تعليق العمل في قناة "صابرين": الجزء الثاني - الأسباب والتبعات
قد يعود تعليق العمل في قناة "صابرين" لفترة طويلة إلى انزعاج المقاومة و/أو إيران من ميل الشبكة مؤخراً نحو روسيا و/أو دورها في الحريق المثير للجدل الذي تم افتعاله في مكتب سياسي.
(ناقش الجزء الأول من هذا التحليل حقائق تعليق العمل في قناة "صابرين نيوز" لمدة اثني عشر يوماً من 28 آذار/مارس إلى 8 نيسان/أبريل، والذي شمل محاولة فاشلة من قبل مديري "صابرين" للإبقاء على النشر تحت اسم "الميمون").
تقدّر "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أن توقف قناة "صابرين" عن العمل مؤخراً كان على الأرجح تدبيراً قسرياً فرضته عليها قيادة "المقاومة" و/أو الجهات الفاعلة الإيرانية لمعاقبتها. ونبني هذا التقدير على توقيت التوقف عن العمل، ومدته غير المعتادة، وعلى تصريحات "صابرين" ونشاطها أثناء محاولة واضحة (أُحبطت بسرعة) قام بها موظفو "صابرين" للتحايل على حظر النشر. وقد يشير عاملان ظرفيان إلى أسباب تعليق العمل في قناة "صابرين" كإجراء تأديبي.
السبب المباشر - إحراق مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»
من الواضح تماماً أن تعليق "صابرين" عن العمل حدث مباشرةً بعد أن أقدمت عناصر من "المقاومة" على إحراق المكتب الرئيسي لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في بغداد بذريعة أن عضواً من الحزب يدعى نايف كوردستاني، أهان آية الله علي السيستاني، الذي يعدّ السلطة الشيعية العليا في العراق. وقد صعّدت جماعات "المقاومة" خطابها بشكل حاد ضد «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وفق ما وثّقته "الأضواء الكاشفة للميليشيات".
ومن ناحية النشاط العام الظاهر على الأقل، كانت "قناة الاتجاه" التلفزيونية التابعة لـ «كتائب حزب الله» هي القناة الرئيسية الأولى التي دعت إلى الاحتجاجات. وفي الساعة 22:47 من يوم 27 آذار/مارس، نشرت "الإتجاه" خبراً عاجلاً على قناتها على تلغرام جاء فيه: "بعد تجاوز نايف كردستاني على المرجع الديني [السيستاني] .. تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في بغداد الآن" (الشكل 1).
ونشرت "صابرين" المنشور الأول عن الاحتجاجات في الساعة 23:06 بتوقيت بغداد، في وقت كانت فيه عناصر "المقاومة" تتجه أساساً إلى مكاتب «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (الشكل 3).
وكان منشور "صابرين" عبارة عن استطلاع يطلب من الناس التصويت على، والإشارة إلى ما إذا كانوا مستعدين للخروج في التظاهرات (الشكل 2)، وشكّل على الأرجح نوع من إشارة للتعبئة. بعد ذلك، نشرت "صابرين" وابلاً من المنشورات لتعبئة أفراد/مناصري "المقاومة".
ولعل الأهم من ذلك، أن "صابرين" زعمت أن "قوتها الخاصة" منعت رجال الإطفاء من الوصول إلى المبنى المحترق من خلال إغلاق الطريق الرئيسية المؤدية إليه (الشكل 3). وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها "صابرين" عن زمرتها الخاصة من البلطجية. ففي الماضي، أظهرت "صابرين" تعاوناً وثيقاً مع جماعات البلطجية الأخرى التابعة لـ "المقاومة" مثل "ربع الله"، ولكنها لم تشِر أبداً إلى أنها قد أنشأت جماعتها الخاصة في "العالم الحقيقي". وعندما حصلت الاعتقالات في موقع الحريق المتعمد، ظهرت مؤشرات على احتمال إلقاء القبض على مديري قناة "صابرين" ومصادرة أجهزتهم الإلكترونية، مما أدى إلى خرق أمني في أنظمة "صابرين".
ومع ذلك، حاولت "المقاومة" بشكل عام أن تنأى بنفسها عن حادثة الحريق المتعمّد، التي وقعت في لحظة غير مؤاتية من مرحلة تشكيل الحكومة العراقية، في وقت سعى فيه السياسيون الموالون لـ "المقاومة" إلى تقديم طلبات جديدة إلى «الحزب الديمقراطي الكردستاني» من أجل الدخول في شراكة معهم. ونظراً إلى دعوة "قناة الاتجاه" إلى الاحتجاج، صرّح "المتحدث الرسمي باسم" «كتائب حزب الله» أبو علي العسكري في 28 آذار/مارس وبكل جرأة على الإنترنت قائلاً: «إحراق مكاتب الحزب أمر غير مقبول بالنسبة لنا، بما في ذلك ما حدث بالأمس» (الشكل 4).
الحافز على المدى الطويل - ميل "صابرين" إلى روسيا
يكمن أحد الأسباب المحتملة الأخرى لإيقاف "صابرين" عن العمل، في تغطيتها الحماسية للحرب في أوكرانيا. وقد أفادت سابقاً "الأضواء الكاشفة للميليشيات" عن تحوّل قناة "صابرين" خلال الربع الأول من عام 2022 إلى أداة (سواء عن قصد أو غير قصد) لعمليات المعلومات الروسية. وبالفعل، تقدّر "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أن يكون المسؤولون الروسيون ومشغّلو "صابرين" قد تعاونوا على الأرجح بشكل نشط ومتعمد. وربما ذهبت هذه الخطوة أبعد مما ينبغي، ليس بالنسبة لبعض قادة "المقاومة" فحسب، بل لرعاتهم الإيرانيين أيضاً.
وفي حين أنه من الصحيح أن الجمهورية الإسلامية و"المقاومة" العراقية وقفتا إلى جانب روسيا في هذه الحرب، إلا أن وسائل الإعلام التابعة لهما لم تتبنَّ في الغالب تمجيد "صابرين" لروسيا وبوتين. وفي الواقع، أعرب قادة الميليشيات في بعض الحالات عن حذرهم بشأن دعم روسيا. على سبيل المثال، أصدر أمين عام «كتائب حزب الله» أحمد محسن الحميداوي (الملقب أبو حسين)، بياناً في 27 شباط/فبراير وصف فيه طرفَي الحرب بأنهما "غير عادليْن" و"متعطشيْن للدماء" وأكّد أن ما يسمى بمحور «المقاومة» "لا ينبغي أن ينحاز" لصالح أي طرف. ويدرك قادة "المقاومة" جيداً أن روسيا عملت مع إسرائيل ضد مقاتليهم في ساحة [العمليات] في سوريا.
غالباً ما أعقب توقفات "صابرين" السابقة عن العمل حدوث تغييرٌ في المحتوى والنشاط - ربما في إشارة إلى اتجاه جديد أو قيادة جديدة أو موظفين جُدد. وليست هذه الحالة مختلفة عن سابقاتها: فقد استأنفت "صابرين" أنشطتها في 8 نيسان/أبريل بتغطية مخففة للغاية للحرب الروسية. وفي حين نشرت القناة مقابلةً على موقع "يوتيوب" مع المنظّر السياسي الروسي المتطرف المرتبط ببوتين، ألكسندر دوغين - وكان قد أُعلن عنها وتسجيلها قبل توقف القناة عن العمل - إلا أن الضجة التي صاحبت هذه المقابلة كانت صامتة.
ما تكشفه هذه الحادثة
لطالما شكلت "صابرين" جائزةً تنافست جماعات "المقاومة" للسيطرة عليها. وقد تغيّرت قيادتها عدة مرات في السنوات الأخيرة وسببّ ذلك ضغوطاً وارتياباً وانشقاقات قابلة للاستغلال داخل قيادة الجماعة. وبنفس القدر من الأهمية، فإن هذه الحادثة هي دليلٌ إضافي على أن "صابرين" تخدم رغبات الآخرين. وبينما تفتخر قناة "صابرين" بالمكانة التي بنتها لنفسها كمنصة إعلامية رئيسية لـ "المقاومة"، فإنها تبقى خاضعة لسلطة أعلى تتمتع بصلاحية إغلاقها بشكل تام. وقد تشمل آلية هذا الإغلاق مصادرة أجهزة "صابرين" و/أو كلمات المرور لحساباتها، أو فرض عليها عقوبات فعلية على أرض الواقع (مثل سحب التمويل أو الاعتقالات)، أو التهديد بذلك. وهذا دليل قوي على وجود توجيه وتحكم وتمويل مركزي من قبل قيادات مشتركة بين جماعات "المقاومة" أو من الجهات الإيرانية الراعية لها.