الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت إيران في السنوات الأخيرة. كذلك، يعتمد المتشددون على معاداة أمريكا للبقاء في السلطة. ومن حيث السجل التاريخي، هم ينظرون بحذر إلى تخفيف الصين لمبادئ الماوية في عام 1979 – وتجدر ملاحظة العام – من أجل إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة والانفتاح على العالم. وعلى الرغم من ذلك، ينظر المتشددون الإيرانيون اليوم بحسد إلى الازدهار الاستبدادي في بكين.
حين يتعلق الأمر بالمفاوضات، لا ينبغي أن يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى تغيير رأي الإيرانيين بشأن تهمة "الحرب الناعمة". وبدلاً من ذلك، عليهم التمسك بمناقشة أهم تفاصيل المفاوضات. وبالفعل، لا تحتاج واشنطن إلى إقناع النظام بأنها تخلت عن سعيها للإطاحة بالحكم من أجل عقد صفقة معه. ففي خلال إدارة أوباما، اعتقد المتشددون حقًا أن الرئيس يريد الإطاحة بهم وأن الولايات المتحدة كانت وراء احتجاجات "الحركة الخضراء" التي تلت انتخابات عام 2009، لكن هذا لم يمنع المرشد الأعلى من إظهار "المرونة البطولية" للموافقة على الصفقة.
بعد ذلك، نما تصور التهديد في ما يتعلق بعملية الإطاحة بالحكم التي تحرّكها الولايات المتحدة عندما وصف أوباما الصفقة بأنها ربما تعزز المعتدلين في النظام مع مرور الوقت. فبنظر المتشددين، كانت تلك قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها إدارة ريغان لإغواء ميخائيل غورباتشوف من أجل حل الاتحاد السوفياتي في عام 1991 حين واجه احتجاجات جماهيرية. وهذا هو الدرس الذي تعلمه خامنئي وجماعاته من الانهيار السوفياتي، وهو حدث درسوه عن كثب. ومع ذلك، ظلوا في الاتفاق النووي.
حتى قبل انسحاب الرئيس ترامب من "خطة العمل الشاملة المشتركة" في عام 2018، كان المتشددون الإيرانيون مقتنعين بأن الولايات المتحدة كانت خلف الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد في كانون الأول/ديسمبر 2017 ودامت حتى عام 2018. وأدت سياسة "الضغط الأقصى" التي طبقتها إدارة ترامب لاحقًا، بالإضافة إلى مقتل سليماني في كانون الثاني/يناير 2020، إلى ازدياد قتامة تصور التهديد. وقد تبدو المحادثات مع إدارة بايدن أقل عدائية وتكون واعدة أكثر في أساسها، لكن النظام الإيراني كان سيتفاوض أيضًا مع ترامب لو فاز بولاية ثانية. وببساطة، إذا أملت الظروف اتباع مسار كهذا، ستتبع طهران مقاربة براغماتية. وتشكّل الصفقات السابقة مع أعداء لدودين مثل صدام حسين في العراق أمثلة على ذلك.
صرحت طهران مرارًا وتكرارًا أنها تريد رفع العقوبات، خاصة على النفط والقطاع المصرفي، كنتيجة للمحادثات الجارية بشأن "خطة العمل الشاملة المشتركة". ولا يتضح إذا كان ذلك سيتحقق على شكل إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة". وقد طرح الدبلوماسيون الإيرانيون حتى الآن في فيينا مطالب متطرفة، في محاولة واضحة للعب لعبة قذرة، لكنهم قد يخطئون الظن كثيرًا في مستواهم.
نظرًا إلى التركيبة المتشددة للطبقة الحاكمة في إيران، يجب ألا تتوقع أمريكا انطلاقة جديدة مع الجمهورية الإسلامية، على الأقل ليس في أي وقت قريب. لكن مع أخذ ذلك في الاعتبار، ما زال عليها أن تبحث عن الفرص من أجل تعزيز مصالح الأمن القومي الأمريكي عبر إبرام الصفقات، وعبر التصدي عند الضرورة لعدوان النظام وازدواجيته.
أمير توماج هو محلل إيراني رفيع المستوى في شركة "سياري أناليتيكس" في واشنطن وأحد مؤسسي منظمة "مراقبة محور المقاومة"، وهي مصدر للأخبار والتحليلات عن إيران ووكلائها. وكان سابقًا محللًا للسياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية" ومحلل أبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات".