
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تمكين العراق من الاستغناء عن الطاقة الإيرانية
Also published in "ريل كلير إنرجي"

من خلال السماح بانتهاء صلاحية الإعفاءات السابقة، يمكن للولايات المتحدة مساعدة بغداد على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على موردين آخرين، مما يُمكّنها من تحقيق الاستقرار للمرة الأولى.
من المقرر أن تنتهي صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأمريكية التي منحتها إدارة بايدن والمتعلقة بتصدير الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق في 7 آذار/مارس 2025، بعد مرور 120 يومًا على سريانها. وكانت إدارة ترامب قد أشارت صراحةً إلى عزمها على عدم توقيع الإعفاءات مرة أخرى وفق ما ورد في المذكرة الرئاسية للأمن القومي رقم (NSPM-2) الصادرة في 4 شباط/فبراير 2025، التي تستهدف إعادة فرض أقصى درجات الضغط. في ضوء ذلك، ينبغي على واشنطن السماح بانتهاء هذه الإعفاءات، إذ أن العراق أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، لاسيما مع استمرار إيران في قطع إمداداتها عن العراق بشكل متكرر بسبب أزماتها الداخلية. بناءً على ما سبق، يتعين على الولايات المتحدة دعم العراق في تعزيز اعتماده على ذاته، لتأمين تحقيق الاكتفاء في قطاع الطاقة للمرة الأولى في صيف 2025.
إعفاءات أمريكية من العقوبات على صادرات الطاقة الإيرانية إلى العراق.
في عام 2011، نص "قانون إقرار الدفاع الوطني"، وهو قانون يحدد ميزانية الدفاع الأمريكية، على فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، لكنه منح "استثناءات" (إعفاءات) للدول التي خفضت مشترياتها من النفط الخام الإيراني بشكل كبير أو في الحالات التي اقتضت فيها مصلحة الأمن القومي الأمريكي ذلك.
وعلى الرغم من أن العراق يُعدّ قوة رئيسية في قطاع الطاقة، فإنه يفتقر إلى الاكتفاء الذاتي في مجالي الغاز والكهرباء، مما يجعله يعتمد على إيران لتعويض جزء من هذا النقص. وقد مُنحت بغداد هذا الإعفاء لأكثر من عقد من الزمن، بما في ذلك خلال إدارة ترامب الأولى. وكان العراق قد تعرض لخطر توقف واردات الكهرباء الإيرانية (حوالي 1.2 جيجاواط) وواردات الغاز، التي أتاحت توليد 8.8 جيجاواط إضافية من الطاقة في المولدات العراقية. وحينما أصدرت إدارة ترامب الأولى إعفاءات من العقوبات على مضض، حتى خلال حملة "الضغط الأقصى"، وكانت هذه الكمية البالغة 10 جيجاواط تشكل 40% من الطاقة القصوى التي يمكن أن يولدها العراق.
إمدادات إيرانية غير مؤكدة وزيادة اعتماد العراق على ذاته
يمكن القول إن الصورة اليوم باتت مختلفة، فالعراق يهدف إلى إنتاج 28 جيجاواط من الطاقة خلال موسم ذروة الطلب في صيف 2025، وهو ما سيظل يلبي فقط 60-75% من إجمالي ذروة الطلب. غير أن مساهمة إيران لم تعد تمثل النسبة الضخمة التي كانت تبلغ 40% من إنتاج الطاقة العراقي. فمن أصل 10 جيجاواط التي اعتادت إيران توفيرها، انخفضت الكمية مؤخرًا إلى 1.5 جيجاواط فقط، حيث قررت إيران إيقاف ثلثي صادرات الكهرباء إلى العراق و85% من الغاز الذي التزمت بتوفيره في شتاء 2024-2025. ومن المرجح أن تقطع إيران إمدادات الطاقة إلى العراق مرة أخرى في صيف 2025.
يُظهر تعليق إيران الأحادي لإمدادات الطاقة والغاز في عام 2024 مدى قدرة العراق على تعويض معظم هذه الإمدادات اليوم بسهولة نسبية. فخلال الشتاء الماضي، خسر العراق 5.2 جيجاواط فقط من الطاقة بسبب عدم اتخاذه الاستعدادات الكافية لاستبدال الإمدادات الإيرانية، رغم توفر بدائل مثل النفط الخام وزيت الوقود وزيت الديزل الخفيف. وبالرغم من غياب التحضير المسبق، تمكن العراق من تعويض 3.3 جيجاواط بشكل فوري عبر تحويل أجزاء من ثلاث محطات إلى الوقود السائل المحلي.
إذا كان العراق مستعداً لمثل هذا التحول في الصيف القادم، فإن ما يصل إلى 8.1 جيجاواط من أصل 8.8 جيجاواط من توليد الطاقة المعتمد على الوقود الإيراني يمكن تحويله إلى المواد الأولية السائلة، والتي يتوفر معظمها في المخزون العراقي نفسه. بيد أن أحد العوائق أمام استخدام زيت الوقود لتوليد الطاقة يكمن في استحواذ جماعات عراقية مدعومة من إيران – والمصنفة كمنظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة – على هذا الوقود لاستغلاله في عمليات تهريب النفط إلى الأسواق الدولية، كما هو مُوثق في تقارير متعددة.
خيارات أمام صانعي السياسة الأمريكية
إن طمس شبكة التهديدات الإيرانية – "حماس" و"حزب الله" ونظام الأسد- بالإضافة إلى الدفاعات الجوية الإيرانية، يعني أن هناك فرصة أخيرًا لتخفيف قبضة إيران على العراق – ولكن فقط إذا تم الحفاظ على الزخم. وفي الوقت الراهن، ينتظر القادة العراقيون إشارة، غير أن إدارة ترامب لديها سياسة مغايرة وأقوى في العراق مقارنة بفريق بايدن. وتتمحور العديد من القضايا المهمة حول موقف الميليشيات المدعومة من إيران التي تدير العراق: هل يتعين عليها أن تفرج عن الرهائن الذين يحاول فريق ترامب تحريرهم، وهل ينبغي عليها أن تحترم العقود الموقعة مع المستثمرين الأمريكيين في كردستان العراق، وهل يجدر بالعراق أن يستورد الغاز الطبيعي الأمريكي بدلاً من الغاز الإيراني، وهل يتوجب على العراق أن يرفع مذكرة الاعتقال بحق الرئيس ترامب نفسه بسبب أمره بقتل قادة إرهابيين على الأراضي العراقية؟
تنص مذكرة إدارة ترامب الرئاسية للأمن القومي رقم (NSPM-2) صراحةً على أن يجب على "وزير الخارجية تعديل أو إلغاء الإعفاءات من العقوبات، لا سيما تلك التي تمنح إيران أي درجة من الإعفاء الاقتصادي أو المالي". وسواء نفّذ فريق ترامب هذه السياسة أو تعثر عند العقبة الأولى، تبقى هذه القضية محور النقاش حاليًا.
لم يكن هناك وقت أكثر منطقية من أي وقت مضى لدفع العراق إلى خط النهاية للتحرر من التبعية لإيران في مجال الطاقة. فإذا ما تحول العراق إلى استخدام الوقود السائل لعدة أشهر، فإن الاعتماد على إيران في فصل الصيف يمكن أن ينخفض إلى أقل من 4% (وليس 40%) من ذروة توليد الطاقة. وهذا الأمر من شأنه أن يحد من تأثير نقص الإمدادات الإيرانية على العراق، عبر زيادة الاعتماد على مواده الخام.
إن التهديد بالحرمان من الإعفاءات (ونقص الإمدادات الإيرانية) يحفز العراق، للمرة الأولى، على التحرك بسرعة لاستبدال الطاقة الإيرانية وتعجيل خطط استيراد الكهرباء من المملكة العربية السعودية، وجلب بوارج توليد الكهرباء المعيارية وسفن استيراد الغاز الطبيعي المسال إلى الساحل العراقي. وينبغي تشجيع هذا الاتجاه ودعمه بشكل أكبر، وذلك لمصلحة العراق بقدر ما هو لمصلحة الأمن القومي الأمريكي. إن انتهاء الإعفاءات من العقوبات في 7 آذار/مارس يمكن أن يشكل بداية تحرير العراق من قبضة إيران، حيث ينبغي أن يترافق ذلك مع زيادة في المواد الإعلامية الموجهة الى الجمهور العراقي التي توضح عدم موثوقية إمدادات الطاقة الإيرانية وتكلفتها المرتفعة والحاجة الملحة إلى تقليص الاعتماد على إيران في نهاية المطاف.
الدكتور مايكل نايتس هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "جيل وجاي برنشتاين" في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي وهو أحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وقد شارك في تأليف دراسة المعهد لعام 2020 "التكريم من دون الاحتواء: مستقبل «الحشد الشعبي» في العراق".