- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2627
تخطي الخسارة من خلال الفوز: تشتت الوسط الإسرائيلي
مع اقتراب عقد مؤتمر السلام في باريس في 3 حزيران/يونيو، قد تظهر الجهود الأخيرة لتوسيع الحكومة الإسرائيلية كإحدى التحركات الأكثر ضرورية التي قام بها بنيامين نتنياهو كرئيس وزراء - ليس لما أسفرت عنها من نتائج، بل لما قد تكون قد منعت من حدوثها. وقد ركزت الكثير من التعليقات العلنية حول آخر المستجدات على قراره منح وزير الدفاع موشيه يعالون منصباً آخر - وهو الذي يتمتع بالخبرة والثبات ويحظى بالثقة - واستبداله بالقومي المتطرف من مواليد مولدوفا أفيغدور ليبرمان، الذي لم يُخفي ازدراءه لنتنياهو أو رغبته في أن يصبح رئيساً للوزراء في المستقبل. وفي الواقع، تعاظمت الأمور الموجودة على المحك نظراً لتصريحات ليبرمان المثيرة للجدل حول عرب إسرائيل، وحول مصر، والحاجة إلى إعادة احتلال غزة. وبالمعنى المباشر، ضم نتنياهو إلى حكومته مساعده السابق الذي تحول إلى منافسه المستقبلي من أجل توسيع الأغلبية في إئتلافه الضيق جداً من 61 إلى 66 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً.
ومع ذلك، فإن الأمور التي لا تقل أهمية هي الجهود المنهارة لتعزيز استراتيجية معتدلة من خلال الجمع بين أعضاء يمين الوسط الذين يمثلون حزب «الليكود» وأعضاء يسار الوسط الذين يمثلون حزب «العمل» في جهود مشتركة لمعالجة القضية الفلسطينية. إن فشل نتنياهو في التوصل إلى اتفاق لإقامة إئتلاف مع زعيم حزب «العمل» اسحق ("بوجي") هرتسوغ بعد شهور من المحادثات الهادئة والمضنية [وراء الكواليس]، قد تكون خطوة أعمق بكثير من مجرد مناورة سياسية فاشلة - حيث أنها قد تعكس حالة الاستقطاب الشديد الذي يطغى على [البيئة السياسية في] إسرائيل.
ومع ذلك، فإن نصف أعضاء الكنيست الأربع وعشرين في تحالف حزب «العمل»/«الاتحاد الصهيوني» لم ينتظروا لمعرفة ما الذي حققه هرتسوغ خلال المحادثات، حيث رفضوا كلية فكرة الائتلاف. ويبدو إن إعطاء جواب سلبي لنتنياهو هو أكثر أهمية بالنسبة لهم من كسر الجمود مع الفلسطينيين وإعاقة حركة نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل. وانطلاقاً من نفس الاعتبار، حشد ياريف ليفين الأعضاء المتشددين من الجيل الجديد من حزب «الليكود» ضد الاتفاق، قائلاً إنه أخبر نتنياهو أن الفجوة مع حزب «العمل» "واسعة جداً" وليس من السهل ردمها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين كانت هذه الفجوة أكثر وضوحاً؟ فقد ألمح هرتسوغ في تصريحاته العلنية، أن نتنياهو كان على استعداد لوقف بناء المستوطنات على الجانب الفلسطيني من الجدار الأمني - أي، في 92 في المائة من أراضي الضفة الغربية - لكنه رفض في النهاية أن يوثق ذلك كتابياً. ونظراً لانعدام الثقة بين الفئات [السياسة] المتناحرة في إسرائيل، فمن المنصف القول أن كل ما لم يتم وثقه كتابياً سوف لن يحدث. ولا يريد أحد أطراف الطيف السياسي في البلاد وقف النشاط الاستيطاني في أي مكان، بينما لا يصدّق الطرف الآخر أن نتنياهو سيعلن في أي وقت عن نهاية عمليات البناء في المناطق التي يمكن أن تكون قسم من الدولة الفلسطينية. كما أنه لم يكن مستعداً لمنح هذه التجربة فرصة [لرؤية تطور الأمور].
وباختصار، لا تتمكن [أحزاب] الوسط في إسرائيل من التماسك فيما بينها، وأطرافها الأكثر حزماً تختلف بوضوح مع بعضها البعض بشأن الكيفية التي يمكن أن تؤثر فيها القضية الفلسطينية على مستقبل البلاد. ويشير ذلك على الأقل، إلى أنه من غير المرجح أن يتم توحيد يمين الوسط مع يسار الوسط خلال فترة حكم نتنياهو، حيث من المؤكد أن مثل هذه الخطوة ستقيّد يديه. وبالفعل تقلص بشكل كبير مجال المناورة الذي تمتع به على الساحة الدولية منذ انهيار المحادثات مع هرتسوغ قبل أسبوعين.
وعندما تزعم نتنياهو ائتلاف أوسع مع الأحزاب من يمين ويسار حزب «الليكود» بين عامي 2009 و 2015، كان له مجالاً سياسياً للمناورة الذي استغله في بعض الأحيان (على سبيل المثال، من خلال إصدار مرسوم بتجميد بعض عمليات البناء في المستوطنات في 2009-2010، وإطلاق سراح السجناء الموقوفين منذ الفترة التي سبقت التوصل إلى "اتفاقية أوسلو"). بيد، ليس لديه الآن مثل هذا المجال. ومن دون قيام حكومة موسعة، من غير المرجح أنه سيتمكن من الإظهار علناً بأنه قد جرى تنسيق سياسة إسرائيل الاستيطانية مع رغبته المعلنة في التوصل إلى حل الدولتين. وبدون مبادرة كهذه، سوف يكون من الصعب على حكومة نتنياهو منع الجهود الدولية لحل القضية الإسرائيلية الفلسطينية. فجهود فرنسا لعقد اجتماع متعدد الأطراف هذا الأسبوع هو مؤشر واحد فقط على ما قد يسفر عنه الاجتماع - ويجدر بالذكر أنه لم تتم دعوة إسرائيل والفلسطينيين للمشاركة في المحادثات في الوقت الراهن، ويرجع ذلك جزئياً لأن باريس كانت مُصيبة بقولها إن إسرائيل لن تحضر الاجتماع.
ومن المفارقات، أن البعض في المنطقة مستعدون لإعطاء الإسرائيليين فرصة لإطلاق مبادرة وربما تجنب ذلك النوع من النتائج التي يفرضها المجتمع الدولي والتي تخشى منها القدس. فالخطاب الجدير بالملاحظة الذي ألقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل انهيار محادثات نتنياهو -هرتسوغ لم يأتِ من قبيل الصدفة - وهو الخطاب الذي أوضح فيه أن القاهرة وغيرها من الحكومات العربية ستدعم تحركات السلام إذا توافق الإسرائيليون مع بعضهم. وكان السيسي على علم بالاتفاق الائتلافي الناشئ على ما يبدو واحتمال إطلاق مبادرة سلام إسرائيلية، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ الخطوة غير العادية بالمناشدة علناً من أجل قيام [حكومة] وحدة في إسرائيل. والسؤال هنا هل هو على استعداد للحفاظ حالياً على مثل هذا الموقف الداعم بعد إلغاء الاتفاق مع هرتسوغ؟ وكان كل من نتنياهو وليبرمان قد أشادا بتصريحات سيسي في 30 أيار/مايو، وأشارا إلى "العناصر الايجابية" في مبادرة السلام العربية التي أُطلقت منذ فترة طويلة، ولكن ما هي الخطوات الملموسة التي سيكون ائتلافهما الجديد مستعداً لاتخاذها في الواقع على جبهة السلام؟
ويجدر بالذكر أيضاً أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لم يعلن مشاركته في اجتماع باريس في 3 حزيران/يونيو إلا بعد انهيار جهود نتنياهو -هرتسوغ. وحيث يوجد تصور شائع بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة غير قادرة على إطلاق مبادرة ذات مصداقية، فمن غير المرجح أن تعرقل إدارة أوباما أي جهود جديدة للتوصل إلى حل دولي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستسمح بطرح هذه القضية في الأمم المتحدة.
وعلى كل حال، يبدو أن الضغوط القائمة في صفوف المجتمع الدولي عازمة على تكثيف جهودها في الوقت نفسه الذي يكون فيه الإئتلاف اليميني الإسرائيلي الجديد أكثر عزلة - وهو الإئتلاف الذي يظل فيه نتنياهو العضو الأكثر اعتدالاً. وبشكل مفهوم يخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن يؤدي الاجتماع الذي سيعقد يوم الجمعة إلى تحديد المُسند لعقد مؤتمر سلام كبير في باريس في الخريف المقبل، وربما استصدار قرار من قبل مجلس الأمن الدولي في نهاية العام الحالي يفرض معايير الحل [السياسي]. وهناك عدة أسباب وجيهة تجعل مثل هذه المقاربة غير حكيمة:
· إذا كان الماضي أي مؤشر، فإن الجهود الدولية ستكون منعدمة التوازن. فالمبادئ التي يسعى الفلسطينيون إلى الحصول عليها ستكون ملموسة، بينما تلك التي ستعالج المخاوف الإسرائيلية ستُترك غامضة - حيث سيتم توضيح قضايا الحدود والقدس للفلسطينيين، في حين أن التفاصيل المتعلقة بالأمن واللاجئين ستترك للمفاوضات المستقبلية.
· وإذا ما تم عرض هذه القضية أمام مجلس الأمن الدولي، فلن تكون الولايات المتحدة قادرة على ثني روسيا وغيرها من دعم المطالب الفلسطينية، وسوف يصر فلاديمير بوتين على وضع بصمته الخاصة على أي قرار.
· يمكن لمثل هذه النتيجة أن تعزز القناعة الفلسطينية بأن مقاومة المفاوضات، وتدويل الصراع، ودعم جهود نزع الشرعية تؤتي ثمارها، فلماذا يجب تغيير المسار؟
· ربما تصبح الحكومة الإسرائيلية اليمينية أكثر تحدياً رداً على اتخاذ قرار غير متوازن ومواجهة ضغوط دولية، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تحفيز قيام نشاط استيطاني إضافي في الضفة الغربية وزيادة كبيرة في تحدي الحفاظ على مبدأ حل الدولتين.
وقد يكون لكل ذلك تداعيات على الإدارة الأمريكية المقبلة، التي يمكن أن تكون عالقة في سياسة لا يمكنها تنفيذها. فالدعوات لجمع نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في غرفة واحدة وانتظار تصاعد الدخان الأبيض تبدو جيدة من الناحية النظرية، إلا أن الفجوات بينهما واسعة جداً كما أن عدم الثقة المتبادلة بينهما عميقة جداً، مما سيجعل من المؤكد فشل أي محادثات من هذا القبيل.
إن الخيار الحقيقي الوحيد في الوقت الحاضر، هو استعادة الشعور بإمكانية [التقدم] والحفاظ على الأمل في التوصل إلى حل الدولتين - إلا أن ذلك يتطلب اتخاذ إسرائيل والفلسطينيين خطوات جوهرية من طرف واحد تجاه قبول كل جانب الشروط الرئيسية للجانب الآخر. وبالنسبة لإسرائيل، إن هذا يعني الحد من نشاطها الاستيطاني على غرار الاتفاق المفترض بين نتنياهو وهرتسوغ، والإيضاح بأنه لن تكون هناك أي سيادة إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من الجدار الأمني، والإشارة إلى استعداد إسرائيل للتفاوض على حدود نهائية مختلفة إذا عاد الفلسطينيون الى طاولة المفاوضات. وبالنسبة للفلسطينيين، يعني ذلك وقف الحملة المناهضة للتطبيع والمعارضة للاتصالات مع الإسرائيليين، وإنهاء التعويضات لعائلات الأشخاص الذين قتلوا في عميات طعن مواطنين إسرائيليين، ووضع حد لتسمية مثل هؤلاء الناس بـ "شهداء".
وسيُلقي المشككون ظلالاً من الشك حول ما إذا كان بإمكان نتنياهو وعباس تنفيذ هذه الخيارات بالفعل - وفي الواقع، من غير المرجح أن يغيّر عباس من استراتيجيته في البداية لأنه يفضل التدويل. ولذلك، فإن الضغط الأولي الذي يدفع [أي منهما] للعمل سيقع على نتنياهو. ولتجنب تدويل القضية، سيحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تخطي السياسيين في الداخل وإلى الشرح علناً المخاطر التي تواجه الشعب الإسرائيلي. وكان نتنياهو متواضعاً جداً ولم يلفت الانتباه إلى الجهود التي بذلها مع هرتسوغ من أجل تجنب إثارة أحزاب اليمين ضد مناورة [حكومة] الوحدة التي قام بها، إلا أن هذا النهج الهادئ قد فشل وأدى إلى تضييق خياراته. وإذا لم يتحرك الآن، وبصورة أكثر وضوحاً وعلنية، فستشتد حدة جهود التدويل التي كان يمكن تجنبها سابقاً، بغض النظر عن حكمتها.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وقد شغل منصب مستشار المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في مكتب وزير الخارجية الأمريكي في الفترة 2013-2014. دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن، وقد شغل منصب كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط في الفترة 2009-2011.