- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2551
تجميع الأدوات للقضاء على العلامة التي تروج لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»
إن العلامة التي تروج لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)» هي عبارة عن رؤية طموحة ومغرية ثبت أنها تشكل نجاحاً إعلامياً واسعاً. إلا أن هذه الرؤية ترتبط في النهاية بتصور قيام دولة مثالية وفعلية قادرة على القيام بمهامها. وبالتالي فإن العمل العسكري ضد أبرز ملاذات تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق هو أنجح وسيلة لمحاربة الدعاية التي ينشرها التنظيم لنفسه. إن الجهود المبذولة من أجل تحقيق هذا الهدف تنتج بعض النتائج الملموسة، ولكن ذلك يتم ببطء شديد. وعلى الرغم من الإجراءات الفنية للحد من حجم المواد الخاصة بالتنظيم المتاحة على وسائل الإعلام الاجتماعية هي ذات أهمية أيضاً، إلا أن العلامة التي يروج لها التنظيم باتت ناضجة ومفهومة من الأنصار والخصوم على حد سواء. لذا ستحتاج واشنطن إلى إيجاد طرق أكثر إبداعاً لإيصال رسائلها، وذلك بشكل أساسي عن طريق شركائها في الشرق الأوسط.
إعادة إطلاق اسم جديد والعمل من خلال العملاء
سطحياً، يبدو أن تغيير اسم "مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب" إلى "مركز المشاركة العالمية" ليس أكثر من مناورة في إطار العلاقات العامة. فجميع المسؤوليات المدرجة في بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذي أعلن عن هذا التغيير كان "مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب" قد عمل عليها منذ عام 2011. ومع ذلك، فوفقاً لتقارير صحفية، لن يُعنى المركز الجديد بعد الآن بشؤون الرسائل المباشرة. وإذا بقيت الميزانية نفسها، أي حوالي 5.5 مليون دولار سنوياً، سيتيح الابتعاد عن الرسائل المباشرة ما يقارب 3.5 مليون دولار لإنشاء وكلاء في الخارج ومنصات لإرسال الرسائل غير المباشرة.
وليس هناك شك في أن تخصيص المزيد من الأموال لهذه الجهود أمر يستحق المحاولة، على افتراض أن تشمل البرامج المعنية مقاييس أداء تقوم على أسس متينة وإشرافاً من قبل الكونغرس. مع ذلك، فإن المثال الحي عن الرسائل بالوكالة في الشرق الأوسط لم يرقَ إلى ما وعد به، على الأقل حتى الآن. فـ "مركز صواب" الذي أُطلق في الإمارات العربية المتحدة وسط ضجة كبيرة في تموز/يوليو 2015، ممول إلى حد كبير من قبل أبوظبي، ويشمل مسؤوليْن إثنين في الخدمة الخارجية الأمريكية مُعينيْن لهذه العملية. وقد كانت أشهر منتجات هذا المركز، والتي تجلت في 2900 تغريدة خلال ما يزيد عن ستة أشهر، مخيبة للأمال قليلاً، وأشبه بنسخة مصغرة أكثر خجلاً من فريق التوعية الرقمية في "مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب". وعلى الرغم من أنه لا بد لـ "مركز صواب" من أن يتمتع بحرية أكبر للقيام بأعمال تتجنبها الاتصالات العلنية للحكومة الأمريكية، إلا أن المركز يفتقد إلى عنصرين تتمتع بهما بفيض العلامة التي تروج لـ تنظيم «داعش» وهما: الحجم والعاطفة. لكن الفكرة الكامنة وراء تأسيس "مركز صواب" هي فكرة راسخة، وبالتالي نأمل في أن تنضج وأن تتطور مبادرات مماثلة إلى شيء أكثر موضوعية وإنتاجية.
وفي ظل عدم يقينها من كيفية المضي قدماً في الحرب الدعائية، أهدرت الحكومة الأمريكية الكثير من الوقت خلال عام 2015، حيث عكست تقارير إخبارية صورة يشوبها الارتباك والانجراف الذي ازداد بسبب سوء الإدارة والخلافات الداخلية حول الصيغة الصحيحة التي يجب اتباعها. وفي هذا السياق، سادت الإدارة التفصيلية الواضحة من قبل "مجلس الأمن القومي" الأمريكي، والعقلية المرتكزة على تجنب المخاطر، والهوس بالاهتمام بالشكل على حساب المضمون. وربما قد تم استخلاص بعض العبر من هذه الكارثة، الأمر الذي سيعطي القيادة الجديدة والمحترفة للمركز الصلاحيات اللازمة للقيام بالعمل الضروري. وفي هذا الإطار يبدو أن الحكومة الأمريكية في بدايات تقدم بطيء، ولكن من السابق لأوانه تحديد ذلك.
زيادة الحجم وإيجاد الأصوات
إن بعض الجهود الذي بُذلت في العام الماضي لتسهيل الحصول على معلومات عن المنشقين عن تنظيم «الدولة الإسلامية» أو الهاربين منه قد تكون مفيدة جداً وينبغي دعمها وتوسيع نطاقها. فبينما يعود مقاتلو تنظيم «داعش» إلى بلدانهم الأصلية، يجب على الحكومات إيجاد طرق مبتكرة لتحفيز مكافحة التطرف عبر وسائل الإعلام وعبر الاندماج في المجتمع وإنفاذ القانون على حد سواء. ولا يقلل الخلل في الاتصال في المستويات العليا من الحكومة في واشنطن من قدر العمل الدؤوب الذي تقوم به جهات مخلصة في هذا المجال تشمل موظفي الخدمة المدنية وضباط الخدمة الخارجية ومسؤولين معينين من وكالات أخرى.
ونظراً إلى أهمية العراق، وخاصة سوريا، في كيفية التسويق لخطاب تنظيم «الدولة الإسلامية» أمام الجمهور الغربي وغير الغربي البعيد عن الجبهة، فإن عملية تمكين الأصوات السنية في تلك البلدان التي مزقتها الحروب والتي تستطيع التحدث مباشرة إلى الأفراد المترددين خارج الشرق الأوسط، هي عملية ذات قيمة عالية. وجوهرياً، ستكون رسالتهم كالتالي: "أنا واحد من هؤلاء المسلمين الذين يدّعي تنظيم «داعش» أنه يدافع عنهم، والصورة التي يقدمها التنظيم إليكم حول واقعنا صورة خاطئة". إن قوة هذه الشهادات الشخصية واضحة في أشرطة الفيديو التي يروج لها تنظيم «الدولة الإسلامية» نفسه، إذ إن العديد من الأفراد الذين يظهرون في هذه الرسائل يتحدثون بوضوح وبشكل مباشر، ويشيرون إلى جميع أنواع الأعمال الفظيعة وهم غير ملثمين ويتمتعون بقناعة هائلة. وخلال الشهر الماضي، وصفت صحيفة "التلغراف" كيف استخدمت شرطة لندن أشرطة الفيديو التي تُظهر أمهات سوريات ناطقات بالعربية للوصول إلى السكان البريطانيين. من المؤكد أن هذه التجربة قيّمة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان بإمكان تعميق هذه التجربة وجعلها فردية بشكل موازٍ لعملية التطرف الفردية التي غالباً ما تشكل عاملاً رئيسياً في التأثير على المجندين الجدد. وهذا ما ينبغي فعله.
ووفقاً للتفاصيل التي جاءت في تغطية برنامج "نيوز آور" من على محطة "پي. بي. إس."، تموّل أيضاً الحكومة الأمريكية وغيرها من الحكومات بعض الأعمال الهامة في عمليات التفاعل الفردية على وسائل الإعلام الاجتماعية، وذلك في كثير من الأحيان من خلال الجامعات. وتسعى هذه الجهود إلى البدء بمعالجة عدم التوازن بين الوقت الذي يستثمره كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وواشنطن في عمليات التجنيد. إن الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانت هذه المشاريع الصغيرة ستكون قادرة على منافسة المنهجية الفردية التي ابتكرها تنظيم «داعش» ومع مجنديه المتطوعين، لكنها مع ذلك تشكل استثماراً يستحق الخوض به.
الأيديولوجية ذات أهمية أيضاً
يجب على الحكومة الأمريكية أن تجد أيضاً مجالاً لجهود ممولة جيداً تبذلها وسائل الإعلام الإقليمية لتعزيز القيم الإسلامية العربية الليبرالية القائمة على التسامح في مواجهة رؤية السلفية الجهادية. إن هذا المشروع طويل المدى ويتمتع بقيمة كبيرة في تعزيز التعددية والحوار المفتوح التي تُعتبر محرمة بالنسبة إلى الحركات مثل تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة». لا بد من الإشارة إلى أن بعض الجهود الرائدة للقيام بذلك نشأت في القطاع الخاص (على سبيل المثال، منتدى فكرة). ومن الواضح أن هناك ما يكفي من الأفراد البليغين في سوريا ولبنان والأردن، وحتى في دول الخليج الذين يتمتعون بآراء عالمية متسامحة إلا أن هذه الآراء نادراً ما تلقى دعماً من واشنطن أو من أي طرف آخر، وبالتأكيد لا يتم ذلك على أساس ثابت، ولا يصل أبداً إلى حجم الدعم الذي أُغدق على مجموعة من وسائل الإعلام السلفية من غير تنظيم «داعش».
ومرة ثانية، هذا ليس شيئاً يمكن للحكومة الأمريكية القيام به بشكل مباشر، لكن من المؤكد أن بإمكانها إعطاء الأولوية لتعزيز هذه الجهود بين شركائها الإقليميين. فقد تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عدة مرات حول أهمية هزيمة أيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنه لم يوضح ما هي هذه الأيديولوجية أو كيفية مواجهتها. وفي الواقع، يؤكد التحول إلى المبادرات غير المباشرة على العجز في جهود الحكومة التواصلية المباشرة لمكافحة الإرهاب. وفي كثير من الأحيان، قام نهجها القائم على البديل الافتراضي على العمل مع الحكومات الصديقة أو إيلاء المهمة إلى شركات أو مؤسسات من داخل إطار اهتمام الحكومة الفدرالية. ويقيناً، أن الحكومات المغربية والأردنية والإماراتية تبذل بعض الجهود المفيدة جداً في هذا المجال. وهو أمر جيد، لكن لا بد من تكثيف هذه الجهود.
إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن أن تفكر في توسيع نطاق منصات ومنظمات الرسائل غير الحكومية في الشرق الأوسط، بغية بناء جهود مستدامة في إرسال الرسائل ضد الجهاديين السلفيين. على سبيل المثال، نشر تنظيم «داعش» الشهر الماضي شريط فيديو تحت عنوان "ولاية نينوى" كجزء من حملة منسقة على شمال أفريقيا، شن فيه هجوماً على المسلمين الصوفيين والليبراليين بقدر الوقت الذي خصصه لانتقاد السلطات السياسية. ولا يجب تجاهل "بحر" السلفية الذي يبرز منه تنظيم «الدولة الإسلامية»، لذلك فإن تشجيع الشركاء الإقليميين على محاربة الخطاب السياسي والمجتمعي الذي يمهد الطريق للعنف سيشكل سياسة جيدة.
وأخيراً، لا بد لنا من أن نتذكر أن تنظيم «داعش» لا يشكل سوى جزءاً واحداً من التيار الأيديولوجي الأكبر المنافي للقيم والمصالح السياسة الخارجية الأمريكية. فالبيئة التي تغذي تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» لم تنشأ بين ليلة وضحاها، وبالتالي لن يكون من السهل عكس العوامل السياسية والعسكرية والأيديولوجية التي أدت إلى صعودهما. لا بد من محاربة الجهادية السلفية على كافة الجبهات، ويبدو أن هناك التئام بطيء للكتلة الضرورية ضدها؛ على سبيل المثال، "إعلان مراكش" الذي انبثق عن مؤتمر عقد مؤخراً حول "الأقليات الدينية في بلاد المسلمين"، بالاشتراك بين الحكومة المغربية و"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" الذي يتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً له. مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود شكلية إلى حد كبير أو سطحية أو مقصورة على فئة معينة. من هنا، يتمثل التحدي في ترجمة التفاهم والتنبيه إلى سياسات ومشاريع موضوعية مكتفية ذاتياً ونشطة تماماً كما أثبت تنظيم «داعش» نفسه.
البرتو فرنانديز هو نائب رئيس "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" ("ميمري")، وكان قد شغل سابقاً منصب منسق "مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب" في وزارة الخارجية الأمريكية.