- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3628
تموز/يوليو قد يحمل "مفاجأة" إيرانية خلال زيارة بايدن إلى الخليج
قد ترى طهران في حضور الرئيس الأمريكي جو بايدن لقمة دول "«مجلس التعاون الخليجي» + 3" (GCC+3) فرصة مغرية لإفشال إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، ربما من خلال استخدام الاستفزازات الإلكترونية أو العسكرية لإذلال المضيفين وإثبات عجز أمريكا عن حمايتهم.
هناك عدة أسباب قد تدفع إيران إلى محاولة عرقلة الرحلة الوشيكة الأولى التي سيقوم بها جو بايدن إلى الشرق الأوسط كرئيس للولايات المتحدة وتحويل الأنظار عنها. فعندما قام الرئيس السابق دونالد ترامب بأول رحلة خارجية له إلى السعودية في أيار/مايو 2017 لحضور قمة مشتركة بين دول «مجلس التعاون الخليجي» و"منظمة التعاون الإسلامي"، وجهت جماعة الحوثيين المتمردة المدعومة من إيران في اليمن ضربة صاروخية على الرياض قبل ساعات قليلة من وصوله. ورداً على ذلك، اقترح ترامب اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» - وهي الفكرة التي نفذها في النهاية بعد ثلاث سنوات. (ويمكن القول أن الولايات المتحدة حاولت أيضاً قتل عبد الرضا شهلاي - قائد «فيلق القدس» في اليمن - في اليوم نفسه الذي استُهدف فيه سليماني.) وفي 15 و16 تموز/يوليو، سيحضر الرئيس بايدن حدثاً مماثلاً في جدة: قمة تجمع دول «مجلس التعاون الخليجي» الست بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن. فهل ستحاول إيران أو أحد وكلائها تعطيل انعقاد القمة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
اتجاهات واعتبارات متضاربة
على مدى الأشهر الستة الماضية، بدا أن إيران قد خففت تدريجياً، وإن بشكل متفاوت، نشاط وكلائها ضد الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا. وبينما تواصل طهران تطوير برنامجها النووي، وترسيخ وجودها العسكري في سوريا، ودعم مشروع الصواريخ الدقيقة الخاص بـ «حزب الله» اللبناني - وفي وقت لا يكفّ فيه وكلاؤها العراقيون عن توجيه ضربات إلى القوات التركية وبنية النفط التحتية الكردية - تراجعت وتيرة الهجمات الإجمالية التي ينفذها وكلاؤها ضد مصالح أمريكية في العراق وسوريا بنحو 80 في المائة عن مستويات الذروة التي وصلت إليها بين كانون الأول/ديسمبر 2021 وكانون الثاني/يناير 2022، عندما كثفت الميليشيات الموالية لإيران هجماتها بعد أن هددت بطرد القوات الأمريكية من العراق إذا لم تنسحب بحلول نهاية عام 2021. وباستثناء ازدياد عدد الهجمات الصاروخية والهجمات بالطائرات المسيّرة في نيسان/أبريل وأيار/مايو، استُخدمت العبوات الناسفة في معظم الهجمات التي تمّ تبنيها في العراق على مدى الأشهر الستة الماضية ضد قوافل التحالف اللوجستية التي يشغّلها مقاولون محليون - في أعمال مقاومة ذات طابع إنجازي لا تشكل خطورة تذكر على الأفراد الأمريكيين. واستمرت الهجمات الصاروخية ضد الأفراد الأمريكيين في سوريا (حوالي مرة واحدة شهرياً) خلال معظم هذه الفترة على مستويات منخفضة.
وبالتالي، يبدو أن أنشطة إيران ووكلائها تشهد مداً وجزراً بسبب عوامل مختلفة ومبهمة في معظم الأحيان، ويُعزى التراجع الذي تشهده حالياً أيضاً إلى عدة أسباب محتملة تشمل:
- الحدّ من الاحتكاك مع واشنطن وسط إطالة المحادثات النووية والمضي قدماً بتطوير برنامجها النووي. فقد يمنحها ذلك ميزة إضافية على الولايات المتحدة مع اكتسابها المزيد من الخبرات، سواء قبل العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو كمقدمة لتجاوز العتبة النووية ببطء.
- ترميم صورتها في العراق، حيث تصاعدت ردود الفعل العنيفة المعادية لإيران بعد أن لعب شركاؤها من الميليشيات دوراً أساسياً في قمع تظاهرات "حركة تشرين" في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وقد عكست نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 هذا السخط ورد الفعل العنيف بشكل واضح بعد النتائج السيئة التي سجلتها الأحزاب الموالية لإيران.
- تجنب الإفراط في استخدام القوة العسكرية في وقت تكثف فيه إيران من جهودها للانتقام من إسرائيل على خلفية تصعيد هذه الأخيرة لحملتها السرية التي استهدفت برنامج إيران النووي، و «فيلق القدس»، والبنية التحتية الصناعية داخل إيران. وشملت هذه الجهود في الآونة الأخيرة سلسة من الضربات (الناجحة) استهدفت عمليات الشحن الإسرائيلي في منطقة الخليج ومخططاً (فاشلاً) لاغتيال إسرائيليين في تركيا.
- مراعاة التحذيرات الأمريكية (بشكل مؤقت) التي أعقبت كل ارتفاع في وتيرة الهجمات - وهي تحذيرات ربما تم تعزيزها من خلال العديد من الأنشطة التي لم تعترف بها إيران - في انتظار تجدد محاولات طهران لاختبار عتبات المخاطر الأمريكية ورد الولايات المتحدة على ذلك.
وبالفعل، تبقى العودة إلى مستويات أعلى من الهجمات على المصالح الأمريكية قائمة بلا شك. وفي الحالة الحالية، من المرجح أن تعتبر إيران قمة دول "«مجلس التعاون الخليجي» + 3" التي تجري على مقربة منها استفزازاً لها وفرصة مغرية لمنع احتمال تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج. وقد يعود حدوث هجوم خلال القمة بفوائد عديدة لطهران أبرزها إذلال المسؤولين الأمريكيين ومضيفيهم السعوديين، وإثبات أن واشنطن عاجزة عن حماية أصدقائها حتى أثناء زيارة الرئيس الأمريكي لهذه الدول، مما يقوض الجهود المبذولة لإنشاء بنية أمنية إقليمية جديدة، والدفع بالسعودية والإمارات على إعادة التفكير في الموافقة على طلبات الولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط، مع التشديد على أن إيران هي الحَكًم النهائي في أمن الطاقة في الخليج (وبالتالي في العالم)، وتحقيق انتصار أصبحت إيران بحاجة ماسة إليه بعد عدة انتكاسات منيت بها مؤخراً خلال التصدي لحملة إسرائيل السرية لإذلالها وإلحاق الضرر بها.
وإذا تصرفت إيران بشكل مباشر، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها بذلك أثناء زيارة زعيم أجنبي للمنطقة. ففي حزيران/يونيو 2019، شنّت القوات البحرية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني هجوماً بألغام ملتصقة على ناقلة يابانية في خليج عُمان، بينما كان رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي يزور طهران في محاولة فاشلة لتخفيف التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
ما الذي يمكن أن تفعله طهران؟
تملك إيران معدات عسكرية كبيرة ومتنوعة وكوّنت بيئة مليئة بالأهداف يمكنها الاختيار من بينها. وفي حين تمّ تعزيز الدفاعات السعودية منذ الهجوم على منشآت "أرامكو" في أيلول/سبتمبر 2019، إلا أن الكثير من الثغرات لا تزال قائمة. فالقيادة الإيرانية تميل إلى العمل وفق قواعد لعبة مبتذلة، مستخدِمةً قائمة محدودة من العمليات ومكررةً أي عملية حققت نتيجة جيدة (أو حتى لم ينجح بشكل جيد) في الماضي. وبالتالي، من المحتمل بالتأكيد أن تشن هجوماً رمزياً بإطلاقها صاروخ على منطقة غير مأهولة عشية انعقاد القمة، أو قد تعتبر طهران أن هجوماً إلكترونياً مدمراً على بنية تحتية للنفط في إحدى دول الخليج وسيلة أقل استفزازاً لكنها لا تزال فعالة لتحقيق أهدافها.
ولكن طهران تفضل عموماً أيضاً الربط بين التحديات المتصورة وكيفية ردها عليها. وبالتالي، نظراً للجهود الأمريكية الأخيرة لدعم إقامة منظومات دفاعية جوية وصاروخية وبنى تحتية أمنية بحرية في المنطقة لمواجهة إيران، ولزيادة إمدادات النفط الخليجية على أمل خفض الأسعار محلياً، فقد تُقرر طهران شن هجوم على ناقلات النفط أو البنية التحتية للنفط سواء في البحر أو على اليابسة - وهي الأهداف التي اختارتها إيران خلال السنوات الأخيرة. فتحييد ناقلات النفط عن مسارها، وشن هجمات بألغام ملتصقة على مثل هذه السفن، أو شنّ هجمات غير فتاكة بل مدمرة بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة على البنية التحتية للنفط، سيمكّن إيران من إثبات ضعف المنظومات الدفاعية في المنطقة وهشاشة إمدادات النفط العالمية.
مَن الذي قد يقوم بذلك؟
يبدو أن وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في اليمن يمنع الحوثيين من المشاركة في تنفيذ أي عمل تخريبي مرتبط بالقمة. فالحوثيون لم يشنوا هجوماً عبر الحدود نحو السعودية منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 2 نيسان/أبريل.
لكن إيران تملك قاعدة راسخة من الوكلاء العراقيين الذين يمكنها الاستعانة بهم، وقد شنّ بعضهم هجمات على أهداف نفطية سعودية في الماضي، على غرار استهداف «كتائب حزب الله» لخط أنابيب "شرق-غرب" بطائرة مسيرة في أيار/مايو 2019. ويمكن لإيران أيضاً تنفيذ ضربات باستخدام طائرات بدون طيار أو صواريخ كروز بنفسها كما فعلت في أيلول/سبتمبر 2019، من خلال منصات إطلاق في العراق (كما فعلت في الماضي) أو في البحر أثناء استخدامها مسارات تحليق ملتوية لتمويه مصدر إطلاق الضربات. وبالفعل، شنّت إيران عدداً متزايداً من الهجمات الأحادية العابرة للحدود بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ. وقد يساهم بروز قائد القوات الجوية في «الحرس الثوري» الإيراني اللواء أمير علي حاجي زاده خلال السنوات التي تلت مقتل سليماني في تعزيز هذا الاتجاه.
التداعيات السياسية
على واشنطن أن تكون مستعدة لاحتمال أن تحاول إيران أو أي من وكلائها تشتيت الانتباه عن زيارة الرئيس بايدن، كما حصل في عام 2017. وبغية القيام بذلك، على الولايات المتحدة:
- تحذير طهران بصورة غير علنية من العواقب المؤكدة والباهظة الثمن التي ستترتب عليها في حالة إنخراطها في عمل عسكري قبل انعقاد القمة أو خلالها أو بعدها.
- زيادة مراقبة الأصول الإيرانية في الخليج والدول المجاورة، لأن معرفة إيران بأنها تحت المراقبة كان كفيلاً بردعها في بعض الأحيان.
- الرد بسرعة وحزم على أي عمل إيراني، لئلا يقوض التقاعس مصداقية الولايات المتحدة ومزاعمها بالقيادة. وهذه هي الطريقة الأفضل أيضاً لضمان أن تأتي أي خطوة تُقدم عليها إيران بنتائج عكسية.
أخيراً، على واشنطن تذكير طهران بهدوء بأن محاولتها الأخيرة لعرقلة القمة بين الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي» أسفرت عن سلسلة أحداث لم تُحمد عقباها في النهاية بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وخلّفت عواقب طويلة الأمد لم تتعاف منها بعد.
مايكل آيزنشتات هو "زميل كان" ومدير "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن.