- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2991
تعليقات بوتين حول الجولان: تداعياتها على الأمن الإسرائيلي
في خضم الجدل الذي دار في قمة هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة وروسيا في هلسنكي، ضاعت إشارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى اتفاقية فض الاشتباك [أو فصل القوات] بين سوريا وإسرائيل التي تم توقيعها في أيار/مايو ١٩٧٤، حيث صرّح قائلاً: "يجب أن يمتثل جنوب سوريا امتثالاً تاماً لمعاهدة فصل القوات [بين] إسرائيل وسوريا من عام ١٩٧٤"، مضيفاً أن "ذلك سيحقق السلام في مرتفعات الجولان ويبني علاقةً أكثر سلميةً بين سوريا وإسرائيل"، مع ضمان "أمن دولة إسرائيل". وفي اليوم السابق، ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع وزاري، "سنواصل الدفاع عن حدودنا. وسوف نمد يد المساعدة الانسانية وفقاً لإمكانياتنا. ولن نسمح بالدخول إلى أراضينا، كما سنطالب بالتقيّد بشكل صارم باتفاقية فصل القوات مع الجيش السوري التي تم توقيعها عام ١٩٧٤".
وللوهلة الأولى، تشير هذه التعليقات إلى أن روسيا تدرك المخاوف الإسرائيلية من جهود نظام الأسد لاستعادة جنوب سوريا، وأن موسكو ستساعد في ضمان عدم تهديد الحملة لأمن إسرائيل. غير أن التداعيات طويلة المدى المترتبة على مشاركة موسكو بشكل وثيق في التوسط في الوضع [لا تزال] غير واضحة - بما في ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الشريك الأصلي لإسرائيل في إرساء وقف إطلاق النار في الجولان.
اتفاقية فصل القوات لعام 1974
طوال أربعة عقود، خضعت العلاقات السورية - الإسرائيلية في الجولان لـ "اتفاقية فصل القوات" لعام ١٩٧٤، التي سهّلت وقف إطلاق النار المفتوح بعد حرب عام ١٩٧٣، وخفضت القوات على جانبي خط فض الاشتباك. واستندت هذه الاتفاقية إلى التزام سوريا غير المكتوب وغير المعلن بمنع تسلل الإرهابيين عبر الجولان؛ وقد التزمت بها دمشق إلى حد كبير في العقود اللاحقة.
واليوم، ما زال نحو ٥١٠ كيلومترات مربعة من الجولان على الجانب السوري من خط وقف إطلاق النار، حيث تشرف "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ("أندوف") على منطقة عازلة يبلغ طولها ثمانين كيلومتراً تمتد من لبنان إلى الأردن. فبعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، اشتبك تنظيم «جبهة النصرة»، وهو الفرع السوري [الذي كان مرتبطاً] بتنظيم «القاعدة» سابقاً، مراراً وتكراراً مع قوات "الأندوف"، حيث اختطف بضع عشرات من جنودها في عام ٢٠١٣ ومن ثم أطلق سراحهم. وعلى الرغم من هذه الهجمات، لا يزال هناك ما يقدَّر بنحو ١١٠٠ مراقب من قوات الأندوف في الجولان، إلاّ أن مقرّهم أصبح الآن على الجانب الإسرائيلي من خط فصل القوات.
تجدر الإشارة إلى أن الجزء السوري من الجولان يضم سبعة عشر قرية وأكثر من ٢٠٠ ألف نسمة. وتواصل إسرائيل تقديم المساعدات الإنسانية في هذه المنطقة، وإرسال الأدوية والطعام إلى أبناء هذه القرى سعياً لضمان نواياهم الحسنة.
ضمانات نتنياهو من بوتين
كانت إعادة تأكيد اتفاقية عام ١٩٧٤ أحد الأهداف الرئيسية لنتنياهو عندما زار بوتين في موسكو الأسبوع الماضي. ولفهم السبب، علينا أن ننظر إلى الاتفاقية التي دامت عقوداً في سياق التطورات الحالية في سوريا.
منذ أن تدخلت روسيا للمرة الأولى في الحرب عام ٢٠١٥، قام نتنياهو بتسع زيارات [لروسيا اجتمع خلالها] ببوتين من أجل التوصل إلى تفاهمات حول سوريا، لا سيّما فيما يتعلق بدور إيران هناك. والآن وقد حقق بوتين هدفه في تعزيز سلطة بشار الأسد في دمشق، يرى المسؤولون الإسرائيليون أن هناك تباعداً أكبر بين موسكو وطهران. إذ لم تستخدم القوات الروسية صواريخها من طراز "إس-٤٠٠" لاعتراض الضربات الجوية العديدة التي تشنها إسرائيل ضد أفراد الجيش الإيراني ووكلائه داخل سوريا. ففي الواقع، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن موسكو تنظر إلى إيران كمنافس على النفوذ في سوريا، ولا تشعر بالضرورة بالاستياء إزاء هذه الهجمات - حتى لو لم تعمل على تقييد إيران نفسها.
ومن الواضح أن روسيا فخورة بأنها تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أنها لا تريد أن تقع في حِيْصَ بِيْصَ في حال حدوث تصعيد واسع النطاق بين العدوّين، إلّا أنها ستواصل لعبها على الجانبين في سوريا بقدر ما تستطيع. ولذلك، لا تبدو شريكاً موثوقاً يمكن لأي من البلدين الاعتماد عليه.
حسابات إسرائيل الثابتة في سوريا
طوال سبع سنوات حتى الآن، أبقى نتنياهو "قوات جيش الدفاع الإسرائيلي" خارج الحرب السورية، باعتقاده أنه لا تتوفر وسيلة تضمن نتيجة سياسية مواتية للمصالح الإسرائيلية - وهو درس تعلمته المؤسسة الدفاعية للبلاد من حرب لبنان عام ١٩٨٢. وعلى هذا النحو، حصر "جيش الدفاع الإسرائيلي" دوره في نطاق أكثر محدوديةً، وهو الرد عندما تُطلق القذائف الطائشة عبر الحدود، واعتراض محاولات «حزب الله» نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان. ووفقاً للبيانات العامة الصادرة عن مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، أدى هذا النهج إلى شن نحو ١٠٠ ضربة داخل سوريا من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٧.
إن سياسة إسرائيل المتمثلة في توجيه ضربات مستهدفة مع البقاء خارج الحرب نفسها لم تتغير حتى بعد تدخل موسكو. ومع ذلك، كان الأثر المباشر للمشاركة الروسية هو ضمان إعادة فرض سيطرة نظام الأسد. وبعد ذلك، قررت إسرائيل التعامل مع تداعيات هذه النتيجة، التي بدت وكأنها أمر واقع نظراً إلى تردد واشنطن المستمر في توسيع مهمتها الخاصة في سوريا فيما يتخطى هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».
والأهم من ذلك، قدّرت إسرائيل أن إيران كانت تستخدم الحرب كذريعة لتوطيد بنيتها التحتية العسكرية في سوريا إلى درجة لم يسبق لها مثيل. كما أن استيلاء «حزب الله» الثابت على لبنان، بجمعه ترسانةً تتألف من ١٠٠ ألف صاروخ على مر السنين، هو بمثابة تذكير تحذيري بأن إسرائيل لا يمكنها أن تدع سوريا بأن تسمح لإيران أو لوكلائها بأن يَجْمعوا بنيةً تحتيةً عسكريةً مماثلة. وفي هذا الإطار، أوضحت إدارة ترامب أنها لن تواجه إيران عسكرياً في سوريا، لكنها ستدعم إسرائيل إذا واجهت هذه الأخيرة إيران هناك. لذلك استنتج "جيش الدفاع الإسرائيلي" أنه يجب عليه التخلي عن ممارسته السابقة المتمثلة في تجنب الصدام المباشر مع الإيرانيين من أجل القضاء على وجودهم في سوريا في المهد، وإن كان في ذلك خطر التصعيد. وقد وصلت هذه الديناميكية إلى ذروتها في ١٠ أيار/مايو، عندما ضرب "جيش الدفاع الإسرائيلي" ستين موقعاً عسكرياً إيرانياً في جميع أنحاء سوريا بعد إطلاق عدد قليل من الصواريخ الإيرانية على الجولان.
وعلى الرغم من تركيزها على الدور الإيراني، ما زالت إسرائيل تراقب الهجوم الأخير الذي شنه الأسد. فبعد إحكام قبضته إلى حد كبير على مناطق رئيسية أخرى، يبدو أنه مصمم على إعادة نشر قواته في الجنوب. ومن وجهة نظر إسرائيل، يفهم الأسد أن جيشه لا يضاهي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، لذلك ليست هناك حاجة لمنعه من استعادة السيطرة على الجنوب - طالما أن عملية إعادة الاستيلاء هذه لا تتضمن أعداداً كبيرة من عناصر الميليشيا الإيرانية أو «حزب الله» أو ميليشيات شيعية أخرى. وتشير التقارير الإخبارية الإسرائيلية حول الاجتماع الذي عُقد بين بوتين ونتنياهو الأسبوع الماضي إلى أن موسكو لن تعترض على الضربات التي يوجهها "جيش الدفاع الإسرائيلي" ضد القوات الإيرانية أو القوات الوكيلة لها في الجنوب. وفي المقابل، تتوقع من إسرائيل أن لا تمس قوات الأسد إطلاقاً.
ومع ذلك، يشير النقاد إلى أنه لا يمكن فصل القوات السورية عن القوات الإيرانية بشكلٍ واضح. فحتى قبل نشر قوات الأسد في الجنوب، يقول المسؤولون الإسرائيليون في الجولان إن مئات السوريين قرب الحدود تقاضوا رواتب من «حزب الله» للعمل كمراقبين نيابةً عنه. وفي الوقت نفسه، شكك البعض في فعالية [اتفاق] وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا الذي أعلنته الولايات المتحدة وروسيا والأردن في تموز/يوليو ٢٠١٧، على افتراض أنه لم يُبقِ إيران و«حزب الله» خارج المنطقة.
ما هي أهمية ذكر قرار مجلس الأمن رقم ٣٣٨؟
من المثير للاهتمام أن تعليقات بوتين في هلسنكي شملت إشارة موجزة إلى قرار مجلس الأمن رقم ٣٣٨، وهي وثيقة يتم التذرع بها عادةً لإحياء المقترحات السابقة المتمثلة بـ "الأرض مقابل السلام" وإعادة التأكيد على المبادئ المنصوص عليها في القرار رقم ٢٤٢ بعد حرب عام ١٩٦٧ بين العرب وإسرائيل. وقد يكون لهذه الإشارة تفسيرات كثيرة، على الرغم من أن أهميتها القصوى غير مؤكدة.
ومن بين هذه التفسيرات أن بوتين يعتقد أنه يجب متابعة تنفيذ اتفاقية فصل القوات لعام ١٩٧٤ بمحادثات سلام بين إسرائيل وسوريا حول الجولان، ولكن هذا يبدو غير ممكن بالنظر إلى وضع الأسد كشخصية منبوذة على المستوى الدولي. أما الاحتمال البديل، وربما الأكثر ترجيحاً، فهو أن بوتين ذكر القرار رقم ٣٣٨ لأنه تم تبنّيه بعد الرحلة الطارئة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر إلى موسكو خلال حرب عام ١٩٧٣، وهي الزيارة التي أفضت في النهاية إلى [اتفاق] وقف إطلاق النار. فربما كان بوتين يذكّر العالم بأن موسكو كانت سابقاً طرفاً فاعلاً رئيسياً في تقليص التوترات في الشرق الأوسط، وأنها تنوي احتلال الصدارة من جديد.
وأياً كان الحال، فقد فضّل نتنياهو بشكل واضح تركيز بوتين على الاتفاقية من عام ١٩٧٤ [خلال المحادثات] في هلسنكي. وبقيامه بذلك، عرض دليل آخر على أن إسرائيل قد سلّمت بأن تؤدي روسيا دور الحكم الرئيسي للأحداث في جنوب سوريا، وأن القدس ستحاول أن تحقق أفضل ما يمكن من هذا الواقع بالتركيز على هدفها الرئيسي، وهو إبقاء إيران خارج سوريا. إلا أن التركيز على إيران قد حجب المسائل الأطول أجلاً حول كيفية تأثير الوجود الروسي نفسه على المصالح الإسرائيلية والأمريكية الأوسع نطاقاً.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.